|
Re: عرض ومناقشة رواية (مسح العالم) .. مُلخص + صور . (Re: مركز الخاتم عدلان)
|
د. احمد الصادق :- نحن فى السودان قمنا بالانفتاح تحديداً على النصوص السردية المعاصرة فى التراجم من اللغة الالمانية , وكان عندنا صعوبة فى التواصل مع النصوص الصعبة فى الادب الالمانى , و (هيرمان هيسا) كان معروفاً فى العالم العربى لفترة طويلة للغاية , ونصوصه كانت فلسفية وصعبة واقرب للتوجه الصوفى , ولاحقاً عرفنا (كافكا) و (الياس انيتى) , وبالطبع فان (جوته) من اهم الشخصيات المعروفة لدينا . فى الفترة الاخيرة ومنذ (جونتر جراس) فاننا قد انفتحنا مباشرةً على ما يدور فعلاً فى المانيا وربما فى اوروبا كلها , (جراس) نصوصه منتشرة ومقرؤة جداً وخاصةً رائعته (طبل الصفيح) وهو نص معروف جيداً لدينا هنا فى السودان وتمت الكتابة والتعليق عليه بكثافة . وبذات القدر تمت ترجمة هذا العمل لـ (دانييل كيلمان) , وهو عمل تم اصداره قبل اربع سنوات تقريباً بلغته الاصلية , الترجمة باللغة العربية لهذا العمل جاءت بعنوان (مسح العالم) مع وضع عنوان جانبى له بطريقة السجع على غرار المؤلفات الكلاسيكية فى اللغة العربية (قياس الممالك فى دروب المهالك) , العنوان (مسح العالم) هو ترجمة ركيكة للغاية , واعتقد ان الترجمة الاصح هى كيفية قياس العالم . هذه الرواية كتبها شاب صغير السن من مواليد عام 1975 , ومن الواضح ان خلفيته المعرفية والفلسفية كانت مصدراً لتحويل هذه المعرفة والتى لها علاقة بعصور الإستنارة الى رواية ناضجة باعتبار ان هذه هى روايته الاولى , (كيلمان) اختار نمط اقرب للرواية التاريخية , حيث ان زمان ومكان الرواية هو القرن التاسع عشر فى اوروبا , وفى هذا الوقت كانت اوروبا تشهد تحولات تاريخية على كافة الاصعدة بما فيها الصعيد المعرفى , والمؤلف قد التقط هذه اللحظة تحديداً وقام بتطوير الشخصيات المحورية فى روايته من خلال الايقاع السردى . من الواضح ان خلفية (كيلمان) الفلسفية لعبت دوراً جوهرياً , لاننا نعلم انه قد بدأ اطروحة علمية أكاديمية حول (كانت) , و (كانت) شخصية المانية محورية فى التنوير والتفكير الفلسفى الاوروبى فى القرن التاسع عشر , لكن اغواء الكتابة جعل (كيلمان) يحول هذه الافكار الى نص سردى , وهى رواية تقوم بشكل عام على تشريح التطور الذى حدث للذهن الاوروبى خلال هذا القرن . يطرح (كيلمان) فى الرواية ان المعرفة البحتة , فى شقيها العلوم الانسانية والعلوم العلمية البحتة , سوف يتجهان نحو التقاطع , ويخلقان نوع من انواع العلاقة البينية , وهو يطرح هنا نوع من انواع المعرفة العابرة للحقول المعرفية المختلفة , والشاهد هنا ان بطلى الرواية (هومبولدت) و (جاوس) , احدهما من اصول اجتماعية بائسة وهو (جاوس) , والاخر (هومبولدت) من خلفية ارستقراطية من نبلاء ذلك الوقت , والرواية تتحدث عن والدة الشخصية الارستقراطية قد استشارت (جوته) نفسه عن كيفية تربية هذا الابن وكانت الاجابة فلسفية عميقة , هذا كان فى بداية الرواية وهو التمهيد لان (جاوس) و (هومبولدت) سوف يتحركان خلال السرد حركة بآليات المُنجز الانسانى كله , (هومبولدت) كان جغرافى واختصاصى فى العلوم الطبيعية , و (جاوس) صاحب الاصول البائسة كان يهتم بالرياضيات والفيزياء . اى حركة فى الرواية اثناء السرد لتطور الشخصيات هى بسبب هاتان الشخصيتان , وكما قال ناقد فان (هومبولدت) و (جاوس) هما العمود الفقرى للسرد فى الرواية . مسح العالم او كيفية قياس العالم يأتى من خلال رحلة حول العالم لـ (هومبولدت) و (جاوس) وكأنهما يقومان باكتشاف العالم من جديد , وقلت ان هذه رواية تاريخية , وهذا صحيح , لكنها برؤية مختلفة , وهذا هو السبب الذى جعلها تلفت الانتباه , هى فى ظاهرها تبدو ان ليس لديها اى علاقة بالتاريخ , لكن فى جوهرها هى رواية لها علاقة مباشرة بالتاريخ واعادة قراءة التاريخ , التاريخ الفلسفى والفكرى للانسان الاوروبى تحديداً , هى رواية لأكتشاف العالم بآليات استفادت من اخر مُنجزات الفكر الانسانى حول الانسان والكون , والازمنة تتداخل بشكل غريب للغاية اثناء السرد حيث نجد عربة تجرها الاحصنة وهى تسير فى واحد من الشوراع الحديثة الموجودة الان فى (برلين) . المعروف فى الادب العالمى ان الرواية التاريخية تقوم باسقاط لحظة ماضية على الحاضر الان فى محاولة للاقتراب من قضايا الانسان اليومية . التقاء (هومبولدت) و (جاوس) كان فى البداية فى مؤتمر علمى وتطورت العلاقة بينهما بعد ذلك , وخلال كل الرواية نجد صوتيهما مسموع فى شكل تأمل فى العالم وما يحدث فيه من خلال الرحلة ومن خلال محاولتهما لأكتشاف العالم , ومحاولة الاكتشاف هذه جمعت المعرفة العلمية والمعرفة الانسانية والاجتماعية , نجد فى الرواية احصاءت فى الجغرافيا والتضاريس وعلم الاحياء وعن الانهار والبحار .
|
|
|
|
|
|