ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-27-2024, 10:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2013, 02:19 AM

احمد محمد الحاج

تاريخ التسجيل: 10-29-2009
مجموع المشاركات: 72

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد (Re: احمد محمد الحاج)

    • نلاحظ اتفاق دائم مع هابرماس، دون أن تصدر عنك في أعمالك أي تحفظات نقدية، أتجد الأمر مطمئناً؟

    هذا سؤال هام جداً لم يطرحه عليّ أحد من قبل وظللت أتوقعه لأن ما يصدر عني لا ينسجم مع فكرة أن أكون متطابقاً تطابقاً تاماً مع أحد، حتى ولو كان هابرماس. ولذلك فإن هذا السؤال يمنحني فرصة مناسبة وجيدة ومواتية لتوضيح بعض القضايا والتي ما كان من الممكن توضيحها، إذ يتطلب ذلك القيام بأمور لا نحبذ القيام بها عادةً إذا لم يُطلب منا ذلك. فلا أحد يتحدث عن الكيفية التي يفكر بها ومنطقها ومشاريعه النظرية دون أن يطلب منه أحدٌ ما ذلك ـ أو على الأقل هكذا الأمر بالنسبة لي؛ فذلك قد يثير شبهات كثيرة ـ فيما أعتقد ـ حول مقدار الأهمية الأكثر من اللازم التي تنسبها لنفسك؛ وإن كنت أشعر باستمرار بأهمية أن أوضح لأصدقائي ولزملائي ولقرائي ولخصومي ـ على وجه الخصوص ـ إن ما أقوم به لا يكرر ولا يجتر هابرماس. فلا أحد يستطيع أن يكون نسخة من شخص آخر حتى لو أراد.
    وما أقوم به هو أنني أعمل وأشتغل على هابرماس كما أشتغل على القضايا التي أخوض فيها. وهابرماس الموجود فيما أقوم به هو هابرماس مختلف عن أي هابرماس آخر، بما في ذلك هابرماس كما يرى نفسه أو هو بالذات مختلف عن الأخير. وأعتقد أن لي كامل الحق في استدعاء هابرماس بالطريقة التي أريد وكيفما أشاء، فقط بدون كسر رقبته؛ أي بدون أن أقوّله ما لم يقل، وبدون أن أنسب لمشروعه ما لا ينتمي له أو ما هو نقيضه تماماً؛ مع الاحتفاظ بحقي كاملاً، أيضاً، في نقده وتجاوزه واستنتاج قضايا نظرية من عمله يمكن أن لا تنسجم مع ما أراده أو خطط له؛ إن من حقي أن أقرأ هابرماس قراءتي الخاصة فقط دون افتئات، ودون تجني. وهذا هو ما يعلمنا له هابرماس نفسه، فهو يقوم بقراءات دقيقة وحصيفة ومدهشة لفرط ذكائها لأعمال الآخرين؛ وأعماله النظرية تقوم في جلها على هذا الجهد. وقد اشتكى هابرماس مرة من كونه في قراءته لماكس فيبر في كتابه "نظرية الفعل التواصلي" لم يميز بشكل واضح بين هذه القراءة وبين ما يقوله ماكس فيبر فعلاً؛ مما يجعل القارئ يخلط بين ما هو قول فيبر وما هو استنتاجات هابرماس.
    هذا كلام عام أحتاج إلى توضيحه وتفصيله حتى لا يظل كلاماً عاماً يمكن أن يقوله أي شخص دون أن يعني شيئاً في حقيقة الأمر، أي كلاماً ساكتاً تبقى معه الأمور كما هي. فيبقى ما أقوم به هو مجرد اجترار لهابرماس عند الآخرين، وفي حالة صدق ذلك فسيكون اجتراراً مشوهاً وعملاً نظرياً قبيحاً وتقليداً أعمى لا ينفع وإنما يضر، ولا يستحق أن يكون إلاّ في أسفل سافلين. ولذلك دعني أقوم بوصف هابرماسي الخاص، وهو ابتداءً مختلف عن هابرماس كما يرى نفسه. فهابرماس قال عن نفسه حين زار مصر ـ والعهدة على المفكر حسن حنفي الذي ذكر ذلك في إحدى مؤتمرات الجمعية الفلسفية المصرية ـ أنه لم يعد جزءاً من مدرسة فرانكفورت؛ وهو قول أجد نفسي مختلفاً معه تمام الاختلاف.
    صحيح أن مدرسة فرانكفورت لم تعد على ما هي عليه مع هابرماس واختلفت اختلافاً كبيراً وجذرياً عما كانت عليه من قبل؛ بل يمكن الذهاب إلى القول بأن مدرسة فرانكفورت قد تخطت في انعطافتها اللغوية مع هابرماس أسسها الابستمولوجية (المعرفية)، ومع ذلك تظل النظرية النقدية عند هابرماس باقية ضمن الإطار العام لمدرسة فرانكفورت. وأية مدرسة تستحق أسمها من إطارها العام والإجرائي لا من تفاصيل مواقف فلاسفتها النظرية. وضمن ذلك، فإن النظرية النقدية عند هابرماس هي إكمال المشروع النظري لمدرسة فرانكفورت. فرواد مدرسة فرانكفورت قد فشلوا ـ كما رأينا ـ في إنجاز مشروعهم النظري القائم على فتح الماركسية على أبعاد متعددة بينما حققه هابرماس. صحيح، أن تحقيق هذا المشروع النظري قد أحدث تحولاً جذرياً في النظرية النقدية وتجاوزاً نظرياً للماركسية ولكنه مع ذلك يظل مشروعاً لمدرسة فرانكفورت ويتوفر لها كامل الحقوق في ملكيته؛ فهي التي اقترحته وبدأت تنفيذه إلاّ أنها انصرفت عنه لتنشغل بمهمة نقد العقل الأداتي، وهي مهمة ضرورية جداً لعمل هابرماس النظري بل يمكن اعتبارها مقدمة ضرورية لازمة لهذا العمل بحيث يصعب تصوره بدونها.
    كما أن عمل هابرماس النظري يتبنى تقاليد مدرسة فرانكفورت في، مثلاً، نقد الوضعية، كما فعل تماماً هوركهايمر وأدورنو وماركيوز. صحيح أن نقد هابرماس كان على أسس معرفية جديدة ولكنه على أي حال استمرار لهذا التقليد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تأثير كانط ولوكاتش وفرويد على مدرسة فرانكفورت فهو ذات التأثير على هابرماس وإن اختلفت جوانب التأثير. وكذا الأمر مع وجهة النظر التي ترى أن لكلٍّ من العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية منهج قائم بذاته وعقلانية مميزة؛ وهو ما دافع عنه هابرماس وأستاذه أدورنو في مناظرتهما الشهيرة مع كارل بوبر في بداية الستينات من القرن الماضي. هذه القضايا تكاد تمثل القضايا النظرية الأساسية في مدرسة فرانكفورت ولذلك نستطيع باطمئنان أن نقول إن هابرماس جزءاً من مدرسة فرانكفورت وتقاليدها دون التقليل من الاختلاف الكبير بينهما.
    إلى الآن والأمر لا يمثل اختلافاً كبيراً مع هابرماس ولا يعدو أن يكون مجرد تقديرات مختلفة لذات الأمور. ولذلك دعنا الآن نبدأ في الإشارة إلى الأمور المهمة والقضايا التي أعتبر أنني أمارس فيها اختلافاً حقيقياً مع هابرماس، وأزعم لنفسي تجاوزاً نقدياً له في بعضها. يمكنني أن ألخص بشكل عام رؤيتي للنظرية النقدية في محاولتي دمج أدورنو وهابرماس؛ أي تركيبهما فلسفياً معاً. بمعنى أن هذا الدمج ليس عملية تلفيق عناصر من هنا وهناك وإنما تركيب رؤية فلسفية ومنهج من كليهما؛ وهو أمر قامت به كل رؤية فلسفية ومنهج لعبت دوراً هاماً في التاريخ الإنساني. وهو ما يجعلني أميز بين التلفيق والتركيب. التلفيق تنتج عنه التناقضات، بينما التركيب تنتج عنه رؤية فلسفية متماسكة ومنهجاً متسقاً يشكل أداة نظرية قادرة على إنتاج المعرفة بعالمنا وفهمه ووضع أسس وإجراءات تغييره. هذا التركيب له نتائج نظرية على كليهما. أهمها أنه يتجاوزهما نقدياً الاثنين معاً.
    ويمثل أدورنو التفكير السلبي في هذا التركيب، تفكير اللاهوية non-identity thinking وهو التفكير النقدي المحايث لموضوعه والذي يفككه بحيث يصبح مخالفاً ما كان عليه فيدرك تناقضاته ومن ثم يتعرف على بدائله الممكنة، ولكن وما أن تستقر هذه البدائل على هوية ما ممكنة في تفكير الهوية identity thinking إلاّ وعاد التفكير السلبي مجدداً لتفكيكها لتعود الكرّة من جديد، وهكذا دواليك. هذا التفكير هو ما يعرّفه أدورنو باعتباره الميتانقد ####critique ويختصره في عبارة "لاهوية الهوية واللاهوية" والتي تعبّر بدقة عن مسار هذا التفكير كما رأيناه قبل قليل. هذا التفكير هو الذي يجعل التغيير ممكناً، فهو تفكيك مستمر لمحاولات البناء المستمرة. ولكنه لا يمكن أن يستقر على مشروع ما فهو تفكيك مستمر يستحيل أن يقوم معه بناء؛ وهو هدم دائم لا حضور فيه، إنه الديالكتيك السلبي.
    وهذا ما جعل المشتغلين بالفلسفة يدركون في وقت متأخر (في تسعينات القرن الماضي) صلة أدورنو القوية بجاك دريدا وبالتالي بتيارات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة، وهو أمر يستدعي أن نعيد كتابة هذه التيارات وتاريخها ويفتحها أيضاً على إمكانات جديدة؛ إذ أن أدورنو يسبقها بزمن ليس بالهين، وهو يصل لنتائج شبيهة بنتائجها ولكن في مجرى معرفي مختلف. وهو ما يجعلني استخدم أدورنو لدمج هذه التيارات في النظرية النقدية. فهي مع أدورنو تشكل بالنسبة لي الجانب النقدي الذي يجعل مشروع التحرر الإنساني ممكناً. أما هابرماس فيمثل، في تركيبه مع أدورنو، التفكير الإيجابي، تفكير الهوية. إنه البناء المستمر في مقابل الهدم المستمر عند أدورنو. وهما عمليتان كما هو واضح تحتاجان بعضهما، بل هما شرطان لبعضهما البعض، بحيث لا يستقيم أمر إحداهما بدون الأخرى.
    وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة ذات صلة بما نناقشه قبل مواصلة الحديث وهي: إن هنالك اتفاقاً على تعريف مشروع الحداثة بأنه مشروع نقدي باعتبار أن النقد هو الخاصية الأساسية لهذا المشروع وهي الخاصية الوحيدة التي لم ينته بها الأمر إلى نقيض ما تزعم؛ بل ظلت تمارس فعاليتها دائماً هنا وهناك في أناس لا يسلمون مطلقاً بما هو قائم، فلاسفة ومفكرون وسياسيون وفنانون وعلماء، وتشكل الأساس الذي تقوم عليه محاولات إعادة بناء مشروع الحداثة أو حتى محاولات تجاوزه. وهذا يعني أن السمة الأساسية لمشروع الحداثة هي الهدم وليس البناء، بل إن البناء ظل دائماً يعاني من مشكلات ضخمة تتطلب أحياناً هدمه وإعادة هدمه.
    ولعل ذلك يفسر لنا لماذا كان مشروع أدورنو كله مشروع هدم؛ إذ أن التنوير الذي باشره أدورنو كان نقداً للنقد لم ينته إلى ما هو متوقع منه وهو أن يتجسد نفي النقد في بناءٍ ما. بسبب أن الديالكتيك السلبي لم يكن إلاّ الوجه الآخر من الديالكتيك المادي ولذلك انتهى أيضاً إلى أن يكون الوجه الآخر من الانغلاق المطلق، أي الانفتاح المطلق. والنقائض المطلقة تنتهي إلى أن تكون هي نفس الشيء، إذ ينتهي نقد النقد عند أدورنو إلى نقد مطلق، أي هدم مطلق هو الوجه الآخر للبناء المطلق، فماذا يمكن أن يهدم الهدم المطلق؟ لا شيء. ولذلك هو بناء مطلق.
    وهذا يقترح أيضاً الكيفية التي يمكن أن تتركب بها النظرية النقدية من أدورنو وهابرماس معاً. إن تفكير الهوية عند هابرماس ليس تفكيراً مطلقاً؛ فالهوية عنده ليست هوية جوهرية ثابتة، ليست جوهراً ميتافيزيقياً، بل هي ـ إن أردنا الدقة ـ لا تعكس أي مضمون سواء كان ثابتاً أو متغيراً، فهي مجرد إجراءات نتخذها بشأن الخطاب فتعمل على استقراره والوصول إلى إجماع بشأنه. ولأنه كذلك فإن تفكير الهوية عند هابرماس يصدق عليه تعريف أدورنو بأنه "هوية الهوية واللاهوية". بتركيب أدورنو وهابرماس معاً يحقق كل منهما مشروعه الفلسفي في الآخر، وبدون وجود أحدهما في الآخر فإن مشروع كلٍّ منهما الفلسفي سيمضي إلى ما لا يريد، إلى المطلق، فيغيب المشروعان فيما قاما، أصلاً، لنقده وتجاوزه. بدون هابرماس يمضي أدورنو بعيداً في اللاهوية بحيث لا نراه؛ وبدون أدورنو يعود هابرماس قريباً في الهوية بحيث لا نرى غيره. بدون هابرماس لا نمسك مع أدورنو شيئاً وبدون أدورنو نمسك مع هابرماس شيئاً لا نستطيع أن نمسك بغيره. وبهما معاً نحقق مشروعنا الدائم في التغيير، ثورتنا المستمرة ونمضي في مشروع تحررنا الإنساني. هما ضروريان معاً للهدم والبناء ثم للعودة مجدداً، وهكذا يمضي التحرر الإنساني في حركة تجاوز؛ لا في حركة تكرار.
    هابرماس حدّد منهجاً التفكير النقدي في التأمل الذاتي self-reflection كما وضع أسسه فرويد، وأصبح التحليل النفسي نموذجاً للعلوم النقدية؛ وبالتالي صارت طرق التحليل النفسي في الكشف عن تناقضات التاريخ الشخصي ومن ثم إكمال هذا التاريخ بسد فجواته نموذجاً لما يجب أن يكون عليه نقد الايدولوجيا، ونموذجاً لما يعنيه هذا النقد بالضبط. وكما هو واضح فإن هذا النموذج يطرح مساراً واحداً للتاريخ تكتمل فيه صيرورة التحرر بسد فجواته. ويتم ذلك بأن نكشف التاريخ بحيث يصبح شفافاً لتنفضح تشوهاته وعلله والوعي الزائف الذي كان يغطيها.
    وإذا استبدلنا التاريخ الشخصي بتاريخ النوع الإنساني فإننا نحصل على نظرية التحرر عند هابرماس. إن توفير التحليل النفسي كنموذج للتفكير النقدي حال دون الذهاب إلى تقعيده نظرياً، أي دون أن نفكر فلسفياً في التفكير النقدي. وهو ما ساق هابرماس إلى مفارقة طرائق تفكيره الفلسفية ومناهجها فأعطى التفكير النقدي مضموناً بدلاً من أن يكون مجرد إجراءات. وأصبحت نظرية التحرر عند هابرماس تعتمد مبدأ نظرياً مؤداه أن للتاريخ مساراً واحداً لا يمكن أن نعيد بناءه وإنما علينا فقط أن نسد فجواته بالكشف عن علله وفضحها؛ أو هي على نحو دقيق إعادة بناء جزئية لهذا التاريخ، مما يؤدي إلى افتراض هوية ميتافيزيقية لهذا التاريخ، ثابتة، لا تتغير، مما يجعل الفرار من كونها حكاية كبرى أمراً مستحيلاً. بينما لو ذهب هابرماس إلى محاولة تقعيد التفكير النقدي فلسفياً لما وجد غير أدورنو تقعيداً فلسفياً لهذا التفكير، لا يؤدي به إلى أن ينتهي إلى ما ليس هو؛ بمعنى أن يصير تفكيراً إقرارياً، وهو ما تنتهي إليه أية محاولة تعريف.
    الميتانقد عند أدورنو لا يتورط في أية محاولة لإعطاء التفكير النقدي مضموناً ما يؤدي إلى تناقضه مع كونه تفكيراً نقدياً ويحوله إلى تفكير وصفي يقرّ بما هو قائم بدلاً من أن يكون تفكيراً بديلاً. الميتانقد في تحديده للتفكير النقدي لا يخرج من كونه تحديداً لإجراءات هذا التفكير، أي لمنهجه، دون الارتباط بموضوعٍ ما. بينما نموذج هابرماس للتفكير النقدي مرتبط بموضوع محدد. ولأنه نموذج فهذا يعني أن هنالك اختلافاً بينه وبين ما هو نموذج له؛ وهو اختلاف لا يمكن الكشف عنه إلاّ بالتفكير فلسفياً في التفكير النقدي. فالتفكير الفلسفي أعلى تجريد ولذلك فهو يسمح بممارسة التفكير بدون الارتباط بموضوعات بعينها، إذا طُلب منه ذلك.
    إن عدم ذهاب هابرماس إلى التفكير الفلسفي في النقد جعله يفارق انجازه الأساسي في القدرة على الانفتاح على التعدد، وهي القدرة التي تقوم عند هابرماس في النظر إلى إجراءات الخطاب لا محتوياته، بحيث يمكن أن تتعدد الأخيرة. إن ما يوفره أدورنو لهابرماس هو الميتانقد كمنهج في التفكير النقدي يمكن أن نجد نموذجاً له في التحليل النفسي عند فرويد. إن تحديد هابرماس للنقد باعتباره مهمة الفلسفة الأساسية ودورها الرئيس لا يجد استجابته في فلسفة هابرماس وإنما يجدها في ميتانقد أدورنو وديالكتيكه السلبي. ولذلك يمكن أن ألخص استنتاجي، والذي اعتبره تحفظاً نقدياً هاماً على هابرماس، في كون أن الميتانقد هو المنهج النقدي للنظرية النقدية وليس التأمل الذاتي.
    أما تأثير تركيب أدورنو وهابرماس معاً على أدورنو فنستطيع أن نقول أنه يُخرج أدورنو من نظرية المعرفة الماركسية التي فشل أدورنو في الخروج منها بسبب تسليمه ببداهة أولوية الموضوع، أي ببداهة المادية. وهو تسليم أخرج أدورنو من ديالكتيكه السلبي وحبسه في المغلقات النهائية للديالكتيك المادي والتي صادرت سابقاً من الديالكتيك الماركسي جدله فلم يعد ديالكتيكاً. لقد علّق أدورنو ميتانقده حين سلّم ببداهة أولوية الموضوع وحرم مشروعه من أهم لحظاته الفلسفية، لحظة خروجه النهائي على الماركسية وجني ثمار ديالكتيكه السلبي في التعدد والانفتاح؛ وهو أمر كان ممكناً لو أعمل أدورنو ميتانقده في بداهة أولوية الموضوع إذ كان سينفتح الطريق لإمكان التفكير في أن بداهة أولوية الموضوع ليست سوى زعم يتواجد في التذات، أي في خطاب قائم بين الذوات ويستند على حججه؛ ولكنه آثر الانحباس في مفاهيم نظرية المعرفة الماركسية فقعد في آخر حدودها دون أن يتجاوزها، صائراً ماركسية متأخرة. وتركيب أدورنو وهابرماس معاً جعل أيضاً مشروع أدورنو مشروعاً للتحرر لا بالمعنى الفلسفي كانفكاك من كل قيود تفكير الهوية وسيطرته وإنما أيضاً كتحرر له معنى اجتماعي وسياسي بسبب تأسيسه على الخطاب وفلسفة التواصل.
    وأحد أهم استنتاجاتي التي تشكل تحفظاً نقدياً، أيضاً، على هابرماس هو أن نقد فلسفة الذات عند هابرماس يتطابق مع نقد فلسفة الهوية عند أدورنو. وإذا تمعنت في أسسهما النظرية والفلسفية فستجد أننا يمكن أن نستخدم أياً منهما بديلاً للآخر دون أن يخل ذلك بالمعنى سوى أن كل واحد منهما معني بمستوى مختلف من التحليل. نقد فلسفة الذات عند هابرماس هو نقد للفلسفة فيما قبل المنعطف اللغوي، أي قبل تحولها للعلاقة ما بين الذوات intersubjectivity . وهو نقد لهذه الفلسفة يقوم على اعتبار أنها تتأسس على نموذج علاقة الذات الديكارتية بالموضوع، وهي ذات عارفة وتفعل غائياً بهذه المعرفة في الموضوعات؛ أي تسيطر عليها. ولذلك فإن العلاقة التي يطرحها نموذج علاقة الذات بالموضوع هي علاقة السيطرة. وهو ما يضع الأساس الفلسفي والنظري لتفسير كل الكوارث والنكبات التي لحقت بالإنسانية في القرن العشرين بعد ما أملت في التطور العلمي كحل نهائي لكل مشكلاتها وسبيل وحيد لتحررها، وبدلاً عن ذلك عانت من الاستعمار والامبريالية وخاضت حربين عالميتين وانتهت إلى كارثة استخدام القنابل الذرية وتحول مشاريع تحررها إلى مشاريع للسيطرة، كما قلنا من قبل.
    أما نقد فلسفة الهوية عند أدورنو فهو يجري في مستوى فلسفي أعمق. فالهوية شرط لازم وضروري لقيام نموذج علاقة الذات بالموضوع. إذ لا يمكن أن تنشأ هذه العلاقة إلاّ إذا كانت الذات والموضوع تعبر كل منهما عن هوية قائمة بذاتها، عن ماهية أو جوهر ميتافيزيقي ثابت لا يعتريه التغيير ولا التحول، بحيث لا يشكل الآخر جزءاً من هذه الهوية، فتبقى الحدود بينهما محددة ومتعينة وواضحة؛ فيسهل على الذات اعتبار كل ما عداها موضوعاً يخضع لمعرفتها وسيطرتها بما في ذلك الإنسان الآخر. ولذلك طبعت السيطرة بطابعها علاقة الإنسان بالإنسان وكذلك علاقته بالطبيعة.
    إن نقد فلسفة الهوية هو نقد لهذا الحضور الميتافيزيقي وتجاوز له بحيث تصبح الهوية ملتحقة بآخرها وآخر آخرها... وهكذا، فتكون دائماً مفتوحة ومزاحة ومؤجلة. وتصير الهوية هي الاختلاف. إن كلا النقدين، نقد فلسفة الذات ونقد فلسفة الهوية، ينزعان إلى هدم أسس السيطرة الفلسفية ولكنهما يقومان بذلك في مستويين مختلفين. في مستوى قريب من عالم الحياة كما يفعل هابرماس، وفي مستوى تجريدي عالٍ كما يفعل أدورنو. وكلاهما يحتاج إلى الآخر، تماماً كما في العلاقة السابقة، نقد فلسفة الذات يحتاج إلى نقد فلسفة الهوية لكي ينفك من الارتباط بموضوع محدد وبالتالي ينفك من الأحادية إلى التعددية. بينما نقد الهوية يحتاج إلى نقد الذات لينفك من اللانهائية فيتعين وبالتالي ينفك أيضاً من الأحادية إلى التعددية.
                  

العنوان الكاتب Date
ندوة فكـرية كبري "الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدة" Ahmed Elyas06-09-13, 02:04 AM
  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديدةand احمد محمد الحاج06-09-13, 03:02 AM
    Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 03:09 AM
      Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد صلاح عباس فقير06-09-13, 03:58 AM
        Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-09-13, 04:42 AM
          Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:13 AM
            Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:17 AM
              Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:19 AM
                Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد احمد محمد الحاج06-10-13, 02:27 AM
                  Re: ندوة فكـرية كبري andquot;الضرورات النظرية لقيام حركـة سياسية جديد سيف اليزل سعد عمر06-10-13, 10:49 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de