|
يا ناس الإنقاذ ، البلعتوه حا تتطرشوه - شوقي بدري
|
يا ناس الأنقاذ ، البلعتوه حا تتطرشوه
في الثمانينات كان لشركتنا النيل الازرق مكتب في بلغراد . و كان المكتب في ( سافا سنتر) . و هو في فندق الانتركوتننتال ، ليس بعيداً من نهر السافا . و كان لنا نشاط تجاري مع الشركة العملاقة المملوكة للدولة ( جنرال اكسبورت ) . و لأننا كنّا كذلك نصدر اللحوم و الحيوانات الحية خاصة العجول ، فلقد كانت اعمالنا نأخذنا إلى اماكن متعدده في يوغسلافيا القديمة . و كنّا نتنقل في كل الجمهوريات الستة . و أذكر أن ماكدونيا كانت الأقل حظاً . و هي الاقل تصنيعاً . و حتى قديماً كان اليوغسلاف يسخرون من أهل مكدونيا و يصفونهم ببلد الفلفل و الذرة الشامية . و بالرغم من أن المكادونيين يتعرضون لبعض التفرقة و الاستخفاف من الصرب و الكروات ، إلّا انهم بدورهم يتعاملون مع الغجر و الأقلية الالبانية بصلف و احتقار و كثير من التفرقة . و المكادونيون يدينون بالديانة الارثدوكثية . و هم متعصبون دينياً ، حتى في أيام رئاسة جوزيف بروس تيتو و النظام الاشتراكي . قبل سنتين أو ثلاثة جلست مع الأخ شعبان . و تحدثنا عن يوغسلافيا القديمة . و شعبان ألباني من مدينة قوستفار . و سألت عن حال قوستفار ، و حال الألبان في مكادونيا . و سعدت عندما عرفت ان قوستفار التي امتازت بالقذارة و الفوضى و كانت مجال سخرية الجميع ، قد صارت مدينة جميلة و منظمة . و يسكنها حوالي المائة الف شخص كما أن أكثر من الـ 90 في المائة منهم من الألبان . و عندما شاهد دهشتي و عدم تصديقى حكى لي عن العمدة الذي غير كل شئ و اسمه نفزات بيتا . ما سمعته ان بيتا ظهر بعد فترة غياب . و يبدو انه قد اكتسب بعض المال و الكثير من الخبرة . و لقد تأثر كثيراً باقامتة في دبي . و عندما رجع كان يقول لأهله أنهم لا يعيشون في أوربا . و أنهم يعيشون بعقلية و ظروف القرون الوسطى . و أنهم اذا صوتوا له سيجعلهم يعيشون في اوربا . و السؤال كان : هل تريدون ان تعيشوا في اوربا ؟ ام تفضلون العيش كما الآن خارج اوربا ؟ . الرئيس ديغول كان يقول قديما ان اوربا تنتهي عند جبال البرنيز . و هي الحدود الفاصلة بين فرنسا و شبة جزيرة ايبيريا ( اسبانيا _ البرتغال ) . و الحقيقة انه ما زال هنالك فرق كبير بين اسبانيا ، البرتغال و أوربا . و هنالك فرق شاسع بين اليونان التي انهار اقتصادها و المانيا . و هنا لا مجال للحديث عن رومانيا و بلغاريا و بعض دول شرق أوربا ، فهذه الدول لا تزال متخلفة جداً بالمقارنة بشمال أوربا . و تحت شعار نريد ان نكون مثل أوربا ، انتخب نيفزات بيتا كعمدة بأغلبية كبيرة . الجميع يريدون ان يكونوا كأوربا . و ظهرت ماكينة عملاقة بمناشير تستطيع القطع بطريقة رأسية و أفقية بزوايا حادة أو منفرجة . و بدأ قطع الشرفات و المشربيات التي وضعت بطريقة غير قانونية . و الذين عملوا سياجاً أمام منازلهم و قاموا بزراعة الورد و الزهور . و هيأوا مجلساً للشاي و مقابلة الاصدقاء . واجهوا الحفارات و الجرارات التي اكتسحت كل شئ . و عندما بدأ الناس في الاحتجاج كان الرد ببساطة : هل تريد ان تعيش في أوربا ؟ أذهبوا لتروا . في أوربا لا يبنى الناس الشرفات حيثما اتفق . و يعرضون حياتهم و حياة الآخرين للخطر . في أوربا لا يقتطع الناس من الشارع و يصنعوا منها حدائق . و أنتقلت المعركة إلى السوق . فالأكشاك التي بنيت حسب مزاج اصحابها تعرضت للأزالة . و الترتوارات التي صارت امتداداً للمتاجر و المقاهي ، اجهت الغرامات المتكررة و ازيلت . أذكر انه في بداية التسعينات كانت الحركة في بولونيا و كثير من دول شرق اوربا ، تتقدم ببطئ شديد نسبة للعربات التي تجرها الخيول ، خاصة في زمن الصيف و أيام الحصاد . و فجأة وجد أهل قوستيفار انفسهم مواجهين بأخراج كل الحيوانات من المدينة . و كان الناس لا يزالوا يحتفظون بالأغنام و الحمير و الخيول في منازلهم . و الرد كان ، أتريدون ان تعيشوا في اوربا ؟ ليس هنالك اغنام في اوربا . و ليس هنالك حمير و خيول داخل المدن . ألم تقولوا انكم تريدون ان تعيشوا مثل اوربا؟ . أذكر أنه حتى في المدن الجميلة مثل بودابست ، ان كان الفلاحون يأتون بسلال ضخمة من الذرة الشامي المغلية . و يبيعونها حتى في الميادين الكبيرة . و في مكادونيا كانت الشوارع تمتلئ بكل انواع الأطعمة و الخضار و الفواكه . و كانت الشرطة تتكسب من فرض اتاوات على الباعة المتجولين و من ينصبون مناضد في الميادين العامة . و مع انهيار السلطة المركزية في اسكوبيا عاصمة مكادونيا او في بلغراد عاصمة كل يوغسلافيا ، تحصل كثيرون على اوزونات للبيع في الميادين أو في اماكن عامة . و صار كل من يدفع أو يعرف جنرال او رجل في الشرطة يستطيع ان يعمل ما يريد . و هذا ما يحدث الآن في السودان . و الشرطة كانت تجلس كل اليوم في المقاهي و المطاعم و هم يشربون و يأكلون على حساب اصحاب المطاعم و المقاهي . و يتحصلون كذلك على بعض النثريات . لا يدفعون ضرائب و لا يخضعون لقوانين الصحة و السلامة العامة ( الاطفائية ) . و فجأة تغير كل شئ . كما يحكي لي صديقي بشكيم المسلم الالباني ، أنه عندما يكون جالساً في مقهى أو مطعم و يمر زملاء دراسته برجال الشرطة ، كان يعزم عليهم . إلّا أنهم يرفضون رفضاً باتاً . و يقولون ان العمدة بيتا كان لا يتردد في طرد اي شرطي متسكع او متواجد في المقاهي في اثناء ساعات العمل . فالشرطة في اوربا لا تجلس في المقاهي و لا تأخذ اتاوات ( هل تريدون ان تعيشوا في اوربا ؟ ) . أذكر قديماً في براغ في تسلوفاكيا أن الانسان عندما يكون ذاهباً الى الطبيب ، كان يأخذ معه كيس من القهوة أو زجاجة من الفودكا اذا كان الامر كبيراً ، أو أي هدية أخرى . فالطبيب كان يتقاضى اجراً اقل من عامل المناجم . النهر الصغير الذي كان يجري مخترقاً قوستفار صار الآن نظيفاً . و لم يعد من الممكن ان يشاهد الانسان الاوساخ مثل الملابس الممزقة و زجاجات البلاستيك و هي تسبح بأطمئنان و تتكدس على الشواطئ . بل صار هنالك كورنيش جميل بأضائة جميلة و مقاعد للجلوس . و ظهرت الميادين المشجرة و الأزهار و الورود في كل مكان . و صار الناس يحاسبون على رمي القمامة في الطريق او في مكان عام . و البعض لقد قدم للمحاكمة . ففي اوربا لا تلقى القمامة في الطريق ، و خارج الاماكن المخصصة لها . ثم أتت الصدمة الكبرى . فالذين اشتروا اراضي الدولة التي كانت تتبع للمدارس أو المصانع الحكومية و قد بنوا عليها منازلاً او الذين اخذوا رخصة لكي يبنوا منزلاً من طابقين وصارت عمارة من خمسة او ستة طوابق ، واجهوا القضاء و المحاسبة . و عندما أبرز البعض و ثائق بأنهم يمتلكون الأرض أو المبنى ، كانوا يقولون لهم : نعم لقد اشتريتم هذه الأرض بعشرة الف مارك الماني ، عندما كان ثمنها مائة الف مارك الماني . لأنكم قد دفعتم رشوة . ودفعتم الثمن في العاصمة . نحن مدينة صغيرة و فقيرة . يمكنكم ان تذهبوا و تتحصلوا على مالكم من العاصمة . في اوربا لا تباع الأراضي عن طريق الرشوة و الاستهبال . و لا يمكن ان تقطتعوا جزءاً من مدرسة أو مصلحة او تتعدوا على الطوابق المسموح بها . هل تريدون ان تكونوا مثل أوربا ؟ . و استرجعت الأراضي و اختفت الفوضى . الألبان اشتهروا بالعصبية و العنجهية و الميل المفرط للعنف . و نسبة لفقرهم و تعرضهم لظروف تفرقة حتى بالرغم من سياسة تيتو التي كانت تساوي بين الجمهوريات . إلا انهم اتجهوا الى الجريمة . لسوء الحظ تعامل الناس مع الالبان كمجرمين . و هذا خطأ . كانت كثير من الشباب الالباني في يوغسلافيا يتجه الى الجريمة خاصة السرقة . و انتشر الالبان في كل اوربا . و كان اغلبهم معقولين . إلّا أن الكثير اتجهوا الى الجريمة . و صار حمل السكاكين في قوستفار كعادة الألبان ، يعني الاعتقال و السجن . ففي أوربا لا يحمل الناس السكاكين ! و فقد أحد سائقي التاكس تصريحه و رخصته لانه قد قام بالأعتداء على راكب . في التلفزيون كان بيتا يقول ان سائق التاكس المفروض ان يقدم خدمة إلى المواطن لا أن يضربه و يهدد حياته . و أن أي سائق تاكس يتعدي حدوده يفقد تصريحه و رخصته . و بدأت المستشفى تعمل بصورة معقولة و صار الاطباء يحاسبون . كما صار الموظفون في مرافق المدينة يترددون في فرض الأتاوات او المطالبة بالرشوة . ففي اوربا لا يفرض الموظف الاتاوة ! فهل تريدون ان تكونوا مثل اوربا ؟ عندما افكر في العمدة نفزات بيتا ، افكر في الحالة عندما تعود الديمقراطية . سنجبر كل من ابتلع شيئاً ان يخرجه من بطنه . و الذين اشتروا الشوارع و الميادين و منازل الحكومة و منشآت الدولة سيحاسبون . و قد نسترج خط طيران هيثرو ، الذي سرق مثل الخطوط البحرية السودانية . و كل المشاريع الزراعية و الصناعية التي باعها أهل الانقاذ لأنفسهم . و هذا ما حدث في شرق اوربا كذلك . و حتى الشيوعون الذين كانوا عل رأس منظمات الدولة الصناعة و الأقتصادية في تشسلوفاكيا مثلاً ، قد حولوا ملكية تلك المنظمات و المنشآت لأنفسهم . و بين ليلة و ضحاها صار الشيوعيون رأسماليون . و أختفى شعار يا عمال العالم اتحدوا ، إلى يلا كل زول ياخد ليهو كبرا . في أي وقت تنعدم الشفافية و المحاسبة تصير الملائكة شياطين . و لقد ابدى المهدي أسفه لأن ما حدث بعد سقوط الخرطوم لم يكن ما كان يتوقعه . فلقد نهب الانصار و سرقوا و اغتصبوا . و خاصة أهل المهدي و ما عرفوا بالأشراف . و كما أورد بابكر بدري في تاريخ حياته ، و هو انصاري كامل الدسم ، أن المهدي وقف في المسجد و قال أن ود عدلان أمين بيت المال قد افسد الاشراف . و انه متبرئ منهم دنيا و آخره . و نفض ثوبه ثلاثة مرات . و من المؤكد ان الكثيرين الذين انضموا تحت راية الانقاذ لم يكونوا فاسدين و مفسدين . و ان البعض منهم لا يزال عفيف . لكن الأغلبية سرقت و نهبت . و سيحاسب الناس . و سنرجع ما سرق من الشعب للشعب . و حتى الذين سيأتون لكي يرجعوا الحق لأصحابه سيكون بينهم بعض الفاسدين . و لكن في حالة الشفافية يمكن كشف الجميع . عندما كنت اسأل اصدقائي الألبان من مكادونيا و هم كثر ، عن ماذا حدث لي بيتا ؟ قالوا انه قد انتقل إلى العاصمة . حيث ضايق المرتشين و اللصوص هنالك . و أنه بالرغم من شكوى الكثيرين في البداية و عدم تقبلهم لوسائله الغير معروفة ، إلّا أن الامن قد استتب و ان مجتمع قوستفار قد تغير . فحتى في أيام الاشتراكية كانت جرائم الشرف ترتكب بين الألبان . و لا يزال هنالك ما يعرف بكانون و تعني قانون . و يعني هذا ان من قتل اباك او قتل اخاك يجب ان تقتله ، و لو بعد حين . و قبل شهرين شاهدت احد الألبان و معه شاب في العشرين و عرفت انه قريبه . و أن الشاب الصغير قد قتل اثنين و هرب لأنهم قد قتلوا والده و هو لا يزال طفلاً صغيراً . و لكن حسب ( القانون ) لم يرتكب جريمة . بل هو بطل . كان يقول لي ان مهمة العمدة بيتا لم تكن سهلة إلّا انه توفق كثيراً . قصة قوستيفار تمثل النجاح عندما يكون هنالك من يريد ان يقدم . و سنجعل لصوص الانقاذ يرجعون ما اخذوا . و ليعلم حتى بعض الدول التي تحصلت على عقود مريبة من حكومة الأنقاذ ، و حتى الدول التي تحصلت على ملايين الأفدنة ، يجب ان يعلموا انهم سيحاسبون . و الرئيس المصري الجديد مرسي قد قال بصريح العبارة و كنوع من الاذعان ، و خوفاً من بطش امريكا و اسرائيل بأنه ملتزم بكل الاتفاقيات المصرية . كما ذكرت من قبل فأن كل الأحزاب قد وقعت على وثيقة في الديمقراطية الآخيرة و اودعت في الأمم المتحدة . و هذه الوثيقة تجعل الشعب السوداني و الحكومة الديمقراطية القادمة في حل من التزامات الأنقاذ . و مسرحية الانتخابات الآخيرة ما هي إلّا نوع من محاولة تحليل لحم الخنزير عن طريق الذبح الحلال . و توريط ابن الميرغني و الصادق في هذه الحكومة القصد منه في المكان الأول هو لطمين المشترين و المستثمرين، بأنه لن تكون هنالك محاسبة لان الميرغني و الصادق المهدي لن يوافقوا على محاكمة ابنائهم . و البعض يستفهم : لماذا لا تتدخل امريكا بصورة حاسمة و تقضى على نظام البشير ؟ . امريكا تؤمن بالديمقراطية فيما يتعلق بأمريكا . و لكن دول العالم الثالث لا تعنى لها شيئاً . و ما يهم امريكا هي مصالح امريكا و الامن الامريكي و مصالح الشركات الامريكية . أي شئ خلاف ذلك هراء . أمريكا لا تزال إلا الآن ترتجف لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر . و الأخوان المسلمون يمثلون صمام امان امام المتشددين و التكفيريين الاسلاميين . مافي اخو مسلم بركب طيارة و يفجر نفسه . ديل ناس راحات ، كويس جداً مع امريكا . ديل ناس تجارة ، بيع و اشترى . و دا العاوزاه امريكا . و مال بن لادن خلى الخرطوم ليه . عشان الباعوضة و الكتاحة ؟ ما عشان الناس ديل حرامية . و عرف الناس ديل بتاعين سف و قرش . بعدين امريكا دي ما حاجة واحدة . المخابرات الامريكية في داخلها في عدة تيارات . و المخابرات عندها رؤية و سياسة مختلفة من الكونغرس . و في الكونغرس هنالك عشرات اللوبيات . و الديمقراطيين عندهم نظرة مختلفة من الجمهوريين . الحالة مش واضحة قطع موس . لمن الديمقراطية يكون عندها حاجة تقدمها لأمريكا احسن من الأخوان المسلمين ، امريكا حا تبيع الاخوان المسلمين . أمريكا تفضل ان تتعامل مع الزول الذي يمكن ان يخاف ، أو يمكن شراؤه . المتشددون و الانتحاريون ديل لا يمكن اخافتهم أو شراؤهم . فلقد اشتروهم بالجنة و اخافوهم بعذاب جهنم و بئس المصير . و تعرضوا لعملية غسل دماغ . يجب ان لا نعول على امريكا في ادارة معركتنا . عندما ننتصر في المعركة ستنحاز امريكا إلى جانبنا . و من الأجدى الأعتماد على الأوربيين اكثر من الأمريكان . لأن المواطن الامريكي بعيد عن السياسة . و لكن المواطن الاوربي مطلع و واعي و يريد ان يساعد . و الاروبيون يمكن ان يقفوا معنا في معركة استعادة الحقوق المنهوبة من السودان فيما بعد . لكن طال الزمن او قصر سيخرج اهل الانقاذ ما بلعو . التحية ع. س. شوقي
المصدر: http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=24734
|
|
|
|
|
|