للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-20-2024, 10:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-13-2010, 05:38 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) (Re: abubakr)

    في ما هي الدولة الوطنية - جاد كريم الجباعي

    خاص لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
    "الدولة هي الفكرة الأخلاقية المتحققة بالفعل؛ فهي الروح الأخلاقي من حيث هو إرادة جوهرية تتجلى وتظهر وتعرف وتفكر في ذاتها، وتنجز ما تعرف بقدر ما تعرف. توجد الدولة، على نحو مباشر، بالعرف والقانون؛ وعلى نحو غير مباشر في الوعي الذاتي للفرد ومعرفته ونشاطه، في حين أن الوعي الذاتي، بفضل ميله تجاه الدولة، يجد فيها، بوصفها ماهيته وغاية نشاطه ومحصلته، حريته الجوهرية"[1].

    قد يبدو تعريف الدولة، أو تحديد ماهيتها، على هذا النحو، الذي يذهب إليه الفيلسوف الألماني هيغل، مستهجنا،ً عندنا، وغير مفهوم، وموسوماً بالمثالية؛ لأننا تعلمنا، نحن "اليساريين" و"التقدميين"، في المدرسة السوفييتية أن هيغل فيلسوف مثالي، ومن ثم فإن فلسفته وأفكاره من سَقَط المتاع، لا تنفع "الثوريين" في قليل أو كثير. ولا سيما أن أكثرنا لا يزال متشبثاً بالتعريف الاختزالي، المنسوب إلى ماركس، أن الدولة "أداة قهر طبقية"، وبأفكار فريدريك إنغلز، التي بسطها في كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، الذي استند فيه على أنتروبولوجيا مورغان، يوم كان هذا العلم في بداياته الأولى، وتوصل فيها إلى النتيجة ذاتها. في حين يجمع النقاد على أن جميع التيارات الفلسفية ما قبل الهيغلية صبت في فلسفة هيغل، وجميع التيارات الفلسفية الحديثة انطلقت منها، ولا سيما الماركسية. ومن يقرأ عمل ماركس المهم في موضوع الدولة "نقد فلسفة الحق عند هيغل"، فضلاً عن أعمال الشباب الأخرى، سيلاحظ الاتفاق بين هذين العلمين الأكثر شهرة في تاريخ الفلسفة الحديثة في موضوع الدولة. فقد عرف ماركس الدولة بأنها "تجريد المجتمع المدني وتجريد كل فرد من أفراده"، وبأنها "تحديد ذاتي للشعب"، وسنعرض إلى تفصيل ذلك في موضعه.

    العودة اليوم إلى هيغل وماركس، وإلى فلاسفة عصر الأنوار، في موضوع الدولة، تبدو ضرورية وواجبة علينا، نحن الذين لم نعش تجربة الدولة الحديثة، إلا لماماً، (مع أن الدولة الحديثة، الدولة الوطنية أو القومية، ولا فرق، هي الظاهرة الأبرز على الصعيد العالمي، ما يشير إلى مدى تأخرنا عن جميع الشعوب والأمم التي تعيش تجربة الدولة)، وليس في ثقافتنا ما بفيد في هذا الموضوع من قريب أو بعيد، سوى السياسة السلطانية والآداب السلطانية، مما يتعلق بميدانين: الحرب والمال، ويؤدي معنيين: الغلبة والتناوب. الغلبة في الحرب تؤدي إلى الاستيلاء على المال والاستقلال به، لكن الحرب سجال، ولا دوام لسلطة جماعة واحدة، لا بد أن تضعف وأن تخلفها جماعة أخرى. وما تحليلات ابن خلدون المتشعبة إلا تعيينات لفكرة القهر والاستئثار من جهة، وفكرة التداول من جهة أخرى، كما لاحظ عبد الله العروي. وليس لدينا من ثم سوى أدلوجة عن الدولة، كما لاحظ العروي أيضاً. و"أدلوجة الدولة تسبق نظرية الدولة". ولكننا لا نزال في أدلوجة الدولة، ولدينا تصورات وهمية مئة بالمئة عن "دولة قومية" للأمة العربية، من "المحيط الهادر إلى الخليج الثائر"، وعن دولة إسلامية تستعيد ألق الخلافة الإسلامية، الراشدية ونضارتها، وعن دولة اشتراكية تقوم على دكتاتورية البروليتاريا الثورية، وتقضي على البورجوازية وعلى استغلال الإنسان للإنسان.

    مراوحتنا المزمنة، في زمانية أدلوجة الدولة، أو يوتوبيا الدولة، وعجزنا المزمن عن الانتقال إلى نظرية الدولة والتساؤل عن أصلها وماهيتها وبنيتها ووظيفتها ينمان على جهلنا ما هي الدولة، وعلى نفورنا من الدولة القائمة بالفعل، هنا والآن، منذ قيامها، لأسباب شتى، يتعلق بعضها بظروف نشوئها أو إنشائها. وينمان أيضاً على عدم اعترافنا بها، وعدم منحها أي مشروعية سياسية وأخلاقية، وحذفها إلى دائرة المعيب التفكير فيه، لأنها دولة قطرية، بل دويلة، "قطرية" هزيلة وذميمة أنتجتها مؤامرة غربية على الأمة العربية (اتفاقية سايكس بيكو). وعلى تعلقنا ثقافياً وروحياً بمثال دولة متخيلة، بل وهمية، كتلك التي كانت لنا ذات يوم؛ مع أن "ما هو عقلي متحقق بالفعل، وما هو متحقق بالفعل عقلي. عند هذا الاقتناع يلتقي الإنسان البسيط والفيلسوف، ومنه تبدأ الفلسفة دراستها لعالم الروح ولعالم الطبيعة على حد سواء. ولو كان التفكير أو العاطفة أو أي صورة شئت من صور الوعي الذاتي تنظر إلى الحاضر على أنه شيء باطل، وتسعى إلى تجاوزه بمنظار حكمة أعلى (من حكمة العقل ذاته) فإنها تجد نفسها في فراغ، ولأنها لا تكون موجودة بالفعل إلا في الحاضر فحسب[2]، فإنها هي نفسها مجرد عبث باطل[3]". (الحاضر، عندنا، ابن زنا ذميم وغير معترف به، لذلك تجدنا في غالبيتنا ممعنين في ازدراء الدولة القائمة بالفعل وفي ازدراء القانون، وغير مبالين بضرورة الإصلاح السياسي، ومنحازين إلى المشاريع المعادية للدولة صراحة أو ضمناً، كمشاريع الجماعات الإرهابية التي تسمي نفسها ويسميها معظمنا مقاومة إسلامية، أو المشاريع القومية العربية ذات المضمون العرقي والمذهبي، أو المشاريع المذهبية أو الطبقية، التي تنم جميعها على ولعنا بالاستبداد). نقول ذلك اليوم، لأننا نعتقد أن الدولة الدستورية الحديثة، ونميل إلى تسميتها الدولة الوطنية هي المخرج الضروري والوحيد من عالم الاستبداد، ومن البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحمل بذوره وتعيد إنتاجه، وقد كانت كذلك منذ بزوغ الأزمنة الحديثة، وأنها، في الوقت نفسه، الشرط الضروري والمقدمة اللازمة للديمقراطية.

    بالعودة إلى تعريف الدولة يحسن أن نحدد نقاط ارتكاز أولية وضرورية لفهم ماهية الدولة. نقطة الارتكاز الأولى والأساسية سنستمدها من أحد تعريفات ماركس للدولة بأنها "الإنسان مموضعاً"[4]، أي الإنسان / الفرد، الواقعي، أو الفرد الطبيعي، الذي ينتج ذاته في العالم وفي التاريخ بتوسط العمل. إذاً نقطة الارتكاز الأساسية هي الإنسان الواقعي، الفرد، بوصفه كائناً عاقلاً وأخلاقياً، في المقام الأول. (والأخلاق لا تنفصل عن العقل ولا تنفك عنه، بل هي العقل نفسه بصفته أخلاقاً ذاتية وموضوعية، أو بصفته الفكرة الأخلاقية، أي العقل في إحدى ذرى تطوره العليا). الإنسان عند هيغل معرف بالفكر أو بالعقل والأخلاق، الفكر هو الذي يخلق العالم، عالم الإنسان، بناء على الكوجيتو الديكارتي: "أنا أفكر إذاً أنا موجود. وهو أي الإنسان، عند ماركس معرف بالعمل. ولكن العمل البشري فكر متحقق بالفعل، فإذا حذفنا عنصر الفكر من العمل، لا يتبقى منه سوى عمل الطبيعة أو عمل الحيوان. وإذا كان العمل فكراً متحققاً بالفعل، فإن الفكر هو عمل بالقوة، أي عمل لم يتحقق بعد، ولكنه قابل للتحقق على أي وجه من وجوه التحقق، بحسب أنواع العمل البشري المشخصة. يبدو لنا أن هيغل وماركس ينطلقان من نقطة واحدة هي الإنسان الواقعي أو الفرد الطبيعي، بوصفه كائناً عاقلاً وأخلاقياً ومعرفاً بالعمل.

