|
Re: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ... عبر و دروس (Re: احمد حامد صالح)
|
Quote: ذكر ابن خلدون في مقدمته عن المسعودي في كتابه أخبار الفرس قصة حدثت في فارس في عهد بهرام بن بهرام ، وذلك أن الملك بهرام سمع ذات مرة صوت البوم ، فاستدعى رجل الدين عندهم ـ وكان يلقب بالموبذان ـ وطلب منه أن يفسر له ما يقوله البوم ! فقال له الموبذان أن بومًا ذكرًا يخطبُ بومًا أنثى ، فطلبت منه أن يعطيها مهرها عشرَ قُرَى خربة في أيام بهرام بن بهرام ، فاستهان الذَّكَرُ بذلك ، وقبل شرطها ، وقال لها أنه لو دامت أيام مُلك بهرام فإنه سوف يعطيها ألف قرية خربة لا عشرين ! تعجَّب بهرام من كلام الموبذان ، فخلا به ، وسأله عن مراده ، وما الذي قصده بهذا المثل ، فقال له الموبذان أن المُلك لا يتم عزه إلا بالشريعة ، ولا قوام للشريعة إلا بالملك ، ولا عز للمَلِك إلا بالرجال ، ولا قوام للرجال إلا بالمال ، ولا سبيل إلى المال إلا بالعمارة والصناعة والزراعة وما شابه ذلك من أوجه التكسُّب ، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل ، فإذا زال العدل انهارت العمارة وتوقف الإنتاج ، فافتقر الناس ، واستمرت سلسلة التساقط حتى ينهار المُلك . وقد يتعجب البعض ويتساءل عن العلاقة بين العدل والعمارة والإنتاج ، وجواب ذلك أن الَملِك متى ظلم الرعية وانتزع الصناعات من أيديهم ليجعلها في يد حاشيته الذين هم من أهل البطالة ، وقد يعلِّل ذلك بأن هؤلاء هم أكثر الناس طاعةً له ، فيستطيع من خلالهم التحكم في الأسعار والوضع الاقتصادي العام ، متى فعل ذلك فقد سلك طريق انهيار ملكه من خلال أمرين : أولهما : أن الصناعة أو الزراعة متى كانت في يد واحد من الحاشية انعدم التنافس في هذه الصناعة أيًّا كانت ، ومتى احتكر السلعة رجلٌ واحدٌ ولم يجد منافسًا له لم يهتم بجودة ما ينتجه أولاً ، ثم يتحكم في الأسعار كيف شاء حيث لا منافس ثانيًا . وثانيهما : أن الصناعات متى كانت بيد الحاشية سومحوا فيما يؤخذ منهم من ضريبة ومصاريف متعلِّقة بما ينتجونه ، فاحتِيج إلى تعويض ذلك بالإثقال على عوامِّ الناس وتكليفهم بما لا يطيقون ، هذا بالإضافة إلى أنهم سُلبوا العمل الشريف لاحتكار الحاشية له ، فتبدأ الجريمة في الانتشار ، وهذه أولى خطوات الانهيار . والله تبارك وتعالى يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ، فلو حكم حاكم كافر بالعدل استمر ملكه ، ولو حكم حاكم مسلم بالظلم بين رعيته أزال الله ملكه ، والله مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك عمن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء . والعدل أمرٌ تميل إليه النفوس بالفطرة ، وهو أمر محمودٌ في جميع الشرائع ، وتأكَّد فضله في شريعة الإسلام لمَّا أخبر الله عن نفسه عز وجل : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) ، ولما قال : ( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) ، وقال عز وجل في الحديث القدسي : ( يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرمًا ، فلا تظالموا ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الظلم ظلمات يوم القيامة ) . ومن خطورة الظلم أن الله تبارك وتعالى يستجيب لدعوة المظلوم حتى لو كان كافرًا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم : ( ودعوة المظلوم ، يرفعها الله في الغمام ، ثم يقول لها : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) ، فالله عز وجل يستجيب لدعوة المظلوم ، حتى لو كان ذلك المظلوم كافرًا ، ولو كان ظالمه مسلمًا . فالعدل أساس الملك ، فبهرام هذا كان كافرًا ، ويُروَى أنه بعد أن نبَّهَه الموبذان على ذلك أقبل على النظر في ملكه ، وانتزع الضياع والصناعات من أيدي حاشيته وردها إلى أربابها وأهل الخبرة بها ، فعمرت الأرض ، وأخصبت الأرض ، وكثرت الأموال ، وانتظم ملك بهرام . فهذه سنة من سنن الله في خلقه ، عَلِمها الموبذان ، رجلُ الدين الكافر ، وأعلمها سيدَه بهرام بن بهرام ، الحاكم الفارسي الكافر |
|
|
|
|
|
|
|
|
|