اراء وكتابات مهمة عن القضية السودانية ...مقالات مختارة ..ادخل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-31-2024, 00:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-13-2012, 05:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اراء وكتابات (Re: الكيك)

    المستقبل..من الدولة الفاشلة إلي الدولة المنهارة(3)
    September 13, 2012
    من أين يبدأ المستقبل؟

    لا يوجد في الأفق البعيد شيء معلق نسعي للوصول إليه،يسمي المستقبل.ولم تعد نظرية الخط الصاعد للتاريخ والتطور سارية ومتماسكة.كما يخبرنا الزمن عن السقوط والإنهيار المدوي لإمبراطوريات ودول في قوة :الرومانية،الفارسية،اليونانية، ولا ننسي الأندلس ،وحتي الاتحاد السوفيتي العظيم!كلها لم تنجيها عظمتها من السقوط.لذلك،نتساءل:هل أعددنا كسودانيين-عموما-للمستقبل عدته؟وهل شرعنا في وضع الأسس التي سوف نشيد عليها المستقبل؟وهذه الأسس هي:العلم،التكنولوجيا،الاقتصاد والإنتاج،العقلانية،والحرية.يبدأ المستقبل:هنا والآن،فالواقع-الحاضر هي الذي يشكل المستقبل.لذلك،لابد لنا من التخلي عن التفاؤل الساذج،رغم تدهور الواقع المستمر،والذي نقفز عليه خشية أن نصاب بالإحباط.وهنا يحضرني توصيف دقيق،فالمثقف – حسب موريس بار – هو ذلك الفرد الذي يقنع نفسه بأن المجتمع يجب أن يقوم وفقا لمنطقه وارادته هو،والذي يجهل أن المجتمع هو قائم فعلا وواقعا علي ضرورات داخلية قد تكون لا علاقة لها مطلقا بارادة العقل الفردي.وهذا ما يسمي الإرادوية،فالمثقف بهذا المعني هو ضحية وهم منطقه الذي يطل مجرد يوتوبيا/طوبائي.ذلك،يبقي أسير الشعاراتية الخالية من تعقيدات التفكير والتأمل.

    دولة بلا مستقبل؟

    يقوم شرط بناء المستقبل علي وجود قوى سياسية وأجتماعية فعّالة قادرة علي القيام بعملية البناء المستقبل.ولكن السودان عاني من استنزاف الرأسمال البشري خلال السنوات ال23 الماضية.وكان الفقد عظيما:من أخذهم الموت الحق أو الموت الخفي.فقد كانت الهجرة ثم الإنسحاب الي غيبوبة عقلية أو تجنب العمل بسبب عواقبه الوخيمة.وقد غادرت دنيانا شخصيات كثيرة.ولأننا نفتقد الاحصائيات الدقيقة،تسقط أعداد كبيرة من الذاكرة والحساب.ولا اظن أن من يموتون في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ،يوميا أقل من قتلي حلب والبوكمال.ولكنها حروب منسية وضحاياها هامشيون.وللموت في السودان جنود من فشل كلوي وملاريا،وتايفوئيد، وسرطانات مجهولة،ووفيات أطفال وامهات في الوضوع.ومن ناحية أخرى،تعطيل لملايين الشباب ليس فقط بين الخريجين بل عدم الاستقرار والحرب،وتوقف المشروعات الزراعية والإنتاحية عموما.

    يبدأ أي مستقبل من وجود نظام سياسي يقيم دولة ديمقراطية حديثة ومنتجة.لذلك،لابد من التغيير السياسي بالتحول من دولة الحزب الواحد إلي النظام التعددي.وهنا المعضلة :كيف يمكن إسقاط القائم بأقل خسائر بشرية وفي أسرع وقت ممكن.لأن أي تأجيل في رحيل النظام يعني اكثر من الكارثة لأن النظام –باعتراف قياداته- استنفذ صلاحية بقائه.فالنظام انتقل من مرحلة الدولة الفاشلة بعد أن فرّط في وحدة ترابه الوطني،إلي مرحلة الدولة المنهارة.ومن أهم ملامح الإنهيار،ما يلي:-

    1:- التفكك السياسي إذ لم تعد هناك جهة مركزية لاتخاذ القرار السياسي كما هو الحال في أي دولة طبيعية.فقد أصبح النظام الواحد يتحدث بألسنة متعددة في القضية الواحدة.وهذا ينفي،والآخر يؤكد،والثالث يقول بأن الاثنين غير مفوضين بالحديث.وقد يفصل الوزير شخصا ثم يعيده الرئيس بعد ساعات.ويقرر وزير التجارة فتح باب استيراد السيارات المستعملة،ليقوم الرئيس بالعائه خلال6ساعات.الآن هناك عدد من الحكومات تحت سقف واحد.والمسألة وجود حمائم وصقور-كما هو الحال في كل العالم- ولكن كلها ضباع ضاع منها الطريق.وهذا نظام غريب،يضع استراتيجية ربع قرنية ويلغي قرارته في ربع يوم فقط-6ساعات.أما حكومات الأقاليم فليست لها علاقة بالمركز.ويحق للوالي ان يقول:ذاهب للسودان عندما ينوي زيارة الخرطوم.

    2:- الانهيار الاقتصادي وهذا أمر لم يعد يحتمل المغالطات والاكاذيب التي تعود عليها النظام.فهو لن يستطع اختراع أرقام واحصائيات إسلامية يوظفها سياسيا.عندما بداية الأزمة الإقتصادية العالمية إدعي النظام أنه لم يتأثر بها بسبب استقلالية إقتصاده غير المرتبط بالسوق العالمي والمعونات.ثم عند إنفصال الجنوب،أكد النظام أن هذه الخطوة لن تؤثر عليه.وفي الحالتين لايجد النظام ما يعلق عليه فشله غير هذين العاملين.وكان النظام يظن أن عودة ضخ النفط ستحسن الوضع ولذلك هرول للوصول لاتفاق –طالما رفضه-مع الحركة الشعبية،وقبل حتي بالحريات الأربع رغم ابتزاز الإنفصاليين الشماليين.ولن يتدفق النفط قبل عام،ولكنه لن يحل الأزمة المستعصية.ويري الإقتصاديون أساس الأزمة في البطالة،والدين الداخلي والخارجي ثم زاد التأزم تآكل الرصيد من العملات الأجنبية،وظل التضحم فوق ال40%،ومشكلات القطاع الزراعي مما يضعف التصدير كمصدر للعملات الاجنبية.ويعيش الناس حياة معيشية أقرب للمجاعة.والدعم المتوقع من قطر سوف تجذبه مصر مرسي والأخوان الحقيقيين.

    3:- الإنحلال الخلقي والإنحطاط القيمي: حين قال علي بن أبي طالب:”لو كان الفقر رجلا لقتلته” كان يعرف نتائجه.وبالفعل كما يقول مظفر:لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر فالجوع ابو الكفار.ويستحيل أن تفقر الدولة مواطنيها،ثم تقول:تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.وللقارئ أن يتابع زيادة الاطفال غير الشرعيين وجرائم الشرف،وقضايا الدعارة ،أما الاحتيال والغش والتزوير فحدث ولا حرج.ثم الجريمة المنظمة،والقتل،والاذى الجسيم.

    4:- بوادر الإنقسامات والفوضى التنظيمية:يشهد حزب المؤتمر الوطني حراكا في اتجاه التمرد والإنقسام تؤكده مذكرات ناقدة،وتصريحات خارجة عن الخط الحزبي،وكتب مراجعات وكشف أخطأ.ونتوقع انشقاق الكثيرين،ليس لخلافات مبدئية ولكن بسبب التقشف الذي سيطال امتيازات الكثيرين الذي جاءوا للمؤتمر لأسباب مالية ومصلحية صرفة.ولن يخجلوا من المغادرة مع توقف الامتيازات.

    نحن أمام نظام لا يمتلك أي مقومات للاستمرار،فمن أين أتت مقومات بقائه في السلطة حتي اليوم؟لا يكمن السبب في قواه الذاتية،ولكن في ضعفنا نحن المعارضون له.مع غياب الرؤية،والتشرذم،وعدم الجدية والصدق،والعجز عن التضحية والتفاني في العمل الجماعي؛سيبقي هذا النظام معتمدا علي القمع.ومع غياب التأييد الشعبي،يزداد اعتماده علي الأمنوقراطية فقط.

    البديل التائه

    رأيت في الاحتجاجات الشعبية التي انتظمت ارجاء البلاد في يونيو الماضي،تجسيدا واقعيا لما يسمي السودان الجديد،أو القوى الحديثة،أو لبنة في بناء مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.وكان يمكن أن نري بوضوح غروب شمس القوي التقليدية والذي تسببت فيه –أي الغروب – بنفسها فقد تهيأت لها كل ظروف إسقاط نظام بهذا القدر من الفساد ،والانحلال الاخلاقي والسياسي،والوهن الروحي.ولكنها عجزت عن مقاومته وهزيمته،فاستمر 23 عاما.فقد ساهمت القوى التقليدية في انجاح عملية التسريح السياسي التي اختطها النظام وقصد بها ابعاد الجماهير في الداخل عن النشاط السياسي.فقد توقفت هذه القوى عن تحريك الجماهير والعمل وسطها.ولم تقف عند هذا الفشل،بل كانت تُمني الشعب بوصول جيوشها من الخارج لتخليصهم من الطاغوت.وبعد الاغاني الوطنية:سلم مفاتيح البلد!جاءوا الي السودان في صفقة تعيسة ودخل12 من التجمع الوطني(عدا حزب الامة)البرلمان واعتبرهم النظام شركاء في تمرير قوانين سيئة الذكر ومن بينها،قانون الانتخابات.وعجزت القوى السياسية التقليدية عن تحريك مظاهرة واحدة من ميدان(ابي جنزير)طوال هذه السنين.

    لذلك،رأيت في ذلك الحراك تدشينا لقيادة القوى الحديثة لمرحلة الإنتفاضة الشعبية الراهنة.فقد جاءت المبادرة لهذه الانتفاضة من قبل ائتلافات الشباب المستقلين وشباب الاحزاب المختلفة دون الرجوع للقيادات.ووقع العبء الأكبر علي الطلاب الذين نزلوا مبكرا للشارع،واصروا علي عدم التوقف مهما كانت الاعداد .واستفاد الشباب- مثل غيرهم- من تطور وسائل التواصل والاتصال.واخيرا،خذلت القوى التقليدية الثورة ولم تعطها زخما.وقد استنجدت إحدي المتظاهرات:وا أحزاباه! بل نادت فيهم قيم:يا مقنع الكاشفات!ولكن القيادات التي ندخرها لمثل هذا اليوم سكتت تماما.وتذكرت – بمرارة-قول الهمباتي وأظنه الضرير،يلوم تخاذل رفاقه :

    واحدين في الفريق مكبرين عمامن
    قطعوا الحركة والزول اب عوارض لامُن

    لا يوجد من يقول بأن منظمات المجتمع المدني،أو هذه القوى العفوية من النساء والشباب والطلاب،عي البديل.ورغم تواضع العددية،إلا أن كيفية العمل والدينامية،أعلت من قيمة تلك الإنتفاضة القصيرة العمر.وهذه التجربة تفرض علينا مسؤوليات عظيمة في تجديد أساليب العمل:-

    أولا: التحول من معارضة النظام لمقاومة النظام،وهذا يعني استعمال كل الوسائل السلمية-المدنية أو العنيفة لإنتزاع الحقوق الأولية في المشاركة وتقرير مصير الوطن،وألا ينفرد النظام بذلك،ويكفي اتفاقية السلام2005. ويجب ألا تضيع التضحيات سدى،ومثال ذلك تضحيات ابطال ثورة1924،تضحية عبدالخالق محجوب ورفاقه،وتضحية محمود محمد طه والإخوان الجمهوريين،و ضباط ابريل1990،ومواكب الشهداء الافراد.فقد افتقدت الانتفاضات السودانية،خاصية التواتر والاستمرار،ولا يكفي الاحتفال
    بالذكري.فقد قدم الشباب في يونيو الماضي،تضحيات عظيمة ولكن سرعان ما لفها النسيان.ضرورة البناء عليها واستمرار تراكم التجارب الثورية بلا انقطاع.

    ثانيا:- التغيير الجذري في أساليب العمل الجماهيري: ثقافة وقيما وعلاقات.نحن لا تنقصنا البرامج الجيدة والتحليلات الدقيقة،ولكن نفتقد أخلاق وقيم المقاومين والمناضلين الحقيقيين. فالقوى الحديثة تسلك طرقا تقليدية ممعنة في الرجعية حين تننقل من الكلام إلي الممارسة.ويتحول أهل الحداثة والتقدم إلي ممثلين بأداء سيء ومتهافت بسبب إنعدام الصدق فنحن لا نعبرعن مشاعرنا الحقيقة تجاه بعضنا وفي نفس الوقت لا نملك شجاعة الصراحة والمواجهة في علاقاتنا،وتحل محلها القطيعة والنميمة “وأكل لحم أخيك حيا”.نحن لا نحب ولا نحترم بعضنا.واعتبرنا النفاق(نسميه الأدب والمجاملة) من مظاهر الحداثة،ويسنده التآمر والسرية ثم الاستلطاف والشللية.ولذلك فشلت كل التجارب السابقة،وسوف تفشل القادمة لو سلكنا نفس الدرب.وهذا يعني أن أي عمل مستقبلي لابد أن يبدأ من النقد والنقد الذاتي – الدواء المر لدي النخب.

    ثالثا: نحتاج الي لغة جديدة وبالتأكيد خلفها أفكار جديدة.لابد من التخلص من اللغة الخشبية،ومفردات مثل: جبهة،تحالف،تجمع، ائتلاف،القوى…،ندين،نشجب،ميثاق،أجندة وطنية،مؤتمر شامل…الخ.هذه المفاهيم صارت خاوية بلا مضامين لأنها لم تُحول الي واقع.وفي احيان كثيرة نتمسك بلغة وأساليب عمل مرحلة معينة رغم ان التاريخ تجاوزها.فقد كانت صالحة حتي عام 2000ولكن منذ ذلك الحين كان علينا ابتكار لغة ثم وسائل جديدة،ولكننا نجتر القديم.وعلي التنظيمات الجديدة عدم القفز علي اسباب الفشل السابقة.

    رابعا: لابد من تجديد وإصلاح بل بعث الأحزاب الحالية؛وهذا لا يعني رفض قيام أحزاب جديدة.ولكن الحياة السياسية – قديمها وحديثها- قامت وتقوم علي أسس خاطئة بسبب الجفوة بين الفكر والتنظير من ناحية والسياسية والحزبية من ناحية أخري.لابد من فكرنة السياسية،وهذا هدف تواجهه عقبة كؤود،هي الارتهان للطائفية.

    خامسا:- المجتمع المدني والذي كان يفترض أن يكون دافع للتحديث والتعبئة والحراك الجماهيري،نقل امراض الحزبية التقليدية.ومن أبرزها ظاهرة الانشقاق والتشرذم، وخلف كل ذلك عوامل ذاتية وشخصية وليست خلافات موضوعية.كما أنه بسبب سودانيته يرفض ايضا النقد والنقد الذاتي.لذلك،سكت عن السلبيات مما جعل البعض يتجرأ ويعمم،متهما كل المجتمع المدني بالعمالة والناشطون صامتون.صحيح قد لا ينفذ البعض المشروعات والمقترحات الممولة.وفي هذا تقصير وفساد ولكن ليس عمالة؛لأن العمالة هي الإضرار بالمصالح الوطنية مثل الدعوة لتقسيمه مثلما يفعل الطيب مصطفي وعصبته.
    سادسا:ضرورة المقاومة الدؤوبة والمثابرة التي لا تسمح للنظام بالراحة وان يكون دائما في حالة دفاع عن النفس.وفي بالي موضوع الفساد،وتحدثت كثيرا مع المحامين الديمقراطيين حول تبني رفع قضايا تستند فقط علي تقارير المراجع العام. كذلك،الوقفات الاحتجاجية بسبب القضايا الفئوية وهي كثيرة ومتجددة.

    ********

    ليست من مقاصد هذا المقال تقديم توصيات أو نصائح،ولكنه يهدف الي تحريك الساكن والتفكير في اتجاه آخر.فالنظام آيل للسقوط سريعا وفي هذه الحالة سوف يسقط علي رؤوسهم ورؤوسنا معا.سيكون الإنهيار ذاتيا إن لم تبادر المقاومة في تسريع سقوطه،وأن يكون البديل جاهزا،شرط ألا يكون بدلا عن العمل اليومي مع الحماهير.فالفصائل التي تعارض في الداخل مشغولة بالبيانات والمواثيق والاجندة الوطنية والدستور علي حساب تعبئة الجماهير.وحتي الليالي السياسية والتجمعات لشرح هذا الكلام الكثير الكبير ليس من بين غايات عملها السياسي،فهي غائبة في نشاطهم.

    هذه دعوة للتحول من المعارضة للمقاومة والشروع في بناء حركة اجتماعية شاملة لا تقوم علي تحالفات وائتلافات حزبية وتنظيمية وهمية،وأقرب الي تحالفات “حكومة البرنامج الوطني”التي يقودها المؤتمر الوطني.فهناك أحزاب هي مجرد لافتات وزعماء ولا تبلغ عضويتها المائتين في اقصي تقدير.لذلك،الأكرم لهم ان يأتوا للحركة الإجتماعية فرادي.وهذا الأمر ينطبق علي مجموعات الشجب والادانة المتناسلة،فهي تكرر حديثا سمعه النظام منذ عام1990 وتعبت منظمات الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان من الاحتجاج والإدانة وإرسال الممراقبين.والنظام لا يعير كل ذلك اهتماما لأن فكره وبرنامجه يقومان علي انتهاكات حقوق الإنسان لأنها- في نظره- الوسائل الناجعة للقمع والتخويف – أداة تمكين لن يتركها بسبب الإدانات التي ما قتلت ذبابة.
    لابد من وسائل جديدة وعلاقات جديدة بيننا نحن – أولا- كمعارضين أو مقاومين محتملين:قبول بعضنا وألا نبخس الناس اشياءها ،خاصة إذ كنا معا في نفس الخندق.



    ------------------



    فائز الشيخ السليك


    الطريق إلى التغيير ( 3) ..