    ومن ثم فإن الدولة هي تحقق، أو تموضع، الإنسان العاقل والأخلاقي في الواقع، أي تحقق الروح الأخلاقي للفرد، (بالمفرد والجمع) تحققاً فعلياً. ولما كان الروح الأخلاقي للفرد إرادة جوهرية، أي إرادة الاتحاد بالكل الاجتماعي والإنساني، وإرادة الحرية والعدالة والمساواة، وإرادة الخير والحق والجمال، لا مجرد إرادة الأمن وحماية الملكية الخاصة وتحقيق المنفعة الخاصة والمصلحة الخاصة العمياء، فإن الدولة هي تحقق هذه الإرادة الجوهرية. ما يعني أن الدولة ليست كائناً غريباً عن الفرد وليست سلطة خارجية مفروضة عليه عنوة وقسراً، بل هي تعيُّن ماهيته الإنسانية، أي تعيُّن إرادته الجوهرية، في القانون، الذي هو قوام الدولة. فالقانون هو تجلي الإرادة العامة، التي تعرف وتفكر في ذاتها، وتنجز ما تعرف، بقدر ما تعرف. (لاحظ الارتباط الوثيق بين الإرادة والمعرفة، الإرادة معرفة تعي ذاتها على أنها كذلك، وتعمل على الانعتاق من جميع القيود. ويقابله ارتباط وثيق بين الفكر والحرية؛ الفكر أيضاً هو حرية تعي ذاتها على أنها فكر، وتعمل على الانعتاق من جميع القيود).

    الدولة من هذه الزاوية كائن حي قابل للنمو والتطور والتحسن بنسبة نمو المعرفة والفكر وتطورهما، وبنسبة نمو الوعي الاجتماعي، في المجتمع المعني، ولذلك تختلف الدول، وتختلف الدساتير والقوانين، باختلاف المجتمعات التي تنتجها. الدولة تتجلى، بصورة مباشرة، في القانون بصفته إرادة عامة. وتتجلى، بصورة غير مباشرة، في الوعي الذاتي، الذي يجد في الدولة تعبيراً عن ماهيته الجوهرية وتجسيداً لحريته. فغاية نشاط الفرد الجوهرية هو أن يكون عضواً في الدولة، ثم عضواً في الجماعة الإنسانية أو الجماعة المؤنسنة.

    نفترض، هنا، أن الفرد الذي يعي ذاته كائناً إنسانياً حراً ومسؤولاً، ويرى في الآخر تجلي ماهيته الإنسانية، لا مجرد منافس أو غريب أو عدو، لأنه مختلف، هو الذي يعي ذاته مواطناً، أو عضواً في الدولة الوطنية، ويرى في الآخر المختلف تجلي ماهيته الوطنية. ومن ثم فإن الإنسانية هي رافعة الوطنية وشرطها الضروري. الذات الإنسانية، والذات الوطنية، على السواء، هي التي تؤسس ذاتها في الآخر المختلف، على أنه تجلي ماهيتها، فليس ثمة ذات بلا آخر. هذا الأساس المكين الذي تنهض عليه الوطنية هو نفسه الأساس الذي تنهض عليه الديمقراطية، وسوف نرى أن الدولة الوطنية تحمل في ذاتها عوامل نموها وتحولها إلى دولة ديمقراطية، بقدر ما تكون تعبيراً عن الإرادة العامة وتجسيداً فعلياً لحرية مواطنيها.

    ولكن الفرد الطبيعي لا يعطى لنا إلا في إطار جماعة ما، وفي إطار جملة علاقاته الاجتماعية، أي إنه لا يعطى لنا إلا بصفته كائناً اجتماعياً معيناً ومحدداً بالأسرة التي ولدفيها وبالديانة التي تدين بها أسرته وباللغة التي يتكلمها وبالعمل الذي يمارسه وبالأفكار والتصورات التي يحملها عن ذاته وعن العالم وبالشروط الموضوعية التي تتكون فيها شخصيته وبوعيه الذاتي في المحصلة. ومن ثم فإن أي عمل يقوم به الفرد هو ذو طابع اجتماعي وأخلاقي، وكذلك العقل أو الفكر أو الروح المضمَّن في العمل والمكثف في منتجاته. عند هذه النقطة لا بد أن نقرر أن الفرد الطبيعي، بصفته الاجتماعية هذه، هو أساس الجماعة وأساس المجتمع، وأساس المجتمع المدني الحديث، الذي هو أيضاً إنسان مموضع.

    الفرد الطبيعي مسوق دوماً بسائق حاجاته ومصالحه ورغباته وأهوائه ونزواته وإرادته الذاتية ووعيه الذاتي، الذي يحدد ذاته ويحدد موقعه في الجماعة أو في المجتمع وفي العالم، والأهم من ذلك أنه نزَّاع إلى بسط إرادته الذاتية على كل ما يعتقد أنه قادر على امتلاكه، وحرمان الآخرين منه. في مثل هذه الحال لا بد أن تصطدم إرادته الذاتية (الأنانية) بإرادات ذاتية مماثلة لآخرين مسوقين مثله بالسائق ذاته، وينزع كل منهم إلى بسط إرادته الذاتية المتعسفة على كل ما يعتقد أنه قادر على امتلاكه وحرمان الآخرين منه. ما يؤدي إلى ما سماه هوبز حرب الجميع على الجميع. وإلى ما يجعل من الإنسان ذئب الإنسان. (مثل هذه الحالة نلاحظها اليوم، حيثما يضطرب حبل الأمن، ويسقط اعتبار القانون، وتختفي الدولة أو تكاد، كما هي الحال في العراق ولبنان وفلسطين والسودان والصومال وغيرها كثير)

    حالة الحرب هذه لا يمكن أن تفضي إلى حياة اجتماعية، ولا يمكن أن تؤدي إلى حفظ حياة الفرد وتحقيق أمنه وصون حقوقه، فضلاً عن واقع أنه لا يستطيع تلبية حاجاته إلا بالتعاون مع آخرين والاعتماد عليهم، لذلك ينشاً بين الأفراد "عقد اجتماعي" ضروري، لحفظ حياتهم وتحقيق أمنهم وصون حقوقهم جميعاً، على قدم المساواة. قوام هذا العقد جملة من المبادئ العامة تنظم حياة الأفراد وعلاقاتهم بما يحفظ وحدة الجماعة وسيادتها على أرضها ويوفر لها شروط النمو والتحسن والتقدم، وينظم علاقاتها بغيرها من الجماعات أيضاً (الدستور). فالعقد الاجتماعي، وهذه الحال، هو تلبية لضرورة داخلية وضرورة خارجية، في الوقت ذاته. والحرية، في أحد معانيها، هي وعي هذه الضرورة. فالدولة لا تقوم إلا بالعقد الاجتماعي، الذي مبدؤه الحرية والاختيار، والحرية هنا هي وعي ضرورة العقد. والغاية من العقد الاجتماعي هي نفي الحرب من حياة الجماعة وحل النزاعات والتعارضات الملازمة بالوسائل السلمية، والحيلولة دون الوقوع تحت نير الاستبداد، إذاً غاية الدولة التي تنشأ بالتعاقد هي السلم والحرية. وينبغي أن نلاحظ مباشرة أن العقد الاجتماعي هو أساس نشوء الدولة السياسية، أو الدولة الدستورية، وهو نفسه أساس تحولها إلى دولة ديمقراطية. الدولة الدستورية هي دولة تعاقدية، بحكم ماهية الدستور ذاته.



    بيد أن الغاية التي ينشدها المتعاقدون لا تقتصر على حفظ الحياة وتحقيق الأمن وحماية الملكية الخاصة، على نحو ما يرى الحقوقيون، والوضعانيون بصورة عامة، بل تتعدى ذلك إلى اتحاد الأفراد بماهيتهم الكلية المتعينة في الآخرين، (الاكتمال بالآخر، بتعبير أبو حيان التوحيدي)، وسعيهم من ثم إلى أن تصير الدولة تجسيداً لهذه الكلية، أي تجسيداً للعقل أو للفكرة الأخلاقية الشاملة وتجسيداً للحرية. الحرية هي الغاية الجوهرية للإنسان، لأنها ماهيته، لذلك نرى عشاقها يضحون في سبيلها بالغالي والنفيس، والدولة الدستورية، دولة القانون تجسيد للحرية، وقد غدت موضوعية. وعلى أساس الحرية الموضوعية، التي يجسدها القانون، تقوم العدالة والمساواة. ولذلك آثر سقراط تجرع السم على مخالفة قوانين بلاده.

    الفرد الطبيعي الذي ذكرنا بعض خصائصه أعلاه هو مجرد فرد طبيعي منعزل وأناني ومتوحد ومتوحش أيضاً، ومفترس إذا شئتم، قبل الدخول في عقد اجتماعي مع الآخرين من نظرائه. ولكنه هو نفسه، بعد الدخول في العقد الاجتماعي، يغدو كائناً اجتماعياً، في نظر نفسه وفي نظر المجتمع، وكائناً سياسياً وأخلاقياً، هو المواطن، في نظر نفسه وفي نظر الدولة. البعد الطبيعي والبعد الاجتماعي والبعد السياسي والبعد الأخلاقي والبعد الإنساني هي أبعاد شخصية الفرد ذاته وقوام هويته. وهي ذاتها أبعاد هوية الجماعة السياسية (الأمة) التي ينتمي إليها والدولة التي هو أحد أعضائها. (لا بد أن نلاحظ، هنا، الارتباط الوثيق بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة، فليس ثمة أمة بلا دولة، وليس ثمة دولة بلا أمة. الأمة ليست جماعة سياسية فحسب، بل جماعة أخلاقية أيضاً، ولذلك كانت الدولة تعبيراً عن الحياة السياسية وعن الحياة الأخلاقية لجماعة معينة ارتقت إلى مستوى مجتمع مدني)

    بموجب العقد الاجتماعي ينزل كل واحد من الأفراد المتعاقدين عن حريته طوعاً واختياراً، ويفوضها إلى شخص اعتباري، هو كل واحد منهم، وليس أي واحد منهم. هذا الشخص الاعتباري، المجرد بامتياز هو الدولة، وموضوع العقد الذي تنشأ الدولة بموجبه هو القانون أو الدستور. ينتج من ذلك، نظرياً، أن الدولة هي ملكوت الحرية، لأن جميع أعضائها قد نزلوا لها عن حريتهم طوعاً واختياراً، والتزموا دستورها وقوانينها طوعاً واختياراً أيضاً. الحرية التي نزلوا عنها للدولة يستعيدونها حرية موضوعية بموجب القانون، حرية يعترف بها كل واحد لكل واحد، ولا يتخطاها، ويحتفظ كل منهم، إضافة إلى ذلك، بحريته الذاتية. فالدستور والقوانين هي تعبير عن الحرية الموضوعية نظرياً وعملياً. أعضاء الدولة الذين نزلوا لها عن حريتهم لا يخسرون حريتهم بل يتمتعون بها بالتساوي في رحاب الدولة وبموجب القانون، أي إن الدولة، التي ماهيتها القانون، هي تجسيد للحرية الموضوعية، وتجسيد للأخلاق الموضوعية، وتجسيد للعقل.

    "الدولة، (كما يحددها هيغل)، عقلية على نحو مطلق، من حيث هي التحقق الفعلي للإرادة الجوهرية، التي تمتلكها (الإرادة) في وعيها الذاتي بصفة خاصة، بمجرد أن يرتفع هذا الوعي إلى مرحلة الوعي بكليته، وهذه الوحدة الجوهرية هي غاية في ذاتها مطلقة وثابتة، تصل فيها الحرية إلى حقها الأعلى وقيمتها العليا، ومن ناحية أخرى فإن هذه الغاية النهائية لها حق أعلى أو أسمى من الفرد، ذلك لأن واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضواً في الدولة".

