|
Re: فى الأيدلوجيا السودانية او بروتوكولات آل سودان (مُلخص) . (Re: مركز الخاتم عدلان)
|
يواصل د. عبدالسلام نورالدين :- اما عن الدهشة , فاننى بصراحة قد عجبت اليوم من ان تبدأ هذه الندوة تماماً فى موعدها , لان خبرتى مع السودانيين على الاقل خارج السودان حيث عملت فى عدد من المواقع وجدت ان 90% من الاجتماعات والمنتديات لا تبدا فى الوقت المقرر ويأتى السودانيين بعد ساعة من الوقت المحدد , لماذا ؟ , فى السودان يمكن ان تكون هناك اسباب معقولة او معروفة مثل وسائل المواصلات والزيارات الكثيرة , الاهل , الاصدقاء , المآتم والاعراس , ولكن خارج البلاد ظل السودانيين يتبعون نفس العادات فى الحضور المتأخر , ويمكن ان نقول ان تأتى متأخراً افضل من ان لا تأتى ابداً . اذا كان هذا هو سلوك السودانى المتعلم فى خارج السودان فما الذى يُغذى مثل هذا السلوك ؟ . تعرفون ان السودانى قد اصبح فى الجزيرة والخليج نموذج للكسل والخمول ووجدنا الرسوم الساخرة التى تسخر من ذلك السودانى الذى لم يكتشف انه مشلول الا بعد ثلاثة ايام لانه لم يتحرك قط , وهذا يدعو للدهشة . لماذا فشلت كل الحملات الضارية فى تغيير موقف السودانيين والسودانيات من الخفاض الفرعونى ؟ فمنذ الاربعينات على ايام الاستعمار حاولت الادارة البريطانية بكل ما تملك من نفوذ ومع ذلك فشلت فى محاربة هذه العادة , ما الذى يُحرك هذه العقلية السودانية ؟ , نموذج للخمول والكسل فى جهة , ولا تستطيع كل القوى من تعليم وتنوير فى تغيير السلوكيات التى تربى عليها من جهة أخرى , ومع ذلك فان هذا الكسول الخامل وفى اللحظة التى يموت فيها شخص يتحول الكل الى بيت نمل او خلية نحل وكل شخص يعرف على وجه التحديد ماذا ينبغى ان يفعل وكل شيء يتم بدقة دون اوامر او ارشادات , وبعدها تعود الساقية السودانية كما كانت . كيف تدور ساقية الحياة السودانية ؟ , تبدو الحياة السودانية على الاقل فى ذلك الجزء الذى تبنى العروبة والاسلام كهوية وايدلوجيا كأنها ساقية لعائلة مُمتدة تدور الى ما لا نهاية حول المناسبات والمجاملات لدعم الصلات والعلاقات الاجتماعية عبر (السماية) والختان ونصب خيم عقد القران واسابيع (النفاس) والاربعين والحوليات ووداع واستقبال الحجيج , اما الموت فيمثل مركز الثقل لدوران الساقية حول ذاتها والتى بدورها تقوم باعادة انتاج نفسها فتنبثق البكائيات والمناحات الفاجعة , ونجد اغانى السيرة التى تخرج عصراً لتتجه صوب البحر , وفراق الاحباب الاليم , يا مسافر وناسى هواك , شجن خاص بالسودانيين ,. ساقية لا تصب حول العمل والانتاج والتنمية وتراكم الثروة القومية , وانما حول الاستهلاك والعلاقات الاجتماعية وطقوسها , والحال كذلك نجد السماسرة والذين يستثمرون فى العلاقات والتواصل الاجتماعى فى مقدمة اثرياء البلاد , لقد حفظت لنا اغانى الشكر والمناحات والوداع والانتظار على ابواب المستشفيات ومحطات القطارات تراثاً بديعاً يُمكن الرجوع اليه فى هذا الحقل الذى تفرد به السودانيون , تفرداً ليس فى العمل وصناعة الثروة واعادة انتاجها وتوزيعها . لنفس هذه الاسباب فقد تحول استقلال السودان الى (عزومة) كبرى وليس مشروع سياسى شامل فى بلد متعدد الثقافات والاثنيات واللغات والاديان , واضحت القيادة فى الاحزاب السياسية الكبيرة وجاهة اجتماعية فى المقام الاول . حول هذا النهج فى اسلوب الحياة , او الطريقة التى تدور بها ساقية الحياة فى السودان لابد ان تكون خلفها منظومة من التفكير ونمط من السلوكيات المترسبة وليس بالضرورة ان تكون هناك ايدلوجيا مكتوبة , بالاضافة لغياب كتلة اجتماعية تاريخية ومشروع سياسى شامل , كل هذا قاد الى خلق بروتوكولات سودانية . ماهى سمات هذه الايدلوجيا السودانية , ومتى نشأت ؟ , فى الممالك النوبية القديمة والتى اصبحت فى القرن الثالث عشر جزءً من السلطنة الزرقاء ثم دخلت فى حوزة وادى مصر بعد ذلك فى القرن التاسع عشر فى عهد محمد على باشا والذى رسم قصراً دولة قومية اطلق عليها أسم السودان . ويبدو ان استغراق الممالك الشمالية فى عوالمها لزمان طويل وتحولاتها غير المنسقة من الديانات الارضية الى المسيحية وعزلتها من الحضارة العربية الاسلامية ابان نشأتها , وتباعد تلك الممالك السودانية من حركة الثقافات الافريقية فى شرق وغرب القارة حتى فوجئت فى لحظة مُباغتة باجتياح جيوش محمد على باشا 1821 لذلك الاستقرار والتباعد والعزلة التاريخية , قد منحت للسودان ان ينسج تصورات ورؤى وانساب وانماط من الوعى اسطورية لا تتسق مع طبائع الاشياء , ولا تتسق بالطبع مع حقائق وواقع العالم الذى يُحيط به . ثم نمت تلك التصورات عبر التاريخ بمعالجاتها الحادة لتشكل ايدلوجيا أسطورية فيما بعد لها منطقها وديالكتيكها الخاص . وقد اسهمت عزلة ممالك السودان التاريخية فى صياغة تصورات شعبية شاملة يُمكن ان نطلق عليها بتحفظ اسم بروتوكولات آل سودا ناو بمصطلح اكثر دقة الايدلوجيا السودانية والتى لها الكثير من السحر والجاذبية والجدل ونفوذ لا يُقاوم وتجليات واشراقات , ومن عجائب قيم تلك الايدلوجيا السودانية ان لا يراها غير السودانيين . تنطلق الايدلوجيا السودانية من مسلمات غير قابلة للمراجعة او النقد او الدحض , بالاضافة الى الزعم ان لغة اهل السودان الدارجة هى فصحى بالقياس لجميع اللهجات الأخرى , اما القلب السودانى فعامر بالايمان ولا اسلام يعلو فوق اسلام السودانيين , والمرأة السودانية اكثر نساء العالم نضرةً وبهاءً واكبرهن عجزاً واطولهن شعراً , سيدة وجمالها فريد خلقوها زى ما تريد . لون الامتياز الذى تمجده الايدلوجيا السودانية , فهو اللون الاخضر الليمونى والذى يجمع فى بوتقة متدرجة بين الخضرة والحُمرة ويضرب بشفافية للسواد غير الفج , وهو لون الوسط بين الغجر والعبيد , وهكذا فان البشر سودانياً ينقسمون لثلاثة فروع , سودانيون فى المرتبة العليا بلونهم الاخضر الليمونى , ثم الغجر , ثم العبيد , وليس من منطقة وسطى مُحايدة , وكان حتماً ان يُفجر هذا التفوق اللونى احساساً لا ترجع فيه بتفوق الذاتية والشخصية السودانية على بعض السودانيين وكل البشر الأخرين . كثيراً ما تواجه الحيرة بعض السودانيين الذين يعبرون الى ما وراء البحار ويتوجب عليهم ملء استمارات يُحددون فيها انتمائهم اللونى اهم بيض ام سود أم اسيويين , المعضلة هنا انهم يتصورن انفسهم ليسوا بيض او سود , وكان يجب ان يتم ذكر اللون الاخضر الليمونى فى تلك الاستمارة . اليس من عجب اعاجيب أنساب اهل السودان التى لا تنتمى مباشرةً الى معاوية بن سفيان او عبدالملك بن مروان او خالد بن الوليد , اين ذهب احفاد بلال مؤذن الرسول ؟ ولماذا اختفى احفاد سلمان الفارسى ؟ الم يكن لابو لهب احفاد ؟ لماذا لم يمر واحد منهم على الاقل ببلاد السودان ؟ . الايدلوجيا السودانية لها مواصفات وتقاليد خاصة وسياسات واساليب فى صناعة الطعام وازمنة تقدم وتقهقر . نعود للسؤال لماذا فشل استقلال السودان ؟ , ولماذا استطاع الاحتلال البريطانى فى 15 عاماً ان يمد شبكة للخطوط الحديدية من حلفا الى الخرطوم الى الابيض الى القضارف الى بورسودان , وبعد الاستقلال امتد الخط فقط من الرهد الى نيالا والى واو ثم توقف بعد ذلك وتدهورت الخطوط بانتظام وتدهور مشروع الجزيرة , وعندما خرج الانجليز كان السودان جزء من الاقتصاد العالمى والان بلغت ديون السودان 36 مليار دولار امريكى , هل هو السلوك السودانى ؟ , هل هى الدويلات السودانية التى جاءت بعد الاستقلال ؟ , هل هو غياب المشروع السياسى الشامل ؟ , أم هى الايدلوجيا السودانية التى تدور حول العلاقات ؟ الاجتماعية وليس الانتاج والعمل ؟ , أم انها كل هذه العوامل مُجتمعة ؟ . لماذا فشل استقلال السودان ؟ , وهل لهذا السودان مستقبل ؟ .
|
|
|
|
|
|