|
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق (Re: Abdel Aati)
|
Quote: قطاع الإنتاج الريفي كرائد للتنمية:
في معهد بروكنقز، بواشنطون، 9 يونيو1989، تحدث الراحل الدكتور جون قرنق ديمبيور – وهو صاحب دكتوراة في الاقتصاد، ومتخصص في مجال التنمية الريفية – في سمنار عام، ضمن زيارة صغيرة له للولايات المتحدة، لخص فيه مشكلة التنمية في السودان على أنها مشكلة "تنظيم موارد" حسب معطيات الواقع في السودان.. و:
"أعاد قرنق على المسامع رؤيته القديمة لمشروع التنمية في السودان. قرنق يرى أن واقع السودان وموارده يقرران أن حركة التنمية التي تبدأ بالمدينة ثم تتسرب للريف، كما في النماذج العالمية الذائعة، لا تؤدي، وأن حركة التنمية الصحيحة للسودان تبدأ بالريف ثم تزحف للمدينة. ذلك يعني أن التركيز على دعم الاقتصاد الريفي، بموارده وقدراته الإنتاجية (المعرفة والتقنية والمهارات)، هو موضع نظر الحركة الشعبية ونظر دولة السودان الجديد. الاقتصاد الريفي يدعم الاعتماد الذاتي في ضرورات المعيشة، وهو من شروط استقلال القرار الاقتصادي، كما أن الشعب السوداني يقطن معظمه في الريف، ومن صحة الأولويات أن تبدأ التنمية مع أغلبية سكان الدولة. واقع المدن السودانية لا يعينها على ادعاء ريادة تنموية للبلاد، فالسودان ليس بلدا صناعيا يحتاج لمركزاقتصادي وتخطيطي يدير مصانعه وصادراته بتنسيق عام (وهو دور المدينة)، إنما السودان بلد زراعي، وإن كان له مستقبل صناعي مرموق فإنه سيبدأ من الصناعات الزراعية. التنمية الزراعية لا تتطلب مركزية المدينة بل العكس، فكلما تم إشراك السواعد الريفية وإنتاجاتها المتعددة، بتعدد مناطق السودان، كلما كان الإنتاج الزراعي أكثر وفرة وأوسع حيلة أمام معضلة الاعتماد الذاتي وتذبذبات السوق... هذا إضافة لأمر مهم جدا، يتعلق بإعادة توزيع السلطة بين سكان السودان، وهو الجانب المحوري في طرح السودان الجديد، فإن إعادة توزيع القدرة الاقتصادية على أغلبية الشعب السوداني في الريف، في مختلف أطرافه، شرط أولي لإعادة توزيع السلطة، والتنمية الاقتصادية المستدامة لا تقوم بدون مشاركة سياسية عريضة وحقيقية. لهذا كان اتجاه الحركة الشعبية أيضا متعاطفا عموما مع سياسة إصلاح الأراضي. هذه النظرة الاستراتيجية للتنمية صحبت جون قرنق على طول المدى، فلم يكن يقول بغيرها كلما سنحت سانحة في الحديث عن التوجه الاقتصادي للحركة الشعبية، إلى أن انتقل عن دنيانا... في رسالته للدكتوراة، نزّل قرنق آراءه التنموية حين طبّقها في دراسة منطقة مشاريع جونقلي، فدراسته لم تكن مبنية فقط على الوثائق والإحصاءات والطروحات الهندسية، بل أيضا على استطلاعات ميدانية مع سكان المنطقة، بكافة أنشطتهم الاقتصادية وخلفياتهم الإثنية، قام بها جون قرنق بنفسه كجزء من تحضير مادة دراسته. هناك أيضا اهتمام واضح في الرسالة بتقييم المشاكل الاجتماعية والبيئية التي تنتج عن تفعيل مشاريع التنمية المعنية، من قنوات وسدود ومشاريع زراعية، الخ، ما يعكس نظرة واسعة لعلائق التنمية، تتجنب الأفق الاقتصادي الضيق.."[ ]
وفي مانفستو حركة كوش (مؤتمر الوطن السوداني المتحد)، ورد الآتي، في المادة 2.2.2.4:
"إزالة الفوارق بين الريف والمدينة: إنّ الريف ، بشقيه الزراعي والرعوي، هو المنتج الأساسي الذي يوفر أغلب المواد الخام ومدخلات الانتاج لعمليات الاقتصاد الأخرى. لذلك فإنّ تطوير الريف هو المدخل الصحيح لحل كافة المشكلات الأخرى. إنّ هذه القضية هي أهم مهام الدّولة القادمة لأنها تحتاج إلى إجراءات عادلة، وحازمة في نفس الوقت.."[ ]
على ذلك فإن جهات المعارضة التي تعرضت لموضوع التنمية بالدراسة والتمحيص، واصطحبت معها مسائل في غاية الأهمية، مثل تقسيم السلطة والثروة، وموازنة مظالم التاريخ الثقافية/اجتماعية، وصلت لخلاصة أن التنمية الريفية هي المدخل الصحيح على قضية التنمية في السودان ككل.