    الدولة عقلية على نحو مطلق، أولاً ، لأنها تعبير عما هو عام ومشترك بين جميع أعضائها، وتعبير عما هو عام ومشترك بين مصالحهم المختلفة؛ ما هو عام ومشترك بين الأفراد بصورة جلية هو العقل والأخلاق وموضوعية المصالح الخاصة والعلاقات التي تعينها (العقل العملي)، ولا مناص من الاعتراف بها. فهي، أي الدولة، من هذه الزاوية، تجسيد للعقل والأخلاق وتجسيد للمصلحة العامة، التي تحدد جميع المصالح الخاصة وتحد من تطرفها. (العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، بتعبير ديكارت. الاجتماع البشري والنظام السياسي من إنتاج العقل، أي من إنتاج الإنسان، لا من إنتاج الطبيعة، وليسا تجلياً لعقل أعلى أو لحكمة أعلى من عقل الإنسان وحكمته، هنا يكمن المغزى العلماني للمجتمع المدني والدولة الوطنية). ولأن ما هو مشترك بين جميع أعضاء الدولة هو الحرية، بوصفها ماهية الفرد الجوهرية، فهي من هذه الزاوية تجسيد للحرية الموضوعية، التي لا تستنفد الحرية، ما يجعل من الدولة بنية مفتوحة على النمو والتحسن، لكي تظل تجسيداً للحرية، التي لا ضفاف لها، وذلكم ما يقتضي صيرورتها دولة ديمقراطية، وسنبسط ذلك في موضعه.

    والدولة عقلية على نحو مطلق ثانياً لأنها تجسيد للإرادة العامة أو تحقيق فعلي لها في صيغة الدستور والقانون، والإرادة العامة ليست جمعاً حسابياً، كمياً، لإرادات الأفراد، بل هي عنصر العمومية أو جرثومة (أصل) العمومية، في الإرادة الفردية ذاتها، العنصر الذي بفضله يخرج الفرد من شرنقته الذاتية الخالصة أو الأنانية، ويرتقي إلى مستوى الكلية الاجتماعية، الوطنية، وإلى مستوى الكلية الإنسانية. كل فرد على الإطلاق هو فرد خاص معين، وماهية إنسانية كلية وعامة، تعبر عن ذلك الجملة الخبرية البسيطة: سقراط إنسان؛ المسند إليه (المبتدأ) فرد معين ومعروف ومشهور، (سقراط) آثر تجرُّع السم على مخالفة قوانين بلاده؛ والمسند (الخبر) عام وكلي ومطلق ومجرد (إنسان). لو جردنا سقراط من جميع صفاته الفردية ومن جميع محمولاته ومن جميع تعييناته لا يتبقى لنا منه سوى الإنسان؛ ولكن، لو جردناه أو جردنا أي فرد آخر من إنسانيته فلا يتبقى منه شيء. الكلية الإنسانية العامة والمطلقة هي ماهية الفرد وجوهره، الكلي والعام والمطلق هي ماهية الجزئي والخاص والنسبي. الإرادة العامة، التي تجسدها الدولة هي عنصر الكلية والعمومية في جميع أفرادها. وحين يعي الفرد عنصر الكلية والعمومية في ذاته يتحد بهما مجسدتين في الدولة وفي الجماعة الإنسانية، ويعي ذاته كائناً كلياً، وتبلغ حريته حقها الأعلى. هذا المستوى من الوعي الذاتي هو ما يجعل غاية الفرد أن يكون عضواً في الدولة وعضواً في الجماعة الإنسانية، وهو ما يدفعه إلى المشاركة الإيجابية في الشؤون العامة وفي حياة الدولة. ذلكم هو وعي المواطنة في بعدها الإنساني، الذي من دونه تتحول الوطنية إلى تعصب قومي وإلى إمبريالية وإلى عنصرية مقيتة.

    والدولة عقلية على نحو مطلق ثالثاً لأنها كائن سياسي وأخلاقي مجرد إلى النهاية، ولأنها قيمة أخلاقية في ذاتها ولذاتها، فضلاً عن طابعها الحقوقي والمؤسسي؛ فنحن لا نرى الدولة، بل نرى مؤسساتها، ونستفيد من وظائفها، ونخضع لسلطتها طوعاً. ذلكم، في اعتقاد الكاتب، سر جهل أكثريتنا بما هي الدولة، وسر خلط مفهومها بمفهوم السلطة المشخَّصة. معرفة الدولة تحتاج إلى قدرة على حدس المجرد وحدس المطلق والاعتراف بقيمتهما المعرفية والأخلاقية وأثرهما في وعينا وفي جميع تفاصيل حياتنا، من حيث كون كل منهما حداً على المشخَّص وعلى النسبي[5].

    رأينا أن الفرد، الإنسان المتعيِّن، كائن اجتماعي هو عضو المجتمع المدني وأساسه، وكائن سياسي وأخلاقي هو عضو الدولة السياسية أو الدولة الوطنية وأساسها. الفرق بين الكائن الاجتماعي والكائن السياسي هو ذاته الفرق بين المجتمع المدني والدولة السياسية، فلا يجوز خلط أحد هذين المستويين بالآخر.

    الفرد في المجتمع المدني يعرِّف نفسه ويعرفه أقرانه ونظراؤه ويعرفه المجتمع بصفاته الفردية وملامحه الشخصية وانتماءاته العائلية والدينية والإثنية وانحيازاته الفكرية والسياسية وبمهنته وبموقعه الاجتماعي (الطبقي) إلى آخر هذه التعيينات، وهو إلى ذلك يتمتع بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يتمتع بها الآخرون، ويمارس حريته الذاتية في نطاق القانون، ويوجه حياته الشخصية الوجهة التي يريد. ذلكم هو أساس المجتمع المدني.

    أما الفرد بصفته عضواً في الدولة فهو المواطن فحسب، أي الكائن السياسي والأخلاقي. المواطن من طبيعة الدولة ذاتها، أي فرد مجرَّد من جميع تعييناته الفردية والاجتماعية، ارتقى وعيه الذاتي إلى مستوى الكلية الوطنية، فهو ينعم بالمساواة مع جميع أقرانه ونظرائه (وأقرانها ونظرائها بالطبع) أمام القانون. هذه المساواة هي مساواة في الحقوق والواجبات وفي التمتع بالحريات العامة، فقط، لأن الدولة السياسية لا تزال تجريداً للمجتمع المدني القائم على الملكية الخاصة والعمل الأجير، والذي لا يزال التفاوت الاجتماعي من أبرز سماته. الدولة السياسية لا تستطيع أن تمنح مواطنيها سوى المساواة السياسية، ولكنها تفسح في المجال لجميع أشكال النضال السلمي من أجل المساواة الاجتماعية، ما يعني أن الدولة السياسية تحمل في ذاتها عوامل نموها وتحولها إلى دولة ديمقراطية تصير فيها المساواة تعبيراً فعلياً عن العدالة، من خلال مشاركة جميع المواطنين في انتخاب أعضاء المؤسسة التشريعية مرة تلو مرة. فدورية الانتخابات من جهة، وتأليف حكومة جديدة، بعد كل دورة انتخابية ووفق نتائجها (التداول السلمي للسلطة) من جهة ثانية، يعبران عن تغير نسبة القوى الاجتماعية وعن وتيرة تضيُّق الشقة بين مالكي وسائل الإنتاج والأجراء، وبين الأغنياء والفقراء أو اتساعها.

    منذ القدم، فرق أفلاطون وأرسطو تفريقاً حاسماً بين الفرد الطبيعي، أو الكائن الاجتماعي، وبين المواطن؛ الأول، الفرد الطبيعي، مسوق بسائق حاجاته ومصالحه ورغباته وعواطفه وأهوائه ونزواته. هذا الفرد الطبيعي هو أي واحد منا، في وجوده الفردي، المباشر، وفي حياته اليومية، في المجتمع المدني. والثاني، المواطن، هو من يعي ذاته كائناً سياسياً وأخلاقياً متساوياً مع مواطنيه، ويتطلع إلى الحرية والعدالة والمساواة، ويتعلق بقيم الخير والحق والجمال، في المجتمع السياسي. وهذا أيضاً هو أي واحد منا، في وجوده الاجتماعي / الإنساني، الموسَّط، الفعلي، حين يخرج من قوقعته الفردية، الأنانية، أو من درعه المصفحة، كدرع السلحفاة، أو من جلده المغطى بالأشواك، كجلد القنفذ، ويرى ذاته في الآخر كائناً عاقلاً وأخلاقياً[6] ومواطناً فحسب. الفرد الطبيعي، أو الكائن الاجتماعي، هو أساس المجتمع المدني؛ والمواطن هو أساس الدولة السياسية، أو الدولة الوطنية.

    وقد حذر هيغل من خلط المجتمع المدني والدولة السياسية قائلاً: "إذا خلطنا بين الدولة والمجتمع المدني، وإذا جعلنا الغاية الخاصة من الدولة الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية، لكانت مصلحة الأفراد، بما هم كذلك، الغاية النهائية التي اجتمعوا من أجلها، وينتج من ذلك أن تكون عضوية الدولة اختيارية. غير أن علاقة الدولة بالفرد شيء مختلف عن ذلك أتم الاختلاف. فما دامت الدولة هي الروح وقد تموضعت (عند ماركس الدولة هي الإنسان / الفرد الواقعي وقد تموضع) فإن الفرد لن تكون له موضوعية، ولا فردية أصيلة، ولا حياة أخلاقية، إلا بوصفه عضواً من أعضائها ..[7]". (الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية هي غاية المجتمع المدني، لا غاية الدولة، غاية الدولة تتجاوز ذلك جدلياً إلى تحقيق ماهية الإنسان في واقع الحياة الاجتماعية، أي تحقيق الجماعة المؤنسنة، بتعبير ماركس، وتلكم هي وظيفة الدولة الديمقراطية (الدولة المادية) بتعبير ماركس أيضاً، وهذا ما يجهله كثير جداً من ماركسيي بلادنا). هنا ينبغي الالتفات إلى الفرق بين الدولة السياسية، التي لا تزال تناقضاً في ذاتها، إي لا يزال ثمة اختلاف وتعارض بين شكلها ومضمونها، وبين الدولة الديمقراطية، التي هي، عند ماركس، وحدة الشكل والمضمون، والتي هي كلية عينية عند هيغل، إي وحدة الحرية الذاتية والحرية الموضوعية.

    قد يستهجن القارئ رفض هيغل أن يكون انتماء الفرد إلى الدولة مسألة اختيارية، ذاتية صرفة، ويرى في ذلك تناقضاً مع قولنا أن الأفراد يدخلون في العقد الاجتماعي المؤسس للدولة طوعاً واختياراً. ولكن المسألة ليست كذلك. العضوية في الدولة ضرورة موضوعية، وحرية الفرد، التي يقوم عليها الاختيار، هي وعي هذه الضرورة، لأنها تتعلق بالغاية الجوهرية التي ينشدها الفرد في حياته المحدودة، وهي في نظر هيغل وفي نظرنا غاية أخلاقية، تتجاوز الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية. هذه الغاية تبدأ بالعلاقة الأخلاقية بين أفراد الأسرة، بدءاً بعلاقة الحب والمشاركة بين الأبوين إلى علاقة أبنائهما بهما بعد أن يبلغوا سن الرشد ويستقلوا مادياً. وقد لاحظ جان جاك روسو، من قبل، أن علاقة الأولاد الصغار بالأسرة هي علاقة حاجة واضطرار (علاقة نفعية بالمعنى الضيق للكلمة) أما بعد أن يكبروا ويوجه كل منهم حياته الوجهة التي يريد، فيتحررون من سلطة الأبوين ويحررون أبويهم من عبء الإنفاق عليهم والاهتمام بهم، تتحول العلاقة، إذ ذاك، إلى علاقة أخلاقية، علاقة محبة واحترام، أساسها الحرية. وكذلك العلاقة بالدولة. هذه العلاقة الأخلاقية تتصل بماهية الفرد وبنزوعه الأصيل إلى الحرية، التي هي ماهيته وجوهره، بدءