|
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)
|
فالسّلام ليس نقاشًا أكاديميًا فحسب، تتزيّن به أروقة السّاسة والمثقَّفين، ولكنّه موضوع يلامس الحقَّ الإنساني في العيش والوجود والاختيار والإرادة. وما الإسلام في أبعاده إلاّ أحد تجليات هذا الواقع، حيث حصر القرآن الكريم الإنسان بين فئتين، إمّا مسلمين أو مجرمين، حينما قال: "أَفنجعلُ المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون"[4]، ليجعل بذلك الحدّ الفاصل بين بني الإنسان، هو هذا الفارق بين الإسلام والإجرام. وما الإسلام إلاّ ذلك البعد الذي يعطي الانطباع بالسّلام، كما جاء في بعض الرّوايات: "المسلم من سلم النّاس من لسانه ويده" تتجلّى أهمّية هذا الموضوع في كونه قضية وجودية يرتبط بها الوجود الإنساني ذاته، يتوقّف عليها بقاؤه واستمرار حياته. فلا يمكن أنْ نتحدَّث عن تواصل ثقافي وحضاري، ولا عن أفق إنساني ينعم فيه هذا الأخير بالكرامة والحرية والعدالة والأمن الاجتماعي، إلاّ في ظلّ ثقافة يكون السّلم ركيزتها الأساس؛ فالنّاظر في هرَم ماسلو Maslou للاحتياجات الإنسانية، يرى بأنَّ الأمن جانب من الجوانب في هذه الاحتياجات[8]، وليس مجرّد قضية هامشية يمكن التّلاعب بها أو الاستغناء عنها؛ فالذّي يميز رؤية الدِّين للأمن الاجتماعي، هو أنّه خالف تلك الرؤى الاختزالية للأمن الاجتماعي التي اقتصرت على العوامل المادية، مثل الفلسفات الوضعية والمادية والنّفعية. فكانت بذلك رؤية جامعة لمقوِّمات الأمن الاجتماعي الدّيني منها، والفكري والمادي والإنساني، كعوامل مستقلّة ومتفاعلة لتحقيق ضرورات العمران والأمن الاجتماعي.[9] يرتبط أيضا موضوع السّلام والأمن بمنظومة التّنمية البشرية المستدامة، إذ لا يمكنُ الحديث عن أيّة تنمية دون إدراج هذا العنصر الأساس؛ فهي تحتاج كما هو متعارف عليه إلى مناخ من الاستقرار والأمن، من أجل تعبئة الموارد لتحقيق الهدف المنشود. فمن هذا المنطلق، كانت جهود الأمم المتّحدة تنصبُّ حول حفظ السّلام العالمي، وضمان جوٍّ ملائم يحقّق بالحدّ الأدنى ما تصبو إليه المجتمعات في مسيراتها التّنموية؛ فتحقيق هذا المبتغى، ظلّ رهين مجموعة من الاعتبارات، لعلّ أهمّها صيانة الحريات الثّقافية، بما في ذلك الحرية الدّينية. فأيُّ تصوّر يريد قمع الحريات، وقوْلبة الإنسان في قالب واحد دون احترام مكوِّنات هويّته، يكون مآله الفشل في تحقيق نهضة الأمم؛ فالتّنمية البشرية إلى جانب تحقيق الشّروط الأساسية لإنسانية الإنسان، تعترف بحرية النّاس وحقِّهم في الانتماء الديني، وتضع حدًّا لكثير من الاضطرابات السّياسية التي يكون فيها الجانب الثّقافي والديني عاملاً سلبياً، يعرقل عملية التنمية البشرية.[10]
|
|
|
|
|
|
|
|
|