    انكسار الرافعة وتزيف الطبقة الوسطى وهجرة العقول


    September 13, 2012


    [email protected]
    كنت أُلاحظ قبل انتفاضة 16 يونيو 2011 في معظم حواراتي المباشرة، والشخصية مع عدد من الشباب الحالمين بالتغيير؛ من الذين يتواصلون معي عبر مواقع التواصل الإجتماعي ” الفيس بوك” سيادة روح الإحباط وسط هؤلاء الشباب، وأحُّس بأنّ بعضهم مصاب بالعجز التام، واليأس، والشلل ، وهو أمرٌ يعكس ما وصلنا إليه من حالة من الاستسلام والامبالاة بسبب القهر والتسلط الأسلاموي لقرابة ربع قرن من الزمان، ولعجز المعارضة المنظمة في اشعال شعلة ضوء، ولو في آخر النفق، ولكن حالما تنقشع ظلمة ” الإحباط” مع اندلاع مظاهرة صغيرة، أو حتى معزولة، فحين تندلع “مظاهرات” في الخرطوم مثلاً، يتمنى كثيرون منا سقوط الحكومة في هبة واحدة، فيسارع الكثيرون، لكن نفس هؤلاء قد لا يشاركون هم بأنفسهم في “مثل هذا النشاط”، فهم يريدون من آخرين صنع انجاز اسقاط النظام نيابةً عنهم، في وقت لا يتوانون فيه عن تحذير أقاربهم من المشاركة في مثل هذه الأعمال، ويشددون عليهم بضرورة “المشي جنب الحيط”،فقد لازمت الشعوب السودانية؛ لا سيما في المركز حالةً صعبةً من الاستسلام، بسبب غياب ثقافة التضحية، وايثار الغير، على الذات، والخاص على العام، والجهة على الوطن، والقبيلة على الشعب، وهي مرحلة يمكننا وصفها من غير ما تردد بانها مرحلة ” الانحطاط العام”


    وليس غريباً؛ فالسودان في ظل حكم الإنقاذ، وزواج الإسلامويين مع العسكرتاريا بلغ أعلى مراحل انحطاطه،” وخلال هذه المرحلة التي تمتد فترات طويلة نسبياً ، يشعر الفرد بصعوبة التغيير، وعدم جدوى ضياع الوقت في مقاومة السلطة الباطشة، و يرى الدكتور مصطفى حجازي في كتابه ” سيكلوجية الإنسان المقهور أن زمن الرضوخ والاستكانة “يشكل الفترة المظلمة من تاريخ المجتمع، عصر الإنحطاط، وتكون قوى التسلط الداخلي والخارجي في أوج سطوتها، وحالة الرضوخ في أشد درجاتها .. عملية انهيار قيمة الانسان المقهور وطغيان أنوية المتسلط تأخذ أبرز أشكالها وضوحاً وصراحةً، وتكون الجماهير في حالة قصور واضح في درجة التعبئة التي تؤهلها للرد والمقاومة ، فيبدو وكأن الاستكانة والمهانة هي الطبيعة الأزلية لهذه الجماهير، وهذا ما تحاول قوى التسلط على كال حال غرسه في نفسيتها، في حملة تيئسية منظمة تقطع السبل أمام أي انتفاضة أو أمل في انتفاضة ، سكون الموت المخيم لا يقطعه سوى فقاعات تمرد فردي، لا تلبث أن تغيب، مخلفة وراءها مزيداً من القناعة في استحالة الخلاص من خلال المجابهة، نظراً لما تقبل به من ردود فعل عنيفة ، تأخذ شكل البطش الذي تمارسه الفئة المتسلطة “.



    إلا ان مرحلة الرضوخ لا محالة سوف تنتهي، وستعقبها مرحلة التململ، ومن ثم التمرد، وقد مثلت ” هبة يونيو / يوليو هذه المرحلة، بعد أن انكسر حاجز الخوف، وبات في الأفق بصيص أمل في التحرك، واتضح لنا أن ” النظام لا يعدو ان يكون سوى نمر من ورق”، وهنا يأتي دور ” المثقفين العضويين”، والقوى المنظمة، والطاقات الشبابية، وهي التي تستمر في المقاومة، وتعمل على تنظيم الجماهير، وحشدها وتعبئتها، دونما كلل أو ملل، وكنت قد طرحت في الحلقة الثانية من حلقات مقال ” الطريق إلى التغيير” بعض التساؤلات حول انعدام ” رافعة التغيير” في السودان، أي الطبقة الوسطى، والتي شهدت أبشع المجازر خلال سنوات الأنقاذ، والتي جاءت في سياق سياسة كاملة يمكن أن نسميها بسياسات فصل الذاكرة، هي تفريغها من تاريخها، وإرثها الحضاري، عبر استهداف التاريخ ورموزه، والاعتداء المنظم والممنهج على المتاحف والتماثيل، واللغات ، والأسماء، والأحداث، وسياسات الإبادة الجماعية، والترحيل القسري، والاحلال والأبدال بهدف تغيير ” ديموغرافيا” المنطقة المعنية.


    أما سياسات كسر رافعة التغيير، فهي مرتبطة بذاكرة الحاضر والمستقبل، وهي عملية تجريف متعمد للبلاد، وافراغها من عناصر الطبقة الوسطى، والمتعلمين ، والمثقفين، والعاملين في أجهزة الخدمة المدنية والعسكرية، بغرض افراغ البلاد من كفاءاتها العلمية والوطنية، والغاء دور الطبقة الوسطى ، وما تحمله من جذور وطنية، وجذوة تتقد من حينٍ إلى آخر، تهفو للحرية والديمقراطية، فاستخدم البدويون الجدد معاول الهدم، عبر سياسة “الفصل للصالح العام”، و” التمكين” فقامت بعمليات إبدال وإحلال أفقدت البلاد ما تبقى فيها من عقلٍ يفكر، أو على أقل تقدير ، يستطيع إدارة المؤسسات البروقراطية، بكفاءة أفضل من كفاءة القادمين الجدد من أهل الولاء، لا أهل الكفاءة، وبشهادات ” الجهاد” لا شهادات علمية، كل في مجاله، وقد شهدت بداية التسعينات مهزلة إدارية لم يشهد لها السودان مثيلاً، خلال معايانات التقديم للوظائف الحكومية، وشروط التوظيف، وطريقة معاينات الاختيار للوظائف في المؤسسات الحكومية.



    وهي سياسة جاءت متناسقة مع رغبة الإسلامويين في اختطاف الدولة كلها، والسيطرة على مقاليد السلطة، وتم ذلك عبر عملية “إحلال وأبدال”، بفصل العناصر غير الأسلامية، وحل محلها بكودار موالية للنظام، وهو بذلك يحقق غرضين؛ إرضاء الكوادر ، وضمان استمرار الولاء، من جهة، والتحسب لأي محاولات عصيان مدني أو اضراب سياسي في المستقبل تقوم به هذه الشرائح، وفي الذهن تجربتي أبريل 1985، وأكتوبر 1964.


    وهنا يشير الأستاذ المحبوب عبد السلام في سفره ” الحركة الإسلامية.. دائرة الضوء.. خيوط الظلام” قائلاً ” لأول عهد الثورة، ومع تصاعد شهية المعارضة التي استفاقت تماماً على طبيعة التغيير لإسقاط النظام، نشطت حملة لتصفية الخدمة المدنية من العناصر المناوئة ، وافت رغبة حقيقية من المنظرين لدولة الإنقاذ الوليدة في تحجيم جهاز الدولة الذي بدى مترهلاً يستهلك أضعاف مما ينتج، لكن مهما تكن الجدوى الاقتصادية بتخفيض العمالة يومئذٍ فإن فصل الآلاف كان يحتاج في اقراره وإنفاذه إلى درس معمق لتأمين خطوات الإنتقال التي تبدو ضرورة في بعض الحالات ، إلا أن اشتباك الرغبتين، أدى إلى ما يشبه ” المجزرة العشوائية” في الخدمة المدنية، فكثير من الأسماء أودعت القوائم بدوافع لا علاقة لها بالعمل ، أو بتأمين الثورة، لكن بغضب بعض عناصر الحركة الإسلامية في الخدمة المدنية، أو خوفهم من بعض العاملين، أو لهم عليهم تحفظ حزبي، أو موجدة شخصية ، فجاءت القوائم مفتوحةً بلا تمحيص، وتسلقت جماعة الوصوليين يستغلون سذاجة الثورة بحسهم النفعي، وسلوكهم الانتهازي، يصفون حساباتهم، بالتأثير على عناصر الحركة، وأجهزة المعلومات إنما تستقي معلوماتها من عناصرها في التنظيم، وهكذا انتظمت الحملة في كل أجهزة الدولة تحت اسم الصالح العام ” ، وتُقدر الأرقام عدد المفصولين مع بداية الهجمة الهمجية على الخدمة العامة بحوالي 200″ ألف من العاملين بالدولة لوظائفهم تحت مسمى ” الصالح العام؛ وهو يتوزع ما بين “انهاء الخدمة، وانتهاء مهام الوظيفة في سياق إعادة هيكلة المؤسسات، وبيعها للمقربين من الإسلامويين في الداخل، أومن المهاجرين إلى ” الدولة الإسلامية من عناصر الحركات الإسلامية، بما في ذلك جماعات القاعدة، فكان ذلك يمثل أكبر مجزرة في تاريخ السودان، فذهب مئات الآلاف ؛هكذا إلى بيوتهم لأن الدولة استغنت عنهم ، وقد كان ثمن هذه المجزرة التاريخية، هو النزيف المتواصل لهجرة الكفاءات، واختصار التوظيف في وظائف الشعب بشهادة الولاء، وليس غريباً أن يكون شرط من يتقدم لوظيفة ” مهندس” مثلاً؛ هي حفظه لآيات من القرآن الكريم، لا درجاته العلمية، أو خبراته هي المؤهل، أو أن يكون شرط الطبيب للعمل في مستشفى هو معرفته بفقه الحيض والنفاس، لا معرفته بعلوم التوليد ، أو الجراحة، أو الطفولة، وأن يعرف الصحافي المتقدم للعمل في التلفزيون فرائض الوضوء، دون أن يعرف فن كتابة الخبر، أو مدارس الأخراج التلفزيوني.



    إن حملة تصفية الخدمة المدنية، وتجريف الطبقة الوسطى منها، لم تنته مع انتهاء الأيام الأولى بغرض التأمين، لكنها استمرت، فشملت موظفين كبار في الخارجية، وأساتذة مرموقين بالجامعات، والمدارس، و كفاءات في المصانع، والشركات الحكومية، والمصارف والبنوك، واتسعت الدائرة ، وشملت القوات النظامية، في سياق أسلمة الدولة، وأجهزتها،، وفكرة التمكين، فكرةٌ شمولية، واقصائية، تكشف طبيعة العقل الذي أنتج هذه الفكرة، وهو ما تجلى لاحقاً، في الأزمات المتلاحقة، والكوارث المتتالية التي عصفت بكيان الدولة السودانية ، الهش أصلاً, وليس هناك من شيئ ، أسوأ من انتشار الكذب بدلاً عن الشفافية، وانتصار الخرافة على العلم، وسطوة العاطفة على العقل، وتمثَّل ذلك في انتشار ظاهرة اطلاق اللَّحي بين ضباط الجيش والشرطة، بهدف تملُّق الحُكام، وإظهار الولاء لهم ، والتقرب منهم، وبدا الأمر لبعضهم أهم من الاهتمام بفنون القتال، أو حماية الوطن، وهي ظاهرة عمت كل القطاعات، وشملت كل أنحاء الحياة في النصف الأول من تسعينبات القرن العشرين، فكان الاهتمام ببناء المساجد وأوقات الصلوات أهم بكثير من الاهتمام بتقديم الخدمات للمواطنين، فصار من العسير أن تُقضى حاجةٌ لمواطن مهما كانت خطورة الأمر، إذا ما جاء المواطن المغلوب على أمره في وقت كان فيه الموظف غارقاً في حصة تلاوة، أو خرج من عمله كي يشارك في مظاهرة هتافية، تهتف “أمريكا روسيا دنا عذابها، علي إن لاقيتها ضرابها”. فترك الموظفون مهامهم التي جاءوا من أجلها للخدمة، وتحولوا إلى تروس في آلة الدولة الإنقاذية، فمات الخيال، وقلّ الإبداع، فنقص الإنتاج، وأنهارت كل أجهزة الدولة المدنية، والعسكرية، بعد أن أضيف إلى الولاء الحزبي الولاء القبلي، فصارت كل وزارة ضيعة لقبيلة الوزير، أو المسؤول المتنفذ، وهو ما أحيا مرض القبلية العضال، وهو أحد أمراض العصر في السودان، وأحد أعراض التخلف الكبير، والجهل الذي نعيشه.
    هذا هو توصيف الأزمة الحالية فيما يتعلق بانكسار ” رافعة التغيير” ،


    ويبقى أن نطرح سؤالنا المركزي هنا، وهو ما العمل؟. كيف نوظف تلك الطاقات المنتشرة في مناكب الأرض طوعاً وقسراً، وهم ملايين؟ ومع أهمية مشاركة القراء في الأجابة على هذا السؤال، فمن وجهة نظري فإن هذه الجموع يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التغيير، فهي تمتلك الإمكانات المادية واللوجستية أكثر من أولئك المغلوب على أمرهم الموجودين في الداخل، وبالتالي يمكن أن تنشط القوى السياسية، والحركات الشبابية بين السودانيين في المنافي، وبينهم مئات الآلاف من الداعمين لاسقاط النظام، ومن ثم التغيير، وعلي القوى الحية أن تسعى إلى تلاقي هؤلاء من أجل التباحث والتفاكر حول دورهم، كل في دولته، أو مدينته، وبناء تحالفات اجتماعية وسياسية لدعم “ثوار الداخل، ودعم ثوار الانتفاضة الشعبية ، فهناك من هو بلا عمل، وهناك من لا يستطيع العلاج لو تعرض لأي حادث، وستكون الطامة أكبر لأسرته حال فقده، فكيف يمكننا دعم هؤلاء؟، وكذلك كيف يكون التضامن مع المتضررين من الحروب في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، كما أن هناك أدوار دبلوماسية في الضغط على الدول المتواطئة مع نظام الإبادة في الخرطوم، وكسب الرأي العام الدولي، ودعمه، وايجاد فرص للتدريب للحركات الشبابية، وفوق كل ذلك هناك الدور الأعلامي بالاتفاق حول تأسيس قناة فضائيةـ ومحطات إذاعية للتغير، بدلاً عن أن تكون الدعوة ” شخصية، أو معزولة” تتوقف على مبادرات فردية، وكلنا يعلم أهمية الإعلام في التغيير.


    إن ” الحركات الشبابية ” وشباب الأحزاب يمكن أن يقوموا بدور ” الطبقة الوسطى” ، مع صعوبة المهمة، وبالتالي البحث عن صيغ لللمقاومة ، فمثلاً فإن الطبقى الوسطى بالتحالف مع العمال هي التي كانت تقوم بعملية ” الإضراب السياسي” والعصيان المدني عن طريق النقابات والاتحادات المهنية، وهي اليوم تكاد تكون معدومة، فهل يمكننا تنظيم عملية عصيان شعبي كبير؟. وفي حال فشل ذلك ، فما هو المطلوب؟. وما هي بدائل المقاومة؟. وكيف يمكن أن تتلاحم مع الجماهير؟ ، وهل من إمكانية للتنسيق بين العمل السياسي والمدني والعمل المسلح المنطلق حالياً في مناطق الهامش؟، وهل يمكن تبني مشروع وطني للتغيير ، وهل في الإمكان عقد مؤتمر لقوى التغيير ؟. ومن ثم الخروج بتوصيات وبرامج، وخطط ، ووثاق وإعلان دستوري للمرحلة الإنتقالية؟، وما هو الخطاب المطلوب في المرحلة الحالية والمقبلة، واضعين في الإعتبار أن أجهزة النظام كلها تعمل على تثبيط الهمم، واحباط الناس، من خلال عمل منظم يقوم على عدم جدوى المقاومة، أو سؤال ” البديل ” مع أهميته، وهو سؤالنا القادم، لأن اسقاط النظام لا يعني انتهاء الأزمات بقدرما يعني تعبيد الطريق نحو مرحلة قادمة ومهمة، ومفصلية


    ------------------

    صعود الإسلامويين ودلالة التجربة السودانية
    September 12, 2012
    ناصف بشير الأمين
    ……………

    للكاتب اطروحة ظل يحاجج بها ,في السنوات الأخيرة من عمر النظام الحاكم في السودان, بين المحيطين به وكذا ضمن دوائر محدودة, مفاداها انه لولا هامشية موقع السودان في الذهنية العربية, فان الفشل الكارثي لتجربة حكم الإسلامويين في السودان وما ترتب عليهامن تقسيم للبلاد وحروب وكوارث,كان سيشكل بداية لإنحسار تيار الإسلام السياسي إقليميا سواء في وعي النخب او الجماهير الشعبية, مثلما شكلت هزيمة 1967 نهاية المشروع القومي التقليدي.والحال كذلك, فإنه يرجح عدم الإعتداد بهكذا تجربة ما لم يصل الإسلامويون الى السلطة في أحدي البلدان العربية المركزية (كمصر), وان يوصلوها الى ما اوصلوا اليه السودان او الى درك أشبه. من ثم يمكن أن تستقر في الوعي الجمعي حقيقة أن الإسلام السياسي هو المشكلة وليس (الحل) كما يزعم مروجوه. وإن الإسلامويين (وهذا هوالأهم) لايمتلكون في الواقع أي برنامح للحكم الرشيد غير أجندة وراثة الدولة الوطنية وتحويلها الي ملكية خاصة بالجماعة ومؤيديها بموجبفقه (التمكين) ومن ثم العمل على البقاء في السلطة بأي ثمن. مؤدي ذلك (على ضوء نتائج الإنتخابات الأخيرة في مصر وتونس) إن العرب في طريقهم لتجريب المجرب وتكرار الكارثة السودانية. وهدر المزيد من الكلف من عمر الشعوب وثرواتها – لايعرف مدي باهظيتها- في بلاد لا يستخلص العقل فيها عبر التاريخ الا من خلال رماد الهزائم والنكباتوالكوارث غير الطبيعية.

    السودان جنة الإسلامويين الموءودة

    لا يوجد ما يبرر إنقلاب الإسلامويين على حكومةمنتخبة كانوا شريكا أساسيا فيها. في الوقت الذي واجهت فيه التنظيمات الأصولية الإسلامية الحظر والمطاردة الأمنية في العديد من الدول العربية (مصر \ الجزائر \ سوريا \تونس الخ) شكل السودان ملاذا آمنا وجنة للإسلامويين في المنطقة. بالمقارنة مع القوى السياسية السودانية الأخرى, خاصة قوى اليسار, قضت هذه القوى معظم سنوات عمرها تحت الأرض كنتاج للقمع الممنهح الذي مارسته ضدها كل الأنظمة الدكتاتورية (سيطرت الأنظمة الدكتاتورية على أكثر من ثلاثة أرباع فترة ما بعد الإستقلال – حكم الفريق عبود 1958- 1964 حكم دكتاتورية نميري 1969- 1985 ودكتاتورية الإسلامويين 1989- ). بالمقابل تمتع الإسلامويون بالحرية الكاملة ولم يتعرضوا, منذ نشأتهم كتنظيم طلابي في الخمسينات وحتى تاريخ إغتصابهم للسلطة في 1989, لأي مضايقة أمنية بإستثناء مدة قصيرة جدا من عمر نظام نميري (1969 – 1977), وتلك كانت الفترة الوحيدة في تاريخهم التي وجدوا فيها انفسهم في جانب المعارضة.


    وجد الإسلامويون في بلاد السودان الحرية الكاملة لممارسة ليس فقط العمل السياسي والتنظيمي وإنما ايضا النشاط الإقتصادي المنفلت من أي قيود, وايضا تحت غطاء ذات الشعارات الإسلامية. أنشأ الإسلامويون – وبتمويل خليجي سخي – البنوك والشركات (الإسلامية) وكذلك المنظمات المتحجبة تحت ستار الدعوة الإسلامية والعمل الإغاثي الإسلامي, والتي كانت تتاجر وتسمسر في كل شيء, والتي تحولت الى قوة إقتصادية ضاربة في عقد الثمانينات. تم ذلك في إطار لعبة المحاور الإقليمية في حينها (محور الرياض – عمان) الذي انخرط فيه الإسلامويون تحت ذات الشعارات الإسلامية. والذي كان يتموضع ضمن الإطار الدولي الأكبر للمعسكر الأمريكي – الأطلسي في مواجهة المعسكر الشرقي – أثناء الحرب الباردة. ظل الإسلامويون كذلك طوال عمر تجربيتهم الإبن المدلل للقوى التقليدية والحليف الدائم لكافة الأنظمة الدكتاتورية العسكرية التي حكمت السودان. هذه التحالفات شكلت حماية ورعاية فريدة للإسلامويين. القوى السياسية التقليدية خصوصا حزب الأمة ونظام جعفر نميري اختارت التحالف مع الإسلامويين وتبني مواقفهم. شمل ذلك كمثال:طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان ديسمبر 1965\ طرح الدستور الإسلامي 1968\ إصدار قوانين سبتمبر 1983 المسماة أسلامية\ إعدام محمود محمد طه ..الخ, وبالمقابل معاداة القوى اليسارية والعلمانية والتضيق عليها. وقد امتدت الرعاية الى حدود تنفيذ رغباتهم الدموية في تصفية والتخلص من خصومهم الآيديولوجيين ليخلو لهم الجو (إعدام محمود محمد طه).



    هذه الحماية والرعاية الكريمة من قبل الحاضنة الداخلية والدعم المالي والسياسي السخي من قبل المظلة الإقليمية والدولية هي التي ادت الى تحول الإسلاموين, خلال فترة قياسية لا تتجاوز العقدين من الزمن, من مجرد تنظيم طلابي محدود الى قوى سياسية رئيسية بالبلاد, ومهدت بالتالي الطريق لإنقلابهم على النظام الديمقراطي. بالنظر لحرية الحركة والتسهيلات وتلك الوضعية المتميزة التي تمتع بها إسلامويو السودان, وبالنظر للدمار الحالي الذي احدثته سنوات حكمهم الدكتاتوري في كيان البلاد ووحدة ترابها ونسيجها الوطني والإجتماعي وإقتصادها ومؤسساتها وسمعتها الدولية التي تمرغت بالوحل, والعقاب الجماعي الذي انزلوه بالسودانين قتلا وتجويعا وتشريدا وإذلالا دونما ذنب جنوه سوى مطالبتهم بالحرية, فإن أسلامويي السودان ينطبق عليهم مثل ذلك الذي وجد دجاجة تبيض ذهبا ولكن ,وبسبب من طمعه الأعمى, قرر ان يشق بطنها ليحصل على كل الذهب دفعة واحدة, غير عابيء بالنتائج المترتبة على فعلته. على ضوء هذه الحقائق فإنه لا يوجد ما يبرر إنقلاب الإسلاموين على حكومة ديمقراطية منتخبة كانوا شركاء فيها (كانت الجبهة الإسلامية شريكا في حكومة الوفاق الوطني التي انقلبت عليها والتي شكلها رئيس الوزراء الصادق المهدي (1988) , وادخل فيها الجبهة الإسلامية بالرغم من معارضة شركاءه من الحزب الإتحادي الديمقرطي).


    كذلك فان السياق السوداني يختلف كلية عن تجارب التنظيمات الإسلامية الأخرى – الجزائرية \ المصرية \ التونسية \ السورية الخ (الصراع بين الإسلامويين والأجهزة الأمنية). الحقيقة التي لا مهرب منها هي ان الدافع للإنقلاب على الديمقراطية هو كفر الإسلامويين بالديمقراطية والتعددية وعقيدتهم الشمولية التي تؤمن بفرض رؤيتها على المجتمع بالقوة المسلحة. الشمولية هي المكون الأساس لأيديولوجيا الإسلام السياسي بحكم أدعاءها المصدر الإلهي ومن ثم إمتلاك الحقيقة المطلقة المكتفية بذاتها والعابرة لجميع الأزمنة والأمكنة. وبالتالي تعرف معارضتها ليس كإختلاف سياسي وانما ككفر \ مروق \ عمالة ..الى آخر القاموس الإسلاموي. والحقيقة التاريحية التي لا مهرب ايضا منها هي ان الدولة الدينية دولة شمولية بالضرورة, حيث لم يعرف التاريخ الإنساني منذ حكم الملوك الآلهة في مصر القديمة وحتى تطبيقات الدولة الدينية الحديثة (طالبان \ السودان \ إيران \الصومال) حالة واحدة لدولة دينية ديمقراطية. ركيزة الديمقراطية هي كفالة الحقوق والحريات العامة. والأخيرة تقتضي الإيمان بإنسانية الفرد بصفته صاحب عقل قادر على التميز بين الخيارات المتعددة وعلى إتخاذ قراراته دون وصاية من سلطة عليا. إيديولوجيا الإسلام السياسي تقوم بالمقابل على فكرة الولاية العامة (ثنائية الوالي \ الراعي- الرعية). مفهوم الولاية يعني ضمنا ان المولى عليه هو إنسان قاصر وبالتالي فإن ولي الأمر هو من سيتولى إتخاذ القرارات نيابة عنه.


    مفهوم الرعية (كمعادل لمفهوم المواطنين في الدولة المدنية) يعني, أبعد من ذلك, الجمع من النعاج والخراف والتي يتولي (الراعي) تسير كافة شئونها. وفي التجربة السودانية أنشأ الإسلامويون أكثر الإنظمة دكتاتورية ودموية في تاريخ السودان والمنطقة. عدد القتلى وغيرهم من ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال القتل والتعذيب وإنتهاكات حقوق الإنسان من المدنين, الذي يقدر بمئات الآلاف, يفوق ضحايا جميع الإنظمة العربية مجتمعة بما فيها النظام السوري (بلغ عدد ضحايا حرب النظام في دارفور وحدها أكثر من 300,000 قتيل) .وفي إعمال أحكامهم السلطانية تحت شعارات تطبيق الشريعة, لم يكتف (أمير المؤمنين) بإحتكار سلطة إتخاذ القرارات السياسية نيابة عن الرعية وانما شملت رعايته الكريمة إصدار القوانين التي تحدد لرعايا الدولة السنية مالا يجوز قراءته من مطبوعات او اكله و شربه من طعام او لبسه من ثياب وحتى نوع الغناء والرقص الشرعي الى آخر أخص خصوصيات الفرد, فلم يبق للرعية غير حرية التبول.

    برنامج الإسلامويين وسياساتهم

    اثبتت تجربة ال23 عاما التي انفرد فيها الإسلامويون بحكم البلاد, وبما لا يدع مجالا للشك, أنهم لايملكون اي برنامج محدد لحكم البلاد اوتنميتها, سوى برنامج وراثة الدولة الوطنية وتحويل مؤسساتها السياسية والإدارية ,القضائية, العسكرية والإقتصادية من مؤسسات عامة ومهنية الى أفرع حزبية مسيسة وملحقة بالتنظيمالإخواني,بموجب فقه (التمكين). ففي بلد غني بالموارد كالسودان, لم تطرح او تطبق خلال هذه المدة التي قاربت ربع القرن اي برامج للنهضة الزراعية \ التصنيع \ التنمية البشرية. على العكس يشهد الواقع الآن تراجع الإنتاج في القطاعات الإقتصادية المختلفة وإنهيار البنيات الأساسية في الزراعة والصناعة.. الخ بدرجة الإنهيار الإقتصادي التام. مفهوم (التمكين) عند الإسلامويين لايعني فقط إحتكار السلطة السياسية والعسكرية والأمنية وإنما ايضا يعني لديهم رخصة إلهية مخصوصة بالجماعة الإسلاموية للإستيلاء على الثروة القومية وقبضها بقوة السلاح غنيمة للحزب ومنسوبيه. يضاف لذلك الإستيلاء على الخدمة العامة وحتى تنظيمات المجتمع المدني. شمل ذلك في تجربة الإسلامويين في السودان تحويل الجيش السوداني من جيش وطني \مهني- محترف الى مليشيا حزبية عقائدية شبيهة بمليشيا حزب الله في لبنان.


    تم ذلك ببساطة شديدة من خلال طرد الآلاف من الضباط الوطنين من الخدمة. شمل الطرد ليس فقط الذين ابدوا معارضتهم للإنقلاب العسكري الذي نفذه الإسلامويون ضد الحكومة المنتخبة (30 يونيو 1989) وإنما معظم الضباط الذين لاينتمون لحزب الإسلامويين (الجبهة الإسلامية القومية). بعد تصفية الجيش من كافة الضباط المحترفين اعتمدت إستراتيجية (التمكين) والتي ترجمت في هذا الخصوص بجعل الإنتساب للجيش مقصورا فقط على منتسبي التنظيم الإسلاموي ومؤيديهم. تم كذلك إلغاء العقيدة العسكرية للجيش السوداني وحلت محلها العقيدة الإيديولوجية للإسلاموين, وشمل ذلك تغيير شعارات الجيش ورموزه. يضاف الى ذلك المليشيات العسكرية التي انشاءها النظام خارج إطار الجيش النظامي كالدفاع الشعبي. وكان طبيعيا أن يعمل جيش بهذا التكوين (طوال سنوات النظام) على شن سلسلة حروب أهلية شاملة ومتواصلة ضد مواطنيه تحت راية (الجهاد في سبيل الله), وأن يتجاهل كلية مهمته الرئيسية وهي الدفاع عن حدود البلاد ضد أي عدوان خارجي. شمل ذلك الحروب الجهادية في الجنوب ودارفور وشرق السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق, والتي سقط فيها مئات الآلاف من القتلى والضحايا من المدنين العزل وارتكبت فيها العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية, واصبح رئيس النظام وعدد من المسؤولين مطلوبين بسببها لدي المحكمة الجنائية الدولية.


    واستمر هذا الجيش متفرغا لحروبه الأهلية الجهادية ضد مواطنيه في الوقت الذي احتلت فيه أراضي السودان من قبل دولالجوار بجهات الأرض الأربعة, حيث تم الإستيلاءعلى أراضي تفوق مساحتها مساحة فلسطين تحت بصر وسمع الإسلامويين.كذلك اصبح إنتهاك المجال الجوي للسودان والعمليات المتكررة التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في عمق الإراضي السودانية اشبه ما تكون بنزهة جوية بالنسبة للطيارين الإسرائليين. ذات التحولات اعملت بالتزامن داخل قوات الشرطة السودانية. اما جهاز الأمن والمخابرات فقد تأسس منذ البداية علي أسس عقائدية وحزبية خالصة, وكانت نواته الأولى هى الجهاز الخاص لحزب الجبهة الإسلامية. اخضعت الخدمة المدنية لذات التحولات حيث تم فصل الآلاف من الخدمة لأسباب سياسية. وبدل أن تلتزم الدولة السنية بواجبها بتوفير فرص العمل لمواطنيها, قامت بفرض العطالة والفاقة عليهم بقوة السلاح, غير عابئة بمصير أسرهم. كذلكلم يراع الإسلامويون او يشغلوا انفسهم بالتفكير في الآثار الإقتصادية المترتبة على قرارات طرد عشرات الآلاف من الكوادر التي انفقت الملايين من أجل تأهياها وتدريبها, والتي تشكل رأسمالا بشريا لايقدر بثمن, على إقتصاد كالإقتصاد السوداني. وبعد إكتمال مجزرة الخدمة المدنية تم قصر الوظائف العامة – خاصة الوظائف القيادية وتلك التي في المؤسسات الحيوية – على منسوبي الحزب الحاكم وأقرباءهم ايضا عملا بفقه (التمكين) الإسلاموي. القضاء السوداني – بسمعته وتاريخه الناصع إستقلالا ومهنية- لم ينج ايضا من سياسة التمكين حيث تم طرد القضاة المهنين من الخدمة وحل محلهم أعضاء الحزب الحاكم.


    وبطبيعة الحال لم يعد القضاء سلطة مستقلة ضمن عملية الرقابة المتبادلة والتوازن الدستوري مع السلطتين التنفيذية والتشريعية وإنما اصبح جزاء ملحقا بالسلطة التنفيذية وحزبها الحاكم.بضياع إستقلال القضاء ضاعت سيادة حكم القانون. ادى ذلك الى تكريس حالة الإفلات من العقاب وثقافة الحصانات التي تمترست خلفها الطبقة الحاكمة. النتيجة ان الطبقة الحاكمة اصبحت فوق القانون وترفض الخضوع لأي نوع او درجة من المسآءلة القضائية مثلما هي ايضا غير خاضعة لأي نوع من المسآءلة السياسية. نوع ودرجة هذا التسيس والإستتباع الحزبي لمؤسسات الدولة وأجهزتها في السودان يمثل تجربة فريدة وغير مسبوقة قياسا بتجارب الحزب الواحد الشمولية التي عرفها العالماو الإقليم, بالقدر الذي يجعل مهمة إعادة هذه المؤسسات لطبيعتها المهنية المحايدة كمؤسسات عامة لايمكن تصوره– في رأي الكاتب- إلا من خلالعملية إعادة تأسيس وبناء شاملة لهذه المؤسسات من جديد, على أسس مهنية ووطنية. سياسة التمكين, التي تتجلى فيها فرادة تجربة الإسلامويين و إستراتيجتهم الهادفة لإبتلاع الدولة الوطنية, لم تقتصر فقط على (التمكين) السياسي والأمني والإداري,من خلال خصخصة وإحتكار السلطة السياسية والعسكرية والأمنية وجهاز الخدمة المدنية, وانما شملت ايضا –وهوالأهم- التمكين الإقتصادي للجماعة ومنسوبيها كأفراد. في نسختها الإقتصادية, هدفت إستراتيجية التمكين الى قبض الثروة القومية وإحتكارها وقفا على الإسلامويين ومؤيديهم الذين شكلوا مع مرور الوقت طبقة رأسمالية طفيلية ضيقة شكلت بدورها القاعدة الإجتماعية للنظام. تكشف الأرقام الرسمية عن انه, وطوال سنوات عمر النظام, كانت تخصص أكثر من 70% من مجمل موازنة الدولة للأجهزة الأمنية. بالمقارنة فإن أقل من 5% من هذا البند كان يخصص للتعليم والصحة مجتمعين. كذلك ولأن الطبقة الحاكمة تقبع فوق القانون ولا تخضع لرقابة قضائية او سياسية, تحول الفساد والنهب المباشر للمال العام من جريمة جنائية الى سياسة رسمية ايضا تحت لافتة (التمكين).ونتيجة لسيرة الفساد العظيم اصبح السودانتحت حكم من سماهم فهمي هويدي (مجلس الصحابة) يتصدر لسنوات قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم, حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية. ونشير في ذلك الي مثال واحد فقط وهو ملف البترول و صافي عائداته (التي بلغت حوالي 70 مليار دولار) ولا أحد يعرف اين ذهبت.هذه المليارات كان من الممكن ان تحدث تحولا في بنية الإقتصاد السوداني اذا وجهت للإستثمار في الزراعة ومشاريع البنية التحتية.


    في هذا الخصوص يرى الكاتب انه وبالنظر لموارد السودان – خاصة الزراعية – المعطلة (خاصة بعد تدفق تلك العائدات النفطية المليارية حتى تاريخ فصل الجنوب), والتي تكفي لأستيعاب عشرة أضعاف عدد سكانه الحالي, فإن ظواهر كالفقر المدقع والعطالة والمجاعة وإعتماد نسبة كبيرة من السكان بشكل كامل على الإغاثة الأجنبية, هي ظواهر مصنوعة صناعة كجزء من إستراتيجية أمن النظام. تلك الإستراتيجية القائمة على التمكين الإقتصادي للإسلامويين والتي تعني الإحتكار شبه الكامل للثروة القومية لطبقة الإسلامويين والفئات الإجتماعية المحدودة المرتبطة بهم. والتعامل مع سواد المواطنين من غير الإسلامويين (كأغيار) لاترى فيهم سوى مهددا أمنيا لبقاء النطام. وأنه طبقا لذلك يجب أن يبقوا فقراء ومستضعفين يمكن السيطرة عليهم وبرمجتهم بحيث لايشكلون اي تهديد جدي لأمن النظام. لذا لايريد الإسلامويون وفقا لنهج (التمكين) بناء إقتصاد تنفتح فيه آفاق الإنتاج والتنمية بما يوفر فرص العمل لجيوش العاطلين (من الأغيار) من حملة الشهادات الجامعية ويعيد الحياة للطبقة الوسطى. ذلل لأن هولاء الأغيار (وهم غالب أهل السودان من غير الإسلامويين) قد قرر الإسلامويون ان تضرب عليهم الفقر والفاقة والمسكنة. لأنه ولأسباب تتعلق بإستراتيجة أمن النظام فإن خروج نسبة مقدرة من هولاء (الأغيار) من دائرة الفقر يعنى- حسب العقيدة الأمنية للأسلامويين- جريان الدماء في عروقهم ونهوضهم لإسقاط النظام كما حدث لدكتاتوريتي الفريق عبود والمشير نميري.النتيجة, ووفقا لإحصاءات النظام الرسمية, اصبح حوالي 96% من السكان تحت خط الفقر.

    كنتاج مباشر لسياسة التمكين التي احتكرت بموجبها طبقة الإسلامويين القابعة في المركز والفئات الرأسمالية الطفيلية المرتبطة بها الثروة القومية وهمشت بالمقابل كافة الفئات الإجتماعية الأخرى, خاصة في أطراف البلاد, وكنتاج كذلك لمحاولة الإسلامويون فرض رؤيتهم الأحادية في الدولة وعلاقاتها بالمجتمع, في بلد متعدد ثقافيا ودينيا وإثنيا كالسودان, على الجميع بقوة السلاح, ادخلت البلاد في سلسة من الحروب الأهلية لانهاية لها. تحت شعارات الجهاد, الذي اعلنته الدولة السنية ضد مواطنيها, تمت عسكرة الحياة العامة وإعتماد الحلول الأمنية ومنطق القوة المسلحة للتعامل مع جميع المشكلات غض النظر عن طبيعتها. وجد الإسلامويون – الذين تم تصديرهم من الجارة مصر – أنفسهم في بلد يتميز على سائر بلدان المنطقة بالخصوصية العالية لتنوعه العرقي والديني والثقافي. وبدل ان يدفع ذلك الإسلامويين لتغيير آيديولوجيتهم الدينية الأحادية لتتواءم مع واقع البلاد, قرروا فعل العكس: وهو ان يعملوا على قسر المجتمع المتنوع والمتعدد على ان يتواءم مع ايديولوجيتهم الإسلاموية. فكانوا كمن يقطع قدما ليدخلها في حذاء صغير, بدل ان يفعل الشيء الطبيعي والعقلاني: وهو ان يستبدل الحذاء بالمقاس المناسب.هكذا يتم تقطيع أوصال بلد يزيد عمره عن 7000 سنة ليتلائم مع ايديولوجيا الإسلام السياسي.



    واذا كان الإسلامويون قد استخدموا ورقة الدين, التي لايملكون غيرها, في حربهم (المقدسة) ضد جنوب البلاد والتي ادت الى فصله, وحولوا بموجبها تلك الحرب الأهلية من خلاف سياسي بين قوى وطنية كان يدور حول عدالة توزيع السلطة والثروة والحقوق الثقافية وإنهاء واقع التهميش الى جهاد مقدس ضد الكفار, فأن حروب الإسلامويين الجديدة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق قد جاءت لتعلن الإفلاس التام (لدكان) الإسلام السياسي. ذلك ولأن إقليم دارفور يسكنه مسلمون 100%, ولأن الغالبية العظمى كذلك من سكان منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق مسلمون, اسقطت ورقة الدين من ايدي الأسلامويين. لكن الكارثة التي حدثت هي لجوء الإسلامويين الى ما هو أسوأ من تسيس الدين وهو العنصرية التي نهت عنها جميع الأديان. فطفقوا يستنفرون لحرب العرب ضد (الزرقة). الأمر الذي وضع بشكل جدي وخطير ماتبقى من البلاد أمام إحتمالات التفتيت التام على أسس عرقية ودينية, تماما كحال يوغسلافيا السابقة.

    الحصاد المر لمشروع التمكين: نتائج تجربة الدولة “الإسلامية” في السودان

    - فصل حوالي ثلث مساحة البلاد وثلث عدد سكانها, فقط لأنهم لا يتوافقون مع آيديوجيا الإسلام السياسي ويشكلون عقبة –من منظور تلك الآيديولوجيا – أمام قيام الدولة الإسلامية الصافية. بتعبير ادق كان الجنوب يشكل خطرا يهدد إستمرار بقاء الإسلامويين في السلطة. ببساطة شديدة فضل الإسلامويون ذهاب ثلث الوطن بدل ذهاب سلطتهم. وعلى ضوء حروب النظام الأهلية التي لم تتوقف في الجنوب والغرب والشرق , فإن ذات مصير الجنوب ينتظر أقاليم دارفور\ النيل الأزرق جنوب كردفان \ شرق السودان, بما يعني التفتيت التام لما تبقى من السودان على يد الإسلامويين على أسس دينية وعرقية تماما كحال يوغسلافيا السابقة.

    - الدولة الفاشلة: الخراب المؤسساتي والفساد الإداري (تعيين أهل الولاء وإبعاد أهل الكفاءة) مترافقا مع مسلسل الحروب الأهلية وما ترتب عليها من دمار ونزوح وفقدان السلطة المركزية القدرة على السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد, كذلك فشلها في تقديم ابسط الأساسيات الحياتية لمواطنيها, أوصل ذلك السودان الى درجة الدولة الفاشلة, حسب تصنيفات المؤسسات الدولية المعنية.

    -الدولة الأكثر فسادا:نتيجة لإستشراء الفساد المالي والإداري (سياسة التمكين) تصدر السودان لسنوات القائمة بين الدول الثلاث الأكثر فسادا في العالم, حسب مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية.

    - الإنهيار الإقتصادي التام: خاصة بعد ان فقدت البلاد 75% من موارها النفطية نتيجة لفصل جنوب السودان. وتدهور قيمة العملة الوطنية من 12جنيه مقابل الدولار عندما نفذ الإسلامويون إنقلابهم عام 1989 الى اكثر 7000جنيه مقابل الدولار بسعر اليوم. كذلك بلغت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر اكثر من 95% من سكان البلاد وفقا لإحصاءات النظام الرسمية.

    - فصل الدين عن الأخلاق:لأن “الناس على دين ملوكهم.” ولأن “ملوك” السودان الإسلامويون, الذين امتهنوا الفساد وإنتهاك كافة الحرمات, قد قاموا عمليا بفصل الدين عن الأخلاق بدل فصله عن السياسة, ادى ذلك ,متضافرا مع عوامل أخرى كالفقر المدقع, الى إنهيار قيمي وأخلاقي واسع. تمثل ظواهر مثل إرتفاع معدلات الجرائم وعدد أطفال الشوارع الذين يطلق عليهم إسم “الشماسة” فقط قمة جبل الجليد لأزمة الأخلاق الطاحنة في دولة “الصحابة”, التي وبأسم الأخلاق قضت على الأخلاق. كذلك نتيجة لحروب النظام الأهلية التي تشن على الهوية والدين والعرق تهتك النسيج الإجتماعي وتراجع الشعور بالوطنية وتصاعدت بالمقابل النعرات العنصرية والجهوية والعشائرية المتخلفة.

    - حوالي ثلث السكان صاروا لاجئين او في معسكرات النزوح: كنتاج لحروب النظام وسياسة التهميش والقمع الممنهج هرب حوالي ثلث السكان من مواطنهم صاروا اما لاجئين خارج البلاد او نازحين في معسكرات نزوح داخلية او على الحدود, يعتمدون في قوت يومهم على الإغاثة الأجنبية التي تقدمها لهم دول (الإستكبار) حسب خطاب الإسلامويين, في الوقت الذي يتنافس فيه الإسلامويون في التطاول في البنيان وموديلات العربات الفارهة في الداخل والإستثمارات وملايين العملات الصعبة المهربة في حسابات الخارج.

    - الرئيس مطلوبا أمام محكمة الجنايات الدولية: كنتاج لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال القتل والإنتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي ارتكبها النظام في مناطق النزاعات, خاصة في دارفور, ولأن القضاء السوداني (للأسباب التي اشرنا اليها) اصبح غير قادر او غير راغب في محاكمة المتورطين, صار رئيس النظام, مع عدد من المسؤولين, مطلوبا لدى المحكمة الجناءية الدولية. شكل أمر القبض الصادر ضد الرئيس السوداني (وهو مايزال في قمة السلطة) أول سابقة في القانون الدولي.

    -تدهورت مكانة السودان الدولية وتلطخت سمعته بالوحل: اصبح إسم السودان في المحافل الدولية مرتبطا بأنباء الحروب والمجاعة والتشرد والتطرف الديني. واصبح المواطن السوداني تطاردة تهمة الإرهاب والأصولية اينما حل. وصار الوضع في السودان بندا ثابتا في أجندة مجلس الأمن الدولي, بما يتضمنه ذلك من تدويل وضياع للسيادة والإرادة الوطنيتين.


    تبنى إسلامويو المنطقة الذين حملتهم الثورات الشعبية الى سدة الحكم في مصر وتونس وغيرها إستراتيجية (إنكار وجود)او التعامي عما يحدث في السودان. ويتعاملون, وفقا لذلك, وكأن التجربة الدكتاتورية “لإخوانهم” السودانين غير موجودة. وذلك تهربا من مواجهة مسؤلية تجربة كانوا لوقت قريب يستميتون في الدفاع عنها والترويج لها بإعتبارها التجربة الإولى للإسلام السياسي السني في المنطقة. على سبيل المثال بلغ الحماس والعصبية الإخوانية بالكاتب الإسلاموي المصري فهمي هويدي, وهو يكتب منافحا عن الإنقلاب في شهوره الأولى, حد وصف المجلس العسكري للإنقلاب بمجلس (الصحابة) الحاكم في السودان. كذلك شارك الكثيرون من إسلامويي مصر والمنطقة (اخوانهم) السودانين في الإستمتاعبغنائم وإمتيازات السلطة التي إغتصبها الأخيرون بقوة السلاح. فزعيم أخوان تونس راشد الغنوشي, على سبيل المثال لا الحصر, كان يتنقل لسنوات بجواز سفر سوداني الى أن طاب له المقام بمدينة أكسفورد البريطانية. لكن كما يقول المثل السوداني البليغ “الشينة منكورة.” في الوقت الذي يتعامى فيه الإسلامويون عن التجربة السودانية وكوارثها يكثر الحديث عن النموذج التركي كمثال يحتذى. فيما يخص دلالة التجربة التركية بالنسبة لموضوع المقال, فإنه لامجال يتسع لقياس التجارب العربية عليها. فالمسحة اللبرالية التي تميز تجربة الإسلامويين الاتراك ليس مصدرها – في تقدير الكاتب – محددات الاسلام السياسي ومنطلقاته كايدويولوجيا ثيوقراطية وانما طبيعة وخصوصية التكوين التاريخي والثقافي للمجتمع التركي, كمجتمع شبه (أوروبي\ صناعي). وطبيعة الإسلام التركي ذاته كإسلام تحقق فيه, بالنتيجة, قدر من الإصلاح الديني, خلافا للإسلام الأصولي العربي.



    ومن ثم فإن مغزى تلك التجربة هو ان درجة الدمقرطة و الإنفتاح الموجودة فيها هي نتيجة وليس سببا لإنفتاح المجتمع. ولذات السبب تأتي التوقعات التي ترشح النموذج التونسي لأن يكون الأقرب للنموذج التركي منه للسوداني. نتيجة لأن المجتمع التونسي,نسبيا,هوالأكثر حداثة وليبرالية مقارنة ببقية الشعوب العربية. وذلك كنتيجة مباشرة لإصلاحات أبورقيبة والتحديث الذي ابتدره في المجتمع,خاصة في مجالي نظام التعليم ومناهجه وتطوير أوضاع وحقوق المرأة التونسية. وليس نتيجة لعملية تحول ديمقراطي حدثت داخل عقل إسلامويي تونس. بالمقابل فإن أخوان مصر هم الأكثر شبها (بإخوانهم) السودانين من حيث إنغلاقهم وتطرفهم ومن ثم يرجح ان يكونون الإقرب لنموذجهم. وحدها طريقة وصولهم للسلطة وبالتالي أمد مكوثهم بها (قياسا بإخوانهم السودانين) هما العاملان اللذان قد يزيدا من حظوظ المصرين في توقع مخرجات مختلفة لنفس المدخلات وبالتالي تجنبهم المصير السوداني المظلم.
                  

العنوان الكاتب Date
اراء وكتابات مهمة عن القضية السودانية ...مقالات مختارة ..ادخل الكيك07-12-12, 05:42 AM
  Re: اراء وكتابات مهمة عن القضية السودانية ...مقالات مختارة ..ادخل الكيك07-12-12, 05:54 AM
    اراء وكتابات العوض المسلمي07-12-12, 07:53 AM
      Re: اراء وكتابات أسامه الكرور07-12-12, 08:38 AM
        Re: اراء وكتابات الكيك07-13-12, 11:43 AM
          Re: اراء وكتابات الكيك07-15-12, 04:50 AM
            Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 04:45 AM
            Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 04:52 AM
              Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 05:13 AM
                Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 05:28 AM
                  Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 10:50 AM
                    Re: اراء وكتابات الكيك07-19-12, 05:36 PM
                      Re: اراء وكتابات الكيك07-20-12, 12:51 PM
                        Re: اراء وكتابات الكيك07-20-12, 06:33 PM
                          Re: اراء وكتابات الكيك07-20-12, 11:29 PM
                            Re: اراء وكتابات الكيك07-22-12, 06:33 AM
                              Re: اراء وكتابات الكيك07-22-12, 06:59 AM
                                Re: اراء وكتابات الكيك07-23-12, 06:41 AM
                                  Re: اراء وكتابات الكيك07-24-12, 06:29 AM
                                    Re: اراء وكتابات الكيك07-24-12, 10:37 AM
                                      Re: اراء وكتابات الكيك07-24-12, 05:14 PM
                                        Re: اراء وكتابات الكيك07-26-12, 07:17 AM
                                          Re: اراء وكتابات الكيك07-26-12, 05:27 PM
                                            Re: اراء وكتابات الكيك07-28-12, 04:13 PM
                                            Re: اراء وكتابات الكيك07-28-12, 04:30 PM
                                            Re: اراء وكتابات الكيك07-28-12, 04:38 PM
                                            Re: اراء وكتابات الكيك07-28-12, 04:38 PM
                                            Re: اراء وكتابات الكيك07-28-12, 04:38 PM
                                              Re: اراء وكتابات الكيك07-29-12, 06:40 AM
                                                Re: اراء وكتابات الكيك07-29-12, 04:58 PM
                                                  Re: اراء وكتابات الكيك07-30-12, 07:05 AM
                                                    Re: اراء وكتابات الكيك08-01-12, 09:36 AM
                                                      Re: اراء وكتابات الكيك08-03-12, 05:33 PM
                                                        Re: اراء وكتابات الكيك08-04-12, 05:06 PM
                                                          Re: اراء وكتابات الكيك08-04-12, 08:58 PM
                                                            Re: اراء وكتابات الكيك08-06-12, 08:55 AM
                                                              Re: اراء وكتابات الكيك08-08-12, 06:21 AM
                                                                Re: اراء وكتابات الكيك08-09-12, 08:42 AM
                                                                  Re: اراء وكتابات الكيك08-09-12, 10:53 AM
                                                                    Re: اراء وكتابات الكيك08-10-12, 11:53 PM
                                                                      Re: اراء وكتابات الكيك08-12-12, 06:29 AM
                                                                        Re: اراء وكتابات عبدالكريم عبدالله08-14-12, 04:46 AM
                                                                          Re: اراء وكتابات الكيك08-14-12, 06:21 AM
                                                                            Re: اراء وكتابات الكيك08-15-12, 06:41 AM
                                                                              Re: اراء وكتابات الكيك08-15-12, 05:06 PM
                                                                                Re: اراء وكتابات الكيك08-15-12, 05:48 PM
                                                                                  Re: اراء وكتابات الكيك08-15-12, 10:16 PM
                                                                                    Re: اراء وكتابات الكيك08-17-12, 03:30 PM
                                                                                      Re: اراء وكتابات الكيك08-18-12, 12:52 PM
                                                                                        Re: اراء وكتابات الكيك08-19-12, 12:47 PM
                                                                                          Re: اراء وكتابات الكيك08-23-12, 07:06 AM
                                                                                            Re: اراء وكتابات الكيك08-23-12, 08:54 AM
                                                                                              Re: اراء وكتابات الكيك08-26-12, 06:36 AM
                                                                                                Re: اراء وكتابات الكيك08-27-12, 05:33 AM
                                                                                                  Re: اراء وكتابات الكيك08-29-12, 05:09 AM
                                                                                                    Re: اراء وكتابات عوض محمد احمد08-29-12, 07:50 AM
                                                                                                      Re: اراء وكتابات عبدالله الشقليني08-31-12, 11:39 AM
                                                                                                        Re: اراء وكتابات الكيك09-02-12, 09:41 AM
                                                                                                          Re: اراء وكتابات الكيك09-05-12, 09:50 AM
                                                                                                            Re: اراء وكتابات الكيك09-09-12, 05:14 AM
                                                                                                              Re: اراء وكتابات الكيك09-09-12, 05:38 AM
                                                                                                                Re: اراء وكتابات الكيك09-12-12, 10:34 AM
                                                                                                                  Re: اراء وكتابات الكيك09-13-12, 05:09 AM
                                                                                                                    Re: اراء وكتابات الكيك09-13-12, 11:19 AM
                                                                                                                      Re: اراء وكتابات الكيك09-16-12, 04:49 AM
                                                                                                                        Re: اراء وكتابات الكيك09-16-12, 07:50 AM
                                                                                                                          Re: اراء وكتابات الكيك09-18-12, 05:18 AM
                                                                                                                            Re: اراء وكتابات الكيك09-20-12, 05:01 AM
                                                                                                                              Re: اراء وكتابات الكيك09-23-12, 04:56 AM
                                                                                                                                Re: اراء وكتابات الكيك09-24-12, 11:13 AM
                                                                                                                                  Re: اراء وكتابات الكيك09-25-12, 05:31 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de