مقدمة دفعني لاعداد هذا الكتيب ما قرأته في كثير من المقالات و المقابلات الصحفية التي تدافع عن سدود كجبار , دال و الشريك, مقابل التغييب المتعمد للرأى الآخر. و قد أثار هذا الدفاع في نفسى أشجان كثيرة و عادت بي الذاكرة الى بواكير طفولتي و أنا أرى أهلي أبناء مدينة حلفا يثورون و يطوفون بمظاهراتهم كل مدن و أحياء السودان رفضا لجريمة اغراق مدينتهم العريقة, و الموقف الغريب و المؤلم حقا من الشارع السوداني الذي قابل هذه الكارثة بسلبية غريبة و استخفاف شديد عكسته مجموعة النكات التي أطلقت عن المظاهرات: " أملت الكبري يا أبود عشان نتزهلق يا أبود, يطلع د.... يا أبود". لم يكن اغراق حلفا الا تابعا لزلزال آخر هو اتفاقية مياه النيل مع مصر, تلك الاتفاقية المجحفة و الاستغلالية و التي قامت بتوقيعها منفردة الحكومة العسكرية الأولي في العام 1959, و هي اتفاقية ستعاني منها كل الأجيال الحالية و القادمة بدرجة كارثية, لكنها كذلك لم تحرك ساكنا. تواصل السلوك السلبي و شمل بناء مجموعة سدود شمال السودان, تلك السدود التي تجاوزت فيها الحكومة و طفلها الشرس المدلل (وحدة تنفيذ السدود) الخطة الشاملة لتنمية الموارد المائية, و داست على مواطنيها و استرخصت دماءهم. و لا زال مواطنو مناطق السدود يواصلون رفضهم و احتجاجهم بكل الوسائل, و قابلت الحكومة هذا الرفض بتكوين مليشيات للدفاع عن هذه السدود, فسقط الشهداء في كجبار و مروي و الشريك و فتحت أبواب السجون و بيوت الأشباح للتصدي للمواطنين. و لم تفلح كل الجهود المحلية و العالمية في اختراق جدار السرية المضروب على مخططات و دراسات و برامج تنفيذ هذه السدود, ناهيك عن اعتبار مواطني المنطقة شركاء في تنمية مناطقهم. المياه هي وقود الحرب العالمية القادمة, لكن السودان بدأ دخول هذه الحرب باكرا علي المستويين المحلي و الاقليمي من خلال معارك بناء سدود الشمال و التوتر المتصاعد مع دول حوض النيل. , و جد السودانيون بلادهم في قلب حرب المياه, يدفعها في ذلك وضعها المتميز و الحرج بين دول منبع النيل و مصبه, بالاضافة لسوء ادارة موارده المائية, و الذي تسببت فيه بشكل أساسى الهيمنة السياسية و طغيان الجموح السياسى و الطموح الشخصي على الحكمة الفنية و القدرة العلمية. يزيد من تعقيد الوضع غياب الاهتمام الشعبي, و سلبية المؤسسات الشعبية في مواجهة و تصحيح الأوضاع التي ألحقت و لا زالت تلحق بالمصلحة الوطنية ضربات موجعة. اذ لم يجد المواطنون المتضررون في معظم الأحيان أى تجاوب أو دعم من الشارع السوداني و الذي شهد تجاوبا عاليا مع أحداث البوسنة و غزة و تورا بورا, و غاب تماما عن التجاوب مع كثير من القضايا المحلية. وقد استفادت كل الحكومات الشمولية في السودان من عدم وجود رأى عام فاعل, فانفردت باتخاذ أخطر القرارات و تجاهلت المتضررين, كما يحدث حاليا في اصرار الحكومة على بناء سلسلة من السدود في شمال البلاد, متجاهلة كل الأصوات المعارضة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة