المعارضة والرضاعة في شطر ميت

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-23-2024, 12:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-05-2011, 03:07 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت (Re: د.نجاة محمود)

    "جلدة رابعة"
    السيد رئيس الحركة الشعبية ..

    السودان الجديد ليس مجرد أحلام تمضغها الأسنان وتلوكها الألسن ثم يبصقها الفم –على استحياء- خلف ظهور الناظرة، إنما هو رؤى وأفكار تتخلق لتبدأ من النطفة وإلى "وكسونا العظام لحماً"، ولكنها لا تتخلق بعيداً ولا داخل أرحام مجهولة الهوية، حيث لا جدوى لأطفال الأنابيب هنا، فلا بد أن يكون الرحم طبيعياً متصلٌ فيه الماء الدافق بالدم المتدفق. هذا هو –وانتم سيد العارفين- السودان الجديد إنه يتخلق داخل القديم ويتشكل بين جنباته ويتغذى من عصارته حتى ينمو ويخرج إلى الوجود سلوكاً وممارسةً ومنهاجا. وكما يقولون داخل كل حضارة قديمة تولد حضارة جديدة، فإننا ننتظر أن يولد السودان الجديد من رحم السودان القديم بأفكاره ورؤاه ومؤسساته، يحمل داخل جيناته بعضاً من إرث تنعكس كروموزوماته على سلوك وممارسات ومنهاج ما هو جديد، وربما سيثقل كاهله إلى حين من الدهر ولكنه أمر طبيعي. كما ننتظر أن يولد سودان أجدَّ من صلب ما نحلم به الآن. إنه التجدد ما يسم الأشياء أثناء مرور العمر.
    هي –سيدي- مائة وسبعة وعشرون يوماً فقط لا غير، عشتها بين ظهراني معمل تفريخ لدعاة السودان الجديد، متنقلاً بين سجن ربدة وسجن خور ملح، ورغم أنها كانت تفتقر لطعم الملح حتى، إلاَّ إن إشراقات مضيئة تخللتها وأنا أتلمس مصادر عديدة لمعرفة أكثر بالسودان زادت من حصيلتي وأكدت صِحَّة إنتماءني وتمسكي بموقفي. وكنا نفكر، عندما تقدمنا بطلبنا لإدارة السجن برغبتنا في لقاء قيادة الحركة في الجبهة الشرقية، بأنهم يفعلون مثل ما يقولون وأنهم لا يبصقون أقوالهم خلف ظهورنا. فقد التقيناهم كثيراً جداً وفي مواقف سياسية متباينة كثيرها متقاطع وآخر متواز. ولكن يبدو أن مياهاً كثيرة –أو ربما سيول- جرت تحت الجسر، وجرفت معها كثير من الأقوال لتبقى الأفعال شاهدة.
    سأقول لكم ما تهربت قيادتكم من الإستماع إليه ورفضها حتى الرد على طلب رغبتنا في لقائها بالسلب أو الإيجاب،( وسأبدأ بطرح ذات التساؤل، وهو، لماذا وافقت الحركة الشعبية أن تكون شماعة للمخابرات الإرترية بعد أن تزايد الضغط عليها من أجل إطلاق سراحنا؟) والإجابة عندي تحتمل ثلاثة تفسيرات لا رابع لهم، أولها أن الحركة الشعبية متواطئة مع الجبهة الشعبية الإرترية في قضية التحالف، وثانيهما أن ما حدث قد وافق هوى قديم داخلها فمضت بكل قوة تعمل على تعميقه، أما ثالثهما فهو أن الحركة الشعبية رضخت للضغط الإرتري بنقلنا إلى سجونها.
    (سأجيء من التفسير الأخير) وهو أنها رضخت للضغط الإرتري وآثرت التعامل مع قضية اعتقالنا وفق تكتيكاتها التي تقضي برعاية مصالحها والمحافظة عليها ولو على جثث الآخرين، أو كما قال الروائي إميل زولا في رواية سعادة السيدات "أجل لقد كان ذلك ضريبة الدم، فكل ثورة تتطلب شهداء، ولا يسير البشر إلى الأمام إلاَّ على جثث الموتى". وكان النظام الإرتري قد رفع (الكرت الأصفر) للحركة الشعبية وبرزت بوضوح نقاط إفتراقهما بعد وضوح مسار مشروع السلام السوداني الذي يرفضه النظام الإرتري. ولكن ظهر الحركة وجيشها الشعبي مكشوف تماماً في الجبهة الشرقية سياسياً ولوجستياً إلاَّ من إرتريا التي يمكن أن تفعل أي شيء حتى ولو قطع خطوط الإمداد عن الجيش الشعبي بعدده الضخم. إذاً نحن جزء من كبش فداء (أو كله) من أجل أن تظل خطوط إمداد الحركة وجيشها هناك مفتوحة إلى حين الانتهاء من إجراءات مشروع السلام والتوقيع النهائي بينها والنظام في الخرطوم. وربما اختلف الوضع إن كان المكان غير المكان، ولاستقبلتنا ذات القيادات بالأحضان وسعت لأن نلتقي بقيادات عليا، من أجل الترويج لنفسها سياسياً، وهي المقبلة على مرحلة تستدعي انفتاحها وفتحها لكل الأبواب والنوافذ.
    أما ثاني التفسيرات المتعلق بهوى الحركة الشعبية الذي وافق محاولات الجبهة الشعبية الإرترية تحطيم التحالف الوطني السوداني وقواته (كما وافق شن طبقه) يمكن مقاربته بتاريخ العلاقة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والتحالف. وهي علاقة كانت مشوبة بالتوتر الشديد في بداية عهدها، بل وصلت درجة العداء والمواجهة المسلحة في مرحلة من مراحلها (كما حدث في شمال النيل الأزرق)، بينما ظلت متذبذبة في مراحل أخرى تحكمها المواقف التكتيكية للحركة الشعبية وطموحات التحالف، إلى أن بلغت أعلى مراحل درجاتها الإيجابية بإعلان الوحدة بينهما في نهاية أبريل 2002م الذي وقعتم عليه –سيدي الرئيس- إلى جانب عبد العزيز خالد رئيس المكتب التنفيذي للتحالف.
    والمعروف أن التحالف سطع نجمه في الجبهة الشرقية إبان محاولات الحركة الشعبية استقطاب أعداد كبيرة من (الشماليين) داخل وعاء أفرزته لهم أطلقت عليه إسم "لواء السودان الجديد" "لماذا أضطرت الحركة الشعبية لإفراز هذا الوعاء أصلاً وبعد مضي أكثر من عشرة سنوات من إنطلاق الكفاح المسلح؟ وهل كما قال د. منصور خالد: "ولربما كان من بين العوامل الضاغطة لإنشاء ذلك الشق العسكري للواء المبررة من بعض عناصر الجيش الشعبي: لماذا نريق وحدنا الدماء من أجل بناء السودان الجديد؟" عموماً الإجابة على هذا التساؤل تضيء جوانب كثيرة من قضايا سابقة، ظلت عالقة لإلتفاف المعنيين حولها، وقضايا آنية ومستقبلية."
    الفكرة –في جوهرها- مرتبطة برؤى حركة "نام" السابق ذكرها، ولكنها جاءت شوهاء إذ فارقتها في صميم بنيتها الفكرية. فبينما اعتمدت "نام" على كسر الحواجز النفسية عبر طرح رؤى مكتنزة بمفاهيم واقعية ومرتكزة على إحترام الآخر، قام "لواء السودان الجديد" على سياسة "التكويش" معتمداً على تلك القوة الضاربة للحركة الشعبية وسجل انتصارات جيشها خلال سنوات تجاوزت العقد من الزمان وقولبت كل الرؤى التي ظلت ترددها حول السودان الجديد وبناءه داخل ذلك الإطار وليس العكس. هذا ما جعل الفكرة تتعثر منذ بداياتها رغم محاولات ردم حوافها. ومن يحاول تعليق ذلك التعثر –سواء من الحركة أو التحالف أو غيرهما- على شماعة سطوع نجم التحالف وقدرته على استقطاب اعداد مقدرة إلى صفوفه من ذات القاعدة التي تستهدفها، مما ساهم في تعثر ذلك الوعاء، يفارق المنطق السليم للقراءة والنفاذ إلى عمق الحقائق بالرغم من أن بدايات العداء تزامنت مع هذه الفترة.
    رغم كل التوتر ومظاهر العداء التي اتسمت بها المرحلة الأولى إلاَّ أنهما، وخلال مسيرة ليست قصيرة من التواصل والعمل المشترك الذي فرضه الفضاء المكاني المشترك، وصلا إلى اتفاق (وحدة) بينهما. ولكن ما الذي اعترى هذا التوافق الذي بلغ درجات عليا من سلم التعامل الإيجابي؟! وهل (تاور الضرس) قيادات الحركة –أو بعضهم- في تحقيق رغبات قديمة بسحق التحالف ودفن حطامه في رصيف النضال الوطني؟ ومن أين تنزَّلت (السوسة) التي لامست (الضرس)؟ "جاء موضوع الوحدة مع الحركة الشعبية متوافقاً مع الآفاق السياسية للتحالف. بعد لقاء قيادات التحالف لوفد الحركة الشعبية –بقيادة القائد جيمس واني إيقا- في سبتمبر 2001م، وإن اختلف الطرفان على آليات تحقيقها، كان واضحاً رغبة الطرفين في المضي بها إلى نهاياتها. وبعد أن وقع الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية وعبدالعزيز خالد رئيس المكتب التنفيذي للتحالف إعلان الوحدة بينهما في 28 فبراير 2002م على أسس واضحة، أسقط في يد قادة الجبهة الشعبية، وبرز تناقض واضح في موقفها تجاه هذه الخطوة الاستراتيجية، خاصة بعد أن بدأت خطوات السلام السودانية تتضح ملامحها في مشاكوس ومن ثم نيفاشا وهو ما لايرغب فيه النظام الأرتري".
    أما أول التفسيرات الذي يدَّعي تواطؤ الحركة الشعبية لتحرير السودان مع الجبهة الشعبية الإرترية في قضية التحالف فهو ينسف التفسير الثالث تماماً لأنه وببساطة شديدة يعني أنهما متفقان وعبر خطة مدروسة لتحقيق هذا الهدف. وأنا لا اتفق مع هذا التفسير –رغم إحتماله- لأن ما لدي من معلومات مؤكدة تذهب إلى تدخل أطراف إقليمية –لصالح قوة سياسية سودانية- بالضغط على النظام الحاكم في إرتريا (الذي يدين لها بالكثير) في تلك القضية. بينما يتماهى مع التفسير الثاني ويتسق مع بعض عناصره إذ إلتقت مصالح الطرفين، ولكن دون إتفاق مسبق بينهما منذ البداية، بعد أن فكرت الحركة الشعبية (أو تاور قياداتها الضرس)، بعد أن لاقت الطقس مواتياً، في الإبحار مع الجبهة الشعبية في ذات السفينة (ربما لأنهما الاثنتين تتصفان بالشعبية).
    عموماً كل المؤشرات ترجح كفَّة ثالث التفسيرات، فالحركة ما كانت ستضطر للرضوخ للضغوط الإرترية في ظروف مختلفة عن تلك التي وجدت نفسها فيها، ولن تقدم على ما أقدمت عليه –حتى مجرد إعتبارنا (أمانات عندها) كما قال المقدم ياسر جعفر أثناء لقاءنا الصدفة- لإعتبارات عديدة من بينها الكياسة والفطنة السياسية التي تحتم عليها ذلك، خاصة وأنها مقبلة على التوقيع على الإتفاق النهائي للسلام (وبهذه المناسبة صادفنا التوقيع النهائي ونحن في سجن "خور ملح"). ولكنها أقدمت على وضعنا في سجونها رغم أن ذلك سيوقعها تحت طائلة عدم الفطنة السياسية (مرغم أخاك لا بطل)، وهو ما أكده قول أحد أعضائها من القيادات الوسيطة الذي التقى بنا مرة بشكل غير رسمي، حيث قال إن الحركة مضطرة للرضوخ لرغبة الإرتريين في هذا الموضوع خاصة في هذه المرحلة، وهي مضطرة لمعاملتنا بهذه الصورة نزولاً عند رغبتهم أيضاً. وهي مرحلة اتسمت بعلاقة فاترة بين (الشعبيتين) لأسباب أشرت إليها من قبل.


    "جلدة خامسة"

    سألني الملازم طون أرياي –وهو من أبناء دينكا قوقريال- قائد منطقة "بلاسيد"، وهي من بين المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجبهة الشرقية، وفي ذات الوقت هو المسئول عن إستخبارات الحركة فيها ويقع سجن "خور ملح" –الذي نقضي بين جنباته مدة لا ندري مداها- ضمن سلطاته، سألني إن كنت سأكتب عن الفترة التي قضيتها في سجون الحركة. وكانت تلك آخر أيام لنا مع سجونها، بعدها تمت إعادة تسليمنا للمخابرات الإرترية مرة أخرى. قلت له إنني سأفعل بكل تأكيد .. هذا إذا كتب لي الخروج منها.
    وها أنا أفعل الآن، حضرة الملازم ثاني طون أرياي، في خطابي الموجه لرئيس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق. وربما تكون الآن في الخرطوم وأنت تتابع قراءة هذه الرسالة، وربما لا تقع بين يديك قط.
    للحركة الشعبية لتحرير السودان سجنان في منطقة "ربدة"، الواقعة في الحدود بين السودان وأرتريا وهي تقع شمال شرق مدينة كسلا. السجن الأول يقع تحت مسئولية الشرطة المناط بها الحفاظ على الأمن هناك، وتحول إليه القضايا الإدارية والمخالفات البسيطة. أما السجن الآخر –الذي سأتحدث من داخله- فهو يتبع لإستخبارات الحركة ويقوده ضابط برتبة ملازم أول –من أبناء الدينكا- يتبع لمسئول إستخبارات الجيش الشعبي في الجبهة الشرقية (الرائد أوغستينو مدوت، من أبناء الدينكا). وإليه تحول القضايا الأمنية وقضايا الهروب وحالات الانتظار في الجرائم الكبرى خاصة القتل أو الشروع فيه، إضافة إلى وجود العديد من أسرى الحرب فيه. وهو عبارة عن أرض واسعة محاطة بسور شوكي (يطلق على هذا السجن إسم الشوك)، مقسمة إلى أربعة أجزاء. الجزء الأول ويشغل الحيز الكبر من تلك المساحة يخص حراسة السجن (يقودها الرقيب مشار من أبناء الدينكا) من سكن ومباني إدارية، الأجزاء الأخرى عبارة عن أسوار شوكية داخل السور الكبير. الأول يتحفظ داخله بأصحاب الرتب العسكرية (الضباط)، والآخر يخص الأسرى وبعض الحالات، أما الذي يضمنا فيخص الجنود وضباط الصف التابعين للجيش الشعبي، والمواطنين الذين رمت بهم الظروف في طريق الجيش الشعبي، أو قامت المخابرات الأرترية بتسليمهم للحركة كما هو حالنا.
    وهذه السجون وغيرها من السجون المنتشرة في مناطق مختلفة من الجبهة الشرقية والجبهات الخمس الأخرى يفترض فيها أنها تقوم المنحرفين عن مسار السودان الجديد. ولكن اول ما فوجئت به –على الأقل في سجن ربدة- هو أنهم لا يسمحون لك بإصطحاب كل ما هو متعلق بالقراءة والكتابة. فمنذ اللحظة الأولى وخلال تفتيش متاعنا، رفعت الأقلام وجفت الصحف بعد أن تم جمعها وتخزينها مع بقية متاعنا، حيث لم يسمح لنا بعبور البوابة إلى داخل الموقع الخاص بنا سوي بملابسنا التي على أجسادنا. وجاءتنا عبارة قاسية من الرقيب مشار المسئول الإداري للسجن وقد ضبطنا، نحمل بعض قصاصات لصحف قديمة، أثناء حملة تفتيشية (إن هذا سجن وليس مكاناً للتعليم) وجمع بعض الكتب التي نجح بعض السجناء في تسريبها عبر الأشواك.
    لا أتوقع أكثر مما رأيت وعايشت في كل ما يتعلق بما هو يومي، خاصة بعد إسترجاعي لأنفاسي وإنجذاب العديد من الملاحظات، خلال مسيرة معرفتي بالحركة الشعبية، لمركز تقييمي الداخلي. وهي مفارِقة لكثير من مفاهيم السودان الجديد التي تبثها الحركة الشعبية هنا وهناك. ويمكن لأي متابع أو مراقب ان يعزي ذلك إلى أنها لا زالت تعيش مرحلة الكفاح المسلح وتواجه حرباً لا تحتمل تنزيل أي من تلك المفاهيم، الساطع بريقها داخل نفق الواقع المظلمة مآلاته والمستقبل الضبابي الملامح، على صعيد الممارسة اليومية. وما يزيدها سطوعاً هالة ضجيج المعارك والانتصارات العسكرية الكبيرة. ولكن تبقى هناك حقائق تقف عائقاً امام كل المحاولات لتعويم تلك المفاهيم.
    هي تفاصيل دقيقة تذوب وسط الضجيج ولا تتم ملاحظتها داخل أطر اللافتات الضخمة، التي تملؤها تلك الشعارات ذات الخطوط العريضة، وإنما تتم ملاحظتها أثناء المعايشة والمتابعة اليومية. ويمكنها –حتى- أن تعبر هكذا، دون أن تثير الانتباه. وما يجعل تلك التفاصيل تذوب وسط الضجيج هو البنية التنظيمية للحركة الشعبية، وهي بنية مركبة يتداخل في طيفها ما هو سياسي بما هو عسكري بما هو مدني، ولكنها ترتدي الثوب العسكري وتسير وفقاً لإيقاع المارشات وأوامر المارشالات.
    ما هو أكيد أن السياسي هو والد العسكري وهما معاً يقودان إلى السيطرة على رقعة ما، وفي حالة الحركة الشعبية هي الأراضي التي تمكنت من تحريرها وإقامة سلطة (السودان الجديد) عليها. أن تزاوج البنية التنظيمية للحركة الشعبية بين الثلاثة محاور هذه خلق داخلها، أو بالأحرى خلق داخل ذهن الناظر إليها، من الربكة حيث تتبدى في زي شمولي أكثر أناقة خاصة وهو مرصع بتلك النجوم المضيئات على الأكتاف. وجعلها تتحرك في حقل مغنطيسي لا تقبل داخله، أو في مجاله، سواها أو من يأتيها طائعاً أو يطاوعها إلى حين. وهو ما ظل واقعاً في مناطق إدارة (السودان الجديد) الخمس (الاستوائية، أعالي النيل، بحر الغزال، جبال النوبة والنيل الأزرق –أما المنطقة السادسة وهي الجبهة الشرقية فحديثها مختلف) وما كشفت عنه المفاوضات بينها ونظام الإنقاذ، فلم نسمع بأن هناك قوى أخرى في هذه المناطق لها صوت (يتفق أو يختلف) غير صوت الحركة الشعبية، رغم علمنا أن الرقعة التي تسيطر عليها ليست بالصغيرة مساحةً وبشراً. مع العلم أن الحركة السياسية كان لها انتشار مقدر في تلك المناطق أثناء الهدنة ما بعد أديس أبابا وقبلها. هل كلها انخرطت في صفوف الحركة أم أن الحركة أزاحتها من الوجود (على الأقل في تلك المناطق)؟ كلنا يعلم أن للقوى السياسية خاصة تجمع الأحزاب الجنوبية (يوساب) وغيرها من فصائل تحمل السلاح، وجود في المناطق التي لا تسيطر عليها الحركة بل يسيطر عليها نظام الإنقاذ، وحتى الإنشقاقات التي حدثت داخل الحركة وقادها قياديون بارزون في الحركة لجأت إلى مناطق (الحكومة). ثم ما هو موقف المواطن الذي ظل يعيش في تلك المناطق، بل ما هو مصيره إذا كان موقفه مغايراً لسياسة الحركة ورؤاها؟ وهل يملك أن يخالف تلك الرؤى إلاَّ أن يغادر أو يصمت او يقبل بالتدجين. وطبعاً الحركة الشعبية في حالة حرب.


    "جلدة سادسة"

    سيدي رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ..

    هل تعرَّفت إلى مقاتل في الجيش الشعبي إسمه "كواج نيور كواج"؟! هو شاب مضطرب نفسياً ومعتقل في سجن "ربدة" باعتباره (مجنون). ولكنه واحد من الإشراقات التي التقيت بها في تلك (الزريبة الشوكية) التي لا تصلح للحياة الآدمية، إنما يمكن أن تحفظ داخلها أبقار وأغنام دون أن تثير حساسية المدافعين عن حقوق الحيوان، ولكنها تحدث خللاً أو شرخاً نفسياً في من يعتبرون متوازنين نفسياً قبل دخولها، أمثال "أبو حديد" من أبناء دارفور و"أليكو" من أبناء الزاندى وغيرهما، ناهيك عن المضطربين أصلاً.

    قصة "كواج" كما يرويها –وسط حكاويه المضطربة- هي قصة الحرب في السودان، ولكنها تبرز بوضوح وجلاء آلية التعبئة التي تعتمدها الحركة الشعبية في الاستقطاب لصفوفها، وإذا كانت شهادة (المجنون) لا تعتمد لدى الدوائر القانونية ولكني أعتمدها هنا برغم صعوبة إلتقاط كافة خيوطها. وهي –الآلية- تعتمد بشكل أساسي على محاربة "الجلابة"، وهو مفهوم فشلت الحركة في الإلتفاف حول مضامينه الإثنية برغم محاولاتها إضفاء صبغة فلسفية عليها والتنظير له. وظل هذا المفهوم (بمضامينه الإثنية) هو ركيزة خطابها التعبوي في محاولاتها استقطاب أعداد كبيرة جماعية (قبلية) وفردية من أبناء الجنوب.

    "كواج نيور كواج" من أبناء دينكا منطقة "أويل" وبالتحديد من قرية "مريال باي" التي كثيراً ما يتغنى بها ولها، ويطلق عقيرته بالغناء في أعلى لحظات صفائه الروحي ودائماً ما يقرنها بحب شقيقته "أتاك"، وشقيقته "أتاك" هذه،كما يستشف منه في لحظات هذيانه، متزوجة وتعيش في الخرطوم بحري بمنطقة الحاج يوسف. ولد "كواج" –إذاً- في "مريال باي" ضواحي مدينة أويل في إقليم بحر الغزال، كما تقول روايته. وله عدد من الأشقاء والشقيقات، وربما كان يرعى الأبقار في صباه ومورست عليه ومارس كل الطقوس، حتى تلك الشلوخ المخطوطة أعلى جبهته العريضة تقول أنه لم يغادر مرتع صباه إلاَّ بعد أن شب قليلاً.

    تلك المنطقة حول أويل تعشعش ملامحها في ذاكرتي وتسعفني تلك الصور الفوتوغرافية (التذكارية) التي إلتقطها والدي إبان فترة قضاها هناك غطت المنطقة حتى مدينة واو موظفاً في هيئة سكك حديد السودان أيام عزها، إلى أن أحاله أهل (الإنقاذ) إلى (الصالح العام) بعد أن عمل في معظم بقاع السودان، شرقه وغربه، شماله وجنوبه. وقد ساعد ذلك الوضع في تشكيل وعيي بشكل رئيسي.

    كانت هيئة السكة حديد وقتها تضم هيئة النقل النهري وهيئة الموانئ البحرية. وقد كتبت مرة مقالات حول السكة حديد تناولت خلالها زوايا إجتماعية جاء فيها " هي – بحق - عالم تتلاقى داخله كل الأطياف العرقية والسياسية والدينية جمعهم القطار. ولنتخيل حجم هذا الطيف البشري الذي يعمل في خدمة القطار وحجم الطيف البشري الذي يستفيد من خدمات القطار من ركاب وباعة في المحطات الكبيرة والصغيرة، وحجم الشبكة الحديدية التي هي بمثابة شرايين واوردة تربط كافة أنحاء السودان، من واو جنوباً إلى نيالا وبابنوسة إلى الرهد والأبيض إلى الدمازين والروصيرص إلى كسلا وبورتسودان إلى وادي حلفا إلى مدني وسنار إلى أبوحمد وكريمة، شرايين يتدفق فيها دم سوداني حار مختلط بعرق وأنفاس لا يمكن التمييز بينها.

    أنها مثل الشرايين والأوردة، فهي خريطة لدورة دموية كبرى تغذي كل السودان تساعدها دورة دموية صغرى متمثلة النقل النهري عندما كان يتبع لمصلحة السكة الحديد حيث يقودنا إلى أجزاء وأطراف يصعب على الخطوط الحديدية اختراقها ورغم أنها فقدت ذلك الطعم الخاص لصافرات القطارات إلا ان طعم صافرات البواخر النيلية له خصوصيته." هل لدى الحركة الشعبية خطة فاعلة لإعادة الحياة لهذا الصرح العملاق فهو، بحق واحد من دعامات تحقيق الوحدة في ظل كل هذا التنوع.

    لم يذكر "كواج" شيئاً عن طفولته، وربما لا يذكر شيئاً، بسبب الأحداث التي مرَّ بها منذ خروجه من بحر الغزال متجهاً شمالاً. ولأن عمره مبهم بالنسبة لي فمن الصعب تحديد تلك الفترة بدقة لقراءة مجريات أحداثها. لكن وعيه لا يزال يذكر فترة حكم النميري، وأعتقد أن هذه الذكريات مرتبطة بالنصف الأخير من عهده لأنه يلصق بها إسم الصادق المهدي رئيس وزراء (الديمقراطية الثالثة) دون المرور بفترة الحكم الانتقالي (يبدو أنها لم تترك أي أثر لديه). وهذه الفترة ارتبطت ببدايات تنصل النظام المايوي من اتفاق أديس أبابا، كما ارتبطت بتوترات منطقة التماس. فواحدة من المحطات المركزية أثناء تداعيات خواطره الغير منتظمة تطل دائماً أحداث أقرب إلى الخيل والفر والكر، وأخرى بتلك الحادثة الشهيرة في محطة "الضعين" عندما مات العديد من أبناء "الدينكا" حرقاً داخل عربات السكة الحديد بعد أن هاجمهم رجالات الرزيقات، وقد أصدر أستاذان من جامعة الخرطوم هما (بلدو وعشاري) كتاباً حول هذه الحادثة أثار ضجة كبرى وقتها وأدى إلى إتهامهما من قِبل السلطة الحاكمة إتهامات تصل عقوباتها حد الإعدام. إن سلطة المركز طوال فترة الحكم الوطني إفتقرت إلى الحكمة في التعامل مع العديد من القضايا مما ادى إلى تراكمها وتراكم تبعاتها لتثقل كاهل الوطن والمواطن في خاتمة المطاف، بل إن سلطة المركز ساهمت في تأجيج ودعم الكثير من التوترات القبلية أو غضت الطرف عنها ولم تبادر بإطفائها، نتيجة حسابات سياسية خاطئة. وتقف دارفور الآن شاهداً على كل ذلك، بالرغم من البعد الخارجي فيها والذي لولا أن وجد الأرض خصبة وثمارها دانية لما استطاع أن يتوغل عميقاً (على الأقل بهذه السرعة).

    عينا "كواج" تقدحان شرراً وهو يسترسل في تلك الرواية التي تتخللها موضوعات كثيرة غير مترابطة، فبعد ان يثني على "النميري" ويسبه، يلعن سلسفيل السيد "الصادق المهدي" وصهره الترابي ثم يعرج على عمر البشير يهتف من أعماقه "SPLA وييييي" ويقوم بتحيتكم التحية العسكرية، ثم يفترش لهيب الرمضاء دون أن يهتم كثيراً للعرق المتصبب من كل جسده. ينطفئ لحظتها ذلك اللهيب المتقد في عينيه ويسترخي كل جسده ليروح في إغماءة سريعة عميقة ويسيل لعابه على جنبات شفتيه.

    عاش "كواج" فترة من عمره في ضاحية الحاج يوسف بالخرطوم بحري وفي منطقة كوبر حيث وصل المرحلة المتوسطة في دراسته وعمل في ذات الوقت في أحد مصانع الصابون بمنطقة صناعات بحري. ويبدو أنها كانت مترعة بذكريات طيبة لا زالت عالقة ببقايا ذاكرته ومن بينها الكثير من أسماء سودانيين من الجنوب والشمال، أصدقاء أو معارف دراسة او في العمل. ولكن أهمها شقيقته "أتاك" وزوجها. كان عادة ما يصرخ بإسمها أثناء نوبات هيجانه.

    ولكن هناك حادثة ما، متعلقة بموت أخيه أو بمرض عضال أصابه فيما يبدو، ظلت تحلق حول تخوم تلك الذكريات هي ما قاده في النهاية للعودة جنوباً بعد أن ترك جزءاً من عقله هناك (كما يزعم بعض رفاقه). وعاد إلى "مريال باي"، ومن ثم إنضم إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان. وجاء إلى الجبهة الشرقية ضمن قوات الجيش الشعبي المنقولة جواً (Timber 1) ومن بعدها جاءت أيضاً (Timber 2) لتشكلان قوة إضافية لقوة "الجنقو" التي استقطبتها الحركة الشعبية من العمال الزراعيين في غرب أرتريا وإثيوبيا وشرق السودان. ولم تنمحي مشاعر الغيرة بين القوتين رغم محاولات قيادة الجيش الشعبي ورغم النظام العسكري الصارم الذي يحكمه.

    ضحك "كواج نيور كواج" –ضحكته المميزة التي تثير عاصفة من الفرح حوله- عندما رأى سياط الجلاد تنزل علينا بلا هوادة وقال، مخاطباً نفسه أولاً والجمع المتحلق بنظراته فيما يحدث، في براءة :"كيف تجلدوا الجلابة!!".

    "جلدة سابعة"


    قوة (Timber 1) و(Timber 2) ألقتا بظلالهما على قوات الجيش الشعبي في الجبهة الشرقية، خاصة بعد ضعف فعالية فكرة "لواء السودان الجديد". ولهذا الإسم قصة طريفة فقد تم نقلهما بطائرات (شحن) من جنوب السودان عبر الأجواء الإرترية، ويبدو أنها عبرت أجواء دولة أخرى وعندما تمت مساءلة قائد الطائرة عن محتويات حمولته، إدعى أنها (خشب). ولكن ما هو أطرف من هذا تعليق أحد مقاتلي تلك القوات –التي لا يعرف الكثير من أفرادها سوى جنوب السودان- عندما شاهد تلك الجبال والفيافي القاحلة إلاَّ من شجيرات لا يقمن ظلاً، وهو القادم من وسط الأدغال الإستوائية بحيواناتها وأمطارها، وقف لحظتها وقد أنهكه التعب وأخذ منه العطش ماخذاً بعيداً ليقف في منتصف المسافة ويقول "والله د. جون ده جابنا بلد قديم قُدُم".

    جاءت تشكيلة القوة (1) في أغلبها من أبناء الاستوائية، تم تجميعها بعد إكتساح قوات الجيش الشعبي لمنطقة الاستوائية خاصة غربها، وكانت الحركة قد تجاوزت جرح انقساماتها التي حدثت في بداية تسعينيات القرن الماضي، واستعادت عنفوان شبابها مرة أخرى. كان على رأس قيادة تلك القوة القائد "توماس سريليو" وهو من عائلة إستوائية معروفة بعد ان نُقِل القائد "عبدالعزيز الحلو" لجبهة "جبال النوبة" بعد إستشهاد القائد "يوسف كوة". فيما جاءت تشكيلة القوة (2) من مجموعات قبلية متنوعة وغالبيتها من قبيلتي "الدينكا" و"النوير". لتضاف تلك القوة مجتمعة إلى قوة "الجنقو" التي تم استقطابها أصلاً في الجبهة الشرقية، ورغم أن الأولى تفوق الثانية عدداً فقد ظل "الجنقو" جنقو و(Timber) (Timber).

    إنعكس الخطاب التعبوي للحركة الشعبية المتعدد المستويات على مجمل بنيتها التنظيمية. فهي وإن بدأت، بعد تمرد مايو 1983م وإعلان إنطلاق الكفاح المسلح، بخطاب تعبوي إنعكست بين سطوره رؤى حركة "نام" التي إنخرطت معظم (إن لم يكن كل) عضويتها من السودانيين في جنوب السودان –وهم في معظمهم ذوو توجهات ماركسية أو كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي السوداني- في الحركة الشعبية لتحرير السودان، بل وشكلوا القاعدة السياسية لها. وهو الأمر الذي ألقى بكثيف ظلاله على "المنفستو" الذي أعلنته، وجعل من "إثيوبيا منقستو الماركسية" قاعدة صالحة لإعادة تنظيم صفوفها، وليس العكس -كما يظن البعض- بأن لجوءها لإثيوبيا هو ما دفعها لتبني الخطاب الماركسي في عهدها الأول. "الملاحظة التي أثارت فضول وإهتمام الكثيرين .. هي أن قرنق رغم أنه تلقى إهتماماً ورعاية وتعليماً من قبل أقصى اليمين الرأسمالي .. إلاَّ أنه إنطلق في عدائه وتمرده على الخرطوم من أقصى اليسار الماركسي .. وهناك من رد ذلك إلى ما هو معروف في النقد الأدبي بعبقرية المكان الذي أطلق منه غضبته على الخرطوم وهي إثيوبيا الماركسية إحدى دول محور عدن خاصة وأن نظام نميري كان يتحرك وقتها مطمئناً تحت المظلة الأمريكية وكان يحاول حسم الحركات الجنوبية المتمردة عليه بسطوة الدعم الغربي!!" ضياء الدين بلال –الشماليون داخل حركة قرنق.

    هذا الخطاب الداعي لتحرير كل السودان، والذي تجاوز الخطاب الداعي لفصل الجنوب، كان –برغم الطعم الماركسي الذي يمكن تذوقه بين ثناياه- يعبر عن أشواق أعضاء حركة "نام" من السودانيين الجنوبيين، الذين إنضووا تحت لواء الحركة، في إختراق حاجز جنوب شمال والتمدد السياسي القومي، وشجعها ذلك النجاح الذي لاقته الدعوة –وقتها- في إستقطاب أعداد مقدرة من السودانيين شمالاً وجنوباً، كما جاء ليعبر عن أشواق الحركة وعضويتها القيادية في الخروج مبكراً من خندق الإقليمية الذي يمكن أن توصم به.

    قلة مردود هذا الخطاب في استقطاب شماليين (كما هو متخيل) –ليس بسبب عدم جدواه بل لثقافة مختلفة في النضال لم يتم وضعها في الحسبان- جعل قيادة الحركة تعيد قراءة خطواتها، بعد أن بدأت خطوات تحرير الأرض. وصارت مواجهة بضرورة التعامل مع الواقع، لتلجأ إلى مد صلاتها بالزعامات القبلية في الجنوب من أجل تجييش الشباب وإستيعابهم في الجيش الشعبي، وذلك فضاء لاتجدي معه دعاوى القومية ولا الماركسية ولا تحرير السودان.

    هنا كان لابد من خطاب تعبوي مختلف تمثل في الحرب ضد "الجلابة" التي ظلت تعني بالنسبة للمنخرطين في صفوفه "الشماليين" (الذين كانوا يشترون الدجاجة منهم بقرش ويبيعونهم ريشها بخمسة قروش)، فيما ظلت إذاعة الجيش الشعبي لتحرير السودان تنقل أنباء إنتصارات قواتها على القوات الحكومية إبان حكم النظام المايوي وما تلاه من الأنظمة، داعية كل السودانيين للنهوض ضدها. وتنوع خطاب الحركة الشعبية وتحدثها بأكثر من لسان ظل صفة ملازمة لها، فلديها لكل مقام مقال من أجل بلوغ غاياتها. فهي مع نفسها بخطاب ومع جنودها بآخر ولعامة السودانيين بلسان وللعالم بعدة ألسن، حسبما يقتضي الظرف الزماني والمكاني.

    إذاً جاءت قوات (Timber 1,2) إلى الجبهة الشرقية من تلك البيئة المناهضة للجلابة، لتجد "الجلابة" بشحمهم ولحمهم يقاتلون بجانبها هذه المرة، سواء داخل الجيش الشعبي أو في الفصائل العسكرية المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي، ولتجد أن رئيس القيادة العسكرية للتجمع هو د. جون قرنق القائد العام للجيش الشعبي والقائد باقان أموم هو منسق قوات التجمع. إلتقوا بالشايقي والزغاوي والهدندوي والجعلي والرشايدي والنوباوي والنوبي وغيرهم. وفوق جبال التناقضات التي وجدت نفسها داخلها، جاءت تضيف أخرى تحملها داخلها زرعها الخطاب التعبوي للحركة الشعبية هناك.

    اعتمدت الحركة –كما ذكرت- على الخريطة القبلية في قراءتها لوقع خطواتها المستقبلية، والتي أحدثت فيها ما أحدثته من نتائج كارثية خلال مسيرتها، مثلما حدث عند إنشقاق د. رياك مشار بقوته وقواته (القبلية) وهو من أبناء قبيلة "النوير" وقياداتها البارزين، ود. لام أكول، الذي ينتمي لقبيلة "الشلك" بقواته "الشلكاوية" وغيرها من تشظيات قبلية أصغر حجماً. وألقى الواقع القبلي بظلاله الكثيفة على الحركة في مناحي كثيرة الشيء الذي جعل فخامتكم –سيدي الرئيس- تجيبون في ضيق، مرة، على أسئلة صحفية بأن لا ذنب لكم في أنكم تنتمون إلى قبيلة "الدينكا" وأن لا ذنب لقبيلة "الدينكا" في أنها أكبر قبيلة في جنوب السودان أو في السودان. ورغم أن هذه حقيقة –لا ذنب لكم في ذلك- لكن تبقى الحقيقة الأخرى أن الحركة الشعبية فشلت في صياغة خطاب تعبوي من شأنه إزالة الإستقطاب القبلي الحاد داخلها، خلال مسيرتها النضالية الطويلة.

    أضاعت الحركة الشعبية فرصة تاريخية بتجاهلها لهذا الواقع أو عدم قدرتها على التعامل الإيجابي معه، فمعركة النضال الطويل (أكثر من عشرين عاماً) كانت كفيلة بتحقيق نتائج طيبة في كسر حدة الاستقطاب القبلي داخلها وبالتالي في كل الإقليم. فالكفاح المسلح (طويل الأمد) يشكل معملاً مناسباً وأكثر سرعة، تتفاعل داخله عناصر التقارب إذا ما أضيفت مقاديرها بالنسب الصحيحة. وهي في هذه الحالة خطاب تعبوي وبرنامج توعوي زائداً قيادة قادرة على تجاوز حالة الإستعلاء. أضاعتها لتدخل مرحلة ما بعد الحرب وهي تحمل على أك########ا وداخلها كثير من الأورام التي يمكن أن تصير إلى التقيح إن لم تتسرطن.



    واحدة وثلاثون جلدة على مؤخرة رجل (رسالة إلى جون قرنق) !!!!
                  

العنوان الكاتب Date
المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-04-11, 11:51 AM
  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-04-11, 11:56 AM
    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت عمار محمد ادريس10-04-11, 11:59 AM
      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Kostawi10-04-11, 12:33 PM
        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت BAKTASH10-04-11, 12:41 PM
          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت awad okasha10-04-11, 12:59 PM
            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-04-11, 03:38 PM
              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فايزودالقاضي10-04-11, 04:01 PM
                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 04:08 AM
                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Abuobaida Elmahi10-05-11, 04:17 AM
                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت خالد العبيد10-05-11, 04:20 AM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت طه جعفر10-05-11, 05:11 AM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 08:17 AM
  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت طارق الجبلابى10-05-11, 04:33 AM
    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Ahmed Elyas10-05-11, 05:05 AM
      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 08:11 AM
        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Nazik Eltayeb10-05-11, 09:37 AM
        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فايزودالقاضي10-05-11, 09:40 AM
          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فاروق عثمان10-05-11, 10:35 AM
            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت omar altom10-05-11, 10:43 AM
          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ahmed akasha10-05-11, 10:43 AM
            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 11:32 AM
              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ahmed akasha10-05-11, 11:52 AM
              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت منتصر عبد الباسط10-05-11, 12:02 PM
                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 12:29 PM
                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت منتصر عبد الباسط10-05-11, 01:05 PM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت طارق الجبلابى10-09-11, 04:22 AM
                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت هاشم احمد الحسن10-05-11, 01:18 PM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت منتصر عبد الباسط10-05-11, 01:26 PM
                      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 02:52 PM
                        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت احمد محمد بشير10-12-11, 02:13 PM
                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-13-11, 04:18 AM
                      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 02:55 PM
                        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 03:00 PM
                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 03:02 PM
                            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 03:05 PM
                              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 03:07 PM
                              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت خالد عبد الله محمود10-05-11, 03:14 PM
                                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت منتصر عبد الباسط10-05-11, 03:30 PM
                                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت منتصر عبد الباسط10-05-11, 03:58 PM
                                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 03:35 PM
                                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ibrahim alnimma10-05-11, 07:46 PM
                                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Mannan10-05-11, 09:29 PM
                                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت طارق الجبلابى10-09-11, 04:10 AM
                                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فاروق عثمان10-05-11, 09:25 PM
                                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت AMNA MUKHTAR10-05-11, 09:44 PM
                                      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت AMNA MUKHTAR10-05-11, 11:05 PM
                                        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-05-11, 11:56 PM
                                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت AMNA MUKHTAR10-06-11, 00:01 AM
                                            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت محمد النيل10-06-11, 02:27 AM
  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت محمد النيل10-06-11, 02:41 AM
    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-06-11, 03:16 AM
      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت هاشم احمد الحسن10-06-11, 08:22 AM
        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت هاشم احمد الحسن10-06-11, 09:07 AM
          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فايزودالقاضي10-06-11, 09:54 AM
          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ibrahim alnimma10-06-11, 10:19 AM
            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت فاروق عثمان10-08-11, 10:35 PM
              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ibrahim alnimma10-08-11, 11:03 PM
                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Al-Shaygi10-08-11, 11:31 PM
                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Shawgi Sulaiman10-09-11, 07:05 AM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Ahmed Elyas10-09-11, 07:43 AM
                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ibrahim alnimma10-09-11, 07:50 AM
                      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت صديق الموج10-09-11, 01:34 PM
                        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت AMNA MUKHTAR10-09-11, 04:08 PM
                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Elawad Eltayeb10-09-11, 04:21 PM
                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Murtada Gafar10-09-11, 04:24 PM
                            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت BAKTASH10-09-11, 04:43 PM
                              Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت ايمان بدر الدين10-10-11, 07:43 PM
                                Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-12-11, 01:09 PM
                                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-12-11, 01:23 PM
                                  Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Ahmed Elyas10-12-11, 01:26 PM
                                    Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-12-11, 02:04 PM
                                      Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت Ahmed Elyas10-13-11, 04:40 AM
                                        Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-13-11, 04:54 AM
                                          Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-13-11, 04:56 AM
                                            Re: المعارضة والرضاعة في شطر ميت د.نجاة محمود10-13-11, 05:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de