|
من تجربتي بسجن النساء بأمدرمان دكتورة آمال جبر الله سيد أحمد
|
في كل مرة أكتب فيها عن تجربتي داخل سجن أمدرمان / قسم الأمهات تبرز لى أبعاد جديدة عن واقع النساء في بلدنا ، و يحيطنى خليط من المشاعر المكثفة و الأفكار و الطموحات و الإحساس بالمسئولية وضرورة تغيير هذا الواقع اللاإنساني. تعرضت للإعتقال السياسي في مطلع عام 1990 من داخل مستشفى الخرطوم التعليمي حيث كنت أعمل وقتها و ذلك في أعقاب إضراب الأطباء الشهير و الهجمة الشرسة على الأطباء. قضيت عدة شهور في هذا السجن مع عدد كبير من النساء من مختلف الأعراق و الأعمار و الألوان و المناطق في السودان ، و إن كان لى أن أقول رب ضارة نافعة. هذه التجربة كانت بمثابة نقطة تحول في رؤيتى لنفسى و للآخرين ، نقطة تحول في طريقة تفكيرى في المستقبل خاصة فيما يتعلق بعالمنا نحن معشر النساء. ولا أنكر الصعوبة التى أجدها في الكتابة عن هذه التجربة لأنها تعنى بحياة الآلاف من النساء اللائي يعشن في ظل ظروف شاقة و فريدة ، و لأنها تعنى بالظلم الواقع عليهن كما هي تعنى بآلامهن و أحلامهن و آمالهن و عن كيف أنهن عرضة لأي شئ و في أي وقت و ذلك بسبب هشاشة أوضاعهن الإجتماعية. هذا و قد قصدت السلطة إذلال المعتقلات السياسيات و ذلك بوضعهن في نفس المكان مع السجينات و المتهمات الجنائيات ، و هي لا تدرى أنها و بفعلها ذلك قد قدمت للكثيرات منا تجارب و معارف لم يكن من الممكن الإلمام بها حتى في أعرق الجامعات أو بطون الكتب. كما أن ما هو مشترك بين المعتقلات و السجينات و المتهمات الجنائيات و في تلك الظروف ساهم في التكاتف و المساندة بينهن أولها أنهن جميعاً نساء بالإضافة إلى الإحساس بالظلم و الغبن من نفس العدو المشترك الذي زج بهن جميعاً في هذا المكان مهما إختلفت الإسباب. الحقيقة ان أوضاع النساء في سجن أمدرمان عبارة عن صورة مصغرة لأوضاع النساء في السودان و بذلك فهي نموذج لواقع النساء في دولة التمييز الطبقي و النوعي و الثقافي و من هنا تبرز أهمية الإهتمام بهذه المجموعات الإجتماعية من قبل كل من له أدنى إهتمام بقضية التغيير و حقوق الإنسان. كانت قبلى مجموعة من المعتقلات أطلق سراحهن ، و بعد أيام قليلة من إعتقالى إنضمت إلينا السيدة الكريمة سميرة حسن مهدى الموظفة بالقضائية حينها و القيادية في الحزب الإتحادي الديمقراطي ، حوكمت سميرة بالسجن خمس سنوات بتهمة وجود منشورات و قصيدة معادية للنظام في درجها بالمكتب. رأيت سميرة و هي داخلة على قسم الأمهات هاتفة بصوت عالى اليوم طلع مانديلا و دخل مانديلا تاني السجن ، و كانت تعني نفسها. و كانت تلك اللحظة التي عرفت فيها بإطلاق سراح نلسون مانديلا و ما حدث من تغييرات في جنوب أفريقيا. سميرة حسن مهدى كانت رفقة رائعة ، فهي إمرأة قوية و شجاعة و صبورة. في يوم المرأة العالمي و في هذا الحيز المتاح لا أود الكتابة عن المعتقلات السياسيات لأنهن معروفات. و لأن إعتقال إي شخص إمرأة أو رجل إعتقالاً سياسياً يحظى بالكثير من الإهتمام ، لكن سجن المئات بل او الآلاف من النساء بإسم الجرائم الجنائية لا يجد أدنى إهتمام.
|
|
|
|
|
|
|
|
|