|
Re: القضاء فى السودان فى مهب الريح ! (Re: طارق عبد العزيز صادق)
|
* أحد أيام العام 1990م ، كنت قد إستلمت ملف قضية بالقسم الأوسط – الخرطوم ، نيابة عن زميل قاضى بنفس القسم بلاغ تحت المادة 33 أسلحة ، موجه ضد السيد / ولى الدين الهادى المهدى وأخيه السيد / محمد . أبتدرت السيد / محمد أين أخوك المتهم ولى الدين ، فأجاب بأن الرئيس عمر البشير قد عفى عنهم وليس هنالك ضرورة لحضوره . أفهمته أولاً بأنه لابد من حضور المتهم أمام المحكمة وإن لم يحضر فى الجلسة القادمة سوف أأمر بالقبض عليه ، ثانياً أفهمته أن هنالك مبدأ يسمى إستقلال القضاء إن كنت لا تعرفه ! فعمر البشير لا يتدخل فى أعمال المحكمة ولا أنا أتدخل فى عمله بالقصر !! وأن إستقلال القضاء ليس بالجلوس على المقعد الشخصى ، وإنما مبدأ تهافتت عليه كل الأمم المتحضرة ، بهت كل من فى المحكمة حتى الحاجب !! فإعتزر لى السيد / محمد وهو فى حالة من الإضطراب ، فحاولت تخفيف إضطرابه ببسمة جدية بضرورة حضوره والسيد / ولى الدين الجلسة القادمة ، حتى لا أضطر لإصدار أوامر القبض ، فكان أن وجدت منه كل إحترام وتقدير . أحد أيام رمضان العام 1990م ، وأنا فى طريقى داخل القسم الأوسط لمحكمة أخرى ، رأيت ضابطين جويين أحدهما رائد والآخر نقيب ، أعرف النقيب وهو المرحوم/ مصطفى خوجلى ، بينما أعرف الآخر بإسم المرحوم/ أكرم الفاتح إبن السيدة/ نفيسة المليك رائدة التعليم فى السودان . لم يبادرنى المرحوم مصطفى بالسلام رغم معرفتى السابقة به عن طريق صديق مشترك . هالنى ذلك ، أيجوز أن هنالك دعوى له ولا يرتضى بأن يسلم على القاضى ؟؟!! عموماً حضرت لمقر المحكمة والتى كانت برئاسة قاضى زميل بنفس القسم ، وكان هنالك بعض التوتر والصراخ ، علمت بعدها بأن المرحوم / مصطفى دخل المحكمة بدون الـ (الكاب) العسكرى وأمره زميلى القاضى بأن يخرج ويدخل مرة أخرى والكاب على رأسه وأن يؤدى التحية للمحكمة ، رفض المرحوم ذلك و قال له بصوت جهور ( إنتو الكيزان يومكم جاى قريب إنشاء الله ) أرعد وإزبد القاضى وأمرهم بالخروج وهو فى حالة هياج وأمر بتحديد جلسة أخرى . هذه القضية كانت دعوى إحتيال ضد نجار فى السجانة مقامة من المرحوم/ أكرم الفاتح لعمل جهازه لمشروع العرس القريب ، وقد كان المرحوم / مصطفى شاهداً على الواقعة . علمت بعدها بإسبوع بمحاولة رمضان وأن المرحومين كانا من ضمن قادتهما – رحمهما الله . وأترك للقراء الأعزاء رأيهم فى القاضى ! أيضاً فى أحد أيام سبتمبر العام 1990م ، كنت قد وكلت ومن معى من القضاة بصفة دورية، بتفتيش ليلى سرى لمقرات حراسات أقسام الشرطة ، الأوسط – إمتداد الدرجة الأولى – السروراب بحر أبيض ، وذلك للإشتباه فى أحد ضباط الشرطة فى المنطقة ، والذى كان يسىء للمساجين فى منتصف الليل عادة . وكان الغرض من هذا التفتيش إثبات عدد المساجين مع دفتر القبض وتلقى الشكاوى الشخصية المباشرة منهم ، خصوصاً إساءة المعاملة . بعد إنتهائى من القسم الأوسط وإمتداد الدرجة الأولى وتوجهى فى الطريق للسروراب عن طريق شارع 15 بالإمتداد ، أوقفتنى دورية الشرطة والذين على علم بالتفتيش ، ولكن هذه المرة كان معهم فرقة من الجيش والتى تصادف أن يكون الرائد إبراهيم شمس الدين معهم . بادرنى أحد رجال الشرطة والذى يعرفنى ، بأنه يتوجب أخذ الإذن من الفرقة العسكرية فأعطيته بطاقة القضاء والإذن الخاص بالمرور خلال حظر التجول لإعطاءه لإبراهيم شمس الدين . جاءنى أحد عساكر الجيش وأفاد بضرورة عدم التحرك و (البيات) فى الشارع وفقاً لأوامر شمس الدين . حقيقة أغضبنى هذا التصرف وتركت سيارتى وقلت بصوت واضح لشمس الدين ، لا يمكن ذلك وأننى فى مهمة رسمية لتفتيش الحراسات ، كما أن القضاة يتمتعون بالحصانة ليس لشخصى ولكن سحباً على إستقلال وسلطة القضاء ، كان رد شمس الدين ( يا عسكرى نفذ الأوامر ) . إعتقدت خاطئاً أن الأمر إنتهى عند هذا الحد وحاولت قيادة السيارة ، ولكن فوجئت بالعسكرى (ينط) أمامى ويخط خطاً على الشارع وقال لى ( والله لو تحركت بعد الخط دا ... أرشك بالرصاص) حقيقة أدركت بعدها خطورة الموقف ، وحاول عساكر الشرطة والذين يعرفوننى بالقسم إثنائى على أى خطوة متهورة ، وأصبحوا يستجدونى على ركوب السيارة حسب قول أحدهم ( والله يا مولانا حسع الجماعة ديل بمشوا كلها ساعتين وبعد داك ممكن تمشى لبيتك) رضخت لذلك وحوالى الساعة الثالثة والنصف صباحاً ، قفلت راجعاً لمنزلى وأنا أنعى القضاء فى السودان . بعدها بحوالى إسبوع جاءتنى إفادة بضرورة المثول أمام الأمين العام لمجلس القضاء العالى جلال الدين محمد عثمان ، والذى سلمنى جواب عزلى من القضائية ، والذى أظنه رجوعاً لإنتهاكى للسلطة التنفيذية ممثلة فى إبراهيم شمش الدين ، والعنف الذى ابديته بإستغلال سلطاتى بصورة تعسفية ، ووفقاً للشائعات والتى أتت بعد ذلك . قررت أن أكشف كل هذه المهزلة بواسطة المرحوم / هاشم أبو القاسم – طيب الله ثراه ، والذى كان يتبوأ حينها منصب نافذ كنائب لرئيس القضاء جلال على لطفى ، والذى كان تربطنى به صلة زمالة المحاماة بنفس المكتب سابقاً . عند مكتبه ، كشف لى مولانا الخبايا والأسرار والتقرير الذى أٌعد بواسطة زميلى القاضى بالقسم الأوسط . هالنى ما رأيت من إفتراء وتجنى على شخصى ! وتأكد لى وفاة الجهاز القضائى فى أحلك ليالى العدالة بؤساً فى السودان ، أيكون القاضى واشياً كذباً ضد زميله ؟؟؟؟ أيكون القاضى امنياً ؟؟؟؟؟ هكذا حال القضاء وإلى الآن فى السودان ، إلا نفر قليل من القضاة النزهاء ، اللهم إنى لا أبتغى بطولة أو منفعة إلا للحق ، فقد تبوأ جلال الدين محمد عثمان بعدها منصب رئيس القضاء وجال وطاف فى أروقته تحطيماً للحجر والبشر ، وكوفىء بعدها بقصر وثير بأحد الأماكن الراقية ، علاوة عن ما جناه من مهنته فى التجارة ولبن البقر !!! أين تذهب من ربك يا جلال ؟ أتقيم الصلاة أبتغاء مغفرته وجنته ؟ لا أظن أن الله سبحانه وتعالى يستجيب لدعائك !! أتظلم البشر على جدار القضاء ظلماً وتحقيراً؟؟ إن الله يمهل ولا يهمل ! فإنتظر مصيرك المحتوم ، بإذن الله الواحد القهار ، وأن التاريخ قد سجل لك ومن معك تدهور القضاء والقضاة فى السودان ، فهل يصحح خلفه ما أفسد ؟
مودتى ،،،
|
|
|
|
|
|
|
|
|