|
دكان علي بتاع الروادي
|
دكان علي بتاع الروادي إلى روح أخي العزيز عثمان زعوط في عليائها.
وصلتنا بطاقة دعوة ظهر يوم في نهاية الثمانينات، لحضور حفل زفاف نجل فلان الاول على كريمة فلان الثاني، لا أذكرتفاصيلاً، ولكننا كنا جماعة من المشتغلين بالصحافة، لا اذكر من منا كان ذو صلة بالنجل أو الكريمة، ولكن البطاقة الزرقاء الحائلة، ذات الحواف الزقزاقية، تشبه سور (قصر بوكاسا)، المطل على النيل الأزرق في مدني، والذي لم يعش السيد بوكاسا لينعم بهدوئه، والذي دهنت بفضل من خيرات طلاء البوماستيك المرصود لتجميله، حوائط معظم بيوتنا في مدني، نقله (النقاشين) يحملونه إلى بيوتهم في وقفة العيد، داخل أوعية (عمدان) الغداء، بعد أن يلتهموا ما بداخلها، ويغسلونها جيداً. تداولنا البطاقة التي بدأت بآي من الذكر الحكيم، و أنتهت بالعاقبة عندنا في المسرات، كنا رفقة خيرة في صحيفة السوداني، مأكلنا ومشربنا وحياتنا ومماتنا في غرفها الساخنة، وصندقتين من الخشب المضغوط في حوش دارها، يحتلها المصممين و الخطاطين في المساء، و الدار بمجملها، تقع في قلب حوادث الخرطوم غرب، عمارة الفيحاء، أول الأسماء التي ابتدرت حملات إغتيال بقية الأسماء السودانية، البان جديد، أم بارونة، الدندر الخ...، السفارة الأمريكية، جامعة الفرع، تثير غيرة جامعة الخرطوم بجميلاتها المتحررات، وصبيانها الذين يقودون سياراتهم الخاصة، والنجم الذهبي للنقل الجوي هناك، والكليات التكنولوجية، أستاد الخرطوم المعبأ بقشر قصب السكر، حتى المنصة وقشر التسالي، سينما غرب، معهد الموسيقى والمسرح، بيوت الأشلاق، ستات الشاي في الأمسيات، ودرمة وسعد الدين عبد الحميد، عماد عبد الله، عثمان النمر وعطيات، ابو الكيلك، ربيع خليل وطمبل، حسين حسن حسين ومنال حليم، عم محمد، أحمد عيسى الحارس الليلي، ومولانا شيخ الإعلانات، وأب زرد، رئيس التحرير الذي صعقته كهرباء الجنريتر، فسقط وسقط معه بأسه، وكنت لا أتمالك نفسي من الضحك، محمد زين المصور، قلنا (حوار الشيخ حمد النيل)، يحي شالكا ويحي الفادني، عبد الرحيم يسين، ومحمد يوسف السمهري الوسيم حقاً، أشار بيده إلى المكان، مكتوباً على صفحة البطاقة الزرقاء، حيث قالت: (يقام الحفل في منزلنا الكائن بالعزوزاب، جوار دكان علي بتاع الروادي) ومحمد يوسف حينما يطرب لشئ، يضع كفه اليمنى تحت كوع ذراعه اليسرى، و يتمحن بكف اليسرى، ثم يقول: يا سلااااام ياخي. في ظهر ذلك اليوم، ردد محمد الجملة، ثلاثة مرات.
قبل عدد من الاسابيع، إحتجز لص مسلح بذئ، صديق لنا يعمل سائقاً للتاكسي، في ضاحية مريبة من ضواحي (برينس جورج كاونتي) في ولاية ميريلاند، وكان قبيل أن ينقض عليه راكب السوء من وراءه، يحادث أخاه في البيت، فنسي من عظم رعب مجابهة الموت، الهاتف مفتوحاً، ملقىً بجانبه، سمع أخوه وقائع الحواربين اللص وأخيه، يتعجله فيه أن يسلمه كل ما يحمله من مال، والسائق بالإيمان المغلظة يقسم، بأن ما سلمه له هو كل ما عنده، واللص لايقبل التصديق، فتزداد شراسته، إتصل الشقيق بالبوليس، فطلبو منه رقم هاتف أخيه الجوال، وإن هي إلا ثواني، وسيارة التاكسي محاصرة برجال (الأسكواد)، أسقط في يد اللص، فاقتيد إلى السجن، ولسان حاله يقول، الطمع ودر ما جمع، ونجا صديقنا، من الموت (جنب كنيسة مارلبورو بايك، قصاد دكان جو بتاع السمك). أما (عزو)، فقد كان أن إلتقى بالحسناء (تيوانا)، خلال عمله بالغسالة، حلق حولها ودار في رشاقة عاشق، غازلها فغازلته (باك)، أكرمها ببواقي صابون (التايد) الذي خلفه الزبائن السابقين، ومعطرات الملابس، فأحنت رأسها (ثانك يووو)، طبق لها الملابس ووضعها في زكائب البلاستيك، وحملها إلى سيارتها حباً وكرامة، فقالت: Hay … word up! تبودلت أرقام الهواتف، وفي غضون أيام قلائل، تطور الأمر، فدعاها للعشاء، ضحكا ضحكا نابعاً من القلب، هنالك في المطعم الواقع (جنب سوق السمك في واشنطن دي سي)، وكعادة النساء الأمريكيات، فإن اللقاء الأول ينتهي بكل إلى منزله، فلا داعي للعجلة، تفهم عزو كل ذلك بقلب منشرح، ونشب الإتصال والتواصل في الأيام التي تلت، حميماً ورائقاً، حتى فاجأته ذات مساء بهيج، بدعوته إلى شقتها (الكائنة جنب دكان جورج بتاع البنادق)، تحلب قلبه شوقاً، حتى كاد أن يغشى عليه من الفرح، ولكنه لم يتمالك نفسه من سؤالها حتى تتأكد له حيازتها: إنتي يا تيوانا بسماحتك دي كلها ما عندك بوي فريند وفي إنتظار الإجابة قام بقضم ظفرين، دون أن يعي. جاءت إجابتها في صراحة النساء الأمريكيات المعهودة: أيوه عندي، لكن ما موجود اليومين دي. أعمى عدم التصديق الهازئ عقله، فنما فضوله مثل شجر اللبلاب: مشى وين؟ فرتقتو مش؟ فأجابته بصراحة أشد قتلاً: لا ما فرتقنا، قاعد في السجن. توتر عزو، وحك هامته في قلق، فسألها مجدداً (مالو؟ بتكون حاجة بسيطة)، فعالجته بحزم (لا ما بسيطة، كتل تلاتة أنفار)، صمت .. ثم (ما عندك فكرة بيطلع متين.)، إجابة (لا والله، لكن متين ما يطلع بجي البيت).. صمت. غني عن القول، أن عزو إعتذر عن زيارتها تلك الليلة لعذر طارئ، وظل هذا العذر الطارئ ساري المفعول، في كل الليالي التي أعقبت ذلك دون تمييز، ولكن خظ الإتصال بينهما ظل عامراً بالأنس والتآنس، وفي ختام كل جولة من الحديث العذب، الذي يشق همسه سكون الليالي، لم ينفك عزو عن سؤالها مختتماً حديثه الرومانسي الشيق: أها ما سمعتي حاجة جديدة، الزول ده طالع متين؟؟
كنا في البقالة الواقعة (جنب محطة قطار مترو نيويورك)، يختبئ في نفق تحت شارع برودواي، (جنب المحطة نمرة تمنية وتسعين بالضبط)، وعثمان كعادته يضحك بالصوت العالي، وأحب ما يناديني به (يا ابو السرة ما تضوق المرة)، فكأنما لا يعنيه من أمر الدنيا ضجرها، كريم لا يداني كرمه أمد، يجيبك إلى كل ما تطلبه منه، دون أن يطرف له جفن، نقي السيرة والسريرة، لم نره غاضباً على أحد، حتى أولئك الذين يغضبون الحجر، فأغيظه بقول سمعته من أخي، يا عثمان قالو الما بزعل ك ل ب، والما بطرب حمار، فيضحك، حتى تزداد البقعة الحمراء، التي في طرف عينه اليمنى توهجاً، و ينتقل الإحمرار إلى عينه اليسرى، من فرط التعب والرهق والمتعة الخالصة، كنت أعجب لبوهيميته، فتحسبه يعيش في مدينة فاضلة، لا تشبه (السيتي) وعسفها الذي لا ينقطع، مثل زئير قطاراتها في الأنفاق، ومركباتها التي تشق سكون الليل وصخب النهار دون انقطاع. كنت قبل فترة قصيرة، (جنب دكاكين العرب في اسكاي لاين)، هاتفت مجاهد، وتحدثنا وضحكنا، سألته عن أخبار عثمان، وأنا (جنب بقالة الأمل)، صمت، ثم جاءني صوته، مثل هزيم المجرة: إنت بجدك يا زول.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-21-12, 04:21 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | سيف النصر محي الدين | 11-21-12, 04:37 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-21-12, 05:40 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-21-12, 05:41 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | سيف اليزل برعي البدوي | 11-21-12, 12:13 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-21-12, 03:31 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Magdi Algorashi | 11-21-12, 09:56 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | فرح الطاهر ابو روضة | 11-21-12, 11:27 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Rawia | 11-22-12, 07:07 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-22-12, 09:38 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-26-12, 04:42 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-26-12, 04:57 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-22-12, 03:52 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-22-12, 07:14 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | سيف اليزل برعي البدوي | 11-22-12, 08:30 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | طلحة عبدالله | 11-22-12, 09:37 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | سناء الصباغ | 11-22-12, 01:40 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Emad Abdulla | 11-22-12, 05:19 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-23-12, 02:46 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-23-12, 02:49 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-23-12, 02:22 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-23-12, 07:09 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | انصاف ابراهيم عبدالعزيز | 11-23-12, 10:41 AM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-24-12, 07:45 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | باسط المكي | 11-24-12, 08:09 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | فرح الطاهر ابو روضة | 11-24-12, 09:47 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-25-12, 05:48 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-25-12, 05:46 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Abureesh | 11-26-12, 05:57 PM |
Re: دكان علي بتاع الروادي | Tagelsir Elmelik | 11-27-12, 02:39 AM |
|
|
|