ما في بيع إلا بالدين حاج فضل صاحب "كنتين" صغير في قرية جميع أهلها فقراء،وكان حريصا جدا لا يبيع بضاعته إلا "بالكاش" ولا يقبل البيع "بالدين" بتاتا. ذات يوم جاءته امرأة معدمة وطلبته أن يبيعها " وقية" بن و "ربع" رطل سكر . وزن حاج فضل البن والسكر ولم يوف الميزان حقه . ناول المرأة البضاعة وسألها ثمنها. إعتذرت المرأة وقالت: " ما عندي قروش والجبنة رامياني وعاملة لي وجع راس شديد ومن "القريفة" ما قادرة أشوف، باكر كان الله رزقني ورحمة الله جاتني بديك قروشك" ، لم يدع حاج فضل المرأة تكمل كلامها، وبسرعة خطف " شوية" البن والسكر من يدها وقال بلؤم: " أنا ما فاتح دكاني جمعية تعاونية". لم ترد المرأة بكلمة واكتفت بالنظر إلىه طويلا و سالت دمعة من عينيها وانصرفت. لم يهتم حاج فضل بأمرها وقال محدثا نفسه " ناس ما بتختشي التقول البضاعة دي بنشتريها ببلاش ". لم يمض يومان ، فاضطر حاج فضل للسفر لأداء واجب العزاء في وفاة قريب له في البلد. ومن ثم جاء دون إستحياء وسلم مفتاح متجره للمرأة التي أساء معاملتها ولم يبعها بالدين وقال محذرا: " اسمعيني كويس أنا مسافر البلد عشان عندي قريبي مات، وما برجع إلا بعد إسبوع، أوعى تفتحي الدكان وتاخدي ليك منه حاجة، بضاعتي أنا عارفها كويس وحاسبها بالحبة، حتى السكر والدقيق عارف وزنهما ، المهم أنا وريتك وكان جيت ولقيت حاجة ناقصة ما تلومي إلا نفسك" . رمى لها المفتاح وانصرف. أخذت المرأة المفتاح وقالت: " الله يهديك يا حاج فضل". في نفس اليوم ليلا جاءتها جارتها المسكينة وقالت: " أولادي ما قادرين ينوموا من الجوع وبيتنا ما فيهو غير موية "كراد" في قعر الزير ، دحين يا اختي ما عندك لي أي حاجة أسكت بيها أولادي؟ تأثرت المرأة لكلامها وبحثت في بيتها لعلها تجد قطعة "كسرة" ناشفة أو عقاب " روب" إلا أنها لم تجد شيئا . تذكرت المرأة مفتاح الدكان فأخذته بدون خوف أو تردد ولم تأبه لتحذير حاج فضل . فتحت الدكان وأتت بثلاثة أكياس شعيرية وقليل من السكر والزيت واعطتهم لجارتها. وقالت : أمشي عشي أولادك . ولما وضعت رأسها لتنام جاءها طيف حاج حمد غاضبا يتوعد. فنهضت من فراشها وطار النوم من عينيها وكاد الخوف أن يعصف بها . أخذت تسبح وتدعو الله أن يكفيها شره. عاد حاج فضل من سفره وكان الوقت ليلا متأخرا والناس نيام، فذهب مباشرة إلى منزل المرأة وأيقظها من النوم وأخذ المفتاح وذهب. قبل شروق الشمس من صباح الغد ،جاءها حاج فضل هادئا مبتسما وسألها بنبرة هادئة: " الفتح دكاني منو؟" خافت المرأة وقالت بصوت متقطع : ما في زول فتحو! ضحك حاج فضل وقال :كيفن ما في زول فتحو والرفوف كلها مرصوصة شعيرية وشوالات السكر وصفائح الزيت منقطرة من الأرض للسقف ، اطمأنت المرأة "وجرت" نفسها وقالت بثقة: أنا الفتحت الدكان وقصت عليه قصة جارتها المسكينة، فأخذ يبكي بأعلى صوته وسلم عليها في رأسها وسألها العفو والسماح فسامحته. تفاجأ أهل القرية في صباح اليوم التالي وهم يقرأون ما خطه حاج فضل على "لافتة " كبيرة علقها على باب دكانه مكتوب عليها "من اليوم ورايح ما في بيع إلا بالدين".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة