حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-27-2024, 11:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-27-2012, 08:30 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الرابع
    المسألة التنظيمية
    قالو الخلاف قالو الشقاق قلنــــــالا لا يهدا الطريق
    محفوف مخاطر أغلبو ولســـــــــــــة قدامك غريق
    خضر عرمان
    التنظيم هو أحد نقاط ضعف حزب الأمة الثلاث إلى جانب الإعلام والتمويل. إن المكابرة في ذلك لن نجني منها شيئا، ولا هو ديدن حزبنا الذي من قدره فتح الأرض البكر والريادة، والرائد لا يكذب أهله. والفرق بين أن تكون مدركا للقصور ولأسبابه ساع لتجاوزه، وبين أن ترضى بالواقع هو فرق في النتائج المستقبلية، لا في المعطيات الحالية.
    قال رئيس الحزب في كلمته أمام الورشة التخصصية للتنظيم المنعقدة في القاهرة قبل عامين: "التنظيم وجه من وجوه التنمية والحداثة بحيث يستعصي في المجتمعات التقليدية و يسهل في المجتمعات الحديثة. لذلك ينبغي أن نعتبر تقاعسنا التنظيمي جزءا لا يتجزأ من تخلف مجتمعنا الاقتصادي و الاجتماعي. ومثلما نتطلع للتنمية في تلك المجالات نتطلع لها في مجال التنظيم ". وأرى أن التنظيم المؤسسي بالشكل الحديث هو الذي تنطبق عليه هذه الجملة. فقد وجدت وتوجد تنظيمات محكمة ولكنها تقليدية في المجتمعات التقليدية. ولقد تطرقنا في باب الرد على حجج سوبا (الفصل السادس) للمعايير المختلفة التي تتخذها كل من الكيانات الحديثة والتقليدية، وذكرنا أن التقليدية لا تعني العشوائية بالضرورة.
    وقبل الخوض في هذه المسألة فإننا نذكر أن هذه البناءات التي نتحدث عنها في حزبنا هي خبرة سودانية والسودان لا زال يضربه التخلف. ويجب بالتالي قياسها إزاء الأداء السوداني الموازي ولا يحق لأحد مقارنتها بالتنظيمات في البلدان التي "طعنت" في الحداثة. هذا لا يعني أننا نرضى بالتقصير فقد أبنا أن الوعي بالقصور هو أول الطريق نحو العمل الجاد الذي ينشد التطور.
    يبدأ الإصلاح التنظيمي بالدراسة النقدية لتجاربنا وبالاستفادة من تجارب الآخرين: "ويلزمنا ونحن نتناول الموضوع أن نقدم دراسة ناقدة لتجربتنا التنظيمية في عهد الديمقراطية الثالثة وفي عهد المقاومة للدكتاتورية الثالثة لمعرفة الإيجابيات و البناء عليها وتحديد السلبيات و تجنبها" .
    لقد شكل التنظيم مؤخرا هاجسا للحزب بصورة أساسية، وتضاعف الأدب المتطرق للمسألة التنظيمية بين القيادات والكوادر، وهذا يعكس الاهتمام كما يعكس عمق المشكلة. والمؤسف أن جماعة سوبا –وهم مشاركون في كل الترتيبات التي اتخذها الحزب في الفترة الأخيرة- حملوا عنهم فجأة ثوب المسئولية، وصاروا يشيعون الهم الداخلي للحزب بشكل تشويهي لا يعترف بمحاولات الحل الجادة والحثيثة والتي أثمرت العديد من المحطات وإن كانت دون المأمول. إن التنمية، وأقلمة الحداثة، أمور شاقة ولا تحتاج إلى عقلية المؤامرة في حلها، لأنك إن نزعت عنك ثوب المسئولية فما أسهل أن تشير للثغرات- الفتقات التي أعجزك من قبل رتقها. إن قصة التنظيم في الحزب قصة مرة، تحكي مرارة طريق التقدم في عوالمنا التي لا زالت مكبلة بالتخلف، ولكنها أيضا قصة حلوة، تحكي حلاوة الأمل.
    لقد بنى تجمع سوبا دعايته على شيئين: الأول ما سماه بشرعية التصدي وقد رددنا على هذه الفرية آنفا- والثاني: ادعاء بطلان التنظيم الحالي استنادا على روايات مغلوطة للتاريخ الحزبي. لذلك كان لا بد من إلقاء ضوء خاص على مسألة التنظيم.
    لقد مرت البناءات التنظيمية للحزب بفترات مختلفة تأثرت فيها بالواقع الوطني في مختلف ضروبه. وإن الذي يعنينا في هذا الفصل بحث المسألة التنظيمية في الفترة الأخيرة "عهد الإنقاذ"، ولكن لا بد من إلقاء نظرة على عتبات الحزب التنظيمية، ذلك أن تجمع سوبا أورد في بيانه الختامي مقارنات سطحية لأحوال الحزب في الفترات المختلفة في محاولة منه للنيل من المجهودات الحالية، علاوة على أن السيرة التنظيمية للحزب تفيدنا في تفهم مآلات البناء التنظيمي للحزب التي نعيشها الآن. وسيتم الحديث عن التنظيم في حزب الأمة عبر بابين :
    الباب الأول: التنظيم منذ نشوء الحزب وحتى 1989م.
    والباب الثاني: التنظيم منذ 1989م وحتى الآن.
    الباب الأول: التنظيم في الفترة 1945-1989م
    تم التسجيل الحزب في 18 فبراير 1945م بعد أن أكمل كتابة دستوره وانتخب سكرتيرا عاما له، وفي عام 1949 تم انتخاب أول رئيس للحزب توفى في 1961 إبان ديكتاتورية عبود حيث كان الحزب "محلولا"، عاد نشاط الحزب العلني بعد ثورة أكتوبر الظافرة وانتخب الحزب أجهزته الجديدة. وفي الفترة من 1964 وحتى 1989م مرت بالحزب فترتين ديمقراطيتين تخللتهما ديكتاتورية مايو المرة.. ولتفهم تاريخ الحزب في تلك العهود تم تقسيم الفترة المعنية إلى ست مراحل: المرحلة الأولى: فبراير 1945- 1949م- المرحلة الثانية: 1949م- 1961م- المرحلة الثالثة: 1961- 1964م- المرحلة الرابعة: 1964-1969- المرحلة الخامسة: 1969-1986- المرحلة السادسة: 1986- 1989.. وسيتضح من تفاصيل تلك المراحل أنني لم أتخذ معيارا معينا في ذلك التقسيم المرحلي، ولكني جهدت لكي تعبر كل مرحلة عن فترة متجانسة في قيادة الحزب أو خطه السياسي سواء أكان مواجهة للديكتاتورية أو لمهام البناء الوطني والذاتي.
    المرحلة الأولى: فبراير 1945- 1949م:
    وقعت معركة كرري الشهيرة في 2 سبتمبر 1898م معلنة نهاية دولة المهدية المستقلة وبداية العهد الاستعماري الثنائي الذي واجه انتفاضات مهدوية عديدة فقمعها بوحشية وعمل على تشتيت الأنصار وكسر شوكتهم. كما واجه لاحقا انتفاضة 1924 وقمعها بفظاظة. أدت تلك المواجهات ونمو الوعي القومي عالميا إُثر إصدار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ودورد ويلسون لمبادئه الأربعة عشر وإنشاء عصبة الأمم، والخلاف حول مركز السودان ومستقبله خلال المفاوضات بين الحكومتين المصرية والبريطانية، إلى إيقاد جذوة الحركة السياسية السودانية بين الخريجين السودانيين، وتطوير فكرة نادي الخريجين الذي كان يلعب أدوارا اجتماعية وثقافية وأدبية في عشرينيات القرن العشرين، نحو إنشاء مؤتمر الخريجين بأهدافه السياسية الواضحة في 1937م. قاد المؤتمر النشاط الوطني وسط الخريجين وأثمر أهم محطات الإجماع السوداني حينها بتقديم مذكرة الخريجين في 3 أبريل 1942م.
    كان الأنصار قد تم لم شملهم من جديد وبناء تنظيماتهم الاجتماعية وإشراكهم في المناشط الاقتصادية بمجهودات السيد عبد الرحمن المهدي الذي سعى للتنسيق مع قادة مؤتمر الخريجين ورعاية نضالهم الوطني نحو الاستقلال، ولكن المؤتمر وبعد انتخاباته التي جرت في نوفمبر 1944م سيطرت عليه جماعة الأشقاء التي كانت تتأهب لإصدار قرار من المؤتمر يفسر مذكرة الخريجين بأن مطلب السودانيين القومي هو الاتحاد مع مصر تحت التاج المصري. كما برز حينها اتجاه مصري رسمي قوي بتسوية مسألة السودان بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر السلام أو في مفاوضات مصرية-بريطانية. كل ذلك أدى للتعجيل بإنشاء كيان يعبر عن الرأي السوداني الاستقلالي.. وهو حزب الأمة.
    نشأ حزب الأمة كتحالف بين ثلاثة عناصر هي: الأنصار، وزعماء العشائر، ونفر من الخريجين المنادين باستقلال السودان تحت شعار: السودان للسودانيين. بدأت الاجتماعات التأسيسية للحزب في ديسمبر 1944، وتمت صياغة لوائح الحزب ودستوره وبرامجه، وانتخب السيد عبد الله خليل سكرتيرا عاما للحزب، فقام برفع دستور الحزب للسكرتير الإداري في 18 فبراير 1945م طالبا التصديق عليه والذي تم باعتباره ناد لعدم وجود قانون بشأن الأحزاب حينها.. يعتبر الحزب أول حزب سوداني لأن الجماعات الأربع (الاتحاديين، جماعة الأحرار، جماعة الأشقاء، وجماعة القوميين) التي نشأت في أكتوبر 1944م لم تنشأ كأحزاب ولم تسم نفسها كذلك كما يرد في معظم كتب التاريخ المعاصر وإنما نشأت كجماعات في إطار مؤتمر الخريجين، ولذلك لم تفتح عضويتها لكل السودانيين ولم تخاطب غير الخريجين، كما لم تطلب تصديقا لتكوينها من الجهات الرسمية .
    موقف السيد عبد الرحمن المهدي من الحزب
    سأل سرور رملي السيد عبد الرحمن المهدي عن موقعه من الحزب وعما إذا كان هو رئيسه فأجاب: "إنني جندي في الصف، ولكن الله سبحانه وتعالى وهبني من الإمكانيات ما لم يتيسر لكثير منكم، وسأهب هذه الإمكانيات وسأهب صحتي وولدي وكل ما أملك لقضية السودان".
    نص دستور حزب الأمة الذي أقر في الاجتماعات التأسيسية على أن مبدأ الحزب هو "السودان للسودانيين"، وأن غرضه هو الحصول على استقلال السودان بكامل حدوده الجغرافية مع المحافظة على الصلات الودية مع مصر وبريطانيا.. إن الطبيعة الموجزة لدستور حزب الأمة يجب ألا تخفي حقيقة مهمة ربما تكون غائبة عن الكثيرين، وهي أن الحزب وصولا إلى هدفه الأسمى وهو الاستقلال قد اتخذ المطالب الاثني عشر المنصوص عليها في مذكرة مؤتمر الخريجين في 1942 برنامجا له وسعى لتنفيذها من خلال مؤسسات التطور الدستوري التي أنشأتها الإدارة البريطانية وشارك فيها وهي: المجلس الاستشاري، و مؤتمر إدارة السودان ، والمجلس التنفيذي، والجمعية التشريعية ، ولجنة تعديل الدستور .
    تنظيم الحزب في تلك المرحلة
    لقد قلنا أن الحزب كان يتكون من المثقفين والأنصار وشيوخ الإدارة الأهلية. وقد حافظ الحزب على هذه الثلاثية في طريقة عمله. فجماعة المثقفين والتي تلقت تدريبا إداريا عاليا وكانت جزءا من خدمة مدنية منضبطة أقامت تنظيما محكما. لقد كان سكرتير عام الحزب –السيد عبد الله خليل- عقلية إدارية من الطراز الأول. وقد ساهم في بناء تنظيمات الحزب في الأقاليم ومتابعتها دوريا لتتبع انضباطها التنظيمي . ولكن كان للحزب أيضا عضوية تتبع للإدارة الأهلية عبر النظار والعمد. أما الجناح الأنصاري فقد كان يتبع تنظيما محكما يمثله تنظيم "شباب الأنصار" والذي ساهم في تكوينه عدد من الرجال عالي الهمة والانضباط على رأسهم الأمير عبد الله نقد الله . لقد كان ذلك الانضباط التنظيمي محل ملاحظة الجميع، ولكنه أيضا كان جزءا من الانضباط العام في الخدمة المدنية، وفي الأحزاب السياسية التي نشأت في كنف مؤتمر الخريجين.
    كانت الاشتراكات تمثل جزءا من مالية الحزب، ولكن الملاحظ في هذه الفترة أن التمويل الرئيسي للحزب كان من دائرة المهدي، وهي مؤسسة اقتصادية أنشأها الإمام عبد الرحمن المهدي بالتعاون مع الأنصار، وهي ليست تابعة للحزب بأي حال. ومع أن وجود الدائرة لتمويل أنشطة الحزب حينها كان يعتبر محمدة حلت إشكالية التمويل للحزب، إلا أنها شكلت عقبة للحزب فيما تلا ذلك من عهود. فالدائرة ورثها ورثة الإمام عبد الرحمن- وهؤلاء تختلف آراؤهم وميولهم السياسية ودرجة التزامهم للحزب، كما أن تلك الورثة نفسها تعرضت للمصادرة وتعرضت مشاريعها للتدهور على يد النظام المايوي. هذا كما لم تتكرر الظروف التي ساهمت في إنشائها بادئ ذي بدء كما سنتعرض لذلك بالتفصيل لاحقا. ولكنها مثلت سابقة للحزب، جعلت عضويته تتطلع أن يمولها الحزب في عملها السياسي –وليس العكس- وهذا أخر التمويل الجمعي أن يدرج في الأجندة بصورة جادة.
    المرحلة الثانية: 1949م- 1961م
    في هذه المرحلة استحدث الحزب منصب "رئيس الحزب" وكان المنصب الأول حتى ذلك الوقت هو سكرتير عام الحزب. وفي فبراير عام 1949 تم انتخاب الصديق المهدي رئيسا للحزب. هذه المرحلة حدثت فيها بعض التطورات:
    أولا: حدث خلاف حول العلاقة بين الحزب والأنصار، وحول صلاحيات الإمام داخل الحزب. وقد قدر الإمام عبد الرحمن المهدي ضرورة التمييز بين الكيانين، فأصدر بيانا بتاريخ 20/9/1950م، نصه هو:
    1- حيث أن أحداثا خلقتها بين توجيهاتي لحزب الأمة ومركزي في قيادة الأنصار دعاني أن أوقف أي تدخل بين علاقة حزب الأمة في قراراته وأعماله كحزب سياسي وعلاقته بالأنصار إلا فيما يتصل بالتأييد الشعبي للمبدأ. وإن رئاسة خليفتي (يعني الإمام الصديق) للحزب كافية الآن في اتصالاته التنفيذية به.
    2- تدفع الدائرة المعونة السنوية للأعمال.
    3- تفصل ميزانية الحزب من الدائرة وتحدد أعماله السياسية منفردا عن وكالات الأنصار في المراكز الخارجية.
    4- تلغى المذكرة الأخيرة التي تخول لي حق الرفض في قرارات الحزب لأنها هي السبب لهذه الحملة الطائشة .
    ثانيا: أدركت حكومة السودان –التي يتحكم فيها البريطانيون- أن الحزب ما قبل بمؤسساتها إلا ليتحرك من داخلها نحو الحكم الذاتي. فحاولت اختراق الحزب، وأنشأت الحزب الجمهوري الاشتراكي في ديسمبر 1951م والذي استهدف عضوية حزب الأمة، وضم له الكثير من شيوخ الإدارة الأهلية الذين كانوا منضمين لعضوية الحزب، وبعض مثقفي الحزب –هذا علاوة على المثقفين الجنوبيين وشيوخ الإدارة الأهلية في الشمال والجنوب في غالبهم. كان هذا أول اختراقات الحزب الظاهرة.
    ثالثا: نشأ خلاف داخل الحزب حول طرف الائتلاف الأفضل. وقدر سكرتير عام الحزب أن يستعين على رئيس الحزب الذي يتسلح بالأغلبية الحزبية بالقيادة العسكرية، فسلمها السلطة في17 نوفمبر 1958. في هذه الفترة حلت جميع الأحزاب بما فيها حزب الأمة، وانخرط الحزب بقيادة رئيسه في معارضة النظام. وفي مارس 1959 توفي الإمام عبد الرحمن المهدي وخلفه على إمامة الأنصار ابنه الصديق المهدي –المنتخب رئيسا للحزب- ثم في نفس الشهر وإثر حركة داخلية في قيادة القوات المسلحة، تمت تصفية العلاقة مع السكرتير العام للحزب ومن معه في حزب الأمة، وأودع السجن مع غيره من قيادات العمل السياسي المعارض في السودان، واندفع النظام في حملة محمومة ضد الحزب والأنصار وقيادتهم . لقد ساهم نظام نوفمبر في خلخلة بناء الأحزاب باستعدائه لها وحجر حركتها. وكان هذا أول التجارب الديكتاتورية الوطنية في السودان.
    المرحلة الثالثة: 1961- 1964م
    في 2 أكتوبر 1961م توفي الإمام الصديق المهدي- وعاش الحزب فترة فراغ قيادي إذ لم تسمح الظروف وحالة حل الحزب بانتخاب رئيس مكانه. وقد تم اختيار الإمام الهادي –عبر مجلس الإمام الذي عينه الإمام الصديق في فراش موته- إماما للأنصار. وكانت توجهات الإمام الهادي دعوية محضة ومختصة بكيان الأنصار. ولذلك فقد تسبب موت الإمام الصديق من الناحية السياسية في نكسة في عمل الجبهة الوطنية المتحدة التي كونها الإمام الصديق وجعل مقرها بيت الأمة (مجمع بيت المهدي عليه السلام) . وصارت مسألة غياب قيادة لحزب الأمة من ضمن أسباب تخلف المعارضة عن الإقدام الذي كانت تتميز به بقيادة الصديق.
    كان قياديو الحزب يعملون بدون تنسيق. وقد قام الصادق المهدي – والذي كان شابا دون الثلاثين حينها- بمحاولة ملء الفراغ السياسي الذي عايشه الحزب –بدون أية صفة تنظيمية في حينها- فقام بالتحرك بنشاط وسط طلبة جامعة الخرطوم واتحادات الطلبة وبعض المفكرين المعارضين للحكم القائم، لقيادة عمل سياسي معارض للحكم العسكري. ثم شرع يوجه نشاطه لمجالات معارضة سياسة الحكم العسكري نحو المديريات الجنوبية فأصدر في أبريل 1964م كتيب "مسألة جنوب السودان". وحينما بدأت أحداث الجامعة في الأربعاء 21 أكتوبر اتجه لاعتبارها نقطة انطلاق لتغيير الأوضاع، ونجحت مساعيه في توحيد جميع الاتجاهات السياسية وجمعها خلف قيادة الأنصار وحزب الأمة في بيت المهدي وفي جعل بيت المهدي مركز قيادة التحول الجديد، حدث هذا رغم وجود اتجاهات عديدة بين أفراد بيت المهدي وبعض الأنصار كانت ترى التريث والابتعاد عن الثورة. فصلى الصادق المهدي على حداثة سنه على جنازة الشهيد شرارة الثورة (أحمد القرشي طه) كما قام بكتابة ميثاق الثورة الذي وقعت عليه كل القوى السياسية . مثلت هذه البلاءات إيذانا بميلاد قيادة شابة داخل الحزب.
    المرحلة الرابعة: 1964-1969
    بعد اندلاع ثورة أكتوبر المجيدة، أعيدت الحريات وتم الشروع في إعادة تكوين حزب الأمة. فاجتمع المجلس الذي كان يسمى في أواخر عهد الحكم العسكري بمجلس الإمام (وهو مكون من السادة الإمام الهادي المهدي- عبد الله المهدي- يحي المهدي- أحمد المهدي- الصادق المهدي- عبد الله نقد الله- محمد أحمد محجوب- عبد الرحمن النور- حسن داؤد- أمين التوم- محمد عبد الرحمن نقد الله- زين العابدين حسين شريف) اجتمع ذلك المجلس وقرر أن تتكون هيئة تأسيسية للحزب وتكون من الهيئة القديمة يستبعد منها أولئك الذين تعاونوا مع الحكم العسكري ويضاف إليها من يمثل الدماء الجديدة، ومن يجعل التكوين الجديد ممثلا للواقع السياسي الجديد. اختار المجلس قائمة من 180 شخصا يكونون الهيئة التأسيسية للحزب. اختلف حول رئاسة الحزب وأمانته العامة هل تكون بتعيين الإمام أم لا، وقد حسمت الهيئة التأسيسية (الجديدة) الأمر لصالح أن تكون الرئاسة والأمانة العامة والمكتب السياسي بالانتخاب، وعدلت في مسودة الدستور أمامها ليناسب ما ذهبت إليه فاحتوى الدستور على تأكيد " تقوم أجهزة الحزب من القاعدة إلى القمة على أساس انتخابي واضح ". وقامت الهيئة التأسيسية بانتخاب الصادق المهدي رئيسا للحزب، الأمير عبد الله نقد الله أيمنا عاما، كما انتخبت المكتب السياسي للحزب، وخاطبت الإمام فأقرها على ذلك، كل ذلك في نوفمبر 1964م .
    في هذه الفترة برزت مسألة "رعاية الإمام للحزب" وصلاحيات الرعاية إلى الأجندة من جديد، وبرز التناقض لاحقا بين الحزب وحكومته بعد خوض الحزب للانتخابات وحصوله على أكثرية في البرلمان. وقد تفاقمت تلك التناقضات فأدت للانشقاق في الحزب في 1966م، وهو ما تعرضنا له في الفصل الخامس من هذا الكتاب. وفي 1968م خاض الحزب الانتخابات النيابية منشقا. ثم تم توحيد الحزب مرة أخرى في فبراير 1969م.
    وكما يتضح من دستور الحزب لتلك الفترة، فقد تقلص دور دائرة المهدي في تمويل الحزب. نص الدستور على أن مصادر مالية الحزب هي: - رسم انتساب- اشتراكات سنوية.- اكتتابات وتبرعات من أعضاء الحزب والمواطنين الآخرين- إيرادات مطبوعات الحزب- أي ربح أو استثمار لأموال الحزب ومدخراته.
    المرحلة الخامسة: 1969-1986:
    في 25 مايو 1969م استولت ثلة من صغار الضباط على السلطة مع تحالف يساري وحلت جميع الأحزاب السياسية. وكان ما كان من مواجهة الأنصار ومجزرة الجزيرة أبا وحوادث الكرمك (التي استشهد فيها الإمام وبعض صحبه في طريقهم للهجرة شرقا) عام 1970م. هبط حزب الأمة من جديد لتحت سطح الأرض. وقاد المعارضة بتكوين الجبهة الوطنية لمعارضة النظام المايوي. لم يصادر النظام ممتلكات الحزب فقط بل حتى الممتلكات الشخصية ودائرة المهدي. وقام بحملة شعواء لاغتيال شخصية الأنصار وحزب الأمة- حملة وجهت سهامها على الإمام بصورة لم ترع إلا ولا ذمة، وعلى كل الشخصيات القيادية بالحزب والكيان.
    في الفترة المايوية واجه الحزب تحديات جديدة، وزادته الفترة المايوية في جوانب كما نقصت منه في أخرى، استحدث على عمل حزب الأمة الآتي:
    أولا: العمل المعارض من الخارج- وما يستتبعه من تحالفات إقليمية، وقيود على القرار الحزبي.
    ثانيا: العمل المسلح- والهجرة بالآلاف لعضوية الحزب والكيان والتدريبات العسكرية للمهاجرين في إثيوبيا وليبيا.
    ثالثا: اختفاء الانضباط والكفاءة في الخدمة المدنية وفي كل أوجه الأداء في الدولة الحديثة. هذا التدهور صحبه تدهور في التعليم بشكل مريع. وألقى بظلاله الثقيلة على الأداء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، بحيث صارت البلاد من وفرة إلى مديونية متراكمة، ومن انضباط خدمي إلى تسيب يضرب به المثل.. والتجربة الحزبية جنت هذه الثمار حنظلا، وتدهورا في تنظيماتها وفي نوعية كودارها، وغياب أي تدريب سياسي حقيقي. حزب الأمة لم يكن معزولا عن تلك التأثرات.
    رابعا: قاد الحزب العمل المعارض، وجنى من ذلك شعبية وصلابة. كما صدرت عن الحزب العديد من الأدبيات التي تصب في خانة المعارضة للنظام. صب كل ذلك لصالح الحزب.
    خامسا: حينما أظهر النظام استعداده للحوار عقدت الجبهة الوطنية معه المصالحة عام 1977م. كانت الجبهة مكونة من ثلاثة فصائل: حزب الأمة- الحزب الاتحادي- والأخوان المسلمون. بعد الاتفاق على المصالحة من الجبهة مجتمعة رجع الحزب الاتحادي عن الاتفاق، وبعد عودة قيادات المعارضة للسودان اتضح للحزب أن النظام المايوي لم يكن مستعدا للوفاء بعهده فاعتبر المصالحة قد فشلت وتحول لخانة المعارضة ، أما الأخوان فقد انخرطوا في النظام حتى قبيل النهاية بأسابيع قليلة. شكلت المصالحة تجربة للحزب في عدم جدوى الاتفاق مع الشموليات بدون ضمانات حقيقية.
    سادسا: حينما أعلن النظام المايوي تشريعات سبتمبر 1983م المسماة إسلامية، قاد الحزب حملة فكرية وإعلامية عريضة في الداخل والخارج لتعرية تلك القوانين وفك ارتباطها مع الإسلام، وقد واجه قادة الحزب بسبب هذا الموقف البطش والتنكيل من جديد.. هذا الموقف جرد التجربة المايوية من الاعتراف بين غالبية مسلمي السودان، وأضاف للحزب رصيدا وطنيا كبيرا.
    سابعا: عوق النظام المايوي أية محاولة للحزب وقياداته لبناء قدرات اقتصادية ومشاريع استثمارية ذات بال. وقد ساهم هذا في جزء كبير من الثغرة التمويلية للحزب في مقبل الأيام.
    ثامنا: ومن أهم التطورات التي حدثت بعد المصالحة تكوين هيئة شئون الأنصار. لقد عرضنا كيف أن الحزب كان يتحرك في الماضي تحت ظلال الكيان أو رعاية الإمام. وكيف كانت التصورات التنظيمية أولية، وأنه كان يطور عمله السياسي نحو مزيد من التمييز بينه وبين الكيان الأنصاري منذ بيان الإمام عبد الرحمن عام 1950م، ثم الخلافات حول هذه القضية في الستينيات. في العهد الجديد صار الحزب يتحرك باستقلالية عن الكيان، فقد كون السيد الصادق المهدي هيئة شئون الأنصار في عام 1979م بالتشاور مع قيادات الأنصار، وتم التنظير أن يكون كل من الحزب والكيان مؤسسة منفصلة، ترعى الهيئة المناشط الدعوية والثقافية والاجتماعية غير السياسية يحكمها الدليل الأساسي، ويتخصص الحزب في العمل السياسي يحكمه دستوره الذي أجيز في المؤتمر العام سنة1986.
    المرحلة السادسة: 1986- 1989:
    في 6 أبريل 1985 توجت انتفاضة مارس بالنصر وانفتح عهد ديمقراطي جديد. لعب الحزب دورا أساسيا مع غيره من القوى السياسية في إسقاط النظام المايوي، وكان رئيسه هو الذي صاغ ميثاق الانتفاضة الذي أجمعت حوله القوى السياسية لإسقاط النظام. خرج الحزب في هذه الفترة برصيد نضالي مشهود، وبرصيد فكري، وحلقات فكرية جرت في الفترة إثر المصالحة وأنتجت كادرا من نوع جديد، كادر جذبه الطرح الفكري وصار يبشر به، فصار موقف الحزب في الدوائر المدنية يتحرك من سيئ إلى حسن، وفي الجامعات يتحرك من سيئ إلى أفضل حالا .
    عقد الحزب مؤتمره العام في مارس 1986م وأجاز دستوره. جاء في الدستور أن المؤتمر العام للحزب يتكون من أعضاء اللجنة المركزية، المكتب السياسي، المجلس الاستشاري، الهيئة البرلمانية، والوزراء، وممثلو لجان وأمانات الأقاليم والمديريات والمناطق والمدن والأرياف والأمانة العامة. وأن المؤتمر العام ينعقد مرة كل عامين بدعوة من رئيس الحزب، أو بدعوة من ثلثي أعضاء أو ثلثي أعضاء اللجنة المركزية .
    كان من المقدر أن يجري مؤتمر الحزب العام الثاني في الديمقراطية الثالثة عام 1988م، ولكن انهمك في مهام الحكم بصورة قللت من الالتفات للبناء الحزبي لصالح إطفاء الحرائق الوطنية. وفي اجتماع المكتب السياسي للحزب بتاريخ 13/11/1988م تم بحث مسألة المؤتمر العام الذي تأخر عن موعد انعقاده، وحدد له موعدا في 26 فبراير 1989م ثم صدرت لائحة مؤقتة للعمل بها خلال الفترة الانتقالية. تم في تلك اللائحة تفصيل أكبر للمؤتمر العام للحزب وطريقة تكوينه وواجباته وهي: انتخاب رئيس الحزب انتخابا مباشرا، انتخاب الهيئة المركزية للحزب، النظر في جدول الأعمال المقدمة له . ولكن نفس الأسباب التي منعت قيام المؤتمر العام في حينه أدت لعدم تمكنه من إجراء الانتخابات في فبراير 89 كما هو مقرر. لقد أشاعت جماعة سوبا أن تأخير عقد المؤتمر كان مقصودا- بل قال قائدهم: لم يعقد المؤتمر لأنه لم تكن هناك نية لعقده فالظروف كانت مواتية.
    هذا الاتهام لا يجوز إلقاؤه على مهندس المؤسسية في الحزب. إن روح المهدية في طورها الثالث هي المؤسسية والتحديث ومأسسة الهياكل العاملة في المجالين السياسي والدعوي، ثم مأسسة برامج التأصيل والتحديث والتعايش (عبر نداء المهتدين- نداء الإيمانيين ونداء حوار الحضارات). إذ ليس بالضرورة أن تنشأ الأحزاب على المؤسسية ولا على برامج فكرية يؤسس لها باتفاقات جامعة. وكثير من الأحزاب السودانية لم تهرق كثير جهد في الحديث عن المؤسسية والكدح نحوها كما فعل حزب الأمة بقيادة الصادق. إنه كاتب ذلك السيناريو ومخرجه الوفي، ولذلك ظل يرفض تقلد المناصب بدون انتخابات ويرفض الانفراد بالرأي حتى في كتبه التي يكتبها باسمه – ناهيك عن البرامج والأدبيات الحزبية، فإنني أشهد من موقع لصيق كيف يكون لجان مراجعة للنصوص التي تخرج باسمه يتبع توصيات تلك اللجان في غالب ما يوصون به، وانطباعي أنه ما خير بين أمرين أحدهما بيده والآخر بيد الآخرين إلا اختار ما بيد الآخرين ما لم يجيء بضد مقاصده.. إنه أبعد من يكون عن التحكم والانفراد بالرأي.. ولكن السؤال هو: هل عدم وجود النية في عقد المؤتمر العام مرجعه الخوف من منافسة له على الرئاسة؟ وممن كانت تلك المنافسة؟ إن جماعة سوبا –التي أرادت الانقلاب على شرعية الحزب- لعلمها بمبلغ رئيس الحزب في النفوس خدعت بعض الناس فأكدت حضوره. ثم خططت بادئ ذي بدء (في ورقة الزهاوي) للإبقاء على منصبه- وحتى لما ظهر تمايز الصفوف وعدم المقدرة على الخداع أكثر من ذلك أكدت في بيانها الختامي ضرورة إيجاد معالجة مناسبة له!!.. إنهم يبحثون أمر المعالجة لأنه لم يكن هناك من مغالط حوله وحول دوره وحول ريادته.. فلماذا لم ينو عقد المؤتمر؟ هل يستحي من مزيد من التأييد المؤكد؟. أم كان سينافسه حينها مبارك الذي لم تأت به أي انتخابات وما ولج الهيئة البرلمانية إلا بتزكية الصادق؟! على جماعة سوبا البحث عن حيل أخرى للتشكيك في صدق نوايا الرئيس حول مسألة المؤسسية وعقد المؤتمر العام.. إن اتهام الصادق بمثل هذه الاتهامات لا تأتي إلا من فم مريض على قول المتنبي، أو بفعل هزل الدهر على قول أبي العلاء.. حقا:
    صحيح يا أبو العـلاء، لو كان دهر هازل لتصبح جاد
    ويا أبو الطيب الفمّ المريض جحّاد
    يضوق عسل النحل محمض
    والفي قلبو حبــــة غرض تكون لي روحو قُبّة مرض
    وقالوا الزاملة هــــي النية
    الباب الثاني: التنظيم منذ 1989 وحتى الآن:
    حينما قام انقلاب يونيو 1989م لم يكن الحزب قد عقد مؤتمره الثاني في الوقت المحدد كما فصلنا أعلاه. المعارك التي كان الحزب يقودها والتي انخرطت في الهم الوطني مفصلة تفصيلا في كتاب "الديمقراطية في السودان راجحة وعائدة" الذي كتبه السيد الصادق المهدي من داخل سجون الإنقاذ. لقد أشار المنسلخون لتلك الحقيقة للحديث عن أن تنظيمات الحزب وقيادته كانت قد فقدت شرعيتها. وهذا غير صحيح. فلم يناقش من داخل المؤسسات أي صوت ثقة، بل قادت تنظيمات الحزب الانتقالية العمل الحزبي والوطني ومدت شرعيتها بذلك. بعد حدوث انقلاب يونيو حلت جميع الأحزاب السودانية وانتقل الحزب مع غيره للعمل تحت الأرض من جديد، والعمل من الخارج.
    كان قادة الحزب المنتخبون من الصف الأول هم: د. عمر نور الدائم، السيد نصر الدين الهادي، السيدة سارة الفاضل، د. آدم موسى مادبو والسيد بكري عديل- لم يكن السيد مبارك من بينهم ولم يكن ذلك راجعا لصغر سنه فالسيد نصر الدين أصغر منه سنا. ولم يدخل المؤسسة القيادية للحزب نتيجة لأي من الانتخابات. السيد الصادق هو المسئول عن تزكية السيد مبارك للعمل العام. وغالبية المناصب التي نالها في حياته كانت تزكية له منه. وهو الوحيد من بين مرشحي الحزب للانتخابات العامة في 1986م الذي لم تنتخبه اللجان فقد قرر الحزب في الديمقراطية الثالثة إنهاء سياسة تصدير النواب، وفرض على اللجان في الدوائر انتخاب مرشحيهم. ولكن لجنة دائرة تندلتي (الدائرة 81) شرحت أن هناك مرشحين محليين متنافسين بصورة يصعب الاختيار بينهما بدون أن يشق الحزب وأصواته هناك وطالبت اللجنة بأن يترشح عندهم نصر الدين المهدي كحل للإشكال، فرد الحزب بأن المذكور قد تم ترشيحه في دائرة الجبلين باختيار لجان المنطقة له وموافقته على ذلك، هنا طلبت اللجنة من رئيس الحزب اقتراح مرشح مركزي لهم فاقترح ترشيح مبارك الفاضل ومن هناك دخل برلمان الحكومة الديمقراطية الثالثة .
    بعد الانقلاب كان جميع القيادات من الصف الأول قد تم اعتقالهم . ثم علمت القيادات من داخل سجن كوبر أن السيد مبارك الفاضل المهدي –وقد كان من بين قيادات الصف الثاني للحزب آنذاك كما بينا- قد نجح في التسلل سرا إلى ليبيا، وقد كان حينها عضوا بالهيئة البرلمانية بتزكية الرئيس، كما زكاه الرئيس فتقلد عدة وزارات وصار عضوا بالمكتب التنفيذي، وعضو بالمكتب السياسي للحزب . تشاور الرئيس مع القيادات من داخل السجن وقرروا إرسال تفويض مكتوب له بالقيام بالعمل الخارجي والإشراف على نشاطات الحزب التي بدأت بالخارج، وأرسل له الرئيس أختامه للاتصال بالجهات الخارجية.
    دخل الحزب بعد الانقلاب في خانة المعارضة للانقلاب العسكري. ومنذ 1989م حتى الآن واجه الحزب مراحل مختلفة باختلاف الوضع السياسي السوداني. ويمكننا تقسيم تلك الفترة لفترتين: الأولى من 1989- 2000 (التنظيم الاستثنائي)، والثانية منذ 2000م وحتى الآن (التنظيم المرحلي). في المرحلة الأولى كان للحزب تنظيمان منفصلان أحدهما داخلي والآخر خارجي. وفي التنظيم المرحلي تم تكامل وتنسيق وارتباط تام بين التنظيمين.
    التنظيم الاستثنائي: 1989-2000
    التنظيم الاستثنائي بالداخل اتخذ شكلا معينا في هذه الفترة استند على العمل السري الداخلي والتنسيق مع الخارج. أما التنظيم الخارجي فقد اختلف شكله على فترتين: الأولى من89 وحتى خروج القيادة في تهتدون في ديسمبر 1996م، والثانية في الفترة ما بين 97 وحتى 2000م.
    تنظيم الداخل: كان واضحا في بداية انقلاب الإنقاذ انه اعتبر الحزب عدوه الأول، فهيأ الحزب نفسه لسوط عذاب ما برحوا يلهبون به جلود أهله..اتخذ حزب الأمة شكلا تنظيميا اضطراريا يمارس المشاركة السياسية فيه مجلس موسع من أعضاء أجهزة الحزب الدستورية. ويقوم بالعمل التنفيذي المكتب الأول وهو مكون من عشرة مكاتب تتبعهم أجهزة عاملة سرية. هذه المكاتب استطاعت أن تعبر عن موقف الشعب السوداني ومعارضته لنظام الإنقاذ وان تدعم الصمود الشعبي في المجالات المختلفة: المجال الطالبي، والعمالي، والمهني، والنسائي، والإقليمي. تصدوا لشراسة النظام وتحملوا بطشه وكسروا هيبته وأبطلوا فاعلية أساليب القمع. رفع حزبنا شعار الجهاد المدني وهو العمل ضد النظام بكل الأساليب الممكنة ما عدا العنف .
    حقق حزبنا الآتي:
    أولا: بلورة الرفض الفكري لاطروحات النظام والدعوة للبديل الديمقراطي والسلام والتركيز على سمات الدولة البوليسية القائمة على الحزب الواحد، والأيديولوجية الواحدة، والإعلام الكاذب، والأمن المتجبر، وربطها بالدولة البوليسية كما عرفت في ممارسات موسيلنى وستالين وعزلها تماما عن الإسلام.
    ثانيا: إدارة حوار مستمر مع كل الأطراف لا سيما الجنوبية لعلاج العقبات التي تقف في وجه السلام. أثمر الحوار أساسا لعلاج مسألة الدين والدولة عن طريق إقرار حقوق أساسية دستورية للمواطن في 1991. وأثمر أساسا للتعامل مع شعار تقرير المصير الذي فرضته مستجدات على الساحة السياسية السودانية في 1993. هذه الحوارات المثمرة ساهمت في إيجاد الأسس النظرية لاتفاقية السلام.
    ثالثا: تكوين ملف حقوق الإنسان الذي سجل معاناة أهل السودان ووثقها فأعطى الحملة العالمية، ومناديب الأمم المتحدة، والوفود الزائرة، وأجهزة الإعلام العالمية، مادة قوية لكشف أساليب النظام وإدانته.
    رابعا: تزويد البعثات الدبلوماسية الموجودة في السودان بموقف الرأي الآخر وكشف أساليب النظام الماكرة لاستهبالهم وتضليلهم وتضليل حكوماتهم.
    خامسا: إدارة حوار مع النظام كانت المبادرة فيه دائما من عناصر داخل النظام أو من الوسطاء. تمت الحوارات هذه عشر مرات: 1989، 1991، 1993 (مرتان)‘ 1994 (مرتان)، 1995 (مرتان)، 1996 (مرتان). كان لهذه الحوارات عائد إيجابي: أعطتنا نافذة لداخل نظام تآمري مغلق، أكسبتنا الرأي العام المحايد لأنها كشفت تحزب النظام وتعصبه، وأرضت ضمائرنا في إعطاء الحل الأسهل والودي الفرصة الكاملة.
    سادسا: التمدد التعبوي والتنظيمي في الشارع السياسي في العاصمة والأقاليم. وفى ميادين القوى الحديثة والتقليدية بحيث صار حزب الأمة الرقم الشعبي الأول في القطاعين الحديث والتلقيدي.
    سابعا: الالتزام بالتجمع الوطني الديمقراطي. وإقامة علاقات قوية مع عناصره ثنائيا وجماعيا، مما حقق تعاونا بلغ قمته في المذكرة الشهيرة في يونيو 1996.
    لقد استطعنا عبر الجهاد المدني تدعيم موقف الرأي الآخر رغم انف النظام لا تفضلا منه كما يدعى وبلغ زخم الرأي الآخر درجة انقسم معها النظام على نفسه فأغلبية الحرس القديم في الجبهة الإسلامية القومية، وأغلبية الأقلام المفكرة وعدد كبير من كوادر الشباب القيادية وقاعدة عريضة من المنتسبين للنظام صاروا يرددون نقدا مقتبسا من اطروحات المعارضة .
    سمات التنظيم الداخلي في تلك الفترة: كان التنظيم يعمل بسرية كما ذكرنا. وأهم سمات التنظيم كان التجانس بين الأعضاء القائمين بالعمل، ولم تحدث انقسامات تذكر، اللهم إلا من انخرط في النظام أو ضاق بالتصدي له فابتعد. لقد نجح الحزب في توحيد عضويته حول خطه السياسي، وفي التعبير عن الرأي العام السوداني مما زاد شعبيته. وصار رقما متصاعدا في الجامعات والمعاهد العليا.
    تنظيم الخارج:
    التنظيم الاستثنائي بالخارج (1989- 1996م):
    قام بالخارج عمل معارض تصدى له العديدون من قيادات وكوادر الحزب. وحينما خرج مبارك المهدي التحق بذلك العمل ونال تفويض الداخل كما ذكرنا. وقد كان الدور الأكبر في تمويل مكتب الحزب الذي افتتح في القاهرة في شارع الألفي للحبيب المرحوم الفاتح سلمان. كما شارك المرحوم الفاتح في إصدار أول مجلة مستقلة تعبر عن آراء الحزب "مجلة الوحدة" بإدارة الكاتب المصري المعروف الأستاذ مصطفى بكري وتحرير الأستاذ حسن أحمد الحسن. لم يكن إيلاء مسئولية ذلك العمل للسيد مبارك المهدي بلا معارضة. فقد قامت معارضة شرسة ضد آلية التفويض نفسها وضد أحقية السيد مبارك قادها بادئ الرأي شقيقه السيد الفاضل عبد الله والسيدة آمال عكاشة والدكتور سليمان الدبيللو –وهو أول من وقع على وثيقة للتجمع بالخارج- وقد نادوا بأحقية السيد نصر الدين المهدي باعتباره عضو بالأمانة العامة المنتخبة. ولكن كوادر الحزب المتصدية للعمل تحرت من الداخل وتأكدت من تفويض مبارك للمسئولية –أكد لي السيد محمد عبد الباقي أنه لولا مكالمته مع السيدة سارة الفاضل وتأكده من صحة التفويض لما التزم شخصيا خط السيد مبارك ودافع عنه وكذلك غالبية الكوادر بالخارج- وقد وقف الملتزمون بالمؤسسية بالخارج مع توجيه المؤسسة بالداخل. وقد أكد السيد مبارك على ذلك في خطاب له لرئيس الحزب قال فيه بالحرف: "لولا دعمك الشفوي والكتابي لي لكنت تركت العمل" .. ساهم السيد مبارك المهدي في بناء عمل يقوم على الاتصالات الدبلوماسية بدول الإقليم والدول العالمية المهتمة بالشأن السوداني، وبالتحالف مع القوى السياسية المعارضة، والعمل الإعلامي والاتصال. لاحقا في 1992م التحق الدكتور عمر نور الدائم بمعارضة الخارج، وكون الأمانة العامة للحزب بالخارج. .
    الاتصالات الدبلوماسية:
    في بداية عام 1990 أثمرت اتصالات الحزب بالحكومة المصرية السماح للحزب بممارسة العمل العلني وفتح داره بالقاهرة، وفي 15 مارس 1990 أمكن أن ينظم نشاطا مع الحركة الشعبية هناك . لاحقا وفي نوفمبر 1994 عقد حزب الأمة اتفاقا مع الحكومة الإرترية وفي ديسمبر 1994م تفاهم معها في كيفية إشراك القوى السياسية كلها في اتفاق شقدوم بين الحزب والحركة.. لقد أثمرت مجهودات الحزب الدبلوماسية وتحركاته –من الداخل والخارج- بناء علاقات وطيدة بدول الإقليم والعالم. وقد عضد مجهودات الحزب في تلك الفترة الأعمال التي انهمكت فيها الإنقاذ في بداية أمرها –أمثال المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي العالمي- والتي أفلحت في تطويق العزلة على النظام.
    العمل الجماعي مع بقية الفصائل:
    لقد أعد السيد مبارك المهدي –مسئول العمل الخارجي للحزب حينها- ورقة عن دور الحزب في التجمع، جاء فيها:
    أولا: بادر حزب الأمة و قام بالدور الأساسي في تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج إذ تلقف ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي من الداخل و قام بنشره كاملا في صحيفة الشرق الأوسط و رفع راية المعارضة باسم التجمع الوطني الديمقراطي منذ أكتوبر 1989 في وقت لم تكن بقية القوى السياسية قد استجمعت أنفاسها أو كونت لها كيانات أو سمت ممثلين في الخارج.
    ثانيا: بدأ الحزب مفاوضاته مع الحركة الشعبية لتحرير السودان للانضمام للمعارضة في أول سبتمبر 1989 عندما تقاعست بقية القوى السياسية عن الالتحاق بالحوار مع الحركة الشعبية في 29 يناير 1990 نص على دخول الحركة للتجمع الوطني الديمقراطي بعد تعديل ميثاقه.
    ثالثا: في 15 مارس 1990 نظم حزب الأمة اجتماعا في القاهرة بين الحركة الشعبية وبعض المعارضين شاركت فيه بعض القيادات الاتحادية و الشيوعية تم هذا بعد أن عقد الحزب اتفاقا مع القيادة المصرية للسماح للحزب بفتح داره في القاهرة و ممارسة نشاطه السياسي بصورة علنية و تحت هذا الغطاء تم تشكيل أول هيئة رسمية للتجمع في القاهرة.
    خامسا: في يونيو 1990 قام حزب الأمة بالاتصال بقيادة الجيش السوداني في الفترة الديمقراطية لاتخاذ موقف في مواجهة استغلال الجبهة للجيش السوداني والعمل من خلال التجمع الوطني الديمقراطي ورتب الحزب الإعلان الرسمي للقيادة الشرعية في أديس أبابا في سبتمبر 1990 و تولى الأخ المرحوم الفريق أول فتحي احمد علي تمثيل الذراع العسكري في التجمع الوطني الديمقراطي إلى جانب زملائه إلى أن توفاه الله في أبريل 1997.
    سادسا: تفجرت الخلافات في الحركة الشعبية لتحرير السودان. وفي يناير 1992 وقع الدكتور على الحاج اتفاقا على منح حق تقرير المصير في فرانكفورت مع الدكتور لام أكول ممثل الجناح المنشق في الحركة الشعبية وتسارعت الأحداث في جبهة القوى الجنوبية. أخذت قضية تقرير المصير بعدا دوليا في مؤتمر واشنطن في عام 1993 . خلق هذا الوضع استقطابا حادا في وسط القوى الجنوبية مما حدا بالتيار الرئيسي في الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق بالدعوة لمؤتمر يعقد في هراري لكافة القوى السياسية السودانية للاتفاق على السلام ومستقبل الحكم في السودان ليتسنى للحركة الشعبية مواجهة الاستقطاب الحاد الذي تقوم به حكومة الجبهة الإسلامية في صفوف القوى الجنوبية والاستمرار في التحالف المعارض لحكومة الإنقاذ. ولكن رفض الحزب الاتحادي الديمقراطي و الحزب الشيوعي الدعوة و أصرا على تأجيل الاتفاق على قضايا المستقبل إلى ما بعد سقوط النظام على أن يقوم التحالف في التجمع على برنامج إسقاط النظام فقط.. عندها جمد حزب الأمة عضويته في لجنة التنسيق العليا للتجمع احتجاجا على رفض الاتفاق على قضايا المستقبل وعلى السلام مع الجنوبيين مما يهدد وحدة المعارضة ويضعفها أمام استقطاب الإنقاذ للحركات الجنوبية . هذا بعد أن بذل جهودا مضنية في محاولة إقناعهم دون جدوى.
    سابعا: في أبريل 1993 عقد حزب الأمة اتفاق جنتلمان مع الدكتور جون قرنق في نيروبي رعاه الأخ بونا ملوال حول علاقة الدين بالدولة في سودان المستقبل ثم دعا بقية القوى السياسية لاجتماع في نيروبي مع الحركة الشعبية تم فيه وضع اتفاق مكتوب ينظم علاقة الدين بالدولة في سودان المستقبل و يعتبر المواطنة هي الأساس للحقوق و الواجبات الدستورية في السودان و سمي الاتفاق بإعلان نيروبي.
    ثامنا: في نهاية عام 1993 مطلع 1994 بدأ حزب الأمة مفاوضات غير مباشرة مع الحركة الشعبية بواسطة الأخ بونا ملوال للتوصل إلى اتفاق سلام واتفاق حول برنامج الشكل الدستوري لحكم السودان في المستقبل وفي يوليو 1994 بدأت المفاوضات المباشرة حول مسودة الاتفاق و تواصلت في سبتمبر 1994 بنيروبي ثم ديسمبر 1994 بشقدوم بجنوب السودان حيث وقع اتفاق شقدوم التاريخي الذي اصبح أساسا اتفاق اسمرا الأولى و مؤتمر القضايا المصيرية في اسمرا الثانية 1995م.
    تاسعا: في نوفمبر 1994 عقد حزب الأمة اتفاقا مع دولة إرتريا و في ديسمبر 1994 تفاهم مع القيادة الإرترية على كيفية إدخال القوى السياسية الشمالية لاتفاقية شقدوم.. وقد تم ذلك بالفعل في 27 ديسمبر 1994 باسمرا حيث وقع الاتحادي الديمقراطي على اتفاقية شقدوم تحت مسمى اتفاق اسمرا.
    عاشرا: في يناير 1995 وقع الحزب الشيوعي و القيادة الشرعية منفردين على اتفاقات مع حزب الأمة تتضمن نفس نصوص اتفاقية شقدوم.
    حادي عشر: في يونيو 1995 انعقد مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية و توصل إلى اتفاقاته المشهورة وقد كانت اتفاقية شقدوم وملحقاتها الدستورية أساسا للاتفاق.
    ثاني عشر: خرج التجمع من اسمرا بهيكل يواجه به المرحلة الجديدة تمت فيه مراعاة التوازنات في تمثيل القوى السياسية و منح زعيم الاتحادي منصبا فخريا وتولى حزب الأمة المنصب التنفيذي الأول.
    ثالث عشر: في مطلع عام 1996 تم تأسيس العمل العسكري بعد توسيعه ليشمل كل الفصائل وفي نهاية عام 1996 دفع حزب الأمة بتشكيل القيادة العسكرية المشتركة للتجمع وإسناد قيادتها للدكتور جون قرنق. و تحت إصرار حزب الأمة وقعت قيادات القوى السياسية وثيقة العمل العسكري المشترك إيذانا ببدء العمل العسكري في الجبهة الشرقية هذا بعد تراجع قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي و الحزب الشيوعي عن رفضهم لبدء العمليات العسكرية في شرق السودان حيث اعتبرت قيادة الاتحادي أن إنشاء المعسكرات وتدريب القوات يتم لخلق جيش بعد إسقاط النظام و اعتبر التجاني الطيب أن التحرك العسكري من الشرق يعتبر غزوا مرفوضا.
    المحرك الفكري لذلك العمل:
    لا شك أن تلك المجهودات الحثيثة التي قامت بها قيادة العمل بالخارج شكلت فتحا في العمل الجماعي السوداني وتوجته بالاتفاق على القضايا المصيرية. ولكن مجهودات الحزب بالخارج لا يمكن النظر لها بمعزل عن مدد الداخل فقد شكل الذراع الخارجي للحزب (الآلة أو الجسم) وشكل المدد الداخلي القوة المحركة أو العقل. إن تلك الاتفاقات والتحالفات الثنائية والتي أفضت للاتفاق القومي حول القضايا المصيرية كانت تبنى على أوراق ودراسات تناقشها القيادة في الداخل وترسلها للذراع الخارجي ليجعلها لحمة وسداة مفاوضاته مع الآخرين، وعلى سبيل المثال:
    إعلان نيروبي: في عقب مفاوضات أبوجا بين النظام والحركة الشعبية في عام 1992، أصدر الحزب بالداخل مذكرة "مشروع سلام عادل في السودان". احتوت تلك المذكرة على إطار ذلك الحل، من ضمن ذلك الاعتراف بالتعدد الديني والعرقي والثقافي والتشريع الديمقراطي، وضرورة أن يقوم نظام حكم يراعي حقوق الإنسان وحريات الأساسية ويتضمن في الدستور، ويراعي المواثيق الدولية . لقد كانت تلك الأفكار أساس ما دعا له الحزب وساهم في الاتفاق عليه في نيروبي، ففي 17 أبريل 1993م وقع التجمع الوطني الديمقراطي مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي إعلان نيروبي وخلاصته أن تكون مواثيق حقوق الإنسان العالمية التي وقع عليها السودان جزءا لا يتجزأ من دستور السودان وقوانينه مستقبلا . هذا معناه أن يحظى كل مواطني السودان بحماية حقوقهم الإنسانية والدينية والسياسية .
    مسألة تقرير المصير: كانت قيادة الحزب بالداخل على اتصال مستمر وحوار مع القوى السياسية الجنوبية وفي عام 1992م تم وضع مشروع نحو سلام عادل في السودان المشار له أعلاه. وفي أوائل عام 1993م اجتمع رئيس وقيادات الحزب بالداخل مع قادة الحركة السياسية الجنوبية بالداخل في منزل السيد هلري لوقالي. وطرحوا عليهم مشروع السلام العادل. كان عدد الحاضرين 15 شخصا من قادة اتحاد الأحزاب الأفريقية السودانية USAP تناولوا التعليق على المشروع واحدا واحدا. كان خلاصة ما قالوا بالإجماع: "لقد جربنا الاتحاد مع الشمال فما حصدنا إلا الخراب. وها نحن اليوم هدف لحرب مقدسة تستعدي علينا مسلمي السودان بل مسلمي العالم. الحل في الانفصال عن طريق تقرير المصير". منذ ذلك الاجتماع بدأت القيادة الحزبية بالداخل التفكير بجدية في تقرير المصير للجنوب بعد أن وجدوا أن أصدق أصدقائهم في الجنوب قد نفرتهم الجبهة الإسلامية القومية من أية علاقة بالشمال. وأنه لا أمل لترميم العلاقة بين الشمال والجنوب إلا عن طريق قبول فكرة تقرير المصير والسعي لخلق ظروف تساهم في ترجيح كفة الوحدة لدى تقرير المصير. ثم أرسل د. عمر نور الدائم من الخارج رسالة للقيادة بالداخل يشرح كيف أن جهات أمريكية في مجلس النواب الأمريكي وفي وزارة الخارجية قد انحازت لفكرة تقرير المصير للجنوب على أساس أنها المخرج الوحيد للجنوب من محرقة الجهاد. أوضح دكتور عمر الآتي: في أكتوبر 1993م دعا رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي كل الطيف السياسي الجنوبي السوداني إلى ندوة في واشنطن حضرها الساسة وحملة السلاح من الجنوبيين وشخصيات مستقلة وجرت مناظرة حول القضية السودانية. كان مناخ الندوة مفعما بالمرارة الشديدة وصار واضحا أن الجنوبيين من ساسة، وقادة عسكريين، وأكاديميين فقدوا الثقة تماما في الشمال وعبروا عن ذلك بوضوح في خطبهم. وفي آخر المطاف اجتمع السيد جونستون رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بالقادة السياسيين والعسكريين الجنوبيين في وزارة الخارجية الأمريكية وأصدروا بيانا وقع عليه د. جون قرنق ود. رياك مشار والسيد جونستون نفسه جاء فيه: حل القضية في أن يقرر الجنوب مصيره . صاغت القيادة بالداخل ورقة بعنوان "مسألة تقرير المصير" وتمت مناقشتها بالداخل ثم إجازتها، وهي التي أرسلت للخارج. وفي 10 نوفمبر 1993م قدم حزب الأمة تلك المذكرة لكل القوي السياسية وخلاصتها:
    ‌أ- إيقاف الحرب الأهلية الدائرة الآن فورا وإن كان المقابل المطلوب لذلك هو تقرير المصير يقبل مبدأ تقرير المصير .
    ‌ب- يمارس ذلك الحق في إطار جنوب السودان في ظل نظام شرعي في السودان .
    ‌ج- يتم تقرير المصير بعد فترة انتقال محددة.
    ‌د- يسبق تقرير المصير عقد مؤتمر دستوري يحدد النقاط المستفتي عليها ويحدد صورة السودان الموحد العادل مما يعطي الوحدة فرصة أخري .
    هذا الموقف تناولته القوي السياسية السودانية المختلفة بالبحث والتعليق وجري حوله تفاهم مبدئي بين حزب الأمة والقوي السياسية الجنوبية في داخل البلاد في 17/3/1994م. وفي خارجها فكانت هي أساس اتصالات الحزب بالقوى الجنوبية لاحقا، وحركته الدائبة لإقناع بقية القوى السياسية بقبول فكرة تقرير المصير . وعلى هذا انبنى اتفاق شقدوم بين حزب الأمة وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان في 12 ديسمبر 1994م والذي وقعه عن الحزب الدكتور عمر نور الدائم والسيد مبارك المهدي، وعن الحركة القائد سلفا كير ماديت والقائد جيمس واني ايقا . أرسل هذا الاتفاق –أي اتفاق شقدوم- كمرفق مع مذكرة بعنوان "الخطوة الأخيرة لمشوار السلام في السودان" والتي أرسلتها القيادة بالداخل (أنظر الهامش قبل الأخير) جاء في تلك المذكرة: في 12 ديسمبر 1994م وقع ممثلو حزب الأمة وممثلو الحركة الشعبية والجيش الشعبي في شقدوم بالاستوائية الاتفاق المرفق - إننا نفوض هذا الاتفاق لكل القوي السياسية السودانية لتوحيد الرأي حوله كأساس للسلام العادل في السودان. أساس نرجو أن يحظى بتأييد منظمة الوحدة الأفريقية، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس الكنائس العالمي، والشعوب المجاورة لبلادنا ليصبح قاعدة قوية للسلام العادل . أدى ذلك إلى الاتفاقات مع الفصائل المختلفة التي سبق تفصيلها أعلاه.
    مقررات اسمرا للقضايا المصيرية: شرحنا كيف استطاعت القيادة في الخارج أن تتفق على تقرير المصير مع الحركة الشعبية، وكيف خاطبت بقية الفصائل واتفقت معها، وبقي رعاية الاتفاق الجماعي، فأقدمت على الاتفاق مع الحكومة الإرترية للعمل على جمع القوى السياسية السودانية على برنامج المستقبل ، وتبني المنبر الذي يقوم بذلك (وقد ذكرنا ذلك آنفا). بعد ذلك اتصل الأخوة بالخارج بالقيادة في الداخل لبحث محتوى خطاب الحزب في المنبر الجامع. أرسلت القيادة لهم بعد إجراء المشاورات اللازمة مذكرة "البيان الديمقراطي السوداني" بتاريخ 15 أبريل 1995م. كانت تلك المذكرة هي أساس اجندة الحزب التفاوضية التي استعانت بها لجنة الحزب في صياغة قرارات مؤتمر القضايا المصيرية المنعقد في يونيو 1995م، بل شكلت أهم الأفكار المتداولة فيه، وقد ظل حزب الأمة يعتبر بسببها أن قرارات اسمرا هي بنسبة 80% من صياغته وأفكاره.. تلكم الأفكار نقلتها قيادة الخارج عن قيادتها في الداخل ودافعت عنها بإخلاص!.
    يتضح مما سبق أن إنجازات الخارج كانت تنفيذية ومربوطة بالتنسيق مع المحرك الفكري للحزب في الداخل، مع وجود مساحة كبيرة للخارج في الحركة والمبادأة وعقد الاتفاقات وطرق الأبواب مستهدين بذلك المعين الفكري الثر. وعلى لسان السيد مبارك المهدي نفسه: " لقد كان لمواقف السيد الصادق المهدى الشجاعة في الداخل اكبر الأثر على نجاح هذه الجهود، كما كانت مساهماته وزملائه في الداخل الفكرية والسياسية الدور الأكبر في تسهيل مهمتنا، كما كان للتفهم الذي أبدته القيادة وعلى رأسها السيد الصادق المهدى في الداخل والمساحة الكبيرة التي وفرتها لنا في الحركة والمبادأة أثرا كبيرا في تحقيق هذه النجاحات الكبيرة التي حققناها. ".
    العمل التنفيذي المكتبي
    لقد ذكرنا دور بعض القيادات أمثال المرحوم الفاتح سلمان وحسن أحمد الحسن في تأسيس العمل بالخارج مع السيد مبارك، وقد شارك في هذا العمل العديدون مثل الدكتور صديق بولاد الذي كان يعمل بليبيا. وفي لندن شارك معه احمد عقيل والصادق فضيل حيث تم فتح مكتب الحزب في لندن، التحق بهم لاحقا الأستاذ الحارث إدريس. ثم تم الاتفاق مع الحركة في مارس 1990 بأثيوبيا وتم فتح مكتب للحزب حيث انضم إليهم الأستاذ نجيب الخير وبدأ العمل في إذاعة صوت السودان. كان هنالك العديد من الكوادر الذين عملوا في مكتب القاهرة الذي مر الحديث عنه. وأنشئ مكتب في كل من يوغندا وواشنطن وليبيا. كذلك تم تكوين عدة مكاتب في الخليج لمتابعة العلاقة مع الدولة المضيفة وشئون المغتربين خصوصا إبان حرب الخليج حيث قامت السفارات السودانية بمحاربة المعارضين محاربة شديدة. أما الربط مع الداخل فتولى هذه المهمة الأخ محمد عبد الباقي من أبي ظبي. بعد سقوط نظام منقتسو نقل العمل من أديس إلى نيروبي وتم نقل الكوادر إلى القاهرة ما عدا نجيب الخير وبشير احمد سلمان. كانت تلك المكاتب هي مصادر العمل المعلوماتي .
    وفي أكتوبر 1993م كون تنظيم الخارج مكاتب تقوم بتدوير تلك المعلومات وطباعة البيانات والتقارير وتوزيعها عبر الفاكس. ارتكز ذلك العمل على ثلاثة محاور أساسية هي:
    1- المحور الرئيسي في القاهرة ويعمل عليه عبد الله الصادق.
    2- محور واشنطن ويقوم عليه أسامة نقد الله ويختص بنقل أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقارير متابعة لسياسة الإدارة الأمريكية بمختلف فروعها، ورصد للصحف والدوريات والنشرات الرسمية الأمريكية. زائدا المعلومات الأمنية الاستخبارية عن زيارات مسئولي النظام، وغيرها من المادة المتعلقة بالسودان.
    3- محور أديس أبابا، وكان يقوم عليه نجيب الخير وصديق بولاد. كان المكتب مسئولا من إذاعة التجمع قبل سقوط نظام منقستو. ومن ثم انتقل إلى نيروبي للتنسيق مع الحركة الشعبية وتغطية أخبار المعارك. أغلق المكتب بعد مؤتمر نيروبي في أبريل 94.
    أضيف لتلك المحاور محور رابع هو تقارير عن نشاطات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التي يرسلها نزار عبد القادر صالح من جنيف .
    كانت تلك المكاتب تقوم بكتابة تقارير دورية عن الأوضاع الراهنة والتطورات المهمة من حيث العلاقات الدولية والتحالفات السياسية والأحداث الهامة في السودان وإقليميا ودوليا، تعرض تلك التقارير على قيادة الحزب بالخارج والتي كانت في تنقل مستمر. كانت كل التقارير تصب في مكتب واحد ثم يعاد توجيهها إلى الجهة المطلوبة. أما الاتصال بالداخل فقد كان يتم عبر قناة وحيدة كما أشرنا -الأخ محمد عبد الباقي - الذي كان يتسلم المواد ويرسلها للداخل عبر بؤر يتعامل معها ملتزما السرية لمقتضيات العمل الداخلي والظروف الأمنية المتشددة. وعندما تحول عبد الله الصادق إلى لندن في 1995م – وكان يعمل كمدير لمكتب السيد مبارك المهدي- صار المكتب الرئيسي في لندن، وكانت مهمته هي متابعة كل التقارير وتوجيهها للمصب المطلوب، بما في ذلك تبادل التقارير بين المكاتب المختلفة. وفي أواخر عام 1995م اقتحم مكتب لندن عالم الانترنيت حيث لم يكن أي من المكاتب يستخدم هذه التقنية وكان الفاكس هو الوسيلة لتبادل المعلومات، وثم توالت المكاتب في إدخال الإنترنت. وبادر بعض الأفراد أيضا باستخدام البريد الإلكتروني والتواصل مع مكتب لندن . وفي عام 1996م قام مدير مكتب لندن –عبد الله الصادق- بإنشاء صفحة حزب الأمة على الإنترنت، وكانت تلك الحادثة فتحا معلوماتيا للحزب، وشكلت أول صفحة حزبية على الإنترنت لحزب سوداني، مع أن الكثير من هذه الأحزاب تنعت حزب الأمة بالتقليدية والرجعية!.
    الوضع التنظيمي للحزب بالخارج:
    عقد الحزب في الخارج "مؤتمرين" محدودين الأول في أبريل 1992م في فندق بولمان بالقاهرة، والثاني في أبريل 1994م بالقاهرة أيضا. أهم الملاحظات على الأداء الحزبي الجماعي بالخارج أنه كان مبنيا على العمل التنفيذي والمكتبي. العمل الدبلوماسي والجماعي مع بقية الفصائل (في التجمع) يشغل بطبيعته أفرادا محدودين في القيادة. أما الأجسام الشورية والديمقراطية لتحديد السياسات ومراجعة الأداء وإشراك العضوية وما إلى ذلك فقد كان شبه غائب عن خطة العمل الخارجي. ولذلك فقد انحصر النشاط في قلة قليلة أدارت العمل بكفاءة تنفيذية. ولذلك فقد اتسم العمل بالخارج بالتشرذم بين عضوية الحزب المتزايدة بالهجرة، وبروز تيارات مناوئة للخط الذي يحمل التفويض، وتراكم المرارات بين قيادات الخارج والشكوى من التهميش ومن التحكم. تلك المرارات تطلبت لاحقا من رئيس الحزب –بعد تهتدون- الجلوس لساعات أمام القيادات التي همشت، والذين أقصاهم السيد مبارك المهدي لاختلافات الآراء.
    بدت هذه الحالة من الانقسام مثلا في خطاب رئيس الحزب لمؤتمر الحزب في أبريل 1997 قال: "الحقيقة التي لا شك فيها هي أن الاتصال بيننا وبين الاخوة في الخارج كان وثيقا ومستمرا. لقد وجدت طائفة من المشاكل والخلافات وعالجت منها ما عالجت عبر جلسات طويلة مضنية وبدأ لي أن المطلوب الآن هو اخذ علم بحقائق الموقف من كافة جوانبه ومناقشة ما يتفرع من ذلك إن لزم، على أن تكون خريطة أوضاعنا التنظيمية كالآتي:
    (1) حزب الأمة: إن أوضاع حزب الأمة التنظيمية لا يمكن علاجها علاجا نهائيا إلا في ظل الحريات وأمام المؤتمر العام الثاني للحزب. ولكن ينبغي الآن أن يكون لنا شكل للمشاركة يتكامل مع الداخل ويتكون من أعضاء أجهزة الحزب الدستورية زائدا ما يرون إضافته من عناصر لبلائها. ويسمى هذا المجلس "المجلس الموسع" ويكون للتداول والتشاور بشأن القرارات الكبيرة مع الداخل.
    تقوم أمانات تنفيذية هي: أمانة الفكر، الإعلام، المكتب الخاص، المال، العلاقات الدبلوماسية، التنسيق مع الداخل، المشاركة في التجمع الديمقراطي، المغتربون، المرأة، الفئات (طلاب، مهنيون، أطباء مهندسون، أساتذة ... الخ).هذه الأمانات يتولاها عدد من الأمناء المتفرغين لا يقل عددهم عن خمسة ولا يزيد عن سبعة ويتكون منهم المكتب الأول.
    (2) تنظيم المغتربين ويتكون من فروع منتخبة في كافة أماكن تجمعات المغتربين بموجب لائحة تنظم وحداته القاعدية وتكون مهامه هي:
    ‌أ) عمل سجل شامل للمغتربين الملتزمين واستخراج بطاقات لهم.
    ‌ب) معرفة مشاكل المغتربين والعمل على حلها.
    ‌ج) جمع تبرعات دورية من الأعضاء.
    ‌د) تمثيل قاعدة الحزب في نوادي الجاليات السودانية.
    ‌ه) المساهمة في العمل الفكري والسياسي والتعبوي للحزب عبر مكتب أمانة المغتربين."
    لم يكن ذلك الكلام للنيل من السيد مبارك المهدي فلم ينكر أحد أن العمل التنفيذي كان يدار بكفاءة، ولكننا لسنا "شركة الأمة المحدودة"، بل نحن حزب سياسي ديمقراطي، لذلك لا بد من البناء الديمقراطي، ومشاركة الكافة، والشورى، ولا بد من تحمل النقد بل مأسسة قنواته الحزبية. وللتدليل على أن تنظيمات الخارج كانت تعاني من الانقسامات أسوق إحدى الملاحظات التي قدمتها اللجنة المكلفة ببحث أمر التنظيم في يناير 2000 والتي كونت نواة الأدب التنظيمي العريض الذي تلى، وهي أن "مظاهر تماسك الحزب في الداخل أكثر مما في الخارج."
    ثم هناك الانقسامات المستمرة والتشرذم والابتعاد بين عضوية الحزب –ليس بسبب الضيق بالتصدي للديكتاتورية كما كانت الأسباب بالداخل- بل بسبب الاعتراض على طريقة "شركة الأمة المحدودة" في إدارة العمل الحزبي. ومن ذلك قصيدة الشاعر عبد الله محمد زين في ذم الطريقة التي كان يدار بها الحزب بالخارج، قال:
    حزب الأمة حكايتو حكاية
    في قاردفيل أحمد عقيل
    وفي شارع الألفي مامون شرفي!
    صحيح أن الكثير من تلك التحركات ضاقت بالإصلاح من الداخل فخرجت عن خط الحزب، وبعضها ارتمى في أحضان خارجية فكان بمثابة اختراق للحزب، ولكن كثير من التشرذم كان بسبب قصور ديمقراطي ومؤسسي في الإدارة الخارجية. لقد كان السيد مبارك يأخذ بالشبهات ولا يطيق الرأي الآخر. والغريبة أن شعار "الإصلاح" الذي يحاول السيد مبارك المهدي الآن محاربة الحزب باسمه، هو الشعار الذي رفعه ضده بعض تلك الجماعات "جماعة الإصلاح والمؤسسية" والتي انخرطت في عضويتها بعض قيادات الحزب الكبيرة، وإن رجع البعض عن خطها بعد هجرة الرئيس والسماع لهم من جديد. قاد ذلك التيار الدكتور محمد إبراهيم خليل– رئيس الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة- وخاطب رئيس الحزب معلما إياه بأنهم أقاموا تنظيما ديمقراطيا بالخارج عقد مؤتمره التداولي في يوليو 1994م، وخرج بتوصياته. قال السيد محمد إبراهيم خليل لرئيس الحزب في ذلك الخطاب: "ولقد كان يتخذ دور الحزب في المعارضة شكلا أكثر رشدا وأكثر فعالية لو أن تمثيله كان قد تم على أساس من الشورى والديمقراطية، ولكن الذين تصدوا لتمثيل الحزب في التجمع أصروا على الانفراد بالرأي وعدم الرجوع إلى القواعد، بالرغم من المحاولات المتكررة لإقناعهم بأن الحزب يتمتع بكوادر مثقفة ومخلصة في مختلف بلاد المهجر لا مناص من إشراكها في صنع القرار السياسي. ولم يكن ثمة مبرر لذلك الإصرار سوى دعوى تفويض صادر منك. وبالرغم من إيماننا بأنه لا سبيل إلى قبول التفويض الأفقي كنهج للممارسة الحزبية، وبالرغم من علمنا بأنه نهج كنت أول المبادرين –حفظك الله ورعاك- إلى شجبه منذ عام 1965م، إلا أن الظروف المحيطة بك والتي لا شك كانت السبب في الحيلولة دون صدور بيان صريح وقاطع ينفي دعوى ذلك التفويض المزعوم، كان لها أثر بالغ في تعقيم دور الحزب في المعارضة الخارجية"..
    إننا لا نسوق هذا الجزء لندافع عن خط "الإصلاح" ذاك فقد ارتبط بملابسات وملاسنات وقف الحزب فيها إلى جانب صاحب التفويض. وقد رد رئيس الحزب على ذلك الخطاب بالتالي :
    "الحمد لله الآمر بالعدل والإحسان، والصلاة والسلام على رسوله المقتدى به في أمور الدين والدنيا، وبعد-
    الأخ الأستاذ/ محمد إبراهيم خليل
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، والرجاء إبلاغ تحياتي الطيبة لكافة الأخوة الذين انتدبوك لمخاطبتي في هموم الجماعة السياسية والتنظيمية. لقد درست ما جاء في خطابكم، وما ورد في توصياتكم وتدارستهما المؤسسات المعنية بالأمر باستفاضة وجدية أفضت إلى الجواب الآتي:
    أولا: نفترض أن في صيغة المخاطبة اعترافا واضحا بالشرعية التي أوجدها المؤتمر العام المنعقد في عام 1986م، وهي الشرعية التي كانت ولا زالت وسوف تظل أساسا لكل ما قد يحدث من تطورات وإصلاحات.
    ثانيا: نؤكد أن ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي اشتمل على أخطاء توجب المراجعة للتخلص منها إذا أريد لهذه الوثيقة أن تجمع الكلمة ولا تفرقها .
    ثالثا: إن في تطلع جماعة أو جماعات من زملائنا في المهجر لتكوين تنظيم مركزي ديمقراطي شامل ينتقل بالشكل التنظيمي في المهجر من شرعية الواقع والنظم المختلف عليها إلى شرعية دستورية وتنظيم شامل غير مختلف عليه رأيا صائبا.
    رابعا: إن في معاملة آرائكم كتوصيات تخاطبون بها المؤسسة السياسية الشرعية بالداخل إدراكا سليما لطبيعة العلاقة بين المؤسسة في الداخل وأنشطة المهجر وتمكينا لها للقيام بدورها في حماية وحدة الجماعة والحيلولة دون تصدعها.
    .. هذه أمور مقبولة، ولكن:
    أولا: من الناحية الإجرائية السليمة كان ينبغي أن يكون مؤتمركم بالتفاهم مع مؤسسة القيادة بالداخل للاتفاق على التدابير المطلوبة التي تجعل منه حلقة من حلقات التوحيد لا خطوة من خطوات الانقسام.
    ثانيا: من الناحية الهيكلية لا مجال لمنبر واحد أو مؤتمر واحد يضم الحزب والكيان فهما يتبعان أسسا مختلفة، وينطلقان من شرعية متباينة.
    ثالثا: إن التجمع الوطني الديمقراطي صيغة مرحلية توجبها المصلحة الوطنية، وإن لحقت العيوب بها من حيث ميثاقها أو تنظيمها فهي عيوب ممكن تصحيحها.
    رابعا: إن التعامل مع قضية الجنوب ومشروعات الحل السلمي كانت وما زالت وستظل إنشاء الله خاضعة لدراسة وقرار القيادة بالداخل . وإن وجدت ملاحظات بشأنها فلا مانع من تدارسها على ألا ينشأ غموض حول صلاحية القيادة في اتخاذ القرارات المطلوبة، ولا تكون مساءلتها في المساءل الأساسية إلا في مؤتمر الحزب العام القادم.
    خامسا: إن النهج الإسلامي الذي نتبعه هو نهج الصحوة، وهذا النهج يذكر دستورا ديمقراطيا ودولة ديمقراطية ولا يصفها بأي وصف آخر إنما يتطلع لتشريع إسلامي يراعي تحقيق تطلعات الجماعة الوطنية الإسلامية في السودان، ويراعي حقوق الجماعات الوطنية غير الإسلامية باحترام ما ورد في المواثيق الدولية من حقوق الإنسان وحقوق المواطنين. وهنالك الآن تباين واضح بين نهج الصحوة المذكور ونهج الانكفاء الذي لم ولن يستطيع التوفيق بين التطلع الإسلامي والوحدة الوطنية.
    سادسا: هنالك واقع في أوضاع الجماعة في المهجر قام تصديا للأمر في المراحل الماضية، وتعاملت معه القيادة وإن حدث في تصرف القائمين به خطأ فسوف تكون المحاسبة فيه أمام المؤتمر العام المقبل. ولا مصلحة لكياننا السياسي في تقويضه وسيتم الانتقال منه إلى الشكل المنشود عبر خطوات محكمة تفضي عن طريق إجراءات ديمقراطية للوضع المنشود.
    لذلك، وعلى ضوء الدراسة الفاحصة اتخذنا القرارات الآتية، ونرجو مخلصين تعاونكم الجاد معنا لتنفيذها صيانة لوحدة الكلمة وحماية للجماعة:
    أولا: وضع خطة لتكوين هيئة مركزية ديمقراطية للجماعة بالمهجر تستوعب نشاطهم السياسي ودورهم الوطني وتحسم الخلافات بالوسائل الديمقراطية.
    ثانيا: الخلافات بشأن الفترة التي سبقت قيام الهيئة المركزية يجري التداول بشأنها وحسابها في المؤتمر العام القادم الذي سوف يعقد في ظل الحريات الأساسية في البلاد.
    ثالثا: لا مجال للاعتراف بأية تكوينات من شأنها تكريس الخلافات وتجسيدها.
    رابعا: سوف نرسل مندوبا للاتصال بكل الأطراف في المهجر للتشاور حول تفاصيل تكوين الهيئة المركزية الديمقراطية.
    خامسا: نأمل أن توقف الأطراف المختلفة أي نشاط من شأنه إعاقة تكوين الهيئة المركزية الديمقراطية المزمع تكوينها أو شل حركة الكيان السياسي.
    سادسا: إن ظروف البلاد الحالية تقتضي اتحاد الكلمة على أساس ديمقراطي لمواجهة المهام الوطنية الديمقراطية وسد أبواب التفرقة التي تستغلها الدكتاتورية لتبرير وجودها وتمديد عمرها.
    (قل هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، (وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين).
    مقارنة مؤتمر يوليو 2002م بمؤتمر يوليو 1994م
    لقد كان ذلك في العام 1994، وبعد ثمان سنوات من تاريخ المؤتمر الذي عقدته جماعة "الإصلاح والمؤسسية" من وراء ظهر مبارك المهدي مسئول العمل الخارجي، والذي لا يحمل أية شرعية قيادية انتخابية تاريخيا، والذي اختلف على قيادته في الخارج فلجأ لأختام الداخل وتفويضاته، أعاد مبارك العملية، فعقد مؤتمرا من وراء ظهر رئاسة الحزب الشرعية بالانتخاب وبالإجماع الشعبي تحت شعار "الإصلاح والتجديد".. وإننا نسوق هذه المقارنة بين المناسبتين:
    الشعارات: الإصلاح- المؤسسية- الرجوع للقواعد- وجود كوادر مثقفة لا يستفاد منها (والأخير هو ما قاله مبارك المهدي عن وجود أفراد في أسرة المهدي مثقفين ولكن ليسوا في منظومة الحزب أو الكيان).
    إجرائيا: عقد مجمع من وراء ظهر القيادة الشرعية وبدون إخطارها (وفي سوبا إخفاء التجمع منها بقصد خوفا من رد فعلها). والفرق هنا أيضا أن مؤتمر 1994م خاطب القيادة بعد ذلك لشرح الموقف.
    التمويل: كلاهما وجدت معلومات عن تمويل خارجي لهما.
    الشرعية: نقض مؤتمر 1994م شرعية التفويض، ونقض تجمع سوبا شرعية التراضي. والفرق أن حجية 1994م أقوى فهي تستند على رفض لمسألة التفويض التي تناقض مبادئ الحزب، أما حجية 2002م فهي واهية لأن أصحابها مشاركون في التراضي.
    الوزن بمقياس المؤتمر العام 1986م: من بين جماعة يوليو 1994م كان أحد أعضاء الأمانة العامة المنتخبة لقيادة الحزب (السيد نصر الدين المهدي)، وكان رئيس الجمعية (السيد محمد إبراهيم خليل). أما جماعة يوليو 2002م فأكبر رأس فيها (السيد مبارك المهدي) لم تكن له أية شرعية قيادية في آخر مؤتمر عام للحزب.
    إذا قيس مؤتمر يوليو 1994م بمؤتمر يوليو 2002م لكان الأول أقرب للحق من الأخير. ولقد رفض السيد مبارك أسلوب مؤتمر 1994م حينها لأنه كان موجها ضده ولجأ لـ"الرئيس" والقيادة الشرعية. والآن فإنه يلجأ "للمؤتمر الوطني" ليضفي عليه شرعية. ولكنه ربما نسي أن فاتحة "المؤتمر الوطني" لا تقبل عند جماهير الحزب ولا تسوى لديهم شيئا. ومهما ظهر مبارك حينها منتقدا لأعمال جماعة "الإصلاح" تلك، فلا بد أنه استبطن إعجابا دفينا حينها بمحاولة تقليد مؤتمرهم الآن، لأن المثل الإنجليزي يقول: المحاكاة هي أبلغ درجات الإطراء.
    التنظيم الاستثنائي بالخارج 1997-1999م
    في ديسمبر 1996م هاجر رئيس الحزب مع 22 من المرافقين سرا إلى إرتريا. لقد أحدث خروج السيد الصادق المهدي في تهتدون دويا إعلاميا هائلا مما أحدث زخما سياسيا، وأعطى المعارضة الخارجية وزنا إضافيا. عقد الحزب مؤتمره الثالث بالخارج في 18 أبريل 1997 بالقاهرة وقد كان مؤتمرا محدودا أيضا. خاطبه رئيس الحزب وأمينه العام (د. عمر نور الدائم) وأمين عام التجمع حينها (السيد مبارك المهدي). وقد سبق إيرادنا لبعض كلمة رئيس الحزب التي لاحظ فيها بعض مشاكل التنظيم بالمهجر، واقترح بعض التعديلات. وطبقا لهذه الملاحظات فقد تم التحضير لاجتماعات لقيادات الحزب في أسمرا في ديسمبر 1997م، وذلك للتحضير لمؤتمر عام للحزب بالخارج يبني مؤسسات الحزب على الديمقراطية والانتخاب.
    الخطاب الذي أرسله الرئيس للدعوة لتلك الاجتماعات مفاده: "الحاجة ماسة في حزبنا لقمة سياسية في الخارج تتكامل مع الداخل في اتخاذ القرارات السياسية الهامة بشكل مؤسسي ..وقد قرر المجلس الموسع تكوين مكتب أول في الخارج لأداء هذه المهمة وكلفني أن أختار أعضاءه. وشرعت في هذه المهمة واخترت فعلا عددا من الأخوة والأخوات ولكن اعترضني أمران :
    الأول :العدد الذي حدده المجلس محدود جدا .
    الثاني :مهما توسعت في الاختيار يبقى آخرون يستحقون أن يضافوا بأية مقاييس موضوعية أستهديت بها .
    لذلك رأيت أن الحل الأمثل في هذه الحالة هو اللجوء للأسلوب الديمقراطي الذي تسمح به الظروف الاستثنائية الحالية كالآتي :-
    1- رد الأمر للمجلس الموسع لمراجعة عدد أعضاء المكتب الأول ولانتخابهم بقائمة تضم كل المرشحين واعتماد أصحاب أعلى الأصوات.
    2-تصعيد 25 عضوا من مكتب المغتربين الذين انتخبتهم القواعد وتصعيد 10 ممثلات للمرأة من مكتب المرأة لعضوية المجلس الموسع .
    3- دعوة المجلس الموسع لاجتماع للتنوير ولاتخاذ قرارات بشأن قضايا مطروحة ولانتخاب المكتب الأول في يوم الخميس 18/12/1997م في مدينة اسمرا . أرجو أن يتمكن كافة أعضاء المجلس الموسع حضور الاجتماع وسوف تصلهم قبل أسبوعين أجندة اجتماع المجلس الموسع وبالله التوفيق". أرسل هذا الخطاب لكل أعضاء المجلس الموسع والمختارين من المكتب الأول من غير أعضاء المجلس الموسع.
    وقد تمت تلك الاجتماعات بأسمرا، وتم التحضير للمؤتمر العام الرابع للحزب بالخارج بأسمرا والذي انعقد من 31 يناير وحتى 2 فبراير 1998م تحت شعار: "معا من أجل التحرير والوحدة والبناء" . ذلك المؤتمر كان يختلف في شكله ومضمونه عن تجمعات الخارج قبله، من حيث العلانية والانفتاح ، ومن حيث عضوية الحزب والكوادر القيادية التي شاركت بحيث تم التخلص من ذهنية "شركة الأمة المحدودة".
    مؤتمر الحزب الرابع بالخارج يناير-فبراير 1998م
    خاطب رئيس الحزب المؤتمر بخطاب حوى تسع محاور، ثامنها كان التنظيم، جاء فيه:
    (من كلمة رئيس الحزب أمام المؤتمر العام الرابع للحزب بالخارج في يناير/فبراير 1998م)
    تنظيم حزبنا من حيث دستوره ولوائحه يعود للمؤتمر الأول في 1986 هذا معناه أن عمره الآن اكثر من10 سنوات حدثت فيها تطورات بالغة في السودان توجب أن نعيد النظر ونراجع دستورنا ولوائحنا .
    ولكن كيف يمكن أن نفعل ذلك في غيبة مؤتمر عام ؟
    إننا في الداخل استطعنا أن نتخذ تدابير معينة مكنتنا من المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرار والعمل في الظروف القهرية الاستثنائية ويسرني أن أقول إن الحالة مطمئنة ولكن الموقف في الخارج مختلف للأسباب الآتية: هذا الحجم من الهجرة والاغتراب واللجوء ظاهرة جديدة لم تكن في حسبان التنظيم القديم- القيادة بالداخل مقيدة بينما توجد حرية أكبر للحركة في الخارج- حدثت نزاعات شجعتها جهات أجنبية.
    رغم هذا كله فإن حزبنا بالخارج حافظ على وجوده وأبقى الراية مرفوعة. إن للذين قاموا بهذا الدور تقديرنا والعرفان.
    أما النزاعات التي وقعت فقد كان الموقف الصحيح وما زال هو أن الانضمام إلى مسيرة الحزب تكفي نسخا للمواقف السابقة، فيما يتعلق بالشكاوي: شكاوي وتظلمات من أشخاص معينين فقد رأينا آن تقدم الشكاوي بشأنهم للجنة الأستاذ صالح فرح للتحري ورفع توصياتها للقيادة.
    إن جسمنا في الخارج مكون من الآتي: أصحاب المناصب الدستورية في الحزب، هؤلاء مستمرون حتى مؤتمرهم العام القادم- المكاتب المتفرغة- فروع الحزب في مناطق الكثافة- المغتربون- اللاجئون- المستثمرون- الدارسون- النساء- وجيش الأمة.
    إن اجتماعنا هذا يمثل هذا الجسم تمثيلا بعضه مكتسب وبعضه مصعد وبعضه مختار.
    إن هذا الجسم يمثل شيئا جديدا لم يكن في حسبان مؤتمرنا الأول لذلك أرى أن نقترح شكلا تنظيميا جديدا له، شكلا يحافظ على المواقع المكتسبة ويحقق الديمقراطية ويسمح بوجود جهاز استثنائي يتعامل مع مهام التحرير. هذا التنظيم الجديد يقتضي كتابة لوائح جديدة ويوجب الاتفاق على صيغة للتعامل مع الداخل .
    وقد جاء البيان الختامي للمؤتمر يحمل بابا للإصلاح الحزبي جاء فيه:
    قرر المؤتمر هيكلا شاملا لحزب الأمة بالخارج مكونا من رئاسة ولجنة تنفيذية وهيئة مركزية تنتخبها الكليات الآتية: المغتربون- اللاجئون- المرأة- الشباب والطلاب- جيش الأمة للتحرير- المكاتب المتفرغة.
    وأمنوا على آن حزب الأمة حزب جماهيري جامع للشرائح الوطنية ويحقق الإصلاح والتحديث وفق الموجهات الآتية: ديمقراطية تكوين قاعدة الحزب- قومية قاعدة الحزب الشعبية- تطوير الدراسات والأبحاث كرافد لبرامج الحزب- تكوين ورعاية منظمات إنسانية- الانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني لا سيما في مجال الأبحاث والدراسات- تقوية العلاقات الثنائية مع كافة القوى السياسية السودانية لا سيما التي يساعد التعاون معها في توحيد البلاد كالحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي يساعد التحالف معها في استقرار السودان كالحزب الاتحادي الديمقراطي. كل ذلك تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي- تسجيل العضوية واستخراج البطاقات للأعضاء وإيجاد اشتراكات دورية -تدريب الكوادر- تطوير آليات العمل الاستثنائي الخاص بالمرحلة الحالية والخاص بالعمل العسكري والانتفاضة، ووضعت خطة تغيير ناجز لدعم الجيش والانتفاضة- الاهتمام بالتوعية الفكرية داخل الحزب وفي سبيل مخاطبة الآخرين- الالتزام بلوائح الحزب لتحقيق الولاء والانضباط- التصدي للانحراف والمخالفات عبر آلية محاسبة عادلة- وتطوير آلية المعلومات وحماية أمن التنظيم .
    ..هكذا تحول الشكل التنظيمي للخارج إثر المؤتمر العام الرابع لشكل أكثر ديمقراطية. جرى ذلك بدون الإساءة لأسلوب مسئول العمل الخارجي الذي شابته الشمولية، عرفانا لما بذله من جهد في وقت عصيب لم يكن يسمح بمراجعة الأداء المستمرة، وتجاوزا للسيئات بالتخطيط لإزالتها بالطرق السلمية والشورية. ولكن السيد مبارك لم يحفظ ذلك الأسلوب الحضاري الذي يتخذه الحزب، ولا النهج المتقدم الذي اتبعه معه رئيس الحزب حين اطلاعه على تجاوزه لأسلوب العمل الديمقراطي، وأكثر من ذلك حاول أن يرميه بكل التهم التي تجمعت حوله وسار بها الركبان.. رمتني بدائها وانسلت!.
    اجتماعات يونيو 99
    التقى رئيس الحزب الدكتور حسن الترابي في جنيف في مايو 1999م، فتح هذا اللقاء ملف الحل السياسي الشامل الذي فضله الحزب كوسيلة لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي. وفي يونيو 99 دعا رئيس الحزب المكتب التنفيذي للحزب والمجلس الاستشاري. خاطب رئيس الحزب المجتمعين حول عدة مواضيع على رأسها الحل السياسي الشامل، ثم تطرق لمسألة البناء الذاتي، قائلا:
    إن بناء كياننا الذاتي يوجب تحقيق ثلاثة أشياء في المرحلة القادمة:
    1- دعم وتنشيط حزب الأمة باعتباره الوعاء الشعبي السوداني الأكبر وباعتباره رائد الحركة الفكرية والسياسية السودانية.
    2- علينا عمل الآتي: الخطاب الفكري الواسع- الإعلام المكثف- تحديد الشكل التنظيمي الجديد الذي يجمع بين الداخل والخارج ويؤهل الحزب للمرحلة القادمة- خفض الوجود الخارجي إلا المستثنى- أن يقرر المكتب التنفيذي بهذا الخصوص وأن يتشاور مع الداخل في الأمر وأن يحدد الميزانية اللازمة والمدة المطلوبة. العمل بالخارج سوف يقتصر على عمل إعلامي ودبلوماسي ومهام استثنائية.. على أن يجري التشاور مع الداخل فيما يتعلق بالظروف التي توجب انتقال القيادة السياسية العليا للداخل.
    3- دعم كافة الأجهزة الاستثنائية التي أوجبتها المرحلة الحالية.
    وأعلن أمين عام الحزب عن عدة تطورات بالعمل الحزبي كان من ضمنها إنشاء وحدة للمعلومات والإعلام الإلكتروني .

    التنظيم المرحلي للحزب 2000-2003

    توقيع نداء الوطن: لقد كان من آثار النزاع داخل المؤتمر الوطني سعي الطرف الآخر للاتفاق مع حزب الأمة، فتم التوقيع على نداء الوطن في 26 نوفمبر 1999م في جيبوتي. أثمر هذا الاتفاق مناخا سياسيا أفضل في السودان، وأدرك الحزب أنه في مرحلة تحولية. ولمناقشة موضوع تنظيم الحزب في تلك المرحلة وما يتلوها كون الحزب لجنة لدراسة موضوع التنظيم والانتقال من الحالة الاستثنائية آنذاك.
    لجنة التنظيم وتوسعة التشاور: كونت لجنة من أعضاء الأجهزة الدستورية بالقاهرة والزائرين ومن الداخل. قدمت اللجنة تقريرها وذلك في 13 يناير 2000م. كان ذلك التقرير هو بداية المشاورات التي انتهت في أغسطس 2000 بتكوين التنظيم المرحلي للحزب. بعد رفع حيثيات الاجتماع وملخص الآراء حول تنظيم الحزب إلى الرئيس، رأى أن توسع دائرة التشاور لتشمل أكبر قدر من المشاركة لقيادات الحزب وأجهزته، وفي 16 يناير 2000 وجه رئيس الحزب خطابا داخليا لجميع الأجهزة القيادية للحزب بالداخل والخارج، اشتمل الخطاب على عدة نقاط من بينها قضية التنظيم والتي عرضت كالآتي:
    المسألة التنظيمية: إن لحزبنا الآن تنظيمات استثنائية في الداخل وفي الخارج.
    ما هو مصيرها في المرحلة القادمة؟ وما هي علاقاتها التنظيمية بالتجمع في الداخل والخارج؟
    إن على حزبنا واجب الاستعداد للقرن الجديد وللعهد الديمقراطي الجديد، فما هو برنامجنا للمرحلة المقبلة؟ وما هو الشكل التنظيمي الأمثل لحزب السودان الجماهيري الشعبي الأول؟
    لقد استكتبت عددا من القادة والكوادر رأيهم حول هذه الموضوعات ووصلتني طائفة من المقترحات.
    وأخيرا دعوت كل الأعضاء في الأجهزة القيادية في الخارج المقيمين في القاهرة، ومعهم رصفاؤهم من الزائرين للقاهرة، وأعضاء الأجهزة القيادية بالداخل الزائرين للقاهرة، وطرحت عليهم الموضوع التنظيمي فعقدوا حلقة نقاش مكثف وقدموا التوصيات المرفقة.
    لقد ناقشت معهم التوصيات في يوم الأحد 16/1/2000م ورأيت أن التوصية الأساسية مقبولة، واستحسنت توسيع التشاور فأرجو تزويدي بتعليقكم في فترة لا تتجاوز أسبوعا من وصول هذا التقرير لكم.
    في نقاشي معهم رأيت أن أضيف أهمية أن يشمل التنظيم المرحلي الشرائح الآتية كآليات تزيد من الجدوى والفاعلية لحزبنا: تمثيل للجنوبيين- تمثيل للأقباط- تمثيل مناسب للمرأة- تمثيل مناسب للشباب- إلحاق بعض كوادر هيئة شئون الأنصار بالأجهزة السياسية- إلحاق بعض كوادر جيش الأمة للتحرير بالعمل السياسي. أقٌول..
    1- هذه الآراء تتعلق بالآلية التأسيسية للحزب في المرحلة القادمة.
    2- مشروع البرنامج والتنظيم الجديد للقرن القادم بعد أن تضعهما الجهة المعنية سيقدمان لأجهزة التنظيم المرحلي وهي بدورها تقدمه للمؤتمر العام ليقرر بشأنها.
    3- هنالك مشروع هيكل جديد للفترة الانتقالية القادمة من شأنه أن يحقق الأهداف الآتية: الاستفادة من القيادات المخضرمة في مجال الرأي والتخطيط السياسي والممارسة الديمقراطية- ينقل العمل السياسي التنفيذي لجيل جديد- يستوعب الكوادر الشابة صاحبة البلاء والكفاءة- ويحقق الفعالية والنهج العلمي المؤسس.
    استجابات المكاتب المختلفة :تمت استجابة من عدة مكاتب وكوادر قيادية في واشنطن- مسقط- اليمن- الرياض وجدة بالسعودية- والحزب بالداخل.
    اجتماعات قيادات الداخل والخارج في القاهرة في فبراير 2000م
    بعد ذلك دعا الرئيس لاجتماع لقيادات الداخل والخارج في فبراير 2000م بالقاهرة. وكان أمام المجتمعين ملفا من 104 صفحة يحتوي على: مذكرة من رئيس الحزب بتاريخ 13 فبراير 2000- خريطة الحل السياسي الشامل- بتاريخ 21 أكتوبر 1999- تقرير لجنة التنظيم- بتاريخ 16 يناير 2000م- مداخلات حول التنظيم- من المكاتب المذكورة أعلاه- الميثاق المقترح للتجمع- القديم- تقرير لجنة التحضير للمؤتمر "لجنة التجمع"- تقرير لجنة التحضير للمؤتمر" لجنة الحزب"-و مشروع السيد ابيل الير المقدم للسلام- 2000.. أعطي الملف للمجتمعين قبل يومين لدراسته، ويمكن للواحد أن يتخيل كم كان ذلك شاقا. لقد شهدت هذه الاجتماعات من واقع سكرتارية الإعداد.. يعتقد بعض الناس أن العمل السياسي كالسياحة وبعضهم يمارسه كذلك، ولكنني أشهد بالجهد الذي بذله قادة حزب الأمة تلك الأيام- بل وبالاجتهاد المستمر والانشغال بالعمل الوطني: اجتماعات ومشاورات- ودراسات لا تنفض. خرجت الاجتماعات ببيان ختامي حوى كل الموضوعات التي تطرق لها الاجتماع وهي: الحل السياسي الشامل- التنظيم المرحلي- التجمع- الملف الجنوبي- التمويل.
    وفيما يتعلق بالتنظيم، فقد احتوى البيان الختامي على:
    تنظيم حزب الأمة الانتقالي إلى حين انعقاد المؤتمر العام
    لقد قادت أجهزة حزب الأمة المرحلة الماضية بكفاءة عالية. المرحلة القادمة هي مرحلة إعادة بناء تنظيم الحزب بصورة تتجاوز الشكل الداخلي والخارجي الذي أوجبته المرحلة الماضية وفرضته الظروف الداخلية وسمحت به الظروف الإقليمية السابقة.
    1- المرحلة الجديدة هي مرحلة توحيد عمل الحزب السياسي الشعبي وسوف تمتد إلى حين انعقاد المؤتمر العام.
    2- تكون مهمة اتخاذ القرار والتخطيط السياسي من مسئولية مكتب سياسي مرحلي يجري تكوينه بأعلى درجة من الديمقراطية. يبلغ عدد أعضاء هذا المكتب خمسون شخصا يتم اختيارهم كالآتي: 16 شخصا هم الأكثر بلاء في الداخل والخارج في النضال ضد الديكتاتورية رجالا ونساء- 4 تختارهم الهيئة البرلمانية المنتخبة عام 1986م- 4 تختارهن المنظمات النسوية بالداخل والخارج- 4 تختارهم منظمات الشباب والطلاب بالداخل والخارج- 5 هم رئيس وأعضاء الأمانة العامة المنتخبة 1986- 3 نقابيون (عمال- مهنيون- معلمون)- 4 مصعدون من مؤتمر المغتربين العام.- 3 تختارهم كلية الحزب الجنوبية- 1 تختاره كلية الحزب القبطية- 3 مصعدون من جيش الأمة للتحرير- 3 مصعدون من هيئة شئون الأنصار.
    3- يختار 300 من الشباب رجال ونساء يسمون دائرة العطاء والفداء، وينالون تدريبا مكثفا ليستمد منهم ذراع الحزب التنفيذي.
    4- الأمين العام وأمناء أربعة أمانات: التنظيم- الفئات- المالية والإدارة- الاتصال والتنسيق.. يكونون جهاز الحزب التنفيذي مستمدين كوادر مكاتب الأمانات والشعب من دائرة العطاء والفداء.
    5- يشرف الرئيس على دقة تكوين التنظيم المرحلي بضوابط تكفل أن يكون الأشخاص المصعدون مؤهلين للقيام بالمهام المذكورة.
    كانت تلك هي التوصيات التي خرجت بها اجتماعات فبراير الممتدة ليومين، ثم وجه الحزب بضرورة عقد ورشة للتنظيم لإلقاء مزيد من الضوء على ذلك الأمر الهام.
    ورشة التنظيم التخصصية 2 يوليو 2000م
    عقد الحزب عدة ورشات تخصصية في الفترة ما بين 2 إلى 10 يوليو 2000م. ناقشت في محور التنظيم ثلاث أوراق عمل مختلفة لتحليل ماضي ومستقبل العمل التنظيمي للحزب.وخرجت توصيات الورشة عن التنظيم بالآتي:
    لكي يقوم حزب الأمة بدوره الريادي المنوط به لتحقيق المولود المعافى ولما لحزبنا من ثقل جماهيري وإرث تاريخي وعطاء فكري وسياسي ونضالي مشهود، كان لابد أن يقوم الحزب نفسه بعملية دراسة ونقد لتقويم تجارب الماضي ووضع فلسفة تنظيمية وتحديد الرؤى المستقبلية التي تجعله قادراً على تحقيق الآمال ومواجهة تحديات الألفية الثالثة وظروف العولمة وذلك عبر ميلاد جديد للحزب بفلسفة وآليات وأطر عمل يكون فيها للشباب والمرأة دور هام ورائد في القيادة والتسيير اليومي.لذلك أكدت الورشة على أهمية التنظيم كعنصر أساسي لممارسة الديمقراطية، يتطلب من كافة القوى الوطنية أن توليه الاهتمام اللائق به تحقيقا للمشاركة الواسعة واستيعابا لكل شرائح المجتمع وخاصة الشباب والمرأة وأبناء المناطق الأقل نموا وكل عناصر ومنظمات المجتمع الفاعلة.
    وقد انتهت الورشة إلى ما يلي :
    1- لقد أمنت الورشة على أهمية القطاع التقليدي في السودان وما يسهم به في الاقتصاد السوداني والأنشطة السياسية وطالبت بمراعاة الفوارق بين هذا القطاع والقطاع الحديث بصورة تضمن إسهام القطاعين في تحقيق تطلعات شعبنا.
    2- أكدت الورشة على ضرورة جهاز قيادي منتخب وجهاز إداري متخصص وكفء يقوم على مبدأ اللامركزية الإدارية.
    3- إنشاء مدرسة كادر لتدريب وتأهيل الكوادر.
    4- قيام آلية مساءلة ومحاسبة على التجاوزات.
    5- إعداد ميثاق الحزب وصياغة إطاره الفكري المتكامل ومراجعة شعاراته وإعادة صياغتها.
    6- إنشاء أجهزة التوثيق والأرشفة والتراث القومي.
    7- إنشاء شبكات اتصال فاعلة مستفيدة من التقنية الحديثة وثورة الاتصالات لتقوم بربط كافة أجهزة وأفرع الحزب.
    8- الالتزام بالتوزيع العادل والتوازن في المناصب العليا بما يحقق الإجماع أو القبول.
    9- ضرورة تطوير وتعزيز الأجهزة الإدارية والأمنية في الحزب.
    10- قيام مؤسسات مالية واستثمارية فاعلة ومؤهلة لمعالجة مشاكل التمويل .
    11- وضع الإطار المؤسسي لورش العمل الفكرية ضمن هياكل الحزب كآليات ضرورية لدعم أجهزة اتخاذ القرار.

    اجتماعات يوليو/ أغسطس 2000
    بعد اجتماع فبراير بأقل من شهرين عادت قيادات الحزب للداخل وعلى رأسها الأمين العام ومسئول العمل الخارجي في بداية عهد الإنقاذ. لقد كان موكب العودة الأولى مهيبا ضخما يعبر عن شعبية الحزب وتمدده، أما موكب العودة الكبرى فإنه كان يفوق الوصف. ولكن نفس الجماهير المعبأة لنصرة حزبها كانت معبأة ضد أي اتجاه للانخراط في النظام. شهدت بذلك الهتافات العفوية، وردود فعل الجمهور أثناء الخطب التي أقيمت بالمركز العام للحزب بأم درمان ساعة العودة في 6 أبريل 2000م.
    ومنذ يوم العودة الأول ظهرت اختلافات حادة بين قيادات الحزب حول تفسيرات العودة، والعلاقة مع النظام، وبدأت فترة من الطحان المستتر والذي يصل للرأي العام والصحف أحيانا بين القيادات. وظهرت اختلافات حول تكوين التنظيم المرحلي فبرزت الحاجة لعقد قمة يتم فيها تصفية الخلافات وإيضاح الخط السياسي للحزب بعد التشاور حول تفاصيله والاتفاق عليه بين القيادات. فدعت القيادة القيادات بالداخل والخارج لاجتماع قمة، لم يكن السيد مبارك المهدي راضيا بحضوره لأنه لم يكن يقدر أن مخالفيه يستحقون كل ذلك الاهتمام. وقد ضغط عليه الحزب كما فصلنا في الفصل الأول بأن القرارات ستتخذ به أو بدونه إن لم يحضر، إلى آخر ما كان.
    استمرت تلك الاجتماعات من 27 يوليو وحتى 4 أغسطس، وقد كانت سلسلة اجتماعات متواصلة مضنية شارك فيها القيادات التالية السيدات والسادة:

    1. الصادق المهدي.
    2. عمر نور الدائم.
    3. آدم موسى مادبو.
    4. بكري عديل.
    5. سارة الفاضل.
    6. نصر الدين المهدي.
    7. مبارك المهدي
    8. إبراهيم الأمين.
    9. عبد الرحمن نقد الله
    10. عبد النبي علي أحمد
    11. عبد المحمود صالح.
    12. عبد المحمود أبو
    13. عبد الرحمن الصادق
    14. صلاح جلال
    15. صديق بولاد
    16. حسن أحمد الحسن
    17. نجيب الخير عبد الوهاب.
    18. إحسان عبد الله البشير *
    19. مأمون شرفي*
    (مأمون شرفي وإحسان عبد الله لم يشتركا في الاجتماعات منذ بدايتها وإن ألحقا بها في اليوم الأخير)


    ناقش الاجتماع لليوم الأول مسألة التنظيم وكون لجنة هيكلة التنظيم برئاسة سارة الفاضل ومقررية عبد المحمود صالح وعضوية كل من عبد النبي علي أحمد- صديق موسى بولاد- وعبد المحمود أبو إبراهيم. وذلك لدراسة المقترحات المقدمة لدراسة هيكلة العمل التنفيذي لتختار الأمثل. مرجعيات اللجنة كانت: قرارات الاجتماع المشترك - القاهرة- 15 إلى 16/2/2000م- قرارات الاجتماع المشترك القاهرة 27/8/2000م. والمقترحات المقدمة لها: تصورات من كل من الحاج نقد الله- د. آدم مادبو- مبارك الفاضل- ثم ورشة العمل المنعقدة بالقاهرة- التوصيات والأوراق المقدمة حول التنظيم- المنعقدة بتاريخ 2-10/7/2000م. خرجت اللجنة بمقترحاتها التي عرضتها على الاجتماعات المستمرة للقيادات من جديد. وخرجت التوصيات والقرارات من تلك الاجتماعات التاريخية بعدة محاور فيما يخص التنظيم نوجزها فيما يلي:
    ‌أ) اعتماد قرارات الاجتماع المشترك بين القيادات المنعقد في القاهرة في فبراير 2000
    ‌ب) اعتماد المكتب السياسي الخمسيني بالتكوين الذي تم.
    ‌ج) يضاف للمكتب السياسي أعضاء بما يكفي للآتي: تمثيل الأقاليم بنسبة الأصوات في الانتخابات الأخيرة مع أخذ عدد النواب في الحسبان- تمثيل المزارعين، الرعاة والمجاهدين- يراعى سد النقص في تمثيل الشباب والمرأة- سيكون المكتب السياسي الخمسيني آلية هذه الإضافة عن طريق كليات تمثل الفئات المذكورة وتصعيد ممثليها.
    ‌د) المكتب السياسي الانتقالي هذا هو صاحب الرأي والقرار السياسي في المرحلة الانتقالية.
    ‌ه) المكتب السياسي مسؤول عن عقد مؤتمر الحزب العام وسوف يواصل مسئوليته إلى حين انعقاد ذلك المؤتمر ( التاريخ المبدئي للمؤتمر 26يناير 2000م)
    ‌و) المكتب السياسي الانتقالي هو الذي يدرس توصيات ورش العمل ويقدم مشروع برنامج الحزب الجديد، ومشروع دستور الحزب، ومشروع اللائحة التنظيمية.
    ‌ز) لصعوبة انعقاد المكتب السياسي بما يضم من أعضاء الداخل والخارج فإن النصاب القانوني لاجتماع المكتب يؤسس على الأعضاء بالداخل. الأعضاء بالخارج يشاركون عبر مؤسسة الرئاسة.
    مؤسسة الرئاسة: تضم مؤسسة الرئاسة الرئيس ونائبه الأول والثاني ومساعدين لـ: لشئون المكتب السياسي- الشئون الخاصة- الشئون القانونية- المتابعة وضبط الأداء- الشئون الخارجية- الشئون الاجتماعية- شئون سودان المهجر- شئون الحزب بالخارج- وشئون المناطق المهمشة . هؤلاء يكونون مكتبا يسمى مكتب الرئيس. هذا المكتب يكون له مقرر هو مساعد الرئيس للمتابعة وضبط الأداء. مهمة هذا المكتب هي تنسيق أعمال الرئاسة. وعلى هذا المكتب أن يضع لائحة لتوزيع الأعباء بين نائبي الرئيس وتحديد مهام المساعدين. النائب الأول يرأس الجهاز التنفيذي وتوزع اختصاصاته هو والنائب الثاني بموجب اللائحة.
    تقرر تكوين هيئة تسمى هيئة الرقابة الحزبية من أشخاص مشهود لهم بالحكمة والاعتدال مقررهم مساعد الرئيس للمتابعة وضبط الأداء وتكون مهمتهم: التصدي لأية انحرافات فكرية أو سياسية أو تنظيمية وتمنحهم اللائحة الانتقالية سلطات تبدأ من لفت النظر- العتاب- إلى المحاسبة وتجميد العضوية حتى التوصية بالعزل.
    كلف النائب الثاني للرئيس بوضع اللائحة التنظيمية الانتقالية لإجازتها بواسطة المكتب السياسي.
    المؤسسة التنفيذية: تتكون المؤسسة التنفيذية من تسعة قطاعات على رأس كل واحد رئيس للقطاع تتبع لها أربعون أمانة بيانها: قطاع التنظيم - القطاع السياسي- قطاع الاتصال والتنسيق والعمل الجماعي- قطاع الفئات- قطاع المالية والإدارة- قطاع المرأة- قطاع الشباب- قطاع الجنوب- قطاع تنمية الموارد البشرية- قطاع العلاقات الخارجية- وقطاع الدراسات والبحوث
    رؤساء القطاعات يكونون المكتب التنفيذي ويختارون مقررا. يتبع لرؤساء القطاعات أربعون أمانة على رأس كل منها أمين يشغلهم الشباب من كوادر الحزب رجالا ونساء.
    المجلس القيادي: يتكون المجلس القيادي من الرئيس ونائبيه ومساعديه ورؤساء القطاعات ورئيس ومقرر المكتب السياسي. المجلس القيادي يرأسه الرئيس أو النائب الأول ويختار مقررا وناطقا باسم الحزب.
    رابعا: تناول الاجتماع تسكين الهيكل بما يشمل مؤسسة الرئاسة، والمكتب التنفيذي، والأمانات، وعين الأشخاص المنوط بهم أداء هذه المهام.
    وتقرر أن يتولى هؤلاء عمل حزب الأمة حتى انعقاد المؤتمر لحشد الطاقات من اجل التعبئة والتحضير للمؤتمر العام.
    خامسا: يتم تكوين مكتب مؤقت بالخارج يسمى مكتب الرئيس بالخارج أعضاؤه هم أعضاء المكتب السياسي بالخارج وقياديون مختارون. هذا المكتب يشارك عبر الرئيس في قرارات المكتب السياسي للحزب.
    عن اجتماعات أغسطس: جماعة سوبا تستخف باجتماعات أغسطس، والذي يستمع لرواية السيد مبارك التي بثها تلفزيون السودان عن اجتماع حضره أربعة عشر شخصا، "قعدوا سنتين، غلبهم يعملوا ليهم تنظيم" يحيك في صدره أن هذه الجماعة التقت لمدة ساعتين فبحثت بسرعة أمورا هامة ولم تصل لشيء. الحقيقة أن الاجتماعات التي استمرت من 27 يوليو وحتى 4 أغسطس انعقدت لمدة تسعة أيام حسوما، كانت اجتماعات متواصلة لـ17 من قيادات الحزب بالداخل والخارج، ثم خرجت بما خرجت به، ولا يضير ذلك الاجتماع أو يقلل من أهميته أن من بين من شارك فيه من لم يكن راض به منذ البداية، ولا راض عن الجلوس مع منافسيه في الحزب، فعدم الرضا عن تصفية الخلافات داخل الاجتماعات معناه أن اللغة المفضلة لصاحب هذا الموقف هي الإقصاء والقصف. وهي اللغة التي تعامل بها من قبل السيد مبارك مع أهل الحكومة في أول أمره فلم يكن يرضى عن الأحاديث حول اللقاءات بهم، أو أهل التجمع في منتصف أمره فكان يردد أنهم قوم لا تنفع معهم إلا سياسة الدهس بالأحذية، أو أهل حزب الأمة في آخر أمره الذي ذاع، فأراد قبرنا أحياء ونحن أقدر منه على قبر الآخرين إن أردنا!.
    المهم.. لأهمية ما توصلت له تلك الاجتماعات فقد خرج منشور عنها من رئيس الحزب بتاريخ 5 أغسطس، ولأهمية ذلك المنشور في تبيان خارطة الحزب التنظيمية فإننا نورده بنصه الكامل وهو:
    منشور البيان السياسي لمرحلة التحول (أغسطس 2000م):
    الأحزاب هي قنوات العمل الديمقراطي. هي التي تنظم المشاركة، وهي التي تبلور الإرادة الشعبية، وهي تمثل القاعدة السياسية في الحكم أو المعارضة، وبرامجها وقياداتها هي التي تتيح للرأي العام الخيارات، وهي التي تحقق الإنجازات السياسية وتتحمل المساءلة عن الإخفاقات.
    الانتماء السياسي يقوم على واحد من ثلاثة أسس. أساس موروث وهنا يكون الانتماء لكيان ديني أو قبلي. وأساس أيديولوجي وهنا يكون الانتماء لأيديولوجية تنادي بها جماعة، وأساس طبقي وهنا تكون المصلحة الطبقية هي محور الانتماء.
    في البلدان المتقدمة يغلب على الأحزاب السياسية أن تمثل انتماءا أيديولوجيا أو طبقيا.
    ولكن في بلدان العالم الثالث يغلب الانتماء على أساس الموروث.
    في السودان تكونت الأحزاب السياسية كأوعية تحالف بين الخريجين وهم يمثلون قطاعا حديثا للانتماء الأيديولوجي والطبقي وبين قوى دينية وقبلية تميل للانتماء الوراثي.
    الأحزاب السياسية الكبيرة في السودان حافظت على طابعها التحالفي هذا، وفي حالة حزبنا تنامت العوامل الحديثة من فكر ومصلحة وتكاملت مع الموروث النافع.
    لقد كان تاريخ حزبنا الحديث عبارة عن محطات تقدم باسم الآفاق الجديدة، والإصلاح والتجديد، ونهج الصحوة. تطور الحزب مستقطبا القوى الحديثة دون قفز على الواقع الاجتماعي ضاربا جذوره في التكوين الديني والقبلي للبلاد، وتأكدت فاعلية الحزب لأنه عبر العهود الدكتاتورية الثلاثة والعهود الديمقراطية الثلاثة كان الرقم الأول في معارضة الديكتاتوريين كما كان الرقم الأول في السجلات الانتخابية كلها. وبالنسبة لمواجهة نظام "الإنقاذ" فإن حزبنا كان المتصدي الأول له فكريا ووقع عليه النصيب الأوفر من البطش وساهم بالنصيب الأكبر في إسقاط أجندة النظام الأيديولوجية.
    وحزبنا الآن يقود المرحلة الجديدة. مرحلة العمل السياسي والشعبي المنظم للحوار والضغط من أجل تحقيق الحل السياسي الشامل فإن تحقق عبر الحوار فهذا في مصلحة البلاد لأن استمرار المواجهة حتى النهاية مع الشروخ الحالية في النظام وفي المعارضة سوف يدفع بالبلاد إلى الصوملة.
    وإن استحال الحل السياسي الشامل المتفاوض عليه فإن على حزبنا تنظيم الضغط السياسي والشعبي والدبلوماسي حتى تتحقق الأجندة الوطنية وبذلك تتحقق تطلعات شعبنا المشروعة.
    وفي أثناء التحول من مرحلة استئصال الآخر الذي تورط فيه النظام والاستئصال المضاد الذي اضطرت إليه المعارضة إلى مرحلة تبني النظام لبعض أطروحات المعارضة مثل قبول المواطنة أساسا للحقوق الدستورية، وقبول الوحدة الطوعية عبر تقرير المصير، وقبول التعددية السياسية وفتح باب الحوار عبر الملتقى الجامع كآلية للحل السياسي الشامل.
    أثناء هذا التحول وقعت أحداث تاريخية أهمها:
    ‌أ) انقسام الحزب الحاكم وبالتالي النظام الحاكم حول قضايا عديدة من بينها سرعة وطبيعة التحول إلى وضع جديد.
    ‌ب) انقسام المعارضة -ويجسدها التجمع الوطني الديمقراطي- حول مبدأ الحل السياسي الشامل وسرعته وآلياته.
    ‌ج) تجاوز العمل السياسي الذي كانت تحكمه السرية في الداخل والعسكرية في الخارج إلى التنظيم والتعبئة بالداخل كواجب للمرحلة. هذا الخط تبناه حزب الأمة ولكن رفضته أحزاب أخرى.
    المسرح السياسي السوداني كله صار يتسم بالانتقالية والبين بينية والمخاض.
    في هذا المناخ واصل حز ب الأمة إقتحاماته الفكرية والسياسية ولكن هيكله التنظيمي لم يستطع القفز بالسرعة اللازمة لتحمل صدمات الاقتحام.
    إن لحزب الأمة تنظيما أسسه مؤتمر عام 1986م. هذا يمثل الهيكل الدستوري للحزب. هذا الهيكل جمدته أجهزة القهر منذ يونيو 1989م. وفي هذا الأثناء اتخذت قوى الحزب أجهزة استثنائية تصدت لمواجهة النظام في الداخل والخارج.
    ومنذ فبراير 2000م قرر اجتماع مشترك بين قيادات الحزب بالداخل والخارج أن يقيم هيكلا انتقاليا صدر به بيان في 15-16 فبراير 2000م، ولكن هذا التنظيم لم يكتمل بعد ليعبر عن أسس المشاركة والمؤسسية في هذه المرحلة.
    الهيكل لم يكتمل. ولكن الأحداث لا تنتظر فنشأ اختلاف اجتهادي بين التركيز على التفاوض وإيجاد الحل السياسي وبين التركيز على رأب صدع العمل الجماعي وترميم شروخ التجمع الوطني الديمقراطي كشرط يسبق التفاوض من اجل الحل السياسي الشامل.
    الاختلافات الاجتهادية هذه واكبتها اختلافات حول الهياكل التنظيمية وأساس الشرعية والمؤسسية في هذه المرحلة الانتقالية وأججتها توترات مرحلة المخاض، فبدا أن في حزب الأمة شرخا مستعصيا.
    بدأ التصدي لهذا الإشكال عن طريق ورشة العمل الفكرية التي نظمها الحزب في القاهرة في 2/7/2000م لإثراء النقاش وتحديد الخيارات.
    كان حزب الأمة قد نظم ورشة عمل في سبتمبر 1999م بحثت باستفاضة مسألة الحل السياسي الشامل وساهمت دراساتها في إثراء رؤية الحزب للحل السياسي الشامل وساهمت توصياتها في تحديد الموقف التفاوضي للحزب الذي أصدرته في مذكرة بتاريخ 21/10/1999م وزعناها على القوى الفكرية والسياسية السودانية في حينها.
    أما الورشة الفكرية الأخيرة بتاريخ 2/7/2000 فقد قدمت دراسات في خمسة موضوعات يعنينا منها في هذا المنشور الدراسات والآراء والتوصيات التي قدمتها الورشة في مجال تنظيم الحزب وفي مجال العمل الجماعي.
    انطلاقاً من الموقف التفاوضي الوارد في مذكرة 21/10/1999 وقرارات الاجتماع المشترك لقيادات الحزب بالداخل والخارج في فبراير 2000، وتوصيات الورشة الأخيرة بتاريخ 2/7/2000 في موضوعي التنظيم والعمل الجماعي، كتبت مذكرة للاخوة بالداخل بتاريخ 7/7/2000.
    هذه المذكرة مكونة من 4 محاور: محور الحل السياسي الشامل- محور العمل الجماعي - محور الهيكل التنظيمي الانتقالي- ومحور تسكين الأشخاص والكوادر في الهيكل.
    أرسلت المذكرة لدكتور عمر نور الدائم الأمين العام للحزب فدرسها وأدخل فيها ما بدا له من تعديلات وعرضها على المكتب القيادي بالداخل فدرسها وأدخل بعض التعديلات وأجازها بتاريخ 17/7/2000 .ولكن ظهرت خلافات حول الهيكل التنظيمي المرحلي وحول التسكين.
    وعرضت المذكرة على اجتماع للقيادات بالخارج الموجودة في القاهرة فرأوا إدخال بعض التعديلات في اجتماعهم بتاريخ 25/7/2000.
    هامش الحرية الصحافية المتوافر بالداخل، واهتمام الإعلام العربي الدولي بالقضايا السودانية ،فتحا مجالاً واسعاً لمتابعة ما يدور في حزب الأمة بصورة جعلت كثيراً من الحادبين مشفقين على عافية الحزب،وأطلقت خيال الشامتين فظنوا بنا الظنون سيما والساحة السياسية السودانية مليئة بأخبار الانشقاقات الحزبية حتى يكاد يكون الانشقاق هو القاعدة لا الاستثناء.
    لا أحد ينكر أن حالة المخاض التي تعيشها البلاد، وحالة التأهب التي يستعد لها الحزب ساهما في إبراز أربعة إشكالات تناولها الناس وتعددت حولها القراءات.
    الإشكال الأول: أن حزبنا قد اتجه نحو الحل السياسي الشامل كاتجاه استراتيجي. كما أعلن الحزب أسس ذلك الحل وأعلن تطلعه لمشاركة كافة القوى السياسية السودانية فيه. كما تطلع لآلية الملتقى الجامع للتفاوض بشأن الحل. ولكن ما العمل إذا تقاعست القوى السياسية الأخرى عن المشاركة في الحل السياسي الشامل؟ وكيف نضمن شفافية التفاوض ونحقق مقاصده؟
    الإشكال الثاني: حزبنا مؤمن بالعمل الجماعي لتحقيق الأهداف الوطنية. هذا ما دفعه لتكوين الجبهة الاستقلالية لتحقيق استقلال السودان. وتكوين الجبهة القومية المتحدة لمعارضة الدكتاتورية الأولى ( 58-1964م). وتكوين الجبهة الوطنية لمعارضة الديكتاتورية الثانية (69-1985م)، وتكوين التجمع الوطني الديمقراطي لمعارضة ومقاومة الديكتاتورية الثالثة.
    ولكن تعثر عمل التجمع الوطني الديمقراطي حتى أصبح عائقا للعمل الجماعي بالفعل مع أنه ماعون العمل الجماعي بالشكل. وللحزب أطروحة محددة لإصلاح وتوسيع تفعيل التجمع. وللحزب موقفين مختلفين من التجمع بالداخل والتجمع بالخارج، فكيف يتصرف إذا لم تراع فصائل التجمع الأخرى هذه المواقف؟
    اختلفت الاجتهادات في الإجابة على هذه الأسئلة.
    الإشكال الثالث: قامت شرعية الحزب السياسية والتنظيمية على الشرعية التي أسسها المؤتمر العام في 1986م. ولكن بعض المؤسسات الدستورية التي أسسها المؤتمر أخفقت مما أجبر مؤسسات اتخاذ القرار في الحزب أن تنادي بتعديلها.
    ثم جاء انقلاب 30/6/89 وعطل النشاط السياسي بموجب الأمر الدستوري رقم 2. وفي ظروف القهر اضطرت القيادة للعمل السياسي السري ولنقل جزء هام من نشاط المعارضة والمقاومة للخارج. السرية والعمل الخارجي أوجبا إقامة أجهزة استثنائية للعمل السياسي.
    بالإضافة لهذين الاعتبارين فإن انقضاء أحد عشر عاما على النظام الديمقراطي أدى لظهور قوى اجتماعية جديدة وأجيال جديدة، فماذا ينبغي عمله لاستيعابها ولتأكيد حيوية الحزب ومرونته للتعامل مع المستجدات؟
    في هذه المجالات الثلاثة تنوعت الاجتهادات. فماذا نحن فاعلون لاعتماد شرعية تراعي هذه الحقائق وتستجيب لهذه التطلعات؟
    الإشكال الرابع: ما هو الهيكل التنظيمي الأمثل لحزبنا في الفترة الحالية حتى قيام المؤتمر العام؟
    إن لحزبنا إيجابيات معلومة هي: القيادة المجددة، والفكر الواضح، والقاعدة الجماهيرية المعطاءة. وفي حزبنا نقاط ضعف هي: التنظيم والتمويل والإعلام.
    فما هو الهيكل التنظيمي الانتقالي الأمثل الذي يناسب المرحلة الانتقالية،ويدعم نقاط القوة ،ويعالج نقاط الضعف ويؤسس شرعية تراعي الواقع وتستجيب للتطلعات المشروعة ؟ للتصدي الموضوعي الشفاف لهذه الإشكالات وجهت الدعوة لـ17 من قيادات الحزب بالداخل والخارج لاجتماع مشترك في الفترة 27 يوليوإلى4 أغسطس.لم يتخلف عن الدعوة أحد ولا عن مواعيدها.
    في هذا الاجتماع تناول الحاضرون الأجندة بالإحاطة والجدية والصراحة والشفافية التامة .لم يكن اجتماع مجاملات أو مساومات أو تمويهات للحقائق. لقد قررنا أن تكون كافة القرارات بالتراضي والإجماع مراعاة لظروف المرحلة وبعد التداول اتخذت القرارات التي نشرت في البيان الختامي بالإجماع.
    هنالك 7 مسائل رأيت بيانها في هذا المنشور.
    أولاً:المكتب السياسي الانتقالي هذا مكون من 50 شخص 33 من الداخل و17 من الخارج وقد تم اختيارهم عبر كليات ولجان. هذا العدد هو الذي قرره اجتماع فبراير 2000 المشترك. ولكننا نعترف أن تكوينه الحالي تنقصه المكونات الآتية:
    • تمثيل الأقاليم عبر كليات لتصعيد ممثلين للأقاليم بما في ذلك الجنوب.
    • تمثيل لبقية أعضاء المكتب السياسي القديم مثلما مثلت الهيئة البرلمانية، بما في ذلك الأقباط.
    • تمثيل لأصحاب العمل.تمثيل للمزارعين، والرعاة، والمجاهدين.
    • سد النقص في تمثيل الشباب والمرأة.
    وكان أمامنا خياران: الأول أن نرجئ تنفيذ تنظيماتنا حتى نكمل هذا النقص. والثاني: أن نعتمد المكتب السياسي كما تم تكوينه بعد اجتماع فبراير 2000م. وأن نعتمد المكتب الخمسيني نفسه آلية لتحديد كليات تصعيد الفئات المذكورة.
    وبعد تداول رأينا أن نعتمد الرأي الثاني، على أن أشرح للمعنيين من شرائح الحزب أساس هذا الإجراء وجدواه، فنحن محتاجون لملء الفراغ، وكلما تأخر تكوين المكتب السياسي استمر الفراغ، كما أن المكتب السياسي الخمسيني آلية أفضل من الاجتماعات التمهيدية التي عقدناها.
    منذ إعلان تكوين المكتب السياسي الخمسيني في فبراير 2000م وصلتنا كمية كبيرة من الاستئنافات. الاستئنافات المعقولة أخذناها في الحسبان، ورأينا أن يكون المكتب الخمسيني نفسه آلية تنفيذها فأرجو أن يطمئن الجميع على أن آراءهم لم تهمل وإنما سوف يستجاب للمعقول منها عبر آلية محددة وبأسرع وقت ممكن لأن زيادة عضوية المكتب السياسي بالضوابط المنصوص عنها هنا ستكون أجندة المكتب الأولى
    ثانيا: لقد مزجنا بين القيادات المنتخبة في مؤتمر 1986م والقيادات التي أبرزها النضال. صحيح أن العمل انتقل ثقله للداخل وصحيح أن عددا من القيادات التي أبرزها النضال لم تقرر العودة للبلاد بعد ولكن حتى وهي بالخارج سوف يتم تكوين مكتب يسمى مكتب الرئيس بالخارج سوف يضم هؤلاء المناضلين ويكفل مشاركتهم في القرارات السياسية وفي كافة الأنشطة التي لا تستوجب العودة للوطن. ولكن القيادات التي أفرزها النضال وعادت للداخل استوعبت في الهيكل الانتقالي.
    ثالثا: فيما يتعلق بتكامل الأجيال فإن هيكلنا الانتقالي قد أو جد صيغة معقولة هي: جيل التجربة والحنكة من قيادات الحزب استوعب تماما في مؤسسة الرئاسة.
    الجيل الذي يليه من الكهول الذين هم بين الشيوخ والشباب استوعبوا في المكتب التنفيذي.
    والجيل الذي يليه من الشباب رجالا ونساء استوعبوا في الأمانات.
    مساعدو الرئيس سوف يكونون كل حسب اختصاصه مجالس متخصصة تستوعب عددا كبيرا في المجالات المختلفة. كذلك سوف يكون رؤساء القطاعات لجانا للمشاركة في القطاع، كذلك سوف تتسع القطاعات للمشاركة.
    كل الأحزاب السياسية في كل العالم تعاني من مسألة تناوب الأجيال وإذا نظرنا للأحزاب في العالمين العربي والإفريقي لرأينا درجة العجز في التعامل مع هذه المسألة. لذلك لا يحدث تغيير لصالح الأجيال الجديدة إلا عبر الثورات والانتفاضات.
    في حزب الأمة استطعنا أن نحقق انتقالا راديكاليا من جيل لجيل في ثورة أكتوبر 1964م. وعبر نضالنا ضد الديكتاتورية الحالية برزت قيادات شابة كثيرة لذلك وضعنا تصورا تدرجيا يخلق تكاملا بين الأجيال. هذا أمكن تحقيقه بالتراضي وهو إنجاز كبير. لكن يمكن للانتخاب في المؤتمر العام القادم أن يحقق طفرة أخرى على طريق تناوب الأجيال.
    كل قيادات الحزب متفهمة لهذه المعاني ومتجاوبة معها لذلك يرجى أن تتم الإصلاحات المقصودة بطيب خاطر.
    رابعا: هيئة شئون الأنصار كما هو معلوم هيئة ذات تخصص في الدعوة والإرشاد والتربية والنشاط الروحي والاجتماعي والثقافي والمأمول أن يتسع نشاطها ليشمل كافة الأنشطة باستثناء التنافس من أجل السلطة السياسية.
    لقد استطاعت هيئة شئون الأنصار أن تحقق تناوبا رائعا بين الأجيال كما استطاعت أن تمثل ضمير الشعب في ظروف حظر النشاط السياسي.
    هيئة شئون الأنصار سوف تواصل نشاطها الذي يحكمه الدليل الأساسي وسوف تتجه لعقد مؤتمرها العام لتكملة مؤسساتها المنصوص عليها في الدليل الأساسي بأسلوب ديمقراطي. وسوف يكون لأفراد مختارين من هيئة شئون الأنصار مشاركة في مؤسسات حزب الأمة السياسية، وسوف أضع لائحة واضحة تحدد صلاحيات وأنشطة الهيئة بصورة تمكن الحزب من القيام بمسئولياته كاملة فالحزب للأنصار ولغير الأنصار، وللمسلمين وغير المسلمين من أهل السودان، بينما الهيئة منبر دعوي تربوي لأنصار الله.
    خامسا: جيش الأمة للتحرير يمثل ذراعنا العسكري وقد انتظم فيه شباب اختاروا طريق التضحية بالمال والنفس فهم في كياننا سيوف النصر وقد أبلوا بلاء حسنا. إننا سوف نتفق مع النظام -في ظل ترتيبات الحل السياسي الشامل- بما يمكن استيعابهم في الدور الذي يناسب تضحياتهم. وسوف يجري اختيار من لديهم استعداد وتأهيل للعمل السياسي لاستيعابهم في مواقع مناسبة. ولكن إلى حين تجاوز المرحلة الحالية فإن جيش الأمة للتحرير كيان منضبط خاضع لقيادته وللوائحه.
    هنالك تشويش حدث نتيجة لعودة فريق جيش الأمة الاضطرارية من إثيوبيا، وانتهى هذا الحدث المؤسف واختار بعض هؤلاء الأبناء الخروج على الانضباط والانخراط في أجهزة الحزب والكيان الأخرى وهذا حقهم وسيعاملون حسب اختيارهم.
    وهنالك دعايات سالبة حول ما حدث بعد عودة المجاهدين على إثر المصالحة الوطنية في عام 1977م.. هؤلاء المهاجرين خرجوا مضحين واستطاع الكيان أن يفعل هجرتهم وأن ينقل الحال من مجرد وجود خارجي إلى عمل حاسم ساهم في تحقيق بعض أهداف الشعب السوداني، فالمصالحة نفسها لم تكن ممكنة إذا لم تكن انتفاضة 2 يوليو 1976م. والمصالحة هي التي فتحت الطريق لانتفاضة رجب/ أبريل 1985م.
    صحيح أن المهاجرين العائدين لم يجدوا ما كان ينتظره بعضهم من مكانة. ولكن ليس صحيحا أنهم أهملوا وللتاريخ سوف نبين بوضوح تام ومفصل ما عمل لهم. لأن بعض المغرضين حاول أن يستغل هذا الموضوع ليشوه موقف الكيان.
    ومهما كان الذي حدث لهم فإنهم رجال أدوا للكيان وللوطن خدمة جليلة فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
    ولكن الهجرة الماضية لم نكون فيها جيشا بصورة انضباطية، بل كانوا مهاجرين مقاتلين بروح فدائية.
    تجربة جيش الأمة للتحرير هي الأولى في تاريخنا الحديث، والمرجو أن نستفيد من تجربة الماضي ونضمن لجيش الأمة للتحرير إذا سارت الأمور سيرا طبيعيا المستقبل الذي يستحقونه.
    سادسا: التنظيم الجديد يبدأ بإعلان قائمة المكتب السياسي الخمسيني والمطلوب أن يسارع المكتب بعقد اجتماعه الأول فورا ليتولى مسئولياته السياسية وسيتولى مساءلة المجلس القيادي والإشراف على التحضير للمؤتمر العام، وعليه أن يقدم للمؤتمر العام مشروع البرنامج الجديد، ومشروع الدستور واللوائح الجديدة.
    المكتب السياسي الخمسيني سوف يشرع فورا في توسيع عضويته بالكيفية المحددة.
    مكتب الرئيس بالخارج وأعضاؤه هم أعضاء المكتب السياسي بالخارج وقياديون بالخارج سوف يوالي نشاطه مع الرئيس.
    وبما أن 17 من أعضاء المكتب السياسي الخمسيني بالخارج فإن مشاركتهم في مداولات المكتب السياسي سوف تتم عن طريق الرئيس ومكتب الرئيس. هذا وسيكون النصاب القانوني للمكتب السياسي بالداخل 27 عضوا.
    وعلى المجلس القيادي أن يجتمع فورا بعد اجتماع المكتب السياسي ويقوم بوضع لوائحه.
    بعد قرارات اجتماع القاهرة المشترك المنتهي 4 أغسطس تعتبر كل الأجهزة الاستثنائية محلولة لتقوم مقامها الأجهزة التي حددها الهيكل الجديد.
    من المؤسسات التي كونها الهيكل الجديد هيئة الرقابة برئاسة مساعد الرئيس لشئون الضبط والمتابعة السيد صلاح عبد السلام وخمسة أعضاء، واجب هذه الهيئة: مراقبة الأداء لمنع التجاوزات الفكرية والسياسية والتنظيمية وصلاحياتهم لفت النظر، والمساءلة، والتوبيخ، والتوصية بالعزل.
    مكتب الرئيس بالداخل يربط مؤسسة الرئاسة. والمكتب التنفيذي يربط العمل التنفيذي، والمجلس القيادي يربط كل أنشطة الحزب. وهيئة الرقابة تتصدى لأية تجاوزات لاحتوائها.
    سوف تصدر لائحة تنظيمية عامة لضبط وربط كافة أجهزة الحزب وسوف توجب اللائحة أداء قسم للالتزام بمبادئ الحزب وأسس الشرعية الانتقالية فيه.
    سابعا: على المكتب السياسي أن يبحث بالسرعة المطلوبة موضوع مؤتمر الحزب العام ويوجه الهيكل الجديد حسب الاختصاص للقيام بالتحضير للمؤتمر العام ليعقد في الموعد المحدد 26/1/2000م.
    ختاما كما ترون فإن ما أقدمنا عليه من إجراءات ليست عفوية ولا فردية ولكنها مرت عبر ورشات عمل فكرية، واجتماعات لأجهزة الداخل، واجتماعات لأجهزة الخارج، واجتماعين مشتركين بين الداخل والخارج. وشارك فيها من الأفراد والقادة ما يمكن بحق أن يعتبر ممثلا لكل التنوع الموجود داخل حزبنا. هذا القدر من المشاركة والتداول لا يوجد في بلادنا الآن ولا في منطقتنا.. إنه الأوسع والأكثر شفافية.
    لذلك أوجه نداء واضحا لكافة جماهير حزبنا الوفية الواعية القوية قفل باب الجدل والالتفاف حول الهيكل الجديد والشرعية التي يمثلها والعمل الجاد لعقد مؤتمر الحزب العام.
    المؤتمر العام هو الذي سوف يخاطب المستجدات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو الذي سوف يجسد تطلعات بلادنا للإصلاح والتجديد، وسوف يؤهل حزبنا لقيادة العمل السياسي في مطلع القرن الجديد. هلموا إلى العمل الحزبي الجاد والعمل الوطني المسئول وهما في جوهرهما وجهان لعملة واحدة. وعلى الله قصد السبيل.- (انتهى المنشور السياسي لمرحلة التحول.)
    العودة- تفلحون نوفمبر 2000م
    بعد شهور ثلاثة من تلك الاجتماعات التاريخية عاد رئيس الحزب لداخل البلاد، وكانت المشاورات قد استكلمت لبناء التنظيم المرحلي، وتم انتخاب العضوية وتصعيدها للمكتب السياسي من الكليات المعنية، بعد أن تم التوسع في المكتب السياسي في الكليات المعنية، وفي مراعاة الاتزان في تكوينه، فبلغ أعضاؤه 107.
    وكان من المتوقع أن يطور اتفاق (نداء الوطن) بشكل يسمح لأعضاء جيش الأمة الذوبان في الجيش السوداني.
    وكان من المتوقع للحزب أن يعقد مؤتمره العام بتاريخ 26 يناير 2001م (لم يكن ذلك التاريخ منزلا كالوحي بل ورد في توصيات أغسطس كتاريخ مبدئي).
    وكان من المتوقع للحزب أن يعود بسياراته وممتلكاته من إرتريا ولكن الحكومة الإرترية التي لم تكن راضية عن العودة حجزت سيارات الحزب بما قيمته 2.5 مليون دولار.
    وكان من المتوقع للحزب بعد توقيع نداء الوطن أن تعيد له الحكومة ممتلكاته المصادرة بما قيمته 4.5 مليون دولار. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. فقد أعادت الحكومة جزءا أقل من ربع قيمة المصادرات. بل لقد لعبت جماعة سوبا دورا كبيرا في ذلك، فقد زينت للحكومة أن الحزب ضعيف لا داعي لتقويته بتلك الأموال كوسيلة للضغط عليه حتى يرضى بالمشاركة التي يرفضها بعض قيادييه تعنتا وعدم واقعية حسب رأيهم.
    لا يوجد ثبات لا يقبل المناقشة في مسائل المعاملات حيث ينفتح باب مراعاة المستجدات. والمستجدات بعد العودة أن مالية الحزب المتوقعة لم يتحصل عليها والمالية ضرورة لقيام المؤتمر. فهل الضرر الأكبر في تأجيل المؤتمر حتى يتم تدبير تمويل المؤتمر (وقد حدد موعده الجديد وبدأت تباشيره والسايقة واصلة)، أم الضرر الأكبر في حل الأجهزة التي بذل في تكوينها كل ذلك الجهد الفكري والتشاوري والتجميعي، لصالح أجهزة قائمة على انتقاءات فردية وقراءات إقصائية (كما نظرت المذكرة الأربعينية) أو أجهزة "مكلفتة" دعي لها بانتقائية وروعي فيها السرية، وخرجت عن رأي الجماعة وانتهكت الشرعية (كما فعل تجمع سوبا)؟.. ورد في المنشور التنظيمي الذي صدر في أوائل يوليو 2002م: " هذا التكوين مرحلي اتفق على استمراره إلى حين انعقاد المؤتمر العام في 26 يناير 2001م ومعلوم ضمنا أنه إذا لم يعقد المؤتمر في ذلك التاريخ فإن التنظيم سوف يستمر لأن البديل لذلك هو خلق فراغ تنظيمي والقاعدة الذهبية دائما: ارتكاب أخف الضررين."
    خلاصة:
    هذه هي قصة التنظيم في حزب الأمة، والتي رصدنا الحوار الذي دار حولها والجهد ومحاولات تجميع الرأي. إن اجتماعات أغسطس 2000 التي يهزأ بها الانسلاخيون ولم يكونوا يرغبون في حضورها كانت قفزة من قفزات الكدح الحزبي نحو التنظيم المرحلي، والتنظيم المرحلي هو الهيكل المرتجى منه التحضير للمؤتمر العام (قمة ذلك الكدح التنظيمي الحثيث) . وكعادة جماعة سوبا فيما يتعلق بالأرقام فهي تتضاعف إذا كانت في مصلحتهم وتتلاشى إذا لم تكن، فقد تحول عدد القياديين المشاركين فيها من 17 إلى 14. ومهما يكن، فإن أهمية تلك الاجتماعات لم تكن بعدد القيادات التي شاركت فيها، بل في كونها آلية شورية لحسم الخلاف بين القيادات واختلاف التفسيرات داخل الحزب، حتى يستطيع الوصول لمؤتمره العام. ولقد تعرضنا في الفصل الأول من هذا الكتاب للخلافات التي أثارتها جماعة سوبا حول التنظيمات، وإلى تكوين لجنة تقييم وضبط الأداء وتقريرها ومناقشته داخل الأجهزة القيادية للحزب. وتعرضنا أيضا للقرار 122 الذي أصدره المكتب السياسي ومحتواه التنظيمي، وتحديده لتاريخ 26 يناير 2003 كموعد لعقد المؤتمر العام للحزب.
    لقد كثر انتقاد ثلة المشاركة الانخراطية للتنظيم المرحلي، وإشاعة الأكاذيب حول جوهر ذلك التنظيم. فقد رموه بالتعيين مع أنه كان بالتصعيد والانتخاب ثم التراضي وكلها آليات ديمقراطية شورية، وقللوا من عدد القيادات المجتمعين كما ذكرنا، ومن وزن الآراء المشاركة فيه فالتنظيم المرحلي هو نتاج أعمال لجان ومراسلات مطولة وورش عمل وسلسلة اجتماعات تاريخية –كما بينا. ومهما قيل عن انتهاء الفترة المحددة لهذا التنظيم، فإنه لا يمكن الانقلاب عليه في الوقت الذي تحدد فيه التاريخ الجديد للمؤتمر العام –26 يناير 2003م- بل وبعد أن بدأت الولايات تقدم برامجها لإجراء مؤتمراتها القاعدية بتمويل ذاتي، وكان فاتحة ذلك عمليا قيام المؤتمر القاعدي بمحلية "الحوش"، ولاية الجزيرة بتاريخ 9 يونيو 2002م، ثم محلية المناقل في يوليو 2002م. ورب ضارة نافعة، فما قامت به جماعة سوبا قد استنفر جماهير الحزب بصورة لا توصف. وكان نتاج هذا الاستنفار أن مشكلة تمويل المؤتمر العام قد حلت، بالتبرعات، والالتزامات بالتمويل الذاتي.
    المؤتمر العام المزمع في 26 يناير 2003م:
    كانت رئاسة لجنة إعداد تصور المؤتمر العام ومقرريتها بيد جماعة سوبا كما ذكرنا- فأحاديثهم عن المؤتمر لا يمكن أخذها على وجه برئ من قصد إبطاء السير فيه لصالح تجمعاتهم الخاصة. أما ما قاله السيد مبارك المهدي في برنامج في الواجهة بتاريخ 29 يوليو فلا يمكن أخذه إلا على محمل الافتراء، قال: "إذا كان عايز مؤتمر عام كان يقول لينا كنا مولناه له".. فهل لم يكن يحضر الاجتماعات؟ أو لم يكن له علم بخطة المؤتمر؟ ألم تسرب جماعته للصحف أوراق تحدثت عن تمويل الحزب وتمويل المؤتمر وقد كانت سرية؟.. ولنترك ذلك جانبا، المهم الآن أن الخطي قد تسارعت بعد أن خلصت تلك الجماعة الحزب من تعويقاتها، وصدر في 23 يوليو 2002م المنشور التنظيمي للمؤتمر العام للحزب المزمع في 26 يناير 2003م. أهم سمات خطة المؤتمر العام هي:
    يعقد المؤتمر العام السادس للحزب تحت راية (السلام-الديمقراطية-التنمية). أجازت أجهزة الحزب تصور لجنة المؤتمر العام وكونت لجنة عليا للمؤتمر العام للحزب على أن يعقد في أو قبل 26 يناير 2003م. وأقرت المنشور التنظيمي الأساسي والمنشورات رقم 2 و3 للتنظيم. وجاء في المنشور التنظيمي من ملامح المؤتمر الآتي:
    • لقد اعتمدت اللجنة العليا للمؤتمر العام علي قرارات أجهزة الحزب في تحديد عضوية المؤتمر العام، والتي تحتوي على: أعضاء -أجهزة الحزب المركزية لفترة الشرعية الدستورية(1986)- أعضاء أجهزة الحزب الإنتقالية الحالية- أعضاء المكتب التنفيذي لهيئة شئون الأنصار- ممثلي المحليات، علي أن يتم التصعيد وفق ثقل الحزب وتمثيل المرأة 20%، والشباب 10%، والفئات 5%- ممثلي الطلاب ما يعادل 5% من جملة المصعدين (100) شخص ثم ممثلي سودان المهجر ما يعادل 5% من جملة المصعدين (100) شخص.
    • تقوم لجان الحزب التمهيدية المعتمدة في كافة المحليات بالإشراف علي مؤتمرات القواعد (أحياء، قرى، وفرقان). وفق أسس مبينة في المنشور، وتقوم إجراءات ومهام المؤتمرات القاعدية علي اعتماد العضوية، الانتخاب، التأكد من سداد الرسوم، والتصعيد.. ثم رفع مقترحات اللجان وتقديم تقارير بسير عمليات التصعيد والانتخاب.
    • تعقد المحليات وفق أسس وإجراءات تشمل التصعيد وفق كثافة العضوية المسجلة بمعدل شخص لكل 25 عضو، ترفع اللجنة التمهيدية المشرفة على مؤتمر المحلية تقريرا وافيا حدد المنشور محتوياته. كما حدد المنشور آلية اختيار سكرتارية مؤتمر المحلية، ومهام المؤتمر، والحد الأدنى للتمثيل في المؤتمر العام.
    • يتم عقد ورشات عمل متخصصة وبرامجية في مجالات: السيادة والتأصيل- التنمية والاقتصاد- الخدمات- الأمن والدفاع- الخدمة المدنية- نظام الحكم- الرياضة والأدب والفنون- الشئون الاجتماعية- العلاقات الخارجية. هذا وقد ابتدأت هذه الورشات بورشة الأمن والدفاع التي عقدت بالمركز العام للحزب في أغسطس 2002م، ووضعت الخطة لبرمجة عقد البقية.
    • يتم عقد ورشات عمل تأسيسية وهيكلية مهمتها وضع هيكل جديد للحزب يستوعب المهام الجديدة للحزب تطويرا للحزب كآلة تنمية وآلة للخدمات الاجتماعية ومدرسة فكرية بالإضافة للمهام الحزبية المعروفة. وذلك علي النحو التالي: التنظيم- الشباب- الطلاب - تنمية المرأة- الفئات- وسودان المهجر.
    • تقوم مؤتمرات قطاعية لفئات الحزب المختلفة بغرض تنظيم وتحديد برامجها وتكملة تمثيلها في المؤتمر العام. والفعاليات هي: التنظيم- المرأة- الشباب- الطلاب- الفئات المهنية- سودان المهجر.
    والآن
    هذه هي رواية سوبا لمؤتمرها الاستثنائي: تنادى تجمع سوبا سرا في أسبوعين، ولم تكن أعداد الدعوة منضبطة بنسب مدروسة للتمثيل بل محددة (بمواعين الضيافة في البلاد)، ولأن مواعين الضيافة لغة تخضع لتطايب النفوس فقد أتى العدد ضعف الدعوة، وبرغم ذلك استوعبت المواعين!. لقد عملت جماعة سوبا بكفاءة عالية في أسبوعين للدعوة السرية ولطبع الأوراق (منها ورقة قدمت قبل عام) فقد كتب كل من القادة السبعة ورقة لم تكن نتاج ورشة عمل ولا أي تشاور مسبق، ولم يتح للمؤتمرين نقاش كل الأوراق. وقد حل تجمع سوبا أجهزة حزب الأمة ولكيلا يحدث (انقلاب ثاني) وضع هيكلا متعجلا محل تلك الأجهزة..
    وهذا هو تصور الحزب لمؤتمره العام: حصر وتسجيل العضوية- مؤتمرات قاعدية- مؤتمرات قطاعية – ورش عمل متخصصة وبرامجية- ورش عمل تأسيسية وهيكلية- لجان سكرتارية- منشورات تنظيمية.. مثل هذا البرنامج لا يمكن التنادي له في أسبوعين وما ينبغي له..
    … وبضدها تتبين الأشياء!.
                  

العنوان الكاتب Date
حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:17 PM
  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:19 PM
    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:21 PM
      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:22 PM
        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:24 PM
          Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:26 PM
            Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:30 PM
              Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:32 PM
                Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:34 PM
                  Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:37 PM
                    Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-27-12, 08:41 PM
                      Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي عمر عبد الله فضل المولى08-28-12, 07:19 AM
                        Re: حتى لا ننسى.. الاختــراق والانســلاخ في حــزب الأمــة القـــومي ahmed haneen08-28-12, 08:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de