إن قطاع الإنتاج الريفي يحتاج وقفة جادة، كل الجدية، فمعظم السياسيين السودانيين اليوم جاهزون للحديث المنمق والمُطرب عن الثروة الزراعية والحيوانية – ومؤخرا التعدينية – الهائلة للسودان، ووجوب توجيه اقتصاد البلاد للاستثمار فيها، لكنهم غير جاهزين لتقديم استراتيجيات واضحة، بله تنفيذها.. أكثر من ذلك، فهؤلاء السياسيون، كما أثبت التاريخ، يفعلون عكس ما يقولون حين تؤول السلطة لهم.. في غياب برامج تنموية واضحة ومعروضة لعموم الشعب بشفافية، يصبح من غير المستَغرب أن يسود الارتجال، وتسود القرارات غير المدروسة، دراسة علمية، لحساب المنافع السياسية والصفوية.. هنالك عدد معتبر من نماذج برامج الإنتاج الريفي، تم تقديمها وتنفيذها في دول نامية كثيرة، بنتائج محسوسة، ودروس جيدة – إيجابية وسلبية – يمكن النظر فيها، لعقد المقارنة واستخلاص العبر، وتصميم استراتيجية سودانية ملائمة لواقع السودان.
البنية التحتية الريفية، وآلية السوق:
الإنتاج الريفي يحتاج لدعم استثماري لتحريك دولابه، مثلما يحتاج محرك السيارة لشرارة البداية، وللبطارية التي تغذي تلك الشرارة، وللهيكل والعجلات التي تحوّل طاقة المحرك إلى فعل محسوس ونافع.. عملية تحريك الدولاب هذه عملية اقتصادية، في عمومها، لكنها لا تستطيع أن تتبع منهج الاقتصاد البحت – الجاف – لتؤدي غرضها.. هنالك خدمات أساسية، مثل التعليم والصحة، ضرورية لضمان الكادر البشري المنتج، لكنها ليست خدمات اقتصادية أو مصرفية قحة، فهي تستهدف الإنسان كغاية في ذاته، وليس كوسيلة إلى غاية أخرى.. هنالك أيضا جوانب البنية التحتية المادية الضرورية لزيادة الإنتاجية الريفية وتوصيل منتجاته بالأسواق الخارجية (المحلية والمناطقية والدولية) – مثل توفير المياه النظيفة، والتقسيم الهندسي للأراضي وشبكات الري، والتوزيع العادل والمستدام لها، وبناء الطرق وشبكات السكك الحديدية، وتوفير الطاقة الكهربائية بكميات مناسبة ومصادر مستدامة، الخ – وهي جوانب تحتاج لرعاية القطاع العام، ولا يمكن للقطاع الخاص، في أي مستوى، أن يتكفل بها، لأنها لا تدر أرباحا مباشرة.. إضافة لذلك تحتاج المشاريع الزراعية والحيوانية والتعدينية لتمويلات مصرفية، معقولة ومقبولة ومسؤولة، كرؤوس أموال مطلوبة لتحريك أي نشاط اقتصادي منتج.
بعبارة أخرى، فإن مزايا الخدمات الأساسية والبنية التحتية في المناطق الحضرية يجب أن يحظى بها الريف أيضا؛ فهذه متطلبات أولوية للتنمية وحقوق متسحقة للمواطنين، وإلا فالبديل هو "التسميم المتبادل" الذي ذكرناه آنفا.. من كل هذا نستطيع أن نتصور أن هنالك فترة زمنية، قد تطول أو تقصر، لكنها ضرورية جدا، وتتلخص في أن استثمار عموم الشعب السوداني، المتمثل في ميزانية القطاع العام، سيكون موجها لأولوية التنمية الريفية، بشتى متطلباتها وبصورة شاملة ونوعية.. هذا الأمر قد يبدو سهل الموافقة عليه من الناحية التجريدية، لكن من الناحية العملية فإنه يتطلب تضحيات جمة، وشفافية عالية، وتنفيذا صارما ومثابرا، ومقاومة لكل إغراءات التوسع الحضري المعتاد.
هذا يقودنا للحديث عن آلية السوق، ومدى صلاحيتها في معالجة هذه المسألة.. هل آلية السوق – قانون العرض والطلب – تستطيع أن تحفز الاستثمار في البنية التحتية والتنمية البشرية للريف، أم أنها غير قادرة على ذلك؟
هناك أسطورة يعود لها الناس كلما جاء الكلام عن الاقتصاد والتنمية، وهي أسطورة السوق وآلياته، وهي أن السوق صانع الاقتصاد، وبالتالي صانع التنمية، وأن آلياته لا علاقة لها بسياسة الحكم التنموية، إنما بقانون العرض والطلب.
ما يفوت على هذه الأسطورة هو أن التنمية الاقتصادية عملية بشرية واعية، تتم بدراسة وتنفيذ علميين، وأن السوق ليس كائنا واعيا، ولا هو بقوة مستقلة، إنما هو مصطلح هلامي يشار به للعلاقة التبادلية العامة في المجتمع، سواء أكان تبادلا سلعيا أو تبادلا منفعيا عاما (خدمات، معلومات، الخ).. من هذا نستنتج أن السوق ليس مؤسسة اقتصادية مستقلة عن المجتمع (وإن زعم وأراد ذلك)، إنما هو ميدان اجتماعي/اقتصادي نجد فيه جميع انعكاسات الحالة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وبالتالي فإن السوق لا يملك القدرة على تغيير الوضع الاقتصادي للأفضل، بل البشر هم من يملكون القدرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية العامة بحيث تظهر انعكاساتها في ازدهار السوق.
تقوية السوق تكمن إذن في تقوية عوامل السوق، وهي الإنتاج والقوة الشرائية والمناخ الاستثماري الآمن، وكل هذه العوامل تتعلق بأدوات الحكم الراشد والمجتمع المدني، فالإنتاج يحتاج لكادر بشري متعلم ومتعاف، والقوة الشرائية تحتاج اكتفاء ذاتيا في الضرورات الحياتية، والمناخ الاستثماري الآمن يحتاج استقرارا سياسيا وثقافة تعايش بين المواطنين.. كل هذا يأتي قبل السوق وقبل التجارة وقبل الاستثمار الأجنبي.. عوامل استقرار وازدهار السوق، وحل مشاكله، إذن، هي عوامل تأتي من خارجه وليس منه نفسه.. هذه العوامل هي مجال الاقتصاد السياسي والتخطيط التنموي.
اليوم مثلا فمن المسائل الواضحة تاريخيا أنه ليست هناك دولة استطاعت تبني تنمية اقتصادية قوية عن طريق الاعتماد على آليات السوق فقط، حتى دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان (بصفتهم أغنى دول العالم)، وأكثر من ذلك فليست هناك دولة نامية حققت نجاحا اقتصاديا مناسبا في عصرنا هذا إلا بعد أن مرت بفترة تدخل حكومي قوي في تعيين وتنظيم وتوجيه آليات السوق (ويمكن ذكر النمور الآسيوية هنا كمثال).
عملية التنمية الاقتصادية عملية واعية، يجب أن تكون فيها خيارات واضحة في توجيه الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق أغراض معيّنة ("تنظيم الموارد" كما سماها الدكتور قرنق).. عملية مثل هذه لا يمكن أن تقوم بها قيام حقيقي إلا الدولة صاحبة الشرعية عند شعبها (الدولة ذات النظام الديمقراطي الحقيقي)، إذا أردنا أن نتكلم في سياقنا التاريخي المعاصر.. بهذا المعنى فالتنمية المستدامة هي خيار الحكم الراشد (Good Governance)، كما يسميه المجتمع الدولي، والحكم الراشد هو خيار شعبي واعي، يوظف إمكانيات المؤسسات الاجتماعية/اقتصادية لمصلحة تنميته البشرية الحقيقية.. السوق ما هو إلا مؤسسة واحدة من هذه المؤسسات، وغيره كثير.. عليه فإن السوق وآلياته لا يُستغنى عنه، لكنه لا يقود سياسات التنمية، وإنما يخضع لها.
|
يتبع ....
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالقاهرة | Abdel Aati | 04-17-13, 09:08 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:12 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:14 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:19 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:21 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:22 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:25 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:26 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:29 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 09:35 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 11:39 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 11:40 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 11:43 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-17-13, 11:44 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | طلعت الطيب | 04-18-13, 01:42 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-19-13, 08:28 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-19-13, 08:34 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | نايف محمد حامد | 04-19-13, 08:54 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-19-13, 09:04 AM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | ثروت سوار الدهب | 04-19-13, 04:07 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 04-19-13, 04:14 PM |
Re: مشاركة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مؤتمر القوى الديمقراطية بالق | Abdel Aati | 05-01-13, 10:55 AM |
|
|
|