|
Re: مهرجان الديكة ! (Re: راشد مصطفي بخيت)
|
حرب الفساد: العيار الذي لا يصيب! راشد مصطفي بخيت.
حرب الفساد حرب ضروس، يحتاج الاستمرار فيها إلي أكثر من مجرد التلويح بها فحسب، ذلك لأن سوسة الفساد نخرت عظم الدولة السودانية إلي أن صيرتها محض هياكل ذابلة! بدأت الحرب بإعلان رئيس الجمهورية تكوين مفوضية لمكافحة الفساد، فتلقفتها الصحف تفتح ما تيسر لها من ملفات وقعت مستنداتها في أيديها حتى لا تقع فريسة سهلة لمتعهدي جرجرة الصحفيين لساحات المحاكم! بدأت الحرب إعلامية فقط، وساندها نائب رئيس الجمهورية بتعضيد إضافي في آخر تصريح صحفي نقل له يفيد أنه سيقف أمام كل من يود محاربة الفساد بنفسه. البعض ردَّ علي عبارة نائب الرئيس رداً مفحماً مثلما فعل الكاتب الصحفي الرفيع صلاح عووضة. إذ، ردَّ الأخير علي السيد النائب بما يفيد عكس ذلك، مؤكداً أن أقلام الصحفيين ما فتئت تطارد أشباح الفساد بكل قوتها، ولم تجد السيد نائب الرئيس لا أمامها ولا خلفها! نائب الرئيس عاد بقوة إلي صدر الشاغل العام في الفترة الأخيرة، ولهذا نقول له: أخرجوا بقضايا الفساد من حيز التصاريح الإعلامية وأدخلوها جنبات المحاكم لتتنفس عبر رئة المحاكم والقانون، ففي الهواء الطلق دائماً متسع لمحاربة الأشباح الخفية! مثلما فعل السيد عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم بخصوص قضية فساد النفايات. فهو قد فعل خيراً بمجرد توجيهه للتحقيق في الأمر وهكذا تكون البدايات الصحيحة إن سلُمت نية المحاربة فعلاً. حرب الفساد، ربما تستغرق ضعف ما استغرقته حرب ناقة البسوس! لأنها حربٌ موجهة لاجتثاث شأفة مرض عضال استشرى في جسد الدولة السودانية حتى أقعدها عن النهوض من كرسيها المدولب، هذا طبعاً بعد أن فقدت الدولة رجليها عقب انفصالهما عن الرأس في الفترة القريبة الماضية! ومؤكد جداً أن استكانة جسد الدولة السودانية لفايروس الفساد هذا، أرهق مناعتها حتى لمجرد مقاومة أثره بالمضادات المعروفة مسبقاً، بعد أن تحوصل هذا الفايروس علي نفسه أمام كل الحروب الإعلامية المنفردة، واحتاج في مرحلته هذه إلي أكثر من مجرد حرب تصريحات بطرق بالية لا تقوى علي مجابهته! تنشر الصحف تباعاً قضايا الفساد مشيرةً إلي قمة جبل الجليد، التي تخفي في داخلها من الهول ما ترتجف له الفرائص، في ذات الوقت الذي يستميت فيه المفسدين استماتة شرسة لإخفاء كل ما من شأنه جرّ أرجلهم إلي وحل الانكشاف! فالمفسد لم يعد مجرد فرد يعوزه التدبير الجيد، إنما استحال وبحكم فترة البيات الشتوي التي ربضت فيها الدولة مستكينةً له، إلي (مافيا) منظمة وعارفة بسُبل إخفاء ريحه متى ما فاحت نتانتها وأشارت لها الأنوف! المفسد أصبح يمتلك حصانة – أو مناعة – تؤهله لكب الزوغة بأقصر الطرق من حرب التصريحات، لكنه حتماً يعلم علم اليقين أن يومه آتٍ لا محالة. لذا فمن الأجدى أن تبدأ مفوضية الفساد المزمع إنشاؤها بما هو في اليد أولاً. فبعض الفساد الطافح هذا تعود أسبابه الجذرية لكون أن القانون نفسه لا يردع المفسد علي مرأى ومسمع الجميع، فغياب المناخ الديمقراطي الكامل، يهيئ للفساد البيئة التي يعيش فيها مستقراً إلي أن تصعب منازلته بذات الوسائل القديمة. لا بأس أيضاً بالقرار الذي أصدرته وزارة العدل القاضي بإنشاء نيابات متخصصة للفساد في أكثر من مكان، لكن ومع أمثال ذلك (الخبير الوطني) الذي كال سبابه للزميل الطاهر ساتي بعد أن كشف الأخير أسماء ومواقع بعض المتنفذين ممن يمعنون نهاراً جهاراً في مخالفه القانون.. يحتاج الأمر إلي صرامة أكثر، وما لم تتوفر هذه الصرامة اللازمة سيظل عيار محاربة الفساد عياراً (يدوِّش) إعلامياً فقط.. لكنه لا يصيب! فماذا ننتظر، وفي اليد ما يؤهل لاتخاذ القانون مجراه؟ عمود سابق
|
|
|
|
|
|