كتب الاستاذ السر بابو فى مقاله حول دلالات تشييع نقد: و(أن الوصول الي النظام الوطني الديمقراطي والاشتراكية يمكن أن يتم بطرق ديمقراطي جماهيري تعددي).
الاصرار على ايراد مفردة اشتراكية هو استحضار للماضى عن طريق اللغة، بغرض احداث التواصل معه وخشية من الانقطاع الذى يعنى ان التضحيات الجسام التى قدمتها القيادة التاريخية ونضال المئات والالاف من القوى الوطنية التى ظلت مساندة للحزب الشيوعى ، قد ذهبت هدرا او (راحت فطيسة فيما لو استعرنا لغة الترابى )! ذلك انها كانت استثمار فى مشروع خاسر كما اوضحت وهو المشروع الماركسى اللينينى. ليس هذا محاولة للتقليل من تلك الجهود والتضحيات بل اتفق تماما مع ما جاء فى مقال السر نفسه حينما كتب :( لقد اكدت الحشود التي تمت في المطار وفي المقابر وسرادقات العزاء في داخل وخارج السودان، أن جماهير شعبنا لاتنسي قادتها السياسيين الذي كرّسوا كل حياتهم ووقتهم وطاقاتهم لخدمة البلاد ، ولاسيما أن الاستاذ نقد قد ضرب بسهم وافر في ذلك، كما وضح من سيرة حياته ونضاله وأعماله. وأن الجماهير تحترم الذين يستميتون في الدفاع عن مبادئهم ومثلهم العليا حتي الرمق الأخير) انتهى الاقتباس
الشاهد ان المفردة المستخدمة اليوم بعد كلما حدث فى العالم هى مفردة (العدالة الاجتماعية) ولكن شذوذ الحزب الشيوعى عن الاجماع حول هذه المفردة والاصرار على استدعاء كلمة إشتراكية من اضابير ستينات القرن الماضى ، يفسره شىء واحد وهوالاصرار على التواصل مع الماضى مما يعنى استبطان قرار المحافظة على الاوضاع الراهنة status quo ولكن دعونا نضع اللغة جانبا لمصلحة تساؤل اخر وهو: هل يمكن الوصول الى النظام الوطنى الديمقراطى والاشتراكية بطريق ديمقراطى جماهيرى تعددى ؟ فيما لو استعرنا تعبير الاستاذ السر بعاليه بعد تصحيح لغة السؤال مع الاحتفاظ بالمضمون كما يلى: هل يمكن تحقيق العدالة الاحتماعية عن طريق التعددية الديمقراطية؟ الاجابة بنعم فى تقديرى ، ولكن بعد اسقاط مفاهيم المادية التاريخية والتى نحن بصدد مناقشة اثر فأسها على لائحة الحزب الشيوعى المجازة فى المؤتمر الخامس. من الملاحظ ان المادة السادسة ظلت تؤكد حتى اخر فقرة فيها ان الحوار المعترف به من قبل الحزب هو ما يتم فقط داخل القنوات الحزبية، وهو شىء قد يبدو مقبولا للقارئة من الوهلة الاولى، لكن نحن نفهم ان اللغة المستخدمة فى صياغة تلك المادة تحمل مضامين اخرى ذات دلالات خطيرة على مستقبل الديمقراطية التعددية، تعيدنا مرة اخرى الى استخدام كلمة (اشتراكي) بديلا عن (عدالة اجتماعية) وهى ان عضو الحزب مطلوب منه او منها ممارسة تواصل ذو اتجاه واحد مع المجتمع المدنى one way communication لان واجبات العضوية تحتم على العضوية طرح رأى الحزب الشيوعى واقناع الناس به فى اى مجال من المجالات (طلابى نقابى الخ) ومن المحظور عليه او عليها تماما الاعتراف بضعف رأى الحزب اذا صادف ان سمع رايا سديدا فى القضة موضع الحوار ، ومن المحظور عليه الاعتراف بذلك امام الملأ ، او طرح قتاعاته الخاصة امام الناس اذا كان لا يتفق اساسا مع رأى الحزب الشيوعى - بمعنى انه كان يمثل رأى الاقلية داخل الحزب فى القضية المثارة- وهنا تكمن اشكالية كبيرة تتمثل فى حرمان المجتمع المدنى من رأى الاقلية واهمية توثيقه ، لان المكان الناسب لتوثيق رأى الاقلية هو المجتمع وليس الحزب . ويمكن الاستشهاد هنا بمقولة للمرحوم الاستاذ الخاتم عدلان حينما كتب ما معناه (ان صيانة رأى الاقلية فى ظل تطبيق المركزية الديمقراطية يعد فى تقديرى واحدا من اكبر استهبالات العاملين فى الحقل السياسى فى عالمنا المعاصر!) صيانة رأى الاقلية مهمة صعبة حتى فى الاحزاب الديمقراطية المنفتحة ناهيك عن حزب يتبنى المركزية فى التنظيم، ذلك ان الحزب السياسى معنى باتخاذ القرارات كمنظمة تابعة للنسق system لذلك يختلط فيها الاداتى (عالم القوة والمال والسيطرة) بالتواصلى .. مما يعنى ان المجتمع المدنى هو الاجدر والاقدر بالمحافظة على رأى الاقلية لانه حوار تواصلى طوعى بين افراد مطلعين على معلومات وافرة فى المجال المحددبعد توفر شرط الحرية، مما يساعد على تكوين اجماع هو الاقراب للصواب فى تفسير الواقع وطرح التوصيات الملائمة . هذا شىء ضرورى ليس من اجل الوصول الى توصيات مجمع عليها فقط، بل من اجل منح تلك التوصيات المشروعية (اى القبول من الناس العاديين) لانعدام شبهة المصلحة الحزبية او اى مصلحة اخرى .. من اهم الاشياء التى ساعدت على دمقرطة الاحزاب السياسية والسير فى طريق الدمقرطة هو شفافية الاحزاب فى المجتمعات الديمقراطية تجاه الاجماع الذى يتولد على الدوام داخل المجتمع المدنى بمؤسساته المختلفة ووضعه فى الحسبان ساعة اتخاذ القرارات، لايمانها بان مخالفته تعنى السقوط فى الانتخابات المقبلة . المادة السادسة فى لائحة الحزب الشيوعى تقوم بحرمان المجتمع المدنى من رأى الاقلية داخلها بحجج مختلفة وهى تضع اليات الحوار الجماعى داخل خلايا الحزب فقط وبذلك تكون قد واصلت فى اقامة حواجز بينها وبين المجتمع بدلا عن الشفافية المطلوبة، وهو مسلك لا يفسره البسطاء من ابناء شعبناالا بالاستعلاء والتامر خاصة اذا كان راى الحزب مخالفا لرغبات الناس (وكأن مفهوم الطليعية يعنى معرفة مصالح الناس اكثر منهم وتبصيرهم بمصالحهم عن طريق التعامل معهم كاطفال قصر) وهو ما حدث مثلا فى موقف الحزب الشيوعى من اتفاقية الجلاء فى الخمسينات وهى الاتفاقية التى تم وضع الترتيبات على اساسها لرحيل المستعمر الانجليزى عن البلاد ، وقد عارضها الحزب الشيوعى بقوة واستخدم (فراكشناته المختلفة من اجل تنشيط تلك المعارضة وفرض هيمنتها على المجتمع ) خاصة وسط اتحاد عمال السودان! مما عرضه لسخط كبير من قبل الشعب كله تقريبا!لانها محاولة كان نصيبها الفشل التام كما يحدثنا التاريخ وحدث فيها تراجع خجول (ونقد ذاتى جزئى وسطحى قدمته قيادة المرحوم عبد الخالق فيما بعد لتبرير التراجع والانكسار)! بالعمل على تجفيف المجتمع من مصادر امداده بالرأى الاخر تقود لائحة الحزب الشيوعى المجازة عمليا الى اضعاف المجتمع المدنى كاهم قاعدة تستند اليها التعددية فى اطلاق المبادرات والحوار الطوعى والاجماع الحقيقى واليه منح المشروعية ومنعها فى مختلف القضايا التى تواجه الوطن . وهو امر يعود بنا مرة اخرى الى مفردة كلمة اشتراكية ومدلولاتها السالبة خاصة فى تجربة الاتحاد السوفيتى السابق الذى اثبت استحالة التعايش السلمى بين تجربة الحزب الواحد ووجود مجتمع مدنى صحيح ومعافى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة