هل كان للمعارضة دور في قصف مصنع الشفاء ....

Quote: نقلا عن صحيفة الحياة السودانية 22/8/2006م في واحدة من ابلغ الدلالات على خطورة وبشاعة الاعتماد على منطق القوة الغاشمة في إدارة العلاقات الدولية أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارتها السابقة على قصف وتدمير إحدى المنشآت الصناعية المدنية في السودان التي شكلت نواة طيبة وأنموذجا ناجحا لصناعة الدواء في دولة من دول العالم الثالث سعت لتأمين احتياجات مواطنيها من الأدوية المنقذة للحياة في تجربة تعد من انجح التجارب لمحاصرة واستئصال أمراض المناطق الحارة . الملاريا، السل الرئوي وغيرها. * لقد انطلقت صواريخ ( توماهوك) من البوارج الحربية الأمريكية الراسية في أعالي البحار في العشرين من أغسطس من عام 1998 لتدمير مصنع الشفاء للأدوية تدميراً كاملا في ثوان معدودات وفي قسوة لا نظير لها حرمـت عشرات الملايين في السودان وفي الدول المجاورة له من نعمة الدواء وفـي ثوان أيضا فقدت أكثر من ثلاثمائة أسرة سودانية من عمال المصنع وموظفيه مصدر أرزاقهم كما دمر بالكامل مصنع مجاور للحلويات. وكان ذلك استناداً إلى اتهامات ملفقة ومعلومات استخبارية واهية كان حرياً بالدولة العظمى الوحيدة المالكة لناصية احدث تقنيات التحقق والرصد للتيقن من صحتها وصدقية مصادرها قبل الإقدام على ارتكاب جريمة إنسانية ضد شعب أعزل، مسالم يصنف بلدة في قائمة أفقر أقطار العالم. * لقد بررت الإدارة السابقة فعلتها بان المصنع كان مجرد واجهة لمؤسسة لصنع الأسلحة الكيماوية تعود ملكيتها لأسامة بن لادن زعيم منظمة القاعدة إلا ان تلك الدعاوى لم تصمد طويلا إذ قرر مركز دراسات منع الانتشار الأمريكي المرموق في تقرير علمي مطول نشر في دورية المركز عدد خريف عام 1998م. "ان المصنع ليس له علاقة مطلقا بتطوير الأسلحة الكيماوية" وقررت شركة أمريكية متخصصة في مجال التأمين وصفها صاحب المصنع بان المصنع لا صلة له البته بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وصرح المتحدث الأسبق باسم البيت الأبيض ( مارلين فيتزووتر) بان ضرب المصنع ربما يندرج في سعي الإدارة السابقة للتغطية على الفضائح المعروفة التي أحاطت بتلك الإدارة. وكتبت مجلة نيويوركر مقالا أكدت فيه ان وكالة المخابرات المركزية استبعدت مائة تقرير من ملفاتها حيث اكتشفت ان محتوياتها من المعلومات التي تدين السودان ملفقة بالكامل! واستناداً إلى ذلك كله فكت الإدارة أرصدة صاحب المصنع المجمدة تفاديا لعرض الأمر على القضاء خوفا من افتضاح أمرها و لا يزال أحد نواب الكونغرس يناضل من آجل تعويض صاحب المصنع. ورغم ذلك لم تعترف الحكومة الأمريكية صراحة بذلك الخطأ القاتل ولم تعتذر لشعب السودان وحكومته عن ذلك ولم تفكر بالطبع حتى في بناء مصنع بديل يغطي حاجة السكان الملحة التي تفاقمت بزوال المصنع ولو أنها فعلت ذلك أو بعضه لانتصرت لمنطق الحق ولأرست قاعدة أخلاقية هامة تزين وجه العلاقات الدولية. * ان حكومة وشعب السودان إذ يحمدان للإدارة الحالية سعيها لوقف الحرب الأهلية في جنوب السودان، ينتابهما القلق من انتهاج بعض اذرع الحكومة الأمريكية لذات النهج الذي أدى لتدمير مصنع الشفاء للأدوية والذي لازال يعتمد على المعلومات الملفقة المدسوسة في تقويم ووضع السياسات الأمريكية تجاه السودان. لقد ظل الكونغرس الأمريكي ولأكثر من عقد من الزمان يصدر الإدانات ويحمل الإدارة على فرض عقوبات جائرة ضد السودان دون دليل ولا تحقيق مستعينا بشهادات جماعات دينية متعصبة وأخرى معادية لكافة الأديان، تلك العقوبات التي أطالت بالفعل أمد الحرب الأهلية وحرمت المدنيين من ضروريات الدواء وقطع الغيار وما قانون سلام السودان إلا ابلغ دليل على ذلك. * ان حكومة السودان إذ تحتفظ بحقها في رد الحقوق والاعتبار فيما يلحق بالسودان من اعتداء تطالب جماعات حقوق الإنسان والجمعيات الإنسانية في الولايات المتحدة والعالم بالضغط على الحكومة الأمريكية بالاعتراف بجريمة ضرب مصنع الشفاء للأدوية وتعويض ملاكه ومالك مصنع الحلوى المجــاور له وبناء مصنع بديل له والاعتذار عن ذلك والسعي لانتهاج سياسة متوازنة تقوم على فحص الحقائق والتيقن من مصادرها ورفع كافة العقوبات المفروضة على السودان دون وجه حق. ذلك هو السبيل الوحيد الذي قد يمحو هذه الذكرى الأليمة من ذاكرة شعب السودان والشعوب الفقيرة في الدول النامية . * ان السودان ليأمل ان تكون هذه الذكرى عبرة لصناع القرار في الدول العظمى على ضرورة الأناة والتحقق من الاتهامات عبر الاحتكام إلى المنظمات الدولية والقوانين والمعاهدات الدولية المنظمة للعلاقات الدولية حفاظا على الأمن والسلم الدوليين. ذلك هو السبيل الوحيد لمحاصرة ظواهر العنف والإرهاب المدمرة وإشاعة قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والمعتقدات المختلفة .