حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-27-2024, 12:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-27-2012, 08:34 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل السادس
    حجج سوبا والرد عليها
    ساقت جماعة سوبا –منذ أول حلقاتها التآمرية على الحزب وحتى الحلقة الأخيرة- العديد من الحجج لتبرير الانسلاخ، وهي لم تدع "كرتا" يمكن استخدامه أو إعادة تفسيره حسب منطقها إلا طرقته، ولذلك سيكون الرد على كل تلك الحجج والمبررات غير ممكنا، ولكننا نتناول هنا أهم حجج سوبا، وهي: تطوير لا تنظير- الدعوة للإصلاح- الدعوة للتجديد بحزب الأمة- عدم فاعلية الحزب في ظل سياسته الحالية. والحجة هنا هي دخول دائرة الفعل- لا قداسة في السياسة- عجز الحزب المالي -المشاركة لخدمة الجماهير- الطعن في أجهزة المحاسبة- التحرك القومي- إمامة الأنصار- ودكتاتورية رئيس الحزب وأسريته.
    الحجة الأولى: تطوير لا تنظير
    سبق وأشرنا إلى تعرض الأستاذ الحاج وراق في عموده "مسارب الضي" لهذا الشعار بالاستهجان، وما ساقه من أن التطوير لا يتم بلا تنظير، فمن محامد "سوبا" أنها أتحفت الشارع السياسي السوداني بأدب رصين رصع صفحات الجرائد أمثال الأيام والصحافة والحرية والرأي العام، أدب سبر غور سوبا، صدق الصادق من قبل حين قال أن الشعب السوداني حصيف لا تمر عليه الألاعيب، فهو متخصص في "سلخ جلد النملة" في السياسة. اللهم أضفها لميزان حسنات أهل سوبا، إنا لنكره تتالي سيئاتهم.
    أحاديث الانسلاخيين في هذا الصدد لا تنفك تركز على البعد "العملي" في العملية السياسية وتحط من أهمية الجانب "النظري" فالناس لا تأكل فكرا! هذا بعض ما جرى على ألسنتهم،عكس هذه المقولة هو ما جرى على لسان السيد المسيح "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"!. وقال قائلهم: أن السيد الصادق قد كفانا فكرا يكفي لمدة عشرين عاما. ثم جاءت هتافات المؤتمر "تطوير لا تنظير". ولخطورة هذا الشعار فإننا نفرد له النقاش التالي:
    لماذا الفكر؟
    الفكر ليس عبثا ولا ترفا. إن أية عملية تستهدف النهوض لا يمكن أن تمر إلا عبر عملية فكرية مضنية، وبالنسبة لحزب الأمة فيمكننا الحديث عن ضرورة التنظير للآتي:
    - لابتداع النهضة: فالنهضة السياسية والتنموية والاقتصادية والتكنولوجية تحتاج إلى نهضة ثقافية تؤدي إليها. لقد حدث ذلك في الغرب فالحداثة هي نتاج ثورات ثقافية وسياسية وعلمية متزامنة. بعض الناس في عالم الجنوب يرون أن الثورة الثقافية والتنوير الذي حدث في الغرب كاف لتغطية أرجاء المعمورة، وما على الآخرين إلا الاستفادة من التجربة الغربية ونقلها بحذافيرها. بدأت هذه النحلة مع الإمبراطوريات الاستعمارية التي عضدت حملاتها الشرسة على المستضعفين وبررتها برسالة الرجل الأبيض الحضارية، فغزت تلك الشعوب عسكريا و ثقافيا. وبعد انحسار الاستعمار وعقود من محاولات السير في ركاب مثال الرجل الأبيض اتضح خطل تلك الأطروحة التبريرية. وصارت المحافل العالمية –بدءا بتقرير لجنة الجنوب في أوائل التسعينيات، وتقرير اللجنة العالمية للثقافة والتنمية في نوفمبر 1995 بعنوان التنوع البشري الخلاق- صارت تلك المحافل تؤكد أن التنمية (والتطوير) بصورة لا تراعي الثقافة حماقة كبرى، تؤدي إلى فشل خطط التنمية، وإلى خيانة الإرث وفقدان (روح) المجتمع، التنمية خارج الإطار الثقافي صار ينظر لها على أنها نمو بلا روح (فهي كورم الغريق) . لقد أكد "التنوع البشري الخلاق" أن لكل مجتمع طريقه الفريد للنهضة. هذا الطريق يعتمد على مقدرة المجتمع المعني على الخلق والإبداعية والزراعة في الأرض البكر: في الفكر- في السياسة- في التنمية- في الفن..الخ. هذا الخلق وتلك الإبداعية تنبعان من رؤية فكرية عميقة واعية بمعطيات بيئتها (الفكرية والتاريخية والطبيعية والسياسية) رؤية بمثابة النور. أية محاولة للسير على غير هدي ذلك النور إدلاج يورد صاحبه للمساقط والزلل. وبالتالي، لا يمكن أن يتم تطوير بلا تنظير.
    - وللسودان: كبلد ناقص التكوين القومي، يعاني مشاكل وحدوية وتنموية ويعاني من تعثر بناء الدولة الحديثة بالتالي في ظل تنوع طبوغرافي (اختلاف في البيئات والموارد والمشاكل) وديمغرافي (ديني وإثني وثقافي) وتاريخي في أرجائه المختلفة ألهب الخلافات بين أبنائه. في هذه التركيبة تبرز تعقيدات سبيل النهضة، والحاجة للإبداعية الفكرية المنيرة. القالب الغربي مشدود للبيئة التي فيها نبت. والتصورات المحلية بعضها يرجع للمثال الإسلامي التقليدي الذي أفرزه واقع تاريخي –بل وبيئي - معين فسر المجتهدون حينها النصوص عليه، في ذلك الواقع العدائي بين المسلمين وبين غيرهم تم إسقاط أية قيمة دينية للأديان الأخرى، وتم تقسيم الدنيا إلى دار حرب ودار سلام، هذا النموذج سيكون بابا للفتنة الدينية العالمية التي يخسر فيها الإسلام الدين ويخسر فيها المسلمون البشر، وتسقط فيها إمكانية الدولة القومية السودانية. بعض التصورات الوطنية تتعلق بمفاهيم قبلية للعزة وللفخر، وتواريخ قبلية بنيت على الغارات والرهبة بالقوة وكلها لا تصلح أساسا للتعايش ولا للتكوين القومي. إن في الإسلام مجال عريض لاجتهادات تقبل بقيمة دينية للآخرين، وفي الثقافات المحلية تواريخ للتعايش والتسامح.. ولكن الوصول للصيغة التي تستنطق الأصول لصالح الدولة القومية، وتمتص عبر الجذور غذاء ينمي ثمرتنا الوطنية شيء لا يأتي بصورة تلقائية بل يحتاج لعمل مضن وفق تخطيط سليم وتنظير مستنير.
    - ثنائيات يلعب الحزب في توفيقها دورا: أيضا في السودان ثنائيات بين الشمال والجنوب، وبين سودان النيل وسودان الغرب، وبين القطاع التقليدي والقطاع الحديث.. ثنائيات يستطيع حزب الأمة وفق خطة فكرية واعية بتلك المعطيات أن يخرج بصيغة تحفظ التوازن القومي لأنه الأكثر تأهيلا لذلك . وهذا كله لا يتم إلا عبر اجتهاد فكري مضن وعميق.
    - وبالنسبة للمهدية: حزب الأمة الذي يستند على قاعدة غالبها من الأنصار يواجه تحديات جمة أول خطوات مواجهتها فكرة نيرة. إذا لم يفلح الحزب في التعامل مع بعده الأنصاري بصورة تميز بينه وبين الكيان الأنصاري في المؤسسات وفي التمويل وفي أسس الولاء يدخل في متاهات وجودية. وإذا لم يفلح الحزب في التعامل مع الإرث المهدوي بصورة تجعله يستصحب كل النقلات الفكرية والعملية الهامة في المهدية (التجدد المستمر- التأصيل الديني والقومي في ذات الآن "أي السودنة"- الاستنفار والعزم والحزم "في مقابل التسيب والسبهللية"- استبدال مفاهيم العزة القبلية بالكفاءة- إرث المحبة والخطاب المنضبط أخلاقيا الظاهر في رسائل الإمام المهدي"، ثم يستصحب النقلة الفكرية والسياسية في المهدية في طورها الثاني (من الأحادية للتعددية والتعايش والتسامح- ومن الانعزالية للانفتاح على العصر الحديث)، إذا لم يستصحب الحزب تلك الجذور ويصبها في قالب حديث مؤسسي فإنه يخون إرثه أو يبدد عصره.. هذه نقلة تبدأ بالفكر كما ذكرنا.
    - وبالنسبة للإسلام: حزب الأمة حزب سياسي سوداني غالبيته من المسلمين، والمسلمون في كافة أقطارهم لم يصلوا للصيغة المثلى للنهضة التي لا تخون إرثهم وتخرجهم من خانة الاستلاب أو تعصمهم من خانة التحجر وإعطاء ظهورهم للواقع. لم تحسم بعد ثنائية الأصل والعصر بين المسلمين حول مسائل: المعرفة- الدولة- الاقتصاد- التنمية- المرأة- حقوق الإنسان- العولمة.. وغيرها من القضايا التي تطرح نفسها بإلحاح العصر وتصطدم بقوة الأصل. لا مجال لبيع أي منهما لصالح الآخر، وهناك مجال لتعدد الاجتهادات حولهما.. إن الوصول لمعادلة فكرية تبين طريق النهضة في هذه الجوانب وغيرها على أساس لا يخون الإرث ولا يصم إذنه عن العصر، ضروري لولادة النهضة نفسها.
    التنظير للكيانات السياسية هو بمثابة الشمس للنبات، لا تستغني عنها إلا نباتات الظل، وتلك تعيش تحت رحمة نباتات أخرى ولا تشق أبدا عنان السماء. شعار سوبا "تطوير لا تنظير" شعار خاطئ وواهم، ومن الأحرى أن يقال: تطوير مع التنظير. هذا على صعيد رفع الشعار. ولكننا في نقدنا لأسلوب جماعة سوبا نرى أن ما يقومون به –ربما بسبب غياب التنظير- هو في حقيقته "تقبير" إذا تبعه الحزب لكان مصيره الفناء.
    الحجة الثانية: الإصلاح
    لقد تعرضنا في فصول سابقة عرضا لمسألة الإصلاح والتجديد التي لوح بها مبارك المهدي في تصريحاته. ثم انعقد مؤتمر سوبا المزعوم تحت هذا الشعار. ومن الطبيعي أن الشعار يحتوي على مفهومين مختلفين، ولذلك فسيتم تناولهما بصورة منفصلة برغم أنهما كانا يساقان بارتباط لازم:
    الإصلاح لدى الكيانات السياسية يعني التقويم: في المنهج (التكتيكات المتبعة)، وفي البرنامج (الاستراتيجيات المرسومة)، وفي أسس العضوية، ومعايير التصعيد، والآلية أو الأجهزة (التنظيمات والهياكل والمؤسسات). وللإصلاح أو التقويم نفسه وسائل وآليات.
    وقبل الحديث عن مفهوم الإصلاح بصورة مفصلة ومناقشة ذلك فيما يخص حزب الأمة، أرى أن نحاول التفكر في معايير الكيانات السياسية في عوالمنا، وكيف يتم الإصلاح وفق تلك المعايير؟
    معايير الكيانات السياسية
    الكيانات السياسية نوعان: تقليدية وحديثة. هذا التصنيف لا يوجد في بلدان عالم الجنوب بشكل قاطع، فالكيانات المسماة تقليدية استصحبت بعض مظاهر الحداثة، والكيانات المسماة حديثة استصحبت بعض المظاهر التقليدية. ويمكننا وضع المعايير التالية للأسس التقليدية والأسس الحديثة للكيانات السياسية:
    المعيار الأساس التقليدي الأساس الحديث
    1- الالتحاق بالكيان (العضوية) الولاءات الأولية (القبيلة- الطائفة (بالمولد)- الجهة- المذهب الديني بالمولد..الخ) الاقتناع بالبرنامج المقدم على أساس أيديولوجي أو مصلحي (طبقي)
    2- شرعية القيادة وراثية (لزعيم القبيلة- شيخ الطائفة..الخ)- أو عبر مجلس شورى مكون اتباعا لتقاليد معروفة. شرعية انتخابية تتبع أسس نيابية ديمقراطية بالتصعيد والنسب المنضبطة.
    3- البرنامج عبارة عن توجيهات أو اجتهادات الزعيم أو الشيخ..الخ، وقد يستصحب ذلك شكل شوري قائم على تقاليد قبلية أو أسرية متعارف عليها. يصاغ البرنامج عبر آليات علمية مدروسة (ورش العمل- السمنارات- الاجتماعات القيادية..الخ) أسس المشاركة في منتديات صياغة البرامج تتم على أسس التصعيد والكفاءة. يعرض البرنامج على المجلس النيابي المعني (الجمعية العمومية- المؤتمر العام..الخ) ويجاز على أسس ديمقراطية.
    4- المنهج (التكتيكات والسياسات) يعتمد المنهج على الاجتهاد الفردي فيما عدا الأشياء التي يتدخل فيها (الزعيم، الشيخ..الخ) موجها لاتخاذ موقف معين. المنابر المعنية تصوغ ديمقراطيا الاتفاق حول التكتيكات والسياسات المختلفة، وتتفق مثلا على الاتحاد حول موقف معين- توزيع الأدوار بين القيادات– حرية الحركة والتصرف في إطار الاستراتيجية المقرة..الخ
    5- الأجهزة (التنظيمات) تختلف باختلاف القالب التقليدي للكيان، ففي الطوائف الصوفية مثلا يكون لكل شيخ شيوخ طائفة مشيخات تابعة من تلامذته وأتباعه. وقد أثبت الطيب محمد الطيب أن المسيد (كمؤسسة تقليدية تعليمية) فيها تقسيم للعمل وتنظيم محكم يشرف عليه الشيخ. التقليدية لا تعني الفوضى ولكن أسس التنظيم فيها تختلف عن الأسس المتبعة في الكيانات الحديثة. التنظيمات والأجهزة في الكيانات الحديثة تكون بصورة مؤسسية. والمؤسسات تجعل تقسيم العمل يتم بناء على الكفاءة، واتباعا لخطط مدروسة في وسائل العمل وغاياته وفي تمويله عبر مناشط اقتصادية مضبوطة بإدارة مالية مدروسة.
    6- معايير التصعيد بالنسبة للزعامة يعمل النسب في كثير من الكيانات التقليدية كأهم العوامل للتصعيد، ولكن هذا لا يعني انعدام اعتبار الكفاءة ولو كانت بدرجة أقل.. تقاس الكفاءة هنا على أسس تقليدية عرفية متبعة، مثلا لدى القبائل المحاربة يكون التصعيد للقيادة على أسس البلاء القتالي وأسس المنعة القبلية..الخ. عند المشيخات والطوائف يتم التصعيد لمراقي الطريقة على أسس معلومة (الكرامة- العلم- الصبر على العبادة..الخ). وهنالك بعض القبائل الأفريقية التي تمارس الديمقراطية بصورة تقليدية بحيث تكون مجالس تقليدية للتشاور وتتخذ الاقتراع وسيلة للتصعيد. يتم التصعيد على أسس خاصة بالعضو، وأخرى خاصة بالمؤسسة: -الأساس الخاصة بالعضو هو الكفاءة - معايير الكفاءة هنا عديدة ومتداخلة يتم في البرنامج التنظير لها ولأولوياتها في درج التصعيد، منها: البلاء والتصدي- التفتح الذهني- الإخلاص- التزام البرنامج- المثابرة- الأسبقية- المقدرة على العمل في فريق..الخ.
    يكون لكل عضو ملف تنظيمي يحوي المعلومات عنه وعن تاريخيه التنظيمي وأوجه قوته ونقاط ضعفه. يستفاد من تلك الملفات لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وعلى هذه الأسس يتم التصعيد.
    الأساس الخاص بالمؤسسة يركز على توازن التمثيل في قيادة المؤسسة لكل مكونات العضوية النوعية والإثنية والدينية..الخ، ويحرص على أن يكون المصعدون مقبولين نسبيا لدى العضوية. ويمكن للمؤسسات أن تستخدم أساليب الانتخاب- الاستبيانات وغيرها للاختيار بين المؤهلين.
    بالطبع لم يتم تتبع كل المعايير التي تتخذها الكيانات السياسية في تكويناتها وآلياتها وبرامجها، ولكن المهم فيما سقناه أعلاه أن تجري تفرقة بين الأسس التقليدية (التي يتوارثها الناس أبا عن جد نقلا بالتوجيه أو الممارسة) وبين الأسس المستحدثة (التي تغير في التقاليد بما يوافق العصر)، والأسس الحديثة (المؤسسية المدروسة التي نشأت مصاحبة للحداثة في الغرب). بهذا المفهوم فإن التقليدية لا تعني العشوائية أو انعدام المعايير، لكنها تعني وجود معايير نابعة من الثقافات المحلية ومتداولة عبر الأجيال استنادا على التقليد وحده وبدون تحديثه أو استصحاب الحداثة.
    وكما تحدث حزبنا عن "الديمقراطية المستدامة" باعتبارها مفهوم يتم عبره أقلمة الديمقراطية في البيئة السودانية، فإننا يجب أن نتحدث عن مفهوم "المؤسسية المستدامة" باعتبارها التنظيم الذي يبتكر المعادلات التي تستند على النهج العملي المدروس، وتستصحب نقاط القوة في التقاليد التنظيمية الموروثة، وتطورها.
    مفهومان للإصلاح الحزبي
    الإصلاح الحزبي في أحد جوانبه هو وضع حد للعشوائية في البرنامج (مثلا هناك كيانات تغير خطابها الاستراتيجي بدون اتساق- هذه عشوائية) والعشوائية في المنهج (بحيث لا يوجد موجه للتكتيكات المتبعة) والعشوائية في الأجهزة (بحيث ينعدم تقسيم العمل والتنظيم والأسس المحددة للتمويل..الخ) والعشوائية في معايير التصعيد (بحيث يتم على أسس غير موضوعية ولا متفق عليها). الإصلاح في هذا الجانب هو التخلص من العشوائية في كل صورها.
    والإصلاح الحزبي في جانب آخر هو نشدان لمثال أفضل في جميع المعايير المتبعة: في العضوية (بحيث تكون مفتوحة قوميا وتسهم في التكون القومي لا في عرقلته) وفي معايير القيادة (بحيث تكون مفتوحة للجميع على أساس الانتخاب الديمقراطي لا الوراثي أو الجهوي أو الديني أو النوعي)، وفي البرنامج (بحيث يعضد الوحدة الوطنية ويتجنب إثارة الفتن الدينية أو الإثنية أو النوعية) وفي المنهج والتكتيكات (بحيث تتبع المثابرة والصدق وتبتعد عن المناورة وتبتعد عن التناقض مع البرنامج الاستراتيجي ومع الضمير الشعبي، ولا تتناقض مع فضائل الأخلاق على النهج الميكافيللي) وفي معايير التصعيد (بحيث يتم ترتيبها بصورة تجعل المقدرات (القوي) مصحوبة بالالتزام والصدقية )الأمين(، ولا تسقط الشعبية فعلى حد تعبير الإمام المهدي: "من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين". الإصلاح في هذا الجانب هو مراجعة الأسس والبرامج والآليات بصورة تعضد التكوين القومي والوحدة الوطنية، وتبتعد عن المعايير التي تؤجج الفتن الدينية والجهوية والنوعية، وتلتزم فضائل الأخلاق مبتعدة عن المناورات والميكافيللية.
    آليات الإصلاح
    وجزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح السياسي وسائل وآليات الإصلاح نفسه. فهناك أدب سياسي غزير حول هذه المسألة، وقد شاعت في زمان ما مقولة "المستبد العادل" والتي عانى منها الشرق وثبت خطلها. فالإصلاح يجب أن يكون بصورة ديمقراطية وعبر الشرعية الديمقراطية ذاتها. وفي دساتير الدول والأحزاب آليات للإصلاح عبر الجهات التشريعية والتنفيذية المختلفة، وآليات لسحب الثقة من الأجهزة عديمة الكفاءة. وفي دستور حزب الأمة تعقد الجمعية العمومية –آلية الإصلاح- بدعوة الرئيس أو ثلثي الأعضاء، وهذا الأخير ما يمكن أن يطلق عليه المؤتمر الاستثنائي. لكن أن تأتي جماعة لا تمثل إلا أشخاص حاضريها (وهم حوالي 0.01% من عضوية حزب الأمة عامة وحوالي 22% من قياداته)، وتدعو لاجتماعها سرا فذلك شبيه بالانقلاب على الديمقراطية تآمريا تحت شعار الإصلاح أو الإنقاذ وقد بان خطله.
    طيف الكيانات السياسية السودانية بين التقليد والحداثة
    إذا نظرنا للكيانات السياسية السودانية لوجدناها جميعها تنطوي على سمات تقليدية، وسمات حديثة، وسمات مستحدثة، وسمات عشوائية. فالقبلية مثلا كسمة تقليدية في المجتمع توجد آثارها بدرجات متفاوتة في كل الكيانات السياسية السودانية بلا فرز، وكذلك الجهوية، ووراثة الولاءات السياسية حتى لدى الأحزاب العقائدية فهي تكون أسر تتوارث الشيوعية أو الإخوانية وغيرهما. ولا يوجد حزب سياسي سوداني معروف لا يتخذ برنامجا مطبوعا يعلن عن أنه استراتيجيته في العمل السياسي، وهذه سمة حديثة. والكثير من الكيانات السياسية تتخذ من أساليب الاتصال والفن التقليدية وسائل لنشر أفكارها غير التقليدية وهي أمور مستحدثة. وكذلك لا يخلو حزب سياسي سوداني من سمات يتم فيها التصعيد والتمويل والتصريحات والتكتيكات بشكل لم ترسمه الجماعة بدقة أو غير متفق عليه، وهذا هو سبب الانقسامات المتكررة لأسباب داخلية راجعة للعشوائية في التعامل مع الخلاف، والعشوائية في التصرف بين القيادات الحزبية. فما هو نصيب حزب الأمة؟.
    الإصلاح في حزب الأمة
    حزب الأمة حزب خليط في تكوينه فبعض الناس ينتمون له على أسس تقليدية قبلية أو أنصارية والبعض الآخر يجذبهم البرنامج الذي يطرحه الحزب، النوع الأول من أنواع العضوية تغلب على عضوية الريف، والنوع الثاني توجد أكثر بين عضوية المدن وخريجي وطلاب مؤسسات التعليم العالي. والإصلاح المطلوب في هذا الصدد ألا يحجر شخص من العضوية أو يقلل من شأنه استنادا على الأسس التقليدية، مع إعطاء تلك الأسس نصيبها من الاعتبار في تخطيط أجهزة الحزب. والأداء الذي اتخذته جماعة سوبا هنا هو خطوة للوراء، وللتدليل على ذلك أسوق ما استصحبه أحد المنتمين لتلك الجماعة (وكان من بين عضوية أمانة الإعلام التي كانت أحد أذرعة جماعة سوبا 2002م داخل الحزب) وهو خالد عبد الرحمن –الشهير بخالد تكس- لقد كتب المذكور في جريدة الحرية يعيب على أحد الشابات بالحزب تقلدها منصبا تنفيذيا لأن أهلها لا يتعدون دائرة بحري وأم درمان .
    والسقوط الأكبر في مقياس الإصلاح هو ما يتعلق بمعايير القيادة. فقد أذاعت جماعة سوبا عبر لقاء أخبار العرب الشهير، وعبر الخطاب الممهور بأحرف الذي سبقت إشارتنا له، وفي بيان أصدره السيد مبارك المهدي إلى من سماهم "أحبابنا الأوفياء" ووزع على المصلين في الجمعة بتاريخ 11 يناير 2002م، في كل تلك المناسبات قامت الجماعة المنسلخة بيد كبيرها بالتنظير لأسس لقيادة كيان الأنصار تستند على الوراثة، فمرة هو يدعو لأن يكون الإمام الابن الأكبر للإمام عبد الرحمن، وتارة يدعو لدور أكبر لأبناء أسرة المهدي (هكذا وبدون شرط أن يكونوا قد أبلوا بلاء حسنا أو أن الناس قدموهم للقيادة)، ثم يتردد أنه يدعو لإعادة مجلس الإمامة –وهو مجلس كونه الإمام الصديق ليصرف شئون الأنصار ريثما يختار الأنصار إمامهم شوريا- يدعو لذلك على أن يكون تكوين المجلس وراثيا لأفراده الخمسة من أسرة المهدي –متجاهلا أن ذلك المجلس وسع في أواخر عهد عبود وضم ستة من كبار الأنصار من خارج الأسرة.. وغير مدرك لأن الزمان قد تجاوز تلك الفترة التي كان فيها للأسرة القدح المعلى في الحزب والكيان، وذلك بفعل التطور في المنهج وفي البرنامج. إن الذي يريد أن يصل للمراكز القيادية في الحزب اليوم من أفراد الأسرة عليه أن يثبت نفسه، وأن يتحمل تساؤلات كثيرة حول مؤهلاته، وضجة بالحق وبالباطل فالطريق لهؤلاء صار مليئا بالأشواك.. ولقد انقضى الزمان الذي كانت فيه أماكن أفراد الأسرة محجوزة لو أرادوا، والملاحقات تتبعهم لو صدوا، وكل ذلك بفضل حملات الصادق التنويرية.. إننا الآن نواجه أكثر من الآخرين بالسؤال: ما هو عطاؤك؟.
    الإصلاح في المنهج
    قلنا أن الإصلاح في المنهج قد ينشد تجاوز العشوائية في المنهج وتجاوز تضارب التكتيكات، وأيضا يكون باتخاذ تكتيكات لا تتناقض مع البرنامج، ولا تتناقض مع فضائل الأخلاق ولا تتخذ نهجا ميكافيليا. وفي هذا الصدد فقد كنا تحدثنا عن مذكرة رئيس الحزب ردا على ما ساقه الانخراطيون حول الاستراتيجية والتكتيك مستشهدا بمقولة العز بن عبد السلام: "كل إجراء يناقض مقاصده باطل ". وهذا هو عينه ما تعرض له الدكتور صالح عبد القادر وهو يناقش مسألة البعد الفكري (الاستراتيجي المقصدي) تجاه الإجرائي (التكتيكي اليومي) فقال في معرض مناقشته للمذكرة الأربعينية: "إن واضعي المذكرة أجهدوا أنفسهم وعقولهم في اتجاه تأسيس علاقة ضرورية بين الإصلاح الداخلي والإصلاح الخارجي- المشاركة في السلطة- لكنهم تنكبوا الطريق فإذا كان التجديد الشبابي والمؤسسي لا يرتبط بتجديدات على مستوى الفكر".." يعني ذلك أن المشاركة منتزعة عن الإطار الفكري للحزب، وأنها تدور في إطار المصالح الخاصة وخدمة أهداف أخرى لا علاقة لها بالحزب ولا بقضايا الوطن"، إلى أن يقول عن المذكرة أنها تشير إلى احتمالين: "إما أن المشاركة في السلطة لم تبحث في إطارها الفكري الحزبي لأن واضعيها لم يدر بخلدهم أنها في الأصل قضية فكرية، أو أن واضعيها انسلخوا فكريا عن الحزب، و يتساءل: "فهل يريد السيد مبارك المهدي نسخ بلاء الصادق الفكري ومن ثم بعث الأصولية في الحزب تحت دعاوى التجديد الشبابي المؤسسي أم أن السياسة عنده ممارسة عشوائية وليست براجماتية كما قد يتبادر للذهن من التشبث بالمشاركة.. لأن ممارسة السياسة دون مرجعية فكرية واضحة المعالم والمقولات والمفاهيم تسكن حزبه القطاعي الإنشطاري مع أحزاب الزينة".." وإذا كانت المشاركة لا تستحق إطارا فكريا تدور حوله ويدور حولها فلتشارك كل الأحزاب الإنقاذ خدمة لجماهيرها" .
    وهذا يظهر الأداء السلبي فيما يخص إصلاح أسلوب العمل (التكتيكات) والذي يتبع نظرية "الغاية تبرر الواسطة". لقد سبقت إشارتنا لمسألة الخداع الذي صاحب تجمع سوبا، ونشير إلى الآتي مما يثبت أن هذا المنهج المختل يحكم جماعة سوبا:
    سياسة تمويه الحقائق
    وهذا نهج أصيل في سوبا أصالة المشاركة بدون شروطها. ويمكن أن أسوق فقط بعض الأمثلة التي تدل على أن هذه الجماعة لا تتحرى الصدق أبدا:
    - في منتصف التسعينيات، قبض على شخص مسلح داخل مسجد الهجرة يصلي بين الناس في الصلاة الحاشدة يوم الجمعة وكان مسلحا، وشاع أنه كان ينوي اغتيال السيد الصادق المهدي، ولما سئل السيد الصادق من ذلك قال أنه من جماعة الأمن وربما أتى للتجسس لكنه لم يكن ينوي إصابتي بأذى. حينها ثارت ثائرة السيد مبارك –وكان يقود المواجهة للنظام من الخارج- في أن هذا أسلوب عقيم في السياسة وأنهم كانوا سينتفعون من الرواية الأولى وأن الصادق كان يجب عليه أن يؤكد ذلك للعالم بدلا عن نفيه. إنهم لا يخفون الحقائق فقط، إنهم يستاؤن من الصادقين!
    - وحينما قصفت الحكومة الأمريكية مصنع الشفاء أيد المسألة رغم وقوف حزبه ضد هذا الأسلوب بل لقد قال رئيس الحزب "رب غارة نافعة" فتلك الضربة قد نفعت النظام وأعطته فرصة أن يتجاوز الضغط الشعبي والمظاهرات المطلبية المتفجرة حينها. هذا الموقف يدل على عدم المبدئية واتباع الربح السياسي المباشر. ولكنه يدل أيضا على التدليس، لقد قال السيد مبارك حينها أنه من مول الأمريكان بالمعلومات، وأظهرت التحريات التي أجراها الأمريكان لاحقا أن تلك المعلومات لم تكن صحيحة..
    - وفي مقابلة مبارك في برنامج "في الواجهة" بعد مؤتمر سوبا 2002م والذي أشرت له من قبل، فإن السيد مبارك أراد النيل من السيد الصادق واتهامه بالسعي للكسب الذاتي فأطلق حديثا عابرا عن أن قرار فبراير هو قرار شخصي لم تناقشه الأجهزة وأن الصادق كتب في القرار مسألة "النظام الرئاسي الفرنسي" مع أن هذا ليس رأي الحزب ولم يناقش، فقط ليجد لنفسه مكانا بخلق منصب رئاسة الوزارة.. وبالطبع فإن أي متابع للأحداث يعرف أن السيد الصادق عرضت له رئاسة الوزارة في الإنقاذ مرات عددا، وأنه ظل يقول أنه لن يتقلد أي منصب –ولا حتى إمامة الأنصار التي تدفع نحوها الملايين- لا يتقلد أي منصب بدون انتخاب.. وهذه الفرية ليست فقط كبيرة في حق رجل هذا شأنه، بل كبيرة من قيادي في حزب أن ينكر مبادئ حزبه أو يتنكر لها.. فقد ظل الحزب مهتما بمسألة النظام الأفضل للسودان وصفته وترددت الوصفة الفرنسية في أدبياته، مثلا، جاء في باب "الهيكل الدستوري" في ورقة إصلاح التجمع الوطني الآتي: " لم يعد هنالك شك في أن النظام الدستوري البرلماني يعرض الديمقراطية لخطر عدم الاستقرار. هذه هي القراءة الصحيحة لأزمة الحكم أثناء العهود الديمقراطية في السودان. وهى القراءة الصحيحة لأزمة الحكم في أكبر البلاد الديمقراطية في العالم - الهند الآن. لذلك ينبغي أن نختار النظام الرئاسي الدستوري اللا مركزي على النمط الفرنسي لتحقيق أعلى درجات المشاركة في السلطة التنفيذية لدواعي تحقيق الوحدة الوطنية على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في المرحلة الانتقالية الأولى بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي. " هذا تدليس على الحزب وعلى رئيسه وعلى مبادئه المعلنة والتي يدافع عنها لأجل استقرار البلاد.
    - وبعد أن انسلخت جماعة سوبا في يوليو 2002م ورفعوا شعار الإصلاح الحزبي والتجديد، لم يجدوا بدا من سرقة مجهودات الحزب الذي تبرأوا من دكتاتوريته وشيخوخته وعدم فاعليته وحلوا أجهزته، فنقلوا نقلا من صفحته بالإنترنت لصفحتهم ليس المادة فحسب بل حتى التصميمات والتعريفات المبدئية وما إليه. حتى أن رئيس وحدة المعلومات المشرفة على صفحة الحزب الأصلية (عبد الله الصادق) أصدر بيانا يدين هذا السلوك ويحذر من تبعاته جاء فيه: "يشكل هذا العمل تعديا سافرا على حقوق الطبع، وعلى حقوق الأسبقية، وعلى ملكيتنا الفكرية للتصميم الذي بذلت فيه الوحدة جهدا عزيزا، وعلى ملكيتنا للمادة وطريقة عرضها.. إننا ندين هذا المسلك الشاذ والذي يدل على الإفلاس، والتعدي، ويناقض دعوات التجديد والإصلاح التي رفعها أولئك النفر، أما كان الأجدى أن يبدءوا بابتداع تصميامتهم التجديدية بدلا عن العيش عالة على أفكار وإنتاج الجماعة التي خرجوا عنها، وكيف يكون الإصلاح عبر الخروقات التي يعاقب عليها القانون؟. إننا نعلم الرأي العام بهذا السلوك لتمليكه الحقائق ولإطلاعه على محتوى "الإصلاح" الذي قصدته هذه الجماعة" جاء هذا في بيان بتاريخ 24 يوليو 2002م. وهذه ليست دلائل الكذب إنما الدلائل أن جماعة سوبا ردت على بيان الوحدة المذكور ببيان نشر على صفحات (الوفاق)، وقع على البيان مدير مكتب رئيس المكتب القيادي الانتقالي الفيدرالي لحزب الأمة (مبارك المهدي). ومع أن البيان كان مقتضب الصياغة إلا أنني أحصيت فيه اثنتي عشرة نقطة تحتوي على خطأ أو تضليل أو تمويه أو سهو أو تعمية أو تدليس.. وهي:
    الأولى: ذكر البيان أن اسم الجهة المشرفة على ركن الأمة كانت شعبة المعلومات. والجهة اسمها وحدة المعلومات والإعلام الإلكتروني.
    الثانية: ذكر البيان أن بيان الوحدة بإمضاء رئيس الشعبة، والصحيح أن الإمضاء كان باسم (عبد الله الصادق عبد الله الفاضل المهدي) وصفته رئيس الوحدة كانت تحت الإمضاء للتعريف. هذا التحاشي عن ذكر الاسم للتعمية على حقيقة جهة البيان!.
    الثالثة: ذكر أن الركن أنشأه مدير مكتب السيد مبارك في 1996، والتعمية هي أن المدير حينها كان هو عبد الله صاحب البيان الذي يرد عليه!.
    الرابعة: ذكر أن (شعبة المعلومات) أنشأها السيد مبارك. والسيد مبارك يعلم أن إنشاء الوحدة لم يتم عبره. فقد خاطبته في رسالة بتاريخ 13 مايو 1999م أخبره بما تم بيننا في الخارج لتكوين الوحدة قائلة: " في مطلع هذا الشهر أجريت اتصالا بالأخ عبد الله الصادق لأعلم ما هي مهمة هذه الشبكة المرصودة وتحت أي مسمى تعمل، ولما رد بأنه لا توجد وثيقة تأسيسية لكيان معلوماتي تتبع له هذه الشبكة اقترحت أن نحولها لمؤسسة وأن نكتب ورقة تأسيسية للوحدة نناقشها فيما بيننا ونرفعها لقيادة الحزب لتنظر بشأنها.. كتبت الورقة في 9 مايو وعممت على المجموعة وأعطيت لهم مهلة أسبوع لاكتمال الاتفاق بشأنها لتكون جاهزة لترفع للجهاز القيادي. وأرجو أن تثمر هذه الخطوة تأسيسا لوحدة تغطي عجزنا المعلوماتي وتصلح من شأننا الإعلامي والتنظيمي بتأثير غير مباشر". خاطبته لا لأخذ رأيه أو لأنه أنشأ الوحدة أو لأخذ مباركته، ولكن لأسأله أن يساعدنا في تكوين ذراع للوحدة بالداخل بتوفير أجهزة واشتراك بالإنترنت باعتبار أنه ساعدنا في وحدة الداخل التي أنشأت في عام 1992م.. ولم يأتني رد من السيد مبارك رغم وعده بالمساعدة.. الشاهد، إن مراسلات تلك الوحدة منذ أول خطاب وردود الأحباب جميعا بحوزتي ولا مكان للمغالطة بأن السيد مبارك كان وراء إنشاء الوحدة فقد أخبرناه بتفاصيل ما تم (للعلم) ولمساعدتنا في أمر الداخل، ولكننا خاطبنا المسئول عن العمل الحزبي بالخارج عارضين عليه الفكرة ليتبناها وهو الدكتور عمر نور الدائم الأمين العام للحزب. وقد وصلتني رسالة منه عن طريق الحبيب عبد الله الصادق بالبريد الإلكتروني في 12 مايو 1999م جاء فيها:" كنت أتحدث مع عمى عمر بالتلفون وطلب منى إبلاغك الرسالة الآتية: المجهود الذي بذلتيه مقدر وسيجد منا إنشاء الله كل تقدير ودفع إلى الأمام، بارك الله فيك وكثر من أمثالك "..وهكذا فقد تبنى الدكتور عمر أمر الوحدة التي بعد أن صغنا ورقتها التأسيسية (بإجراء ثلاثة تصويتات على مقترح الورقة التأسيسية الذي كنت صغته أول الأمر- وجميع التصويتات بحوزتي أيضا) بعد ذلك قدمنا له الورقة التأسيسية لوحدة المعلومات والإعلام الإلكتروني (إعداد جماعي)، فأقر إنشاءها. السيد مبارك لم يعمل شيئا في هذا الأمر.
    الخامسة: ذكر أن إنشاءها كان عام 1998. والصحيح أن الوحدة تمت المداولات بشأنها في أول مايو وأجيزت في 1 يونيو 1999م إبان اجتماعات المكتب التنفيذي والاستشاري بالخارج.
    السادسة: ذكر أنه عين مدير مكتبه رئيسا على الوحدة، والصحيح أن رئاسة الوحدة كانت بالانتخاب، حيث اقترحت في الورقة التأسيسية أن يتم انتخاب الرئيس ووافق الأعضاء على ذلك، واقترحت أن يكون الرئيس عبد الله الصادق تقديرا لدوره الكبير في العمل المعلوماتي والإلكتروني، وقد انتخب بالإجماع. ولم يكن للسيد مبارك أي يد في ذلك.
    السابعة: ذكر أن الوحدة حلت في اجتماعات أغسطس 2000م. واجتماعات يوليو/ أغسطس لم تتطرق لأمر الوحدة التي كانت تعمل باستقلالية عن أجهزة الحزب عبر: صفحة الأمة (التي أعيد تصميمها في 2002م)- والشبكة الإلكترونية "أخبار الأمة"- وشبكة مكاتب الأمة، ثم أضفنا لها شبكة قيادات سودان المهجر والتي وإن ساهمت الوحدة في إنشائها إلا أنها تتبع لقطاع سودان المهجر.
    الثامنة: قال أن اجتماعات أغسطس ألحقت الوحدة بأمانة الإعلام التابعة للقطاع السياسي، وهذه من أعجب الادعاءات التي لا تنبغي لمسئول كبير كالسيد مبارك فلو كان يظن الوحدة تعمل تحته لكان من ضمن مسئولياته فكها من إسار (الأسرية) الذي رماها به هو ومسار في برنامج "حديث الساعة". والذي يرد على هذه الأكذوبة، أن الوحدة بعد أن علمت بتكوين لجنة تقويم الأداء رأت أن تخاطب اللجنة لتبحث أمر تنسيقها مع بقية أجهزة الحزب، فخاطبتها بتاريخ 14 فبراير 2002م، وطبقا لذلك فقد خرجت توصيات اللجنة بضم الوحدة كأمانة للمعلومات في قطاع الدراسات والبحوث (وليس القطاع السياسي وأمانة الإعلام). فهل لم يطلع جماعة سوبا على تقرير السيد نقد الله بعد؟.
    التاسعة: أن رباح الصادق تشرف على صفحة الأمة وتتحكم فيها. والحقيقة أن المشرف على الصفحة هو عبد الله الصادق (المدير السابق لمكتب مبارك) ولكن الوحدة الحالية عمل جماعي فهو يستكتبني في بعض الأشياء التاريخية والتعريفية ويستفيد مما يراه. هذه الكذبة للتمويه وحتى تدلف جماعة سوبا لتهم الأسرية، وغيرها من مكونات خطابها المفضوح.
    العاشرة: أنهم نقلوا موقع الحزب بسبب تحكمي عليه، والحقيقة أنهم نقلوه كأمر طبيعي بعد أن انسلخوا بحزبهم و(حشروا مع من أحبوا في المؤتمر الوطني).. فالغريب ليس إنشاءهم لموقع جديد، إنما المستغرب هو "قرصنة أفكار ومجهودات الآخرين وبحوثاتهم في تاريخ الحزب وفي مادته الفكرية"، أم أن الشيء من معدنه لا يستغرب!.
    حادي عشر: أن كل المادة في الموقع من أرشيف مبارك المهدي، والحقيقة أن أرشيف مبارك المهدي الفكري المتعلق بالحزب جله كتابات السيد الصادق المهدي.. وهذا جيد لأن محاولاتهم الأخيرة في التفكير المستقل أفرزت التهافت الذي أشرنا له في الفصل الثاني. ونحن لا نأخذ عليهم التمسح بتلك الكتابات، ولو طلبوها منا لما عزت عليهم، ولكنا نتعجب في قرصنة التصميم الفني (وهو الذي استغرق الوحدة شهورا طويلة عطلت فيها الصفحة حتى خرجت مؤخرا بهذا التصميم الذي أغراهم للسطو)، والنبذة التعريفية للحزب ولتاريخه (وهذه أيضا جهد الوحدة الفكري الخاص الذي أغرق القائمين عليه بين المراجع والكتب) وتصميم تقسيمات الموقع.. إنهم قوم ينشدون "التجديد- والإصلاح- والمؤسسية" فما بالهم يقتاتون على مجهودات أولئك الذين أرهقهم ترهلهم من قبل؟.
    ثاني عشر: وصفني البيان بأنني مديرة مكتب السيد الصادق المهدي. والحقيقة أن مدير مكتب السيد الصادق المهدي هو السيد إبراهيم علي إبراهيم وذلك منذ عام 1962. لاحقا وفي 1991م التحقت بالعمل في مكتب السيد الصادق الخاص وواصلت عملي الإضافي فيه بعد أن عملت كمهندسة في شركة "سالنتوت المحدودة" لمدة ثلاث سنوات ثم تفرغت بعدها للعمل بالمكتب الخاص للسيد الصادق المهدي، ولحقته في القاهرة، وبعد تفلحون كونا المكتب على أساس مؤسسي وصرت أحمل لقب سكرتيرة المعلومات والدراسات لمكتب السيد الصادق المهدي. ولكن هذا التدليس سببه محاولتهم الإشارة لما سموه "الأسرية" والتي رددت عليها في مكان آخر من هذا الكتاب.
    ..في بيان لا يصل إلى نصف الصفحة توجد "دستة" أخطاء بعضها مقصود والآخر سببه عدم الدقة.. أليس هذا رقما قياسيا يستحق "الإشادة" في تمويه الحقائق؟!
    هذا فقط على سبيل المثال، فخطاب هؤلاء القوم غير المنضبط بالحقائق، وتصرفاتهم غير المبدئية لا حدود لها. يكفي فقط لإثبات ذلك تتبع أقوالهم المنشورة في الصحف ومقارنتها عبر الأيام..
    العشوائية مقابل الإصلاح
    وتصرفات هذه الجماعة تتسم بالعشوائية المفرطة، يدل على ذلك تجمعهم بالتنادي في أمر يقاس نجاحه بمدى انضباطه.
    ثم تحول خطاب كبيرهم من العلمانية القحة (حينما كان مفتونا بجماعة قرنق) والعداء المفرط للنظام حينها، إلى الإسلامية المتنطعة (وهو في جبة الإنقاذ الآن). هذه عشوائية في البرنامج. والعجيبة أن السيد مبارك رمى بهذه الخاصية (التذبذبية ورفع الشعارات لأغراض) رمى بها الحركة الشعبية، فقال في برنامج حوار الساعة: "أما فيما يتعلق بالحركة وحديث السيد الصادق عنها، الحركة طبعا ترفع شعارات في غياب البرنامج، شعارات لديها بريق: سودان جديد، ديمقراطية، ليبرالية، التخلص من القوى التقليدية، القوى الحديثة هذه شعارات الحركة وجزء من الشعارات التي رفعتها والنماذج التي اتبعتها يهدف إلى خط استئصالي ، في أدبيات الحركة نجد الكثير من ذلك اذكر خطاب د. جون قرنق في Pan African Congress في كمبالا في 1992م حوى كثير من الجوانب الاستئصالية للآخر على عكس ما ظلت ترفع الحركة به من شعارات حول التعددية الاثنية والعرقية. لا شك أن الحركة تغير أطروحتها حسب الظروف وتستثمر عدالة القضية نفسها في حشد التأييد. ". فهل يكرر السيد مبارك المهدي خطى صديقه، أهو إعجاب دفين؟.
    والعشوائية تظهر أيضا في الأوراق المقدمة التي لا هي عمل مدروس ولا تجميع لرؤى عبر ورش عمل، ولا هي تحتوي على خطط عمل، قال عن "مؤتمر" سوبا السيد مبارك بالحرف: " هذا المؤتمر لم يكن وليد تخطيط لزمن طويل- وهو كما التأم هنا أقرب إلى الخيال"!، وقال: "تنادينا في أسبوعين وجاء العدد ضعف ما نتوقع"! ولكنه: علمي ومدروس، وخرج بتوصيات!. وهذه هي العشوائية بعينها.
    الحجة الثالثة :التجديد الحزبي
    التجديد قد يعني مواكبة العصر واستصحاب منجزات الحداثة، سواء أكان ذلك في معايير العضوية أم الأجهزة أم التصعيد إلى آخر القائمة. والتجديد قد يعني تجديد ثياب الأجهزة وهياكلها، وذلك عبر وسائل تقليدية (فمثلا عند الشلك كان الرث يقتل إذا وصل سنا معينة عجز معها عن أداء مهام القبيلة وينصب مكانه آخر شابا) أو عبر وسائل حديثة، باتباع آلية انتخابات دورية لتجديد القيادات- وقد يعني تجديدا في البرامج باستصحاب المستجدات (فمثلا برنامج الاستئصال الذي كانت المعارضة ترد به على استئصال النظام للرأي الآخر يحتاج لتجديد بعد أن أظهر النظام لغة مختلفة)، والتجديد قد يكون في مفاهيم (مثلا التجديد في مفهوم الحزب من وسيلة للسلطة لوسيلة للتنمية المجتمعية، أو في مفهوم المعارضة..الخ).. نتعرض هنا لبعض جوانب التجديد في حزب الأمة ونصيب جماعة سوبا ومخططها الأول من مسألة التجديد.
    التجديد داخل الحزب:
    التجديد والتطور سنة طبيعية واجتماعية وهو ضرورة لبقاء أية مؤسسة أو تنظيم. فالتنظيم الذي لا يتجدد ويتكيف مع المستجدات مصيره الانقراض. حزب الأمة اليوم أكثر الأحزاب السودانية تجديدا يشهد على ذلك تمدده وازدياد شعبيته إذ لو كان جامدا لتآكلت شعبيته. ويتمثل التجديد في الأفكار والمفاهيم كما يشمل الأساليب والوسائل والأشخاص. وسنعرض هنا لبعض أوجه التجديد في الحزب:
    1- التجديد الفكري : أتخذ الحزب من تنظيم ورشات العمل والمؤتمرات وحلقات النقاش وسيلة لتفريخ الأفكار الجديدة التي دأب الحزب على تزويد الساحة السياسية بها وربما لهذا السبب جاء نقد السيد مبارك للحزب بأن نشاطه أكاديمي.
    2- التجديد في مفهوم الحزب السياسي:
    يقدم حزب الأمة نموذجا فريدا بتبنيه لمفهوم جديد للحزب السياسي تتوسع فيه وظائفه واهتماماته لتشمل الاهتمام بكافة قضايا المجتمع والمساهمة في التنوير والتثقيف والأنشطة الاجتماعية والاهتمام بالقطاعات الحديثة وقضاياها مثل الشباب والمرأة وقطاعات الرياضة والفنون وغيرها وبالمجتمع المدني ومنظماته من صحافة ومنظمات طوعيه وغيرها. إن النظرة التقليدية للحزب هي تلك التي تعتبره محض وسيلة للسلطة إن أدركها فهو ناجح وإلا فهو فاشل.
    3- التجديد في مفهوم المعارضة:-
    التقليدية في مفهوم المعارضة تقوم على سعي المعارضة للنيل من الحكومة بأية وسيلة وتصيد أخطائها وعرقلة عملها دون النظر إلى أية ثوابت وطنية أو حزبية. حزب الأمة يقدم الآن نموذجا للمعارضة البناءة الملتزمة بالمبادئ وقد اكتسب الحزب بهذا النموذج مصداقية عالية لدى المجتمع الدولي والإقليمي ولدى القوى السياسية السودانية ولدى المواطن السوداني مكنته من زحزحة الشمولية والاستئصال والأجندة الحربية نحو مربعه.
    4- التجديد في الأشخاص:
    علي صعيد الأجيال: يشكل الشباب نسبة عالية في مؤسسات الحزب القيادية: المكتب القيادي ثلثه من الشباب بالتعريف المتعارف عليه. وثلثاه من الشباب إذا اعتبرنا تعريف السيد مبارك الذي يحشر نفسه في زمرتهم. المكتب السياسي أغلبيته من الشباب.
    5- على صعيد رئاسة الحزب:
    أحب أن أؤكد هنا أن هذه القضية ليست شخصية تتعلق بمقارنة رئيس الحزب بالآخرين. إذ لو أردنا الخوض في هذا لقلنا على سبيل المثال:
    ‌أ- من حيث الأداء البدني: حيث يقاس الأداء بساعات العمل والقدرة على التحرك.. الخ بهذا المقياس رئيس حزب الأمة الآن أكثر شبابا من كل القيادات في الحزب.
    ‌ب- كذلك من حيث الأداء الذهني: كتابة وتفكيرا ومتابعة للمستجدات..الخ.
    ‌ج- من حيث التواصل مع العصر: رئيس الحزب هو أكثر قيادات الحزب تواصلا مع العصر: الأجيال الشابة- القطاعات الحديثة: الرياضة- الفنون- منتديات الفكر- منظمات المجتمع المدني..الخ.
    ‌د- إن ما يأخذه البعض على السيد الصادق هو سيره في التجديد بخطى أسرع مما يحتمله الواقع الاجتماعي والفكري والسياسي السوداني، بل وبأكثر مما يحتمله بعض زملائه السياسيين في الحزب.
    6- وإذا سلمنا جدلا بالحاجة إلى تجديد القيادة في حزب الأمة: ما هي الآلية ومن هو البديل؟ أما الآلية فلا توجد آلية خلاف المؤتمر العام الذي يخضع فيه الجميع للتنافس ليختار الناخب رئيس الحزب. أما البديل فهو الذي ينال ثقة الناخب.
    7- نموذج المؤتمر الوطني في التجديد:
    ‌أ) حزب المؤتمر الوطني ليس من منظمات المجتمع المدني فهو حزب حكومي لم يقم على القدرات الشعبية وهو بهذا يختلف عن حزب الأمة.
    ‌ب) التجديد المزعوم في المؤتمر الوطني تم بإجراءات فوقية ونتج عنه انقسام في الحزب وهذا ليس نموذجا يحتذي.
    ‌ج) حينما انقسم المؤتمر الوطني اتجه معظم الشباب والطلاب والمرأة إلى المؤتمر الشعبي وضم المؤتمر الوطني قادة من الجيل الأول.
    ‌د) الأهم من كل هذا أن حزب المؤتمر قبل انقسامه غابت عنه الشورى وحرية تداول الآراء مما أسفر عنه ذلك التذمر بينما حزب الأمة يخضع لمؤسسية ودرجة عالية من التشاور استثقلها السيد مبارك لأنها حالت دونه ودون تنفيذ رؤيته الداعية للمشاركة في السلطة.
    8) يتضح جليا مما سبق أن كلمة التجديد إن هي إلا شعار يرفعه السيد مبارك لتحقيق أهداف خاصة وليس أدل على ذلك من أنه بينما يطالب بالتجديد في حزب الأمة يدعو لأن تقوم إمامة الأنصار على الوراثة وهذا أساس ممعن في التقليدية. وحتى في الوراثة يقوم الأمر عنده على الترابية العمرية أي أن يكون الإمام الأكبر سنا بغض النظر عن مؤهلاته ومواقفه ورضا الناس به .
    الحجة الرابعة: عدم فاعلية الحزب:
    طفقت جماعة الاختراق الأخير تتحدث عن الالتحاق بالحكومة للمشاركة في تكوين المصير الوطني وإلا صار الحزب بلا فاعلية سياسية واكتفى بالتعليق على الأحداث. بنت هذه الحجة على أن الوسطاء لا يعترفون إلا بالحركة الشعبية والحكومة مما ظهر لدى الإيقاد وفي تقرير السناتور دانفورث. رفض حزب الأمة هذا المنطق وكانت الحجة أن الفاعلية السياسية لا تتوقف على المشاركة في السلطة ولا حتى التعاون مع النظام في القضايا القومية يتوقف على المشاركة في السلطة التنفيذية، وحزب الأمة دون المشاركة في السلطة التنفيذية حقق فاعلية سياسية داخلية وخارجية لها وزنها.ففي الداخل شرع حزب الأمة في بناء تنظيماته، وقام بطواف محدود في الأقاليم واندفع في تعبئة فكرية وسياسية، وشعبية جعلت الأجندة الوطنية على كل لسان وحاصرت أصحاب الأجندات الشمولية والحربية وجعلت المساحة السياسية التي تنبذ الشمولية وتنبذ العنف هي المساحة الأوسع في المسرح السياسي السوداني. وفي الخارج كان حزب الأمة الأكثر صلة بدولتي المبادرة المشتركة، وخاطب البعد الأفريقي بإلحاح. فتحركت نيجيريا بثقلها لصالح الحل السياسي الشامل في السودان. وواصل الحزب اتصالاته بالاتحاد الأوربي الذي صار يهتم كثيرا بالحل السياسي الشامل لا سيما التحول الديمقراطي.كما قاد حزبنا الحملة ضد التوجهات الأمريكية على عهد الرئيس السابق كلنتون حتى اتجهت السياسة الأمريكية نحو دعم الحل السياسي الشامل وعدلت سياسة الدعم لفصيل سوداني واحد.
    وطرق الحزب الأمم المتحدة للقيام بدور سياسي في السودان.كما تبنى فكرة منبر ديمقراطي أفريقي ومنبر ديمقراطي عربي وهي برامج واعدة.
    أما مواقف الوسطاء فهي لا تستطيع إغفال الواقع السياسي فكلهم ما عدا مبادرة الإيقاد يشركون القوى السياسية الأخرى بما فيها حزب الأمة في اتصالاتهم. وكل وساطاتهم تتطلع لوضع دستوري جديد في السودان على نحو ما نص عليه قرار حزب الأمة في 18 فبراير 2001م:
    • مبادئ الإيقاد الستة تنص على الاتفاق على سودان موحد ديمقراطي كافل للمساواة والعدالة بين المواطنين أو بالعدم منح الجنوبيين حق تقرير المصير.
    • والنقاط التسع التي قدمتها دولتا المبادرة المشتركة في يونيو 2001 تكاد تتطابق مع بنود قرار حزب الأمة لا سيما النقاط الثلاثة الآتية:
    • ضمان مبدأ الديمقراطية التعددية، استقلال القضاء، الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكفالة حرية التعبير والتنظيم وفقا للقانون.
    • كفالة الحريات الأساسية، وضمان حقوق ممارستها، والالتزام برعاية حقوق الإنسان كافة وفقا للمواثيق الدولية المعتمدة والقيم السائدة في المجتمع.
    • كفالة الدستور والقانون للتعددية وللحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان، ولوحدة السودان، أرضا وشعبا، وتشكيل حكومة انتقالية تمثل فيها كافة القوى السياسية، وتتولى تنفيذ كافة بنود الاتفاق السياسي، وتنظيم انعقاد مؤتمر قومي لمراجعة الدستور، وتحديد موعد وترتيبات الانتخابات العامة القادمة وفقا لما يتم الاتفاق عليه في المؤتمر الدستوري.
    • أما تقرير السيد دانفورث فصحيح أنه اهتم بضرورة الاتفاق بين الحكومة والجيش الشعبي باعتبارهما متقاتلين بالسلاح. ولكنه كان واضحا في أهمية مشاركة الآخرين وضرورة ميلاد وضع دستوري جديد في البلاد. ورد في التقرير النصان الآتيان:
     " علمت بوجود ستة تنظيمات قبلية سياسية في الجنوب على الأقل. وفي الشمال توجد أحوال مماثلة إذ يوجد عدد من الأحزاب السياسية الدينية، والجماعات العرقية، والجهوية، وجماعات المجتمع المدني، بالإضافة لوجود جيش مسيس والحكومة الحالية. من الأهمية بمكان أن يكفل لهذه الجماعات حق إبداء الرأي وحق المشاركة في القرارات المتعلقة بالسلام ومستقبل السودان السياسي".
     المطلوب للاتفاق ضمانات داخلية وخارجية .. " الضمانات الداخلية تكمن في دستور مؤيد شعبيا ينص علي الحقوق المذكورة ويقننها ..
    يقول الغالي بشأن تهمة السيد مبارك لحزب الأمة بأنه غير فاعل الآتي:
    1-نفترض هنا أن السيد مبارك يتفق معنا على فاعلية حزب الأمة منذ انقلاب يونيو وحتى عودته للداخل لذلك لن أتعرض لمنجزات حزب الأمة في تلك الفترة وسأركز على فترة ما بعد العودة.
    1- قام الحزب بعد عودته للداخل بتعبئة سياسية وتنظيمية وشعبية أثمرت الآتي:
    أ- تحولت القوى المعارضة الأخرى وسلكت نهج حزب الأمة في تبني أولوية الحل السياسي الشامل عبر التفاوض واتجهت للداخل بنفس لغة الأجندة الوطنية.
    ب- تزحزح النظام عن مواقفه الفكرية والسياسية نحو الأجندة الوطنية والتي انتهت بقبول النظام لنقاط المذكرة المشتركة التسع.
    ج- على الصعيد الإقليمي: قدمت دولتا المبادرة المشتركة مذكرة تحوي تسع نقاط وهي تشكل تقريبا تبنيا لأفكار حزب الأمة وشروطه الواردة في قرار 18 فبراير بخصوص المشاركة في السلطة.
    د- كذلك ساهم الحزب في تعديل الموقف الأفريقي-لا سيما النيجيري- من الانحياز للجيش الشعبي إلى موقف أكثر اعتدالا بهدف الإسهام في حل الأزمة السودانية.
    هـ - كذلك ساهم -على الصعيد الدولي- في تعديل الموقف الأمريكي من الانحياز التام للجيش الشعبي إلى موقف أكثر اتزانا.
    2- يبدو أن السبب في عدم رؤية السيد مبارك لهذه المنجزات هو انشغاله بقضية المشاركة في الحكم الحالي لا الاشتراك فيه بعد ضمان تحوله للمربع الثالث حسب قرار الأجهزة في فبراير 2001م ويبدو أن قرار المؤسسة وأجهزتها هو الذي جعله يضيق صدرا ولا ينطلق لسانا فجاء بما جاء به.
    3- لا أود الخوض فيما زعمه السيد مبارك عن نشاط قطاعه وخمول القطاعات الأخرى فمحل ذلك أجهزة الحزب لا سيما المكتب التنفيذي.
    فاعلية الحزب خارج السلطة
    إن دور حزب الأمة تاريخيا لم يرتبط أبدا بأن أحدا اعترف به لأنه كان ينزع الاعتراف بحضوره ومقدرته على تحريك الرأي العام نحو رؤاه. لقد تعرض لشعارات الجماعة المنسلخة ومنها: "المؤتمر الاستثنائي أخرجنا من محطة تنتظرون" للدكتور الفاتح محمد سعيد- أو "الانتقال من وضع لا مشاركة ولا معارضة" أو أن الحزب صار في منزلة بين المنزلتين..الخ. تعرض لها الأستاذ شبو قائلا: "فالذين يتحدثون عن منزلة بين المنزلتين رمادية وضبابية يكابدون حزب الأمة ويدفعونه تجاه السلطة".. إلى أن قال: "كما أننا ظللنا ننقب عن الطرف الآخر للمعارضة وهو التجمع وأحزابه.. أين هي معارضتهم بأنواعها عسكرية وانتفاضة محمية ومسلحة ومظاهراتية واحتجاجية..الخ حتى يمكن مقارنتها بمعارضة حزب الأمة المسماة بين المنزلتين. فالواقع يقول إنه لا يوجد شيء معارض معلوم للسودانيين يمكن معارضته غير التصريحات وأسماء الفصائل، فمقابل تصريح واحد معارض للتجمع "بكل أحزابه" تقابله عشرة تصريحات وتعليقات معارضة ومقتضبة وذكية لحزب الأمة المعارض بين المنزلتين" !
    اتصالات الحزب الدبلوماسية في مرحلته الأولى (1945- وحتى الاستقلال)
    الإمام عبد الرحمن –صاحب القدر المعلى في فكرة تكوين الحزب- لم يكن يحظ بأي اعتراف في البداية ولا حتى اعتراف بصفة والده.. كان يلتقي بالوفود ويحرك المثقفين ويسافر لإيصال رأيه وحكومة السودان من رأيه في برم. ولكن ذلك لم يوقفه من التحرك بفاعلية، وقد كان لا يفوت فرصة للالتقاء بالمسئولين في حكومة السودان أو الزائرين من البريطانيين أو المصريين أو الأمريكان. وقد قام بعدة رحلات –على صعوبة السفر آنذاك- أهمها على الصعيد الدبلوماسي أربعة:
    الأولى: عام 1919م ضمن وفد أعيان السودان الذي توجه للندن لتهنئة الملك جورج الخامس بالانتصار في الحرب العالمية الأولى. في تلك الرحلة لم يكن هناك اعتراف به حتى بين القادة الروحيين بالصورة التي تمت لاحقا. لكنه انتهز تلك الفرصة لتأكيد أنه لا ولن يلتزم الجهاد القتالي، فأهدى سيف المهدية للملك جورج الخامس رمزا لذلك. كانت تلك الرمزية تؤكد أنه سيستخدم الجهاد المدني وسيلة للمطالبة بحقوق الشعب السوداني.
    الثانية:عام 1937، وذلك عقب إعلان نصوص اتفاقية 1936 (إيدن- النحاس). كتب الإمام عبد الرحمن عن تلك الزيارة قائلا: انزعج حاكم عام السودان من سفري فسألني إن كنت أمانع في أن يصحبني أحد كبار موظفي الحكومتين المتعاقدتين فسألته عن من يرشح لهذه المهمة فذكر لي اسم صمويل عطية فوافقت" .. لم يكن حزب الأمة قد تكون بعد فرافق الإمام جمع من أفراد أسرته. في تلك الزيارة أوصل الإمام عبد الرحمن رأيه ورأي الجمهور الذي يؤيده حول تلك الاتفاقية وحول مسألة رفاهية السودان.
    الثالثة: نوفمبر 1946م إثر توقيع بروتوكول صدقي- بيفن وتعليق صدقي- رئيس الوزارة المصرية حينها- الشهير: "أتيتكم بالسيادة على السودان" انزعج الإمام وسافر للقاهرة ثم للندن، وكان يرافقه السيد محمد الخليفة شريف والدكتور بشير محمد صالح. حيث اجتمع الإمام بالمستر أتلي رئيس الوزارة البريطانية حينها في لندن. وحرص على إيصال رأي الشعب السوداني –أو قطاع عريض فيه- حول ادعاءات السيادة المصرية على السودان بحق الفتح. تلك التحركات لم تذهب هدرا بل شكلت العائق الرئيسي لضم السودان للتاج المصري، بالضغط المتواصل على البريطانيين والاتصالات بالمصريين.
    الرابعة: كانت من سبتمبر- أكتوبر 1952م وذلك إثر قيام ثورة يوليو المصرية، لإجراء مباحثات مع المسئولين البريطانيين لاستعجال التصديق بدستور الحكم الذاتي للسودان. وكان بصحبته وفد من حزب الأمة مكون من السيدين عبد الرحمن علي طه ود.عبد الحليم محمد، ود. مأمون حسين شريف (بصفته طبيبه الخاص). قابل في تلك الزيارة المستر إيدن وزير الخارجية والمستر تشرشل رئيس الوزارة والمستر أتلي زعيم المعارضة حينها، وغيرهم من أعضاء البرلمان البريطاني .
    لم يكن الإمام عبد الرحمن ولا قادة حزب الأمة ينتظرون أن يسألهم أحد عن رأيهم "فللحرية باب يدقه الأحرار" لا ينتظرون الإشارة من صاحب إشارة، هم أصحابها، فما ضاع حق وراءه مطالب. والمتابع لتقارير مسئولي حكومة السودان، وتقارير المخابرات التي أفرج عنها، يجد كيف استطاع الإمام عبد الرحمن واستطاع حزب الأمة أن يكون محط اهتمام تلك الجهات بدون أن يرفع سيفا للمواجهة، وبدون أن يلتحق بالوزارات ودوائر الحكم.. واستطاع أن يقيم الدنيا ويقعدها ولا يترك من مجال لتجاهل رأيه ولا رأي حزب الأمة، وتلك هي الفاعلية عبر التعايش، والتي جعلت مؤرخا مثل الدكتور حسن أحمد إبراهيم القادم من بيئة معادية للأنصار يلج حلقات البحث لإثبات عمالة السيد عبد الرحمن المهدي فيخرج بأنه "أعظم شخصية سودانية في القرن العشرين" . هذه الشخصية العظيمة لم تحتقب وزارة ولم تتقلد منصبا رسميا من قبل. كما أنها لم تتخذ المعارضة بشكلها المفهوم من مواجهة أو مصادمة مسلحة.
    هذه من أهم دروس حزب الأمة "المثابرة والإصرار"، فإذا كان الشأن قوميا فإننا لا ننتظر أحدا. وإذا كان هذا هو ديدنا منذ ما يزيد عن نصف قرن، واجهنا به الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، هل ننحني لقلة من أبناء شعبنا بعضهم يريد أن يفرض علينا حكما شموليا بغير رضانا، وبعضهم يريد أن تستمر الحرب التي يجني منها سياسيا واقتصاديا؟..ثم نقول لن نفلح إلا أن نلتحق بالأوائل (كما صنعت جماعة سوبا الآن) أو نسير في ركاب الأواخر (كما كان يرى كبير تلك الجماعة في سحيق أيامه).. اللهم لا.! إن التحركات الدبلوماسية الواسعة التي يقوم بها الحزب وقيادته الآن، والمذكرات، والمحاضرات، والجولات الدولية والإقليمية، والخطب المنبرية، والمؤتمرات الصحفية، والمقابلات مع الشخصيات الوطنية ومع الباحثين.. كل ذلك هو دق على باب الحرية ودق على باب الحق الذي هكذا لن يضيع. إنها الفاعلية التي لا يراها أولئك الذين يظنون الفاعلية تقاس فحسب بالحقب الوزارية أو الألقاب الرسمية، أو الجلوس في موائد الحوار في ماشاكوس أو أبوجا أو غيرها.. إن الذين يجلسون في تلك الموائد يساهمون في صياغة الواقع السياسي، ولكنهم ليسوا أحرارا مائة بالمائة، بل تقيدهم التدخلات الدولية والإقليمية التي ترعى تفاوضهم، ويقيدهم الرأي العام: في الشارع السياسي السوداني- وفي الصحافة- بل وفي أسرهم، وكل هؤلاء (الجهات الدولية والإقليمية، والجهات الداخلية المذكورة) يتعاطون اليوم –بدرجات متفاوتة- من أطروحات حزب الأمة!.
    حرك حزب الأمة الرأي العام من قبل نحو مواقف كثيرة تصدى لها بالمثابرة منها:
    • فكرة استقلال السودان تحت شعار: السودان للسودانيين.
    • فكرة التعامل مع النزاع الجنوبي على أساس الحل السياسي عبر الحوار.
    • أفكار حل مسألة الدين والدولة في 1992.
    • استصحاب مطلب تقرير المصير بين القوى الشمالية 1993.
    • رفض التشويه الإسلامي الأول في 1983، وتعريته إسلاميا.
    • مواجهة التشويه الإسلامي الثاني الذي جاء به نظام الإنقاذ، وصياغة الموجهات الفكرية لذلك. وتحديد الأسس والضوابط للمشروع الإسلامي.
    • أطروحة الديمقراطية المستدامة التي تخرج من الخطاب السطحي في نقد "النظم المتعاقبة" لتفهم الواقع الثقافي المختلف، وضرورة الأقلمة للديمقراطية بما ينظم ممارسة الحريات الأساسية، ويضبط القوات المسلحة، ويحقق التوازن في ظل الديمقراطية.
    • التدخل لدى الأطراف الدولية مؤخرا ومخاطبتها بضرورة الربط بين السلام والتحول الديمقراطي.
    • الدعوة للميثاق القومي وكتابته إبان ثورة أكتوبر 64، وأبريل 85، والحزب الآن يقود الدعوة لميثاق للتحول الديمقراطي المنشود.
    هذه الأفكار والمجهودات قام بها الحزب من خارج دائرة الحكم وأتت أكلها في كل حين، وخطت بصمته في التاريخ الوطني. إن الفاعلية لا تقاس بعدد الوزارات التي يتقلدها الحزب في الدولة. فكم من وزراء لا يستوزرون ومستشارون لا يستشارون، وهذا هو مصير المنخرطين بغير الضوابط القومية والانتخابية دون أدنى شك.
    حقيقة الفاعلية عبر المشاركة
    لقد قبل الحزب إبان الحرب الاستقلالية الدخول في مؤسسات الحكم التي أقيمت حينها، للعمل من داخلها –رغم صلاحياتها المحدودة- للدفع نحو الحكم الذاتي للسودان. في تلك الخطة كان الحزب يضمر أن يحارب من داخل صفوف الحكم الموجود ويقوده بلغته التي يعرفها "المؤسسية". أما في العهد الحالي فالمؤسسات لا تعني الكثير، إن الخلاف داخل أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم تم فيه تجاوز الأجهزة واستخدام السلطة، فما بالكم لو جاء الخلاف "الحقيقي حول التحول الديمقراطي وقسمة السلطة وما إلى ذلك" من الأغراب الذين إنما أتوا الإنقاذ بعد أن كلوا من مواجهتها –كما هو منطق سوبا أن الحزب عاجز وفقير..الخ- إن هؤلاء لن يكون لهم موقع أفضل من موقع الأخوة القدامى، إنهم قد "استبطئوا الخريف فأكلوا التيراب" على حد قول رئيس الحزب في اللقاء الشبابي الطلابي بتاريخ 23 يوليو 2002م بالمركز العام للحزب، أو هم يبحثون عن المطر في وقت الجفاف وكما قال الشاعر:
    الذبح الحلال فاتوهو دارو الجيــــــفة
    كايسين للمطر في عز يباسا وصيفا!
    هذا "النفس القصير" أشار له أيضا الشاعر المكي مصطفى بـ"غراق الحجرة" أو الغرق قرب الشاطئ "القيف" في قصيدته "أنا أنصاري" التي كتبها إثر حادثة سوبا، قال:
    أنا ما بسوي غراق الحجــرة وما بثنينـــي الزمن الطوّل
    زادي الراتب اصبح أمســـي من المولى النجدة بتوصل
    وبكرة تزول الظلمة الحالكــة وفجر العز في الكون يتهلل
    إن الذي ستحققه جماعة سوبا من المشاركة ليس الفاعلية، إنها الاندراج في برنامج حزب آخر، بشروط ذلك الحزب، ولصالحه، مقابل مناصب إذا أعطيت فلعائد مادي، لا لتأثير سياسي، وما خلت قبلهم الجماعات المنخرطة.
    الحجة الخامسة: لا قداسة في السياسة:
    شاع هذا الشعار عقب الانشقاقات الأولى في حزب الوطني الاتحادي (وهو تجمع للتيارات الاتحادية تم توحيدها في 1953م)، حيث انشق إلى حزبين: حزب الشعب الديمقراطي تحت رعاية السيد علي الميرغني، والحزب الوطني الاتحادي بقيادة السيد إسماعيل الأزهري عقب نيل الاستقلال. وفكرة الشعار مبنية على سيادة الاتجاهات العلمانية آنذاك (فكأنما القداسة تشير للدين) وهي تناهض المنهج السياسي لدى حزب الشعب الديمقراطي المتمركز حول الطائفة الختمية، فتلك الطائفة تحتوي على تصور شائع بين الطرق الصوفية أن البركة تورث من الشيخ لذريته، وتحتوي على أدب التطرق الذي يركز على إعطاء الشيخ مكانة عليا في الدين والدنيا (والشعار بهذا المفهوم يرفض هذه السلطة الدينية). وبذلك فقد شكل رفضا لمفاهيم الانقياد الأعمى بدون مناقشة لزعيم الطائفة، وابتعادا بالسياسة عن دوائر الدين. ومهما يكن من تفسير هذا الشعار وأسباب بروزه في صراع الخمسينيات، فإن محاولة سحبه على مسألة الاختراق الأخير في حزب الأمة تجعلنا نثير النقاط التالية:
    أولا: تاريخيا، فإن كيان الأنصار الذي يشكل أكبر تيارات الحزب لم يتحدث في مبدأه عن وراثة البركة لأبناء المهدي. قال المهدي عن أبنائه الذين سألته زوجته لمن يدعهم بعد موته وهو يتمنى الالتحاق بربه فقال لها: "من كان صالحا فإن الله يتولى الصالحين، ومن كان طالحا فلا حاجة لي به" ، وحينما تحدث عن الشخص المؤهل للقيادة لم يذكر نسبا ولا حسبا فقال: "من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين". وقد كان على رأس أجهزة حزب الأمة حين الانشقاق ابن الإمام الصديق المهدي –الصادق- والفريق الذي لم يرض بقرارات الحزب وانشق مؤيدا حق الإمام وحده في محاسبة رئيس الوزراء كان على رأسه الإمام نفسه. فالمسألة ليست مسألة وراثة بركة، ولكن ذلك الفريق كان يرى أن بيعة الإمام تلزم طاعته في كل أمر. أما جناح أجهزة الحزب بقيادة رئيسه فقد كان يرى أن تقيد العلاقة بين الإمام وبين الحزب وفقا لبيان الإمام عبد الرحمن الصادر في عام 1950م (الوارد في الفصل الرابع: المسألة التنظيمية). هذه الخلافات ربما نظر لها على أنها تتعلق بالعلاقة بين المؤسسة الدينية (الإمامة) والسياسية (الحزب)، ولكنها لم تذهب إلى نفي العلاقة بينهما بل إلى ضبطها. أما بالنظر إلى مقولة (لا قداسة في السياسة) على أنها انتفاء للعلاقة بين الدين والدولة –أي العلمانية- فإن للحزب ولرئيسه عشرات الأدبيات التي تؤكد أن هذا مستحيل.
    ثانيا: السيد الصادق المهدي هو عراب المؤسسية الحديثة في الحزب وفي الكيان الأنصاري. وهو الذي يقف بصلابة أمام كل ادعاءات الوراثة للبركة أو للقيادة في كيان الأنصار وحزب الأمة، فقد نفض عن الأصل الفكري المهدوي الزاهي غبارا تسرب إليه من تقاليد المجتمع السوداني (وهو في قبائله وفي طرقه الصوفية يستند على ذهنية الوراثة للقيادة في الغالب) وقد كان بعض ذلك الغبار علق على الأداء الحزبي في بعض أوجهه. إن الملايين من الأنصار ما فتئوا يدعونه في المناسبات المختلفة أن يقبل مبايعتهم له كإمام، وهو يصر ألا ينصب أحد إماما إلا بالصورة التي تحفظ للكيان مستقبلا مؤسسيا وتقيه شر التلقائية والعشوائية وذهنية الوراثة الشائعة. ومن أهم سمات المشروع المؤسس الذي دعا له مع هيئة شئون الأنصار ألا تتقيد القيادة بالحسب أو النسب بل بالعطاء والبلاء والأهلية وقبول الأنصار (الشعبية). جاء في صحيفة الإمامة الصادرة عن هيئة شئون الأنصار الآتي: (الهيئة حسب ذلك الدليل –الإشارة للدليل الأساسي لهيئة شئون الأنصار- مؤسسة ديمقراطية لها بنىً قاعدية وقيادية، والمناصب القيادية فيها تنال عبر التصعيد والانتخاب. والإمام هو قائد كيان الأنصار، ويتم ترشيحه بواسطة مجلس يسمى مجلس الحل والعقد، ويراعى عند ترشيحه البلاء والالتزام بالدين الإسلامي والكفاءة العلمية والاجتهاد في سبيل دعوته ورفع شأن الأحباب، ويكون ممن تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين، ومن أعلى الناس همة وأوفاهم ذمة. يبايع الإمام أولا بواسطة مجلس الشورى ثم المؤتمر العام، ويسعى عقب ذلك للحصول على البيعة من الجمعية العمومية للأنصار في مناطقهم كلها، ويصير ملزما بالعمل بالكتاب والسنة والجهاد والاجتهاد ونهج الشورى. تشمل مسئولية الإمام تقديم القيادة الدينية والروحية والقدوة الحسنة، والعمل على تحقيق أهداف هيئة شئون الأنصار، والعمل على رعاية الأنصار، وتقديم الفتاوى والنصح في أمور الدين والدنيا، علاوة على المشاركة في تكوين مجالس الهيئة) . ولكيلا يتم الخلط بين عمل الهيئة والحزب كما حدث تاريخيا فقد أنشئت لجنة من الجسمين تبحث أمر التمييز وقد أصدرت بعد بحث امتد أشهرا مسودة لصحيفة التمييز بين الهيئة والحزب، هذه الصحيفة رفعت للمكتب السياسي للحزب، ولمجلس الحل والعقد في الهيئة لبحثها وإجازتها بعد إجراء التعديلات أو الملاحظات التي يرونها. كل ذلك لتكون العلاقة بين الحزب والهيئة مؤسسة ومنضبطة. بهذا يكون العمل الدعوي والأنصاري مقيدا بالديمقراطية وبأسس موضوعية للقيادة لا تتحدث عن وراثة البركة أو القداسة. كما يتم التمييز بين الحزب والهيئة بصورة مؤسسية.
    ثالثا: وفي المقابل فإن السيد مبارك المهدي، مع أنه لم يعمل يوما في صفوف هيئة شئون الأنصار ولم يتقلد منصبا ولا أظهر رغبة في العمل الدعوي أو الفكري الذي تقوده الهيئة –وإن كان يكتفي بتأييده لعملها وتقديره لها في الفترة قبل الأخيرة التي انقلب فيها عليها- فإنه أعطى لنفسه حق التدخل في شئون الهيئة وقيادتها بحق الوراثة (فهو أيضا ابن المهدي!). وبعد أن ظل سائرا لربع قرن في ركاب التصور المذكور أعلاه خرج لنا بتصور جديد أن الإمامة تكون بالوراثة في أسرة المهدي -للأكبر سنا- وهو تصور يستصحب فلسفة توريث البركة الشائعة في تراث الطرق الصوفية وقد انقلبت عليها المهدية. وهو المفهوم الذي ثار عليه الأزهري من قبل بالشعار المذكور.
    رابعا: حزب الأمة في أدبياته يحمل فكرا مستنيرا من ناحية علاقة الدين بالدولة ويؤكد أن مفهوم الدولة في الإسلام مدني، ولكنها تستنير بهدي الشريعة وفق مواثيق تحدد الحقوق والواجبات وتعقد الرضا بين أهل البلاد –على نهج صحيفة المدينة. وحزب الأمة يعترض أن يشار في الدستور إلى أن الحاكمية لله –كما في دستور 98 الحالي- باعتبار الحاكمية لله مفهوم متعلق بالربوبية والربوبية لله فهم انطولوجي متعلق بطبيعة الأشياءـ أما السيادة الوطنية فمفهوم سياسي متعلق بشعب معين، وبإقليم معين. هذا الفهم المتعلق بالسيادة كحقيقة دستورية مبدأ ينبغي الاعتراف به واحترامه كأساس من أسس الوحدة الوطنية. هذا المفهوم يؤكد أن الثيوقراطية مفهوم غير إسلامي بالفهم الصحيح للنصوص الإسلامية. وقد ظل الحزب يؤكد أن الدستور الحالي يحتاج لتعديلات كثيرة حتى تمكن المشاركة في إطار قومي أو انتخابي يقود للتحول الديمقراطي يعقد مؤتمرا دستوريا يصيغ فيه دستور البلاد. ولكن الجماعة المنسلخة سعت للمشاركة في هذا النظام برغم مفاهيم –الحاكمية وما تقود له من ثيوقراطية ومن قداسة في السياسة.
    خامسا: جماهير سوبا التي هتفت "لا قداسة في السياسة" لم ترفض جملة سيقت في الأدبيات الموجودة في الجاكيت (الأصفر أو الأخضر أو الأحمر) الذي به الأوراق المقدمة. تلك هي الجملة الواردة في كلمة اللجنة المنظمة ثم في ورقة التنظيم تحت راية الإصلاح والتجديد (الزهاوي): " واعملوا جميعا بأن من يعمل في السياسة اليوم بجد وإخلاص وصدق ونكران ذات: نبي أو شهيد أو بطل.. فكونوا ما تشاؤن، كونوا ما تشاؤن!." أليست هذه قداسة؟ ومن هو النبي بين جماعة سوبا؟ تأتي الإجابة سريعا في كلمة النعمة البشير (عن الإقليم الأوسط) والذي شارك من قبل في الإنقاذ ثم هرع لسوبا ليقول للأخ مبارك الفاضل: لا دعوة بلا رسول.. إننا معك في دعوة الحق التي لامست مشاعرنا. ثم يقول: "دة المعنى للرسالات وللرسل، الأخ مبارك، أنت رسول هذه الدعوة"! أليست هذه "قداسة في السياسة"؟ بل هو لعب مستقبح بالمقدسات، وحشر لها في السياسة، وأكثرها دنيوية، تلك المتعلقة باجتماع يحلل اقتسام السلطة بلا مبدأ. إن النبي الذي تقدمه لنا سوبا هو "نبي المشاركة برسالة الفاعلية وخدمة الجماهير عبر الاستوزار".
    سادسا: في نهاية المداولات في سوبا أتت الجماعة بـ"فكي" ليتلو عليهم الدعوات. فأطال فيها متوسلا بـ"سيدي أحمد التيجاني". ولا ينكر أحد أن المؤمن يتعبد بالدعاء الصالح وينير به مدلج أيامه. ولكن الدعاء الذي تم لم يشمل جميع المذاهب والأديان السودانية –حتى لا يكون هناك تفرقة دينية في حزب الأمة- والأدهى والأمر أنه انحرف عن دعاء غالبية جماهير الحزب- الأنصار- ومن سنة الإمام المهدي ألا يتوسل بأحد لله، ولم يذكر نفسه في الراتب إلا كعبد حقير يحتاج رحمة مولاه، نشدانا للتوحيد. وبمقاس السياسة فهذا الدعاء فيه تفرقة دينية لم ترع ليس فقط حقوق الأقليات بل وحقوق الأغلبية الأنصارية- وبمقاس الدين فبه طعن في التوحيد. وهو حشر أعرج للقداسة في منتديات السياسة.. إننا نقول لجماعة سوبا: لا تتلاعبوا بالمقدسات لأجل الدنيويات!.
    ونقول لهم لا أحد في حزب الأمة المعلوم يخلط القداسة بالسياسة، ولا يخلط البشريات بالمقدسات أصلا حتى في الدين، والعهد الذي اتخذه الأنصار مؤخرا مع السيد الصادق المهدي نص على "الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله" باعتبار أنه لا قداسة لقائد ديني فمع أن الدين مقدس لكن الاجتهادات البشرية فيه قابلة للصواب وللخطأ في ذات الآن.
    سابعا: ربما عنى جماعة سوبا بالقداسة أن الناس يتعاملون مع السيد الصادق بشيء من الهيبة والاحترام، وفي هذا خلط بين "القداسة" وبين "التقدير. فيمكن للشخص عبر نزاهته واحترامه للآخرين وتعاليه عن السفاسف ونكرانه لذاته أن يفرض على الآخرين نهجا لا يتعاملون به في العادة مع بعضهم البعض. لقد كتب الصادق من قبل في كتاب "الديمقراطية في السودان راجحة وعائدة" أنه يتعامل مع الآخرين كالمعتذر عن نعم حباه الله بها، والنتيجة لهذا الأسلوب أن الناس غالبا ما تعطيه أكثر (من النعم المعتذر عنها في الأصل)، فهو حتى على الصعيد الخاص والشخصي لا يأمر أحدا أمرا مباشرا، ولا يطلب حتى كوب ماء.. ولكن الجميع ممن حوله يقضون وقتهم يفكرون ماذا يريد؟ ويلزمون أنفسهم بطاعة أوامر لم ولن تصدر.. هذا النهج مخلوط بنفرة شديدة من التقديس ، فلا يسمح لأحد بتقبيل كفه مهما كلفه الأمر من جذب وشد، ولا يستجيب لأي من طلبات "التبرك" وغيرها من سمات القداسة.. إن ما يحشره وجود الصادق في ملفات السياسة هو التقدير والاحترام برغم تواضعه الجم، ولا يستاء من ذلك إلا من قصرت خطاه أن يجد هذا النوع من الاعتبار. ولا يسيء لهذا إلا متبع للحكمة التالية:
    الماك لاحقو قلبـك حدثـــك لي جدعو
    بي حجرا كبير لبعا يجيب لي صدعو
    تبقى محلو يا رب طول نهارك تدعو
    أو يمكن يقع ويحمّـــد اسمــــك ودعو
    الحجة السادسة: مسألة العجز المالي للحزب:
    فجر السيد مبارك مسألة العجز المالي للحزب في لقائه الصحفي المذكور، مع أنه يعلم بما خاضه الحزب ويخوضه من جهاد طويل، وانشغال صميم بقضايا البلاد فهو المتصدي الأول للبناء إبان العهود الديمقراطية، وهو المواجه الأول إبان الديكتاتوريات مما لم يمهله للتصدي لقضايا البناء الذاتي، أما البنى الاقتصادية فقد أعاقته كل النظم الشمولية –وهي التي تربعت على ثلاثة أرباع زمن السودان المستقل- من تكوين أية قاعدة اقتصادية قوية وصادرت ممتلكاته، وعملت بكل قواها على شل حركة أفراده المالية. وبالرغم من ذلك فالحزب يتحرك بقدرات وإمكانيات مقدرة مكنت نشاطه من التمدد فصار داره نقطة إشعاع سياسي: ينور ويقود الرأي العام بالندوات والمحاضرات وإحياء المناسبات الوطنية. واستمرت حملة الحزب التنظيمية في العاصمة والأقاليم كما ساهمت تلك القدرات والإمكانيات مع وضوح الرؤية وصدق البرنامج، في جعله الرقم السياسي الأول الآن. لم يقف الحد عند الحديث عن "عجز مالي" بل ذهب البيان الختامي لسوبا أن ذلك كان لانشغال الحزب بالصراع على السلطة..هكذا!، وقد كرر مبارك هذا المعنى في عرضه لورقته، مع أنه من أكثر الناس حديثا عن أن الأحزاب ليست جمعيات خيرية، إنها للحكم، فأي صراع عن السلطة يقصد مبارك، صراع يفقر الإنسان ويفت ساعده متنقلا بين السجون والمنافي، ويجعله يأبى الانخراط في الديكتاتوريات؟.. إنه الصراع من أجل الديمقراطية: وجهة الحكماء ووصية الآباء، كما وصى الصديق، أول رئيس منتخب لحزب الأمة. ولكن حجة السيد مبارك –وهو لجلج فيها- أن السياسة هي فن الممكن وأن الحكم هو الخدمات والمعايش والأمن، ولكن "إن ارتباط فن الممكن بالأحوال الأمنية والمعيشية للمواطن يعني أن المواطن لا يحتاج لسواهما، أما المبادئ السياسية والأفكار الثقافية، والانتماء الفكري والسياسي فلا تشكل ولو جزءا يسيرا من حاجيات ومثل وقيم الإنسان". وأضيف، بل فن الممكن هذا ربما نسي التجربة المرة لنا مع الديكتاتوريات والتي أظهرت أنه مهما سيق عن الاستقرار والتنمية والشعارات التي ترفعها، فهي الأكثر خيبة في تحقيق الحلم الوطني، والأشد خطرا على الوجود القومي السوداني الموحد، بل وعلى التنمية والاقتصاد ومعايش الإنسان السوداني.
    مالية الحزب
    نعم هذه الحجة "المشاركة لبناء المالية الحزبية" بائسة، ولكننا يجب أن نتعرض لقضية عجز حزب الأمة ماليا بشيء من التفصيل وبصرف النظر عن "المبادئ" التي لا تسوى عند سوبا شيئا فهي لا تؤكل!.. لقد تعرضنا من قبل لمسألة مالية الحزب وكيف أنها نشأت عالة على دائرة المهدي في مبدأ أمرها، وأن ذلك ساهم في إيجاد عقلية "التكية"، وفاقم من ذلك محاربة الدكتاتوريات التي تربعت على كرسي السلطة أكثر من ثلاثة أرباع فترة الحكم الوطني للحزب ولمحاولاته تكوين قوة اقتصادية. لقد أشار جماعة سوبا لهذه النقطة مبررين الثغرة المالية بضعف القيادة وعجزها، وقد انفعل شاعر بشير عثمان بهذه الإساءات فقال: ما هماك كتير كان تعدم التعريفــــــة
    يا نسل الكرام نفسك عزيزة شريفــة
    وقال: قسما كان نساوم ونقبل الدولار
    السما ينتكي ويلينن الحجــــــار
    وقال المكي مصطفى في نفس المعنى:
    صابر صبر أيوب القـــــدوة ما بتبــــاع في السوق اتدلل
    الأرزاق من الله الواهــــــب والمقسومة من الله بتحصل
    ولكن الوضع ليس بالسوء الذي صورته جماعة سوبا، وقد رد على ادعاءاتهم السيد رئيس الحزب قائلا في الورقة التي قدمها للمكتب القيادي كتعليق على مذكرة رئيس القطاع السياسي بتاريخ 23 مارس 2002م، وقد كان في تلك الورقة أرقام وتفاصيل سرية وبالرغم من ذلك سربها أهل سوبا لأبواقهم فتناولتها بألسنة حداد، قال رئيس الحزب:
    "لقد حققنا فتوحات عملية كثيرة ولا يجوز أن يكون ضعف إمكانياتنا المادية سببا في تغيير مواقفنا الاستراتيجية.
    إذا كان حزبنا يحظى بتأييد الملايين فهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون فقيرا. هناك إمكانيات ولكن أولويات صرفها خاطئة. أقول هذا واستدل بالآتي:
    - قمنا برحلات للنيل الأبيض والنيل الأزرق والجزيرة والشمالية وصرفنا بعض المال في هذا الطواف ولكنني أعتقد أن ما صرفناه لا يزيد عن ثلث ما صرف فعلا! سألت د. عمر كم تقدر نسبة ما صرفنا بصفتك المسئول عن العمل التنفيذي؟ رد د. عمر قائلا: ما صرفناه لا يتجاوز الربع!!. إذا قلنا للناس سنزوركم يستعدون ويصرفون عشرات الملايين. ولكن إذا طالبناهم بتبرع للحزب لا يستجيبون.. القيم الاجتماعية والثقافية تقليدية. لكن المال موجود.
    - نحن نصرف مبالغ كبيرة شهريا، واشترينا 7 سيارات في هذا العام. ولكن نصيب الإدارة المالية في الحزب شهريا هو نصيب الأسد. علينا أن نراجع أولويات الصرف.
    لعل الحزب باعتماده على مجهوداتي تكاسل في مهام العمل على توفير المال. يجب أن نعمل على استنفار الطاقات المتاحة وأن نغير أولويات الصرف، وأن نعتمد أكثر وأكثر على الجهد الذاتي. لقد اتضح أن النظام لن يرد لنا أموالنا كما كنا نتوقع ربما لأنه يشترط مشاركتنا؟ أي لأسباب سياسية. كذلك الحال مع أموالنا في إرتريا وتقدر 2,5 مليون دولار. لعل النظام هناك أرادنا أن نستمر كرتا في يده فبدخولنا حرمناه من ذلك وحرمنا من مالنا.
    علينا أن نراجع المسألة المالية للاعتماد على الذات ولاستنفار الإمكانات ولإعطاء أولوية لتمويل الأنشطة على حساب تمويل الإعاشة والإدارة". انتهى كلام رئيس الحزب.
    هذا معناه أن المسألة تعود بشكل كبير للذهنية في العمل التي ترجع لمفهوم "التكية" التي أشرنا لها قبلا، هذا من ناحية، من ناحية أخرى سيادة مفاهيم تقليدية في الصرف.. إننا بهذه الذهنية لن نضبط أداءنا المالي، ولن ننتقل لمؤسسة حديثة ذاتية التمويل. ولكن السيد مبارك وجماعة سوبا يريدوننا أن نعود لتلك الفترة –التي أنجزت ما وعدت من استقلال السودان واستنفزت أساليبها في العمل مشروعيتها وتغيرت متطلبات المرحلة. فهم يتحدثون أن يشترك الحزب في بناء كوادره ماديا ويتولى رغد عيشهم، والحزب يعمل لرفاهية البلاد عامة ولخلق الفرص التي تتيح لكل الشباب العيش الكريم وفق مجهوداتهم وعملهم. وهذا يقود للحديث عن الحجة السابعة: المشاركة لخدمة الجماهير.
    الحجة: السابعة المشاركة لخدمة الجماهير:
    لا مكان لحزب يقوم على ذهنية المنفعة للكوادر اليوم، والذي صنعته الجبهة الإسلامية من قبل ثم المؤتمر الوطني لا يمكن الإشارة له لاتباعه، فجماهيرنا أضعاف أضعاف أولئك مما يجعل الخطة مستحيلة التنفيذ إلا في إطار محدود ، ومبدئيتنا تمنعنا أن نخلق إقطاعيات حزبية تنهض بحالة كادرنا الاقتصادية دون الآخرين، قال أبو العلاء:
    فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا
    وكما قال الغالي: تبريرات السيد مبارك للمشاركة في السلطة بحجة فقر الحزب وقواعده تشي بنية مبيتة لاستغلال نفوذ السلطة على أحسن الفروض لخدمة قطاع معين من السودانيين. وهذا ما يتعارض مع نهج الحزب القومي ومع القومية التي ادعاها السيد مبارك.
    ولكن، إن ادعاءات جماعة سوبا أن المشاركة لحل مشاكل جماعتنا تصوير زائف مثلما هو قبيح. زائف لأن الحكومة لو كانت تستطيع حل مشاكل جماهير بالملايين كما هي جماهير حزبنا لما أرادت توسيع المشاركة في السلطة لاجتذاب سند جماهيري عبر رموز وأشخاص بدلا عن أن يكون عبر خدمات وتطوير، فمن السهل استمالة أشخاص ولكن من الصعب تطوير بلد وإرضاء جماهير عبر خدمات حقيقية. وقبيح لأن حزبنا لم ينح في يوم ما للحديث عن فائدته بمعزل عن الفائدة الوطنية، ولا الحديث عن جماهيره بمعزل عن الشعب السوداني الذي يعاني في جميع بقاعه. وحتى في الفترة التكوينية الأولى التي كانت تعتمد على فيض الدائرة، فإن السودان يشهد أن الإمام عبد الرحمن لم يكن يقصر عطاؤه على جماهير الأنصار.. لقد عمت أياديه حتى على أكثر الناس عداوة له.
    يقول الدكتور صالح: "هذا التفكير المصلحي الضيق الذي يتعامى ويتجاهل ما يعانيه غالبية السودانيين من متاعب اقتصادية لا يمكن أن يسهم في حلحلة المشاكل الوطنية المتأزمة التي لا يمكن علاجها من خلال نظرة جزئية تحقق مصالح القاعدة الاجتماعية الحزبية وحدها. فالمشاركة في السلطة منذ الآن وصاعدا تعني إلقاء مزيد من الهموم وتعقيدا للمشاكل الحياتية على بقية الشعب السوداني. وهي نظرة جزئية ضعيفة تستند إلى تعريف علمي تخطاه الزمن والتطور العلمي وهو أن أهم أهداف الحزب السياسي هو تحقيق مصالح قاعدته الاجتماعية، ولأننا لا ننظر حولنا وإلى برامج الأحزاب الديمقراطية الكبرى في الغرب ونظرتها الكلية لمجتمعاتها بتنفيذ برامج تحقق الرفاهية للغالبية لا القاعدة الاجتماعية الحزبية وحدها، فقد كان هذا المبرر للمشاركة ضعيفا وتقليديا. وهذا يعني أن برنامج هذا الحزب المتوالي لن يتضمن حلولا علمية للقضايا القومية وإن وضعت تلك القضايا كشعارات من أجل الكسب السياسي" .
    الحجة الثامنة: قرار لجنة الرقابة واعتراضات السيد مبارك:
    تحدث السيد مبارك المهدي إثر قرار التجميد الذي أصدرته في حقه لجنة الرقابة وضبط الأداء، منكرا أن يسائله من هو أدنى منه في السلم القيادي.. ولكن:
    1- هيئة الرقابة تم التراضي عليها في القاهرة بحضور السيد مبارك.
    2- لوائح هذه الهيئة مجازة.
    3- لم يحتج السيد مبارك على هذه الهيئة لمدة عام من تكوينها.
    4- لم يحتج عليها حينما أصدرت عقوباتها على بعض القياديين. إذا كان يبغي الإصلاح الحزبي والحق والعدل كان الأولى الجهر بذلك قبل أن تمسه شخصيا.
    5- الاحتجاج بأنه لا يجوز أن يحاسب عضو في درجة تنظيمية أقل احتجاج غريب للآتي:
    I) الهيئة شخصية اعتبارية يخضع لها الجميع بغض النظر عن مراكزهم مقارنة بمراكز أعضاء الهيئة.
    II) إذا سلمنا جدلا بأن العضو لا يعاقبه إلا من هو أكبر منه تنظيميا فإن هذا يفتح الباب لأمور منها استثناء القيادات من الخضوع للمساءلة أو ترك المساءلة في يد رئيس الحزب وهذا عين ما لا يريده السيد مبارك.
    الحقيقة إن الهيئة هيئة مستقلة وأن مبدأ المحاسبة يجب أن يقر وهذا يستدعي بالضرورة أن يكون قادة الحزب عرضه للمساءلة من قبل اللجنة التي ستضم بالضرورة من هم دونهم في سلم التدرج التنظيمي .
    لقد درج جماعة سوبا الحديث عن اللجنة وفكرة الضبط باعتبارها ديكتاتورية، ثم سودوا صحيفتهم الحليفة وأي منفذ آخر بالحديث عن ديكتاتورية الحزب، وديكتاتورية الرئيس، وانفراده وأسرته بالقرار.. إلى آخر ما يسوقون. والمتتبع لمسيرة الحزب منذ كانت يدرك أنه لم يمر بالنهج الدكتاتوري، أو الوصائي من أحد حتى الإمام المؤسس. أما السيد الصادق فهو ابن الديمقراطية البار في الحزب وفي البلاد. وما يؤخذ عليه –بل ما أخذه عليه بمرارة شديدة السيد مبارك ومجموعته- أنه سمح للشورى والديمقراطية أن تأخذ مجراها، ولم يستخدم كاريزميته في الحزب ليدفع الناس دفعا نحو المشاركة في السلطة (هكذا يظنون الناس في يد فرد!). والسيد مبارك معروف بأسلوبه الإقصائي الاستئصالي (بدليل المذكرة- والأحاديث الصحفية- وورقته الأخيرة في سوبا)، وبدليل عمله بالخارج الذي كان أمثولة في الانفراد بالرأي. وقد كان ظاهرا منذ أمد أن السيد مبارك لم يعد يعجبه الحزب ومن فيه من "حالمين وتقليديين" ويحب من هم في المؤتمر الوطني، ولم يعد يعجبه خط الحزب الفكري والمنهجي، وعاد مفتونا بخط "الإنقاذ" والمشاركة معها. وقام بجولات سرية وعلنية واجتماعات جانبية، وتجاوزات كان آخرها تجمع سوبا الذي دعا له تآمريا.
    إننا إذا شبهنا ما حدث بتحركات داخل فرق كروية متنافسة، لكانت شبيهة بأن يدعو اللعيبة الذين طالت هزائمهم داخل الميدان (وفي غياب لجنة التحكيم)، وبصورة سرية من بقية الفرق، لماتش في منتصف الليل، ثم يصوبون الأهداف على مرمى خصومهم، ويخرجون معلنين الانتصار!.. فريق لا يستحق المشاركة في الدوري، ولا يستحق أصلا أن يكون، مهما وجد فيه من لعيبة مهرة، ببساطة لأنهم لا يحتوون على روح رياضية ولا يفهمون أصول اللعب، والكرة رياضة ولعب!.. شخص كان ذلك نهجه، وذلك مآله كان سيفصل من الحزب منذ زمن بعيد، لو كان الحزب يستطيع إجراء قرارات من خارج الأجهزة وبدون المشاورات اللازمة!. ولو لم يكن الحزب ديمقراطيا!.
    الحجة التاسعة: التحرك القومي:
    حينما خرج السيد مبارك على حزب الأمة بدأ يقول أنه قومي وأن القميص الحزبي بدأ يضيق عليه فما هي حقيقة هذا الشعار؟ قال الغالي:
    "..حزب الأمة حزب قومي التوجه منذ نشأته ولهذا جاء اسمه يحمل هذا المعنى في طياته. وقد حرص الحزب على التحرك القومي ما استطاع لذلك سبيلا في كل محكات السياسة السودانية، فعل ذلك إبان معركة الاستقلال فكان شعاره "السودان للسودانيين" هو محل إجماع الأمة كلها صبيحة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في ديسمبر 1955م، وفعله إبان خوض ثورة أكتوبر فخط ميثاق أكتوبر الذي اتفقت حوله كل القوى السياسية السودانية المعارضة بيراع قيادته، نفس الشيء حدث في ثورة رجب/ أبريل. وشارك في صياغة ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي في أكتوبر 1989م، وفي فعالياته إبان وجوده داخل التجمع. وحتى حينما جمد الحزب عضويته في التجمع كان دائب السعي للاجتماع مع جميع الفصائل المعارضة ومع الحكومة لتمرير خط قومي يخدم المصلحة الوطنية.
    هذا النهج القومي خط يلتزمه الحزب ويلزم به أفراده ويشجعهم عليه ولكن ذلك يجب أن يكون من داخل خطوط الحزب وبالتنسيق بين أجهزته المختلفة. فلا يحق لأحد قادته أن يتحدث عن قوميته كفرد خارج حدود الحزب المرسومة. لقد قابلتنا من قبل –كحزب أمة- مسألة التحرك بمعزل عن التجمع الوطني الديمقراطي لأننا استبطأنا تحركه. ولكننا انضباطا بوجودنا داخل التجمع لم نقم بأية اتصالات جانبية إلا بعد أن ناقشنا المسألة في اجتماعات هيئة قيادة التجمع واحتفظنا للفصائل بحق التحرك المنفرد ثم عرض النتائج على التجمع. كان هذا في إطار تجمع هو لفصائل مختلفة ببرامج وهياكل وتاريخيات وأولويات مختلفة، فكيف يكون الحال لقيادات داخل حزب واحد؟ . إن ادعاء التزام خط قومي بدون التنسيق مع أجهزة الحزب المختلفة هو الفوضى بعينها.
    إن من سمات القومية أن يتجاوز الناس النظرة للقضايا بمنظار المكسب الحزبي بغض النظر عن المصلحة القومية وأن تعمل الأحزاب كل حزب حسب رؤيته للمصلحة الوطنية العامة وأن يكون تكوينها وبرامجها قومية لا تحتكرها فئة و لا تعزل أحدا. وبهذه المعايير فان حزب الأمة هو الحزب القومي الأول وهو الذي يربط شمال السودان بجنوبه وغربه بوسطه وشماله وشرقه.أما مواقفه فلم أر فيها أي موقف يمكن أن يوصف بالحزبية الضيقة،وعليه فان العمل تحت مظلة هذا الحزب لا يمكن أن تنفي صفة القومية والوطنية عن أي شخص وإذا كان هناك من يرى ذلك فهذه وجهة نظر مشروعة ولكن تترتب عليها نتيجة منطقية وهي أن يبارح ذلك الشخص الحزب ويسلك طريقاً آخر يحقق له القومية.إن الصفة التي ادعاها السيد مبارك لا تخول له أن يحبس المعلومات التي يتحصل عليها من موقعه كقيادي في الحزب عن الحزب الذي قدمه لذلك الموقع .ونقطة أخرى تدحض هذه الدعوى بالقومية وهي إصراره على المشاركة الثنائية في مقابل حرص الحزب على الحل الشامل الذي لا يعزل أحداً ".
    والآن وقد بارح السيد مبارك وجماعته (القوميون العاملون على خدمة جماهيرهم!) فإننا رأينا كيف ظهر عمق تلك القومية في برنامجهم الموقع (في الفصل الثالث) ومن ذلك تغيير لغة الاتفاق بدلا أن تكون تنازلا من حزب مبطوش به لأجل المصلحة العامة والقومية، لصالح اتفاق بين حزبين جمعت بينهما التواريخ والمبادئ المشتركة، والتي لم تجمع بالضرورة بقية السودانيين!.. وكان أول إرهاصات القومية فتح قائد الانسلاخ النار على كل الجبهات داخل حزب الأمة وفي حزب العدالة مضافا إلى جبهته الأصلية (الحزب الاتحادي الديمقراطي).. ولكن المهزلة الكبرى في هذه "القومية" أن السيد مبارك بالذات من قيادات حزب الأمة التي لم تفلح في جذب قلوب عامة السودانيين فلم "يصفق" له أحد من قبل خارج حزبه، بل داخل حزبه كان يتحرك في حزب داخلي يحمده بينما الآخرون منه في ضيق. وقد دهشت ذات يوم من مبلغ "القومية" تلك والتي يدلل عليها ليس فحسب أقاويل الشخص المعني بل وأقاويل بقية "القوم" المعنيين أيضا، وذلك في أحد حلقات "بين الصحافة والسياسة" حيث حكى السيد الصادق كيف أن السيد مبارك نال كل مناصبه تزكية منه حتى انتخابه في دائرة تندلتي كان بترشيحه بعد أن طلبت منه لجنة الدائرة مرشحا مركزيا.. حينما فرغ السيد الصادق من تبيان "تاريخية قيادية" السيد مبارك.. ولأول مرة في ذلك المنبر ولآخر مرة فيه صفق الصحفيون الحاضرون بانتشاء، فكأنما السيد الصادق كان يطربهم بحديثه ذاك وليس فقط يوضح .. هذه الحادثة تظهر مدى مكانة المذكور في قلوب قادة الرأي السوداني على مختلف مشاربهم.. إنها ردهم على "قومية" السيد مبارك، بل أكثر من ذلك هي ردهم على مشاعر متبادلة أشرت لها آنفا في عدم اعترافه بهذه الآلاف قليلة الكم التي تهرق المداد على الصحف!.
    الحجة العاشرة: رؤى حول إمامة الأنصار:
    لم يتقلد السيد مبارك منصبا داخل هيئة شئون الأنصار، ولكنه كان مؤيدا لكل خطوات الهيئة الداعية لانتخاب الإمام منذ تكوينها في 1979م، لم يعرف له موقف مخالف لذلك. بل إنه كان دائم الحمد للهيئة ولقيادتها ولنشاطاتها. والمعركة التي خاضتها الهيئة لتثبت أطروحتها بانتخاب الإمام، وبعدم اعترافها بالنسب أو الحسب أساسا للإمامة معروفة، ومعارضة السيد مبارك لكل مدعي الإمامة داخل بيت المهدي بحجة الوراثة أيضا معلومة، فلماذا غير موقفه من موضوع الإمامة وأنكر مواقف هيئة شئون الأنصار جملة وتفصيلا؟
    إن الزج بموضوع إمامة الأنصار هو ابتزاز يفتقد للمثل والمبادئ التي يجب أن تسنده، ويشكل اعتداء على كيان حمل راية العمل الأنصاري لمدة ثلث قرن وقام به لمدة ثلث قرن وقام به بكفاءة عالية بل كان ضمير الشعب السوداني الوطني أيام الشمولية الصماء. هذا الكيان متطلع للإمامة على أسس مرجعية مذكورة أدناه.. إن سعي هيئة شئون الأنصار لتأسيس الإمامة على الانتخاب لا تسانده المرجعيات الأنصارية فحسب، بل تتحقق به مصلحة الأنصار في اللحاق بالعصر، كما تسد به ثغرات الاختلاف الفردي بين الأشخاص إذا كانت الوراثة هي المرجع المتبع، وتقي شر الفلتات التي يمكن أن تحدث للكيان وتمزقه شذر مذر.
    وبصرف النظر عن أهلية السيد أحمد المهدي –مرشح السيد مبارك للإمامة-وقد كان حتى عهد قريب أجهر وأوسع الناس طعنا فيها- بصرف النظر عن ذلك فإن للإمامة مرجعية لا تسمح لأشخاص، يرجى منهم عدم الاستخفاف بأمرها، التعامل معها كأنها كروت للضغط أو ميادين للنزال السياسي أو على أقل الفروض كأنها مزاجات خاصة.
    في مقابلته الصحفية، وفي الخطاب الممهور بأحرف من طرف جماعته، وفي الحملة الصحفية، وفي بيان "أحبابنا الأوفياء" الذي وزع في صلاة الجمعة بمسجد الهجرة في يناير 2002م، وفي جميع حلقات الهجوم الاختراقي على حزب الأمة سيقت مسألة إمامة الأنصار، وتصورات السيد مبارك لها القائمة على التوريث، قال عبد الرحمن الغالي:
    1- زج السيد مبارك بهذه القضية في صراعه داخل حزب الأمة واستخدمها استخداما سياسيا. فطوال الفترة الطويلة الماضية لم نسمع منه إلا تأييدا للخط الذي تسير فيه هيئة شئون الأنصار بضرورة اختيار إمام الأنصار بالشورى ورضا الأنصار.
    2- هذه القضية قد يطول شرحها ولكني أوجزها هنا في الآتي:
    ‌أ) القيادة في الإسلام ضرورة وهي تقوم على شروط أهمها كفاءة وأهلية الشخص المختار ورضا الناس به.
    ‌ب) الإمام المهدي تجاوز- قبل 120 سنة- المفاهيم الوراثية واعتمد على مفهوم الكفاءة ورضا الناس وعلى ذلك الأساس اختار خلفاءه من خارج أسرته.
    ‌ج) الإمام عبد الرحمن قيادته للأنصار مكتسبة واجه في سبيل إثباتها عقبات أهمها: بطش وتضييق المستعمر عليه ######ط السودانيين نتيجة للمرارات التي خلفتها فترة الدولة المهدية ومقاييس الأنصار الحازمة ومطالبتهم له بالسير على نفس نهج والده الإمام إضافة إلى أن أبناء المهدي لم يكن لهم وضع خاص في فترة المهدية.
    ‌د) وقد تغلب الإمام عبد الرحمن على تلك العقبات والتف حوله الأنصار وطرح نفسه قائدا بايعه الأنصار طوعا لذلك سمى بيعته بيعة الرضا.
    ‌ه) الإمام الصديق حينما حضرته الوفاة أوصى بتكوين مجلس شورى خماسي برئاسة السيد عبد الله الفاضل وقال: (يرعى هذا المجلس شئوننا الدينية والسياسية بكلمة موحدة حتى تنقضي الظروف الحالية في البلاد وعندما تلتفتوا لأمر اختيار الخليفة الذي يكون إماما يكون ذلك عن طريق الشورى بقرار الأنصار). وقد اختار المجلس الإمام الهادي.
    ‌و) إذا أخذنا الاعتبار التقليدي: فإن السيد الصادق حسب الاتفاق المبرم في 1969 بين الإمام الهادي والسيد الصادق عند توحيد الحزب هو المسئول عن قيادة كيان الأنصار.
    ‌ز) وإذا أخذنا اعتبار التصدي لمسئولية الكيان وحكم الأمر الواقع فقد كان هو المتصدي لهذه المسئولية.
    ‌ح) وإذا أخذنا اعتبار الشعبية والقبول فقد تجمع ملايين الأنصار لمبايعته ورفض ذلك حدث ذلك في الجزيرة أبا شوال 1400هـ حينما قدم له الأنصار عهدا ثم في امدرمان وحدث ذلك قبل ثلاثة أعوام في كل أنحاء السودان.
    ومع كل هذا فإن السيد الصادق يريد أن يضع أساسا يصلح لكل زمان وهو أن يتم اختيار الإمام بالانتخاب حسبما يتماشى مع روح ما فعله المهدي وما أوصى به الإمام الصديق ومع روح العصر .
    هذا هو تصور الهيئة ومرجعياته، فما هو موقف السيد مبارك؟ وكيف يتسق موقفه المعلن مع دعوات التجديد والإصلاح.. بل كيف يتسق مع تاريخه الراضي بالهيئة الحامد لها؟.. وكيف بالله تحمل جماعة سوبا شعارات السيد مبارك حول الإمامة وشعار الهجرة إلى المستقبل في ذات الآن؟
    الحجة الحادية عشر: دكتاتورية الرئيس وأسرية الحزب
    أما بشأن أن رئيس الحزب دكتاتور فهذا ما يناقض المعروف عنه ولا يحتاج لنقض، ولو كان كذلك لما صبر على زعيم سوبا مع ما ظهر من أنه اتخذ ثغرة لاختراق الحزب لصالح النظام منذ أمد ليس بقريب، فقد كان يتابع التقارير كلها التي تجيء بتفصيل عما يقوله للمسئولين في النظام ضد الحزب ويحرضهم عليه، والتقارير تجيء عن جولاته الإقليمية وما يقوله فيها وعن ندوته في كوستي قليلة الحضور التي هاجم فيها قيادات الحزب وتنظيمه بأظهر ما يكون، وعن تكوينه لحزب مواز.. لكن النهج الديمقراطي كان يمنعه أن يتخذ أي إجراء لا يكون عبر المؤسسة وبموافقة الأجهزة.. وأخيرا كان صبر جماعة سوبا أقل من صبر السيد الصادق عليهم فأراحوه من عناء الجراحة، وعلى حد تعبير محمد المكي إبراهيم "ولذلك يقول البعض أن ما جري حقيقة هو أن دما فاسدا أراد الخروج فتركه المهدى يخرج موفراً على نفسه أجرة الحجامة." والغريبة أن جماعة سوبا تعتبر مجرد إدلاء الرئيس برأي دكتاتورية لأنه يملك كاريزمة ويقنع الناس بسهولة، وهذا فهم عجيب، فكيف يظن أحدا أن الديمقراطية هي أن يصمت شخص بينما يتحدث الآخرون. والعجيبة أيضا أنهم مثلا استاؤا من صمته إبان مناقشات مسألة المشاركة وأنه لم يقف بثقله الفكري وقدرته على الإقناع إلى جانبهم!! وعدت هذه أيضا ديكتاتورية فكيف لا يؤازر خطهم الصحيح بكل ما يملك!. وإذا كانت الواحدة لتتبع أحاديث السيد مبارك تأكيدا لديمقراطية زعيمه ومؤسسية الحزب لحصلت على أدب غزير، يكفي كمثل قوله في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 2/8/1991م الآتي: "السيد الصادق المهدي صحيح هو زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة وله وزنه في الساحة السياسية السودانية ولكنه يتعامل في إطار مؤسسات ديمقراطية للحزب وبالتالي هو خاضع تلقائيا لرأي المؤسسات".
    والسيد مبارك يتحدث عن أسرة السيد الصادق المهدي وتسلطها على أجهزة الحزب، مع أنه يدرك تماما أنه لم يصعد أحد من هؤلاء بغير بلاء يؤهله لذلك (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)، فالسيد الصادق ليس "مستجد" سياسة اليوم لقد ولج ميادينها كمسئول في الحزب وانتخب رئيسا له ثم كمسئول في الحكم رئيسا للوزراء مرتين.. ومنذ الستينيات، والشعب والحزب يراكم معرفته له، يعرف مبدئيته، وموضوعيته، وتعاليه عن سفاسف الأمور، وذمته المالية، وصدقه ومثاليته التي طالما تضجر منها السيد مبارك. هذه التهم معلوم الرد عليها ويوزعها أصحاب الفم المريض من باب "سيد الرايحة يفتش خشم البقرة" فهم يجربون كل حيلة وكل تيلة يمكن أن تقال أو يتم التفكير فيها، وقد انضم السيد مبارك لهؤلاء بدرجة تفوق في بحثه الأخير عن حيلة للمشاركة الانخراطية. وقد كان السيد الصادق سئل من قبل عام 1992م عن رده إذا وجهت له هذه التهم فقال: ": لقد كان علي قمة حزب الأمة مكتب سياسي منتخب وهيئة برلمانية منتخبة .. ولم أتدخل في ترشيح الذين انتخبوا في الحالتين. وأقول لك أن هذه الأجهزة كانت تجتمع بانتظام وتناقش وتقرر ووقائع هذه المداولات ووقائع الأجهزة المتفرغة مثل اللجنة التنفيذية موجودة في مكان ما. وأقول قولاً واحداً أن أي موضوع سياسي أو تشريعي أو تنفيذي نوقش واتخذ قرار ديمقراطي بشأنه. والتهمة التي كانت توجه لي في هذا الصدد أنني كنت ديمقراطياً أكثر من اللزوم في ظروف بلادنا المتخلفة. وإنني بطبعي أكرم الناس واحترم الرأي الآخر في كل مجال، واتهامي بالدكتاتورية من باب : ومن يك ذا فم مر مريض، أو (الما بريدك في الضلمة يحدر ليك) وأنا أفهمها علي أساس أنها زفرات كراهية لا يخلو أحد من الناس منها، ويعوضني الناس قصادها آيات ثقة وحب خشيت ومازلت أن تكون لي فتنة. أما بخصوص أقاربي فإنني قد عينت عشرات الناس في الوظائف الدستورية المختلفة من وزراء مركزيين ووزراء ووزراء دولة، وحكام أقاليم ووزراء إقليميين .. الخ. ولم يكن من أقاربي في هذا العدد الضخم إلا اثنان هما مبارك ورشيدة. ". ولا أود الخوض فيما قيل ويقال عن السيد مبارك، لأنني كنت أحسب ذلك ظلما، ولأن هذه الأساليب الرخيصة لا تشبه نهجنا الذي يعلو على المهاترات.
    وكمثال للوي يد الحقائق الذي تتخذه هذه المجموعة أشير لتهمة وجهت إلى من قبل هذه المجموعة وهي تحكمي بصفحة الحزب بالإنترنت في إطار الأسرية (صدر بيان من مكتب السيد مبارك بهذا المفهوم، وقد سبقت إشارتي لهذا البيان وفضح الأكاذيب حوله تحت عنوان: سياسة تمويه الحقائق). فقد تعاملت مع السيد مبارك في الآونة الأخيرة عدة مرات. لم ألمس في أحد تلك المرات أنه يستنكر عملي بمكتب السيد الصادق أو يعتبر ذلك نوعا من الأسرية، وأسوق الشواهد التالية:
    أولا: عندما تشاورنا لإنشاء وحدة معلومات الخارج وخططنا ورقتنا التأسيسية(لم ينشئها السيد مبارك كما كان الادعاء)، خاطبت السيد مبارك بخطاب في 13 مايو 1999م –مشار له آنفا- وأعلمته بما قمنا به وناشدته –بناء على تجربتي في سرعة استجابته السابقة- ليساعدنا في وحدة الداخل. وقد أثنى السيد مبارك كثيرا على ما قمت به من عمل وقال لي : "مجهود كويس، بس كنتي تذكري أن كل ذلك الجهد –يقصد المكاتب التي أنشأت بالخارج- كان بيدي"..ووعد بالاستجابة، وهو ما لم يحدث. في تلك الفترة جمعتني بالسيد مبارك عدة تعاملات وجلسات كان ما يظهره عبرها حيال عملي إيجابي جدا.
    ثانيا: إثر عودتنا في تفلحون، كان السيد مبارك كثيرا ما يمر على السيد الصادق خاصة أثناء الجولة الأولى للتفاوض مع النظام، ويزورنا أحيانا في المكتب إذا كان يريد كتابا أو ورقة، وكان كل ما مر –صباحا أو مساء-يجدني في المكتب ويعلق لي قائلا: هل ذهب الآخرون وتركوك؟ هكذا الناس في السودان يتركون المجتهد وحده.. والحقيقة أن كل موظفي مكتب السيد الصادق مجتهدون ولكن عملي ربما كان أكثر ارتباطا بالمكتب في تلك الأيام.. وهذه الرواية تؤكد أنه لم يكن يعتقد أنني أعمل في هذا الموقع بصفتي الأسرية.
    ثالثا: حينما كون السيد مبارك مجلسا لقطاعه السياسي ليرسم السياسات، أعلن أنه اختار له خيرة عضوية الحزب، ومهما يكن من أمر صحة هذا الادعاء، فقد اختارني السيد مبارك مع تلك "الكوكبة" المكونة من ثلاثين عضوا.. صحيح أنني لم أستطع الاستمرار في المجلس لعدة أسباب خاصة بظروفي وبالمجلس نفسه، ولكن هذا الاختيار يؤكد أنه لم يكن يعتقد أن كل مؤهلاتي أسرية والعجيبة أن السيد مبارك اختار أيضا في مجلس القطاع السياسي أخي المهندس صديق الصادق. فكان في المجلس ذي العضوية المحدودة اثنان من ذرية السيد الصادق.. هل كان ذلك اعترافا من السيد مبارك حينها بأهلية أبناء وبنات السيد الصادق وسط زملائهم في الحزب، أم أنه كان محاولات للتماشي مع الأسرية؟.. ولكلا الإجابتين توابع تنفي حق السيد مبارك في الضجر مما يسميه الأسرية.
    إنني لا أود التدليل بما سقته هنا على أهليتي وما ينبغي لي، ولكنني أدلل على أن السيد مبارك لا يرعوي عن لي يد ما ظهر من معتقداته هو نفسه لأجل مصلحته في النيل من السيد الصادق ورميه بالأسرية.. ويسير في ركبه بقية أهل سوبا حذوك النعل بالنعل، فلو دخل جحر ضب خرب لولجوه، وقد فعلوا في سوبا!.
    إن اتهامات "أسرية السيد الصادق" هذه تأتي ضمن اختلاف القول الذي تنتهجه جماعة سوبا 2002م، فقد أتى حين من الدهر على قيادات تلك الجماعة كانت الأكثر دفاعا عن موضوعية رئيس الحزب وأحقية أفراد أسرته لتولي المناصب التي تولوها. وبيدي الآن ورقة مطولة من الحبيب أحمد يوسف (قربين) يذكر فيها هذا الاختلاف الواضح في تصريحات تلك الجماعة والتي كانت السبب الرئيسي لإعراضه عن أفرادها بعد أن كان لهم من المقربين. يورد الحبيب أحمد يوسف عدة مشاهد تؤكد هذه الحقيقة، منها:
    المشهد الأول: يورد أنه كان مرة في المركز العام للحزب بأم درمان في مكتب قطاع الشباب والطلاب، وقد كان رئيسه حينها الأستاذ الفاضل آدم أحد قياديي سوبا 2002م، يقول قربين أن بعض الناس ذكر مسألة الأسرية، وأن الفاضل آدم تصدى لهم قائلا إنه لم ينل أحد من أسرة السيد الصادق منصبا إلا استحقه بنضاله، وذكر أن صديق كان معهم في معسكر الجزيرة أبا وهو في مرحلة المتوسط وقد كان مؤذن المعسكر، وأن مريم كانت منظمة منذ أيام الدراسة الجامعية في جامعة الخرطوم وقد كانت ضمن قائمة الطلاب الأنصار التي خاضوا بها الانتخابات عام 1982/1983، وقال أن عبد الرحمن الصادق بقيادته لتهتدون فحسب إذا وجدت عدالة فإنه يستحق أعلى الرتب بالجيش، وقال عن عبد الرحمن الغالي (صهر السيد الصادق) أنه منذ دراسته الجامعية كان طالبا أنصاريا منظما في جامعة الخرطوم.
    المشهد الثاني: يورد تكرارا للمشهد مع الأستاذ آدم إبراهيم وهو أيضا من قيادات سوبا 2002م، والذي قال أنه كان يدافع عن عبد الرحمن الغالي، ويقول أنه أنصاري حزب الأمة بالميلاد ولم يحد، وعما يورده البعض من أنه رفض أن يعلق جريدة "صوت الأمة" على لوحة الحزب –إبان فترة الديمقراطية- قال بأنه كان يقوم بذلك لرفضه لمضمون الجريدة وليس لأنه غير حزب أمة.. وهذه النقطة بالذات أثارها بعض خصوم المذكور من أنه لم يكن ملتزم بالحزب وأدبياته فكان بدلا من عرض جريدة "صوت الأمة" على لوحة الحزب بالجامعة يعرض جريدة "الشماشة".. وهي مسألة تدل على شيء من آفة الفهم لمن يثيرها في رأيي، فكيف يقوم شخص غير حزب أمة بالتسلط على لوحة الحزب وتعليق مادة ونفي أخرى.. ومهما قيل عن صحة الموقف فهو يدل على أنه لم يكن مجرد طالب منظم بالحزب بل له صفة تجعله يتحكم في نوع المادة المعروضة باسم الحزب!.. علاوة على أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن صوت الأمة لم تكن دائما قائمة بعملها الإعلامي على ما يرام، وربما خدمت جريدة الشماشة خط الحزب أكثر منها في بعض الأحايين.
    وقد أورد الحبيب قربين ذينك المشهدين ومشهد ثالث يحمل ذات المضمون على سبيل المثال لا الحصر.. ولو أردنا تتبع ورصد اختلاف القول حول مسألة أسرية الحزب عند جماعة سوبا 2002م لفرغ مدانا قبل فراغنا منه.
    الشاهد، أنني قد تعرضت لهذه التهم بالتفصيل من قبل مداخلة مقالات وردت على صفحات الصحف، وفي كل مرة كان يقال لي دعي الرد يكون بقلم الآخرين. وقد ووجهت بهجمة شرسة من العديدين من قبل جراء خوضي في هذه وغيرها لتركيز الاتهام بالأسرية، ولكني لم ولن أتراجع عن موقفي في سن قلمي متى ما عن لي ذلك، ولن أتبع نصيحة البعض باتخاذ أسماء وهمية أو مستعارة، فنحن نواجه بهذه التهم أصمتنا أم نطقنا، والدليل الأكبر على عدم الأسرية لصاحب اللب هو خوضك المعارك وتصديك مبادأة، ذلك يثبت وجودك أعلى المناصب أو بعيدا عنها.. أما من يرون التصدي دليلا على الأسرية ففي بعد عن الحق كبير!. والأسرية تقال عن نيل الشخص لمكانة أو منصب بسبب حسبه أو نسبه وبدون عطاء يذكر، وعكسها هو بذل أهل الحسب والنسب للعطاء وبدون مناصب تذكر، وعندي أدلة على هذه كثر ذكرتها في مناسبات مختلفة، مستنكرة ما يود البعض عمله من أن يكون النسب عاملا على تعويق مسيرة الشخص التنظيمية وبخسه أشياءه.. وقد ارتضيت أن يكون اسمي عائقا لي في مراقي الحزب ذلك أن الترقي على العتبات ليس صيدي الذي أطلب، ولكنه سيكون بعيدا ارتضاء الصمت كي يتحدث الآخرون، أو الابتعاد، أو أي مما ينصح به البعض لتلافي اتهام الأسرية.. إنك لا تتبع ذوي الأمراض الفهمية والأغراض النفسية إذا كان لك عقل ولسان.. وستذهب اتهاماتهم تلك زبدا جفاء، ويمكث مداد خط بالحق، وما ينفع الناس.
                  

العنوان الكاتب Date
حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:17 PM
  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:19 PM
    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:21 PM
      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:22 PM
        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:24 PM
          Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:26 PM
            Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:30 PM
              Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:32 PM
                Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:34 PM
                  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:37 PM
                    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:41 PM
                      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-28-12, 07:19 AM
                        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي ahmed haneen08-28-12, 08:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de