الشيوعي السوداني: حزب سياسي أم نادي ثقافي أدبي!

Quote: عالم من المعلومات الناقصة … ايهاب إدريس حقيقة صارخة ... يعرفها الجميع .. و يستحيل الجدل فيها ... و رغم ذلك فاننا نتجاهلها علي نحو مدهش حقا حينما نبدأ في تكوين أرائنا عن هذا العالم الذي نعيش فيه .. و بلا تبرير من أي نوع! و تلك الحقيقة هي: ان معرفتنا ناقصة و ستظل كذلك أبدا ... أيا كان مقدار ما تعرفه ... و أيا كانت طبيعة القضية التي تهتم بها ... فانك لا تملك سوي جزء صغير من المعلومات الضرورية لإصدار حكم صائب في أي قضية تعرض لك ... و سواء كانت تلك القضية نظرية أم عملية ... ########ة أم جليلة القدر ... فان المستحيل بعينة هو أن "تعرف كل ما يتوجب معرفته" عن هذه القضية ... و تلك لعنة لا يمكن الهرب منها عبر المزيد من القراءة أو البحث أو حتي عبر تكريس حياة كاملة لقضية واحدة فقط ... انها قيد مطلق علي القدرة المعرفية للنوع البشري ... و لنتناول أتفه قضية يمكننا التفكير فيها ... و لتكن مثلا تراجع مستوي أتلتيكو مدريد في الدوري الاسباني ... و تلك قضية نميل للتخلص منها .. بعد ثلاثين ثانية من التفكير و نحن مسترخين علي مقاعدنا ... عبر القول مثلا بأن الفريق لا يملك الخبرة و لا دكة البدلاء اللازمة للصمود لوقت طويل مع الكبار ... ثم ننسي المسألة برمتها و لا نفكر فيها ثانية قط ... و لكن ما الذي نعرفه حقا عن أتلتيكو مدريد و الدوري الإسباني؟ لاشيئ فعليا سوي مباريات نشاهدها في التلفاز و شائعات نقرؤها علي الجرائد ... ولكي نتيقن بما لا يدع مجالا للشك من صحة حكمنا أعلاه فاننا بحاجة الي قدر هائل من المعلومات الأخري ... اننا بحاجة مثلا الي دراسة تفصيلية لكل مباراة خاضها أتلتيكو في هذا الموسم "قبل" و "بعد" التراجع المزعوم لنري ان كان هناك تراجع حقا أم أنه محض حظ سيئ ... و نحن بحاجة الي معلومات تفصيلية عن الفرق الأخري كلها لنري ان كان ذلك التراجع ليس سوي انعكاس لتحسن أداء الأخرين ... و نحن بحاجة الي معلومات تفصيلية عن كل ما يحدث في غرفة تبديل الملابس من خلافات بين اللاعبين ... و ما يحدث بين اللاعبين و المدرب ... و اللاعبين و الادارة ... و المدرب و الادارة ... و الأسوأ من ذلك أننا بحاجة الي معلومات دقيقة عما يحدث "بداخل رأس" كل لاعب ... عن هواجسه و مزاجه و أفكاره .. و ما يحدث "بداخل جسد" كل لاعب ... عن حالته الصحية و البدنية ... و يمكنني الاستمرار هكذا حتي الصباح! .. و الخلاصة هي أنه لا أحد يمكنه أن يعرف كل هذا القدر من المعلومات ... و لا حتي لاعبي الفريق و مدربهم و ادارتهم! و ان كانت تلك هي الحال في هذه القضية الصغيرة جدا ... فماذا عن ألغاز مهولة مثل أصل الكون و تطور الحياة و طبيعة العقل؟! ... ان القسم الأعظم من المعلومات الضرورية للحكم علي تلك القضايا تقبع بعيدا عن متناول المعرفة البشرية ... اما لكونها تنتمي الي الماضي السحيق أو الفضاء النائي ... أو ربما لكونها أصغر أو أكبر من أن نلاحظها ... أو لكون تقنيتنا الحالية عاجزة عن استكناه مغاليقها ... أو ببساطة لكون تفاصيلها الدقيقة أكثر من قدرتنا علي الوصف ... و بعيدا عن الحدود العامة للعلم البشري فاننا نعاني أيضا من حدودنا الفردية القاسية ... فطول الحياة الانسانية لا يكفي لقراءة كل الكتب و المقالات التي كتبت قط .. و لا خوض كل النقاشات الممكنة .. و حتي مع تكريس كامل حياتنا لمشكلة صغيرة نسبيا فنحن سنموت و نحن نجهل بعض التفاصيل الشديدة الأهمية عن هذه المشكلة ... لا لأنها غير معروفة للعلم .. و انما ببساطة لأننا لم نعرف عنها ... و حتي اذا توصلنا -عبر بذل مجهود خارق و اختيار قضية متناهية البساطة- الي معرفة كل ما يعرفه الأخرون عنها ... فان ذلك لا يكفي لإصدار حكم يقيني ... فمن يدرينا أن شمس الغد سوف لن تشرق علي اكتشاف جديد يزلزل كل ما ظننا أننا نعرفه عن يقين؟! اننا نعيش و نصدر أحكامنا في عالم من المعلومات الناقصة ... ذلك قدر لا مفر منه ... و سواء كنت تتحدث عن نظرية الأوتار الفائقة أو أسعار الوقود العالمية أو الأزمة في أوكرانيا فانك بكل تأكيد لا تعرف سوي القليل -ان كنت تعرف شيئا أصلا- عما تتحدث عنه ... و لذلك فنصيحتي هي: لا تكن واثقا جدا !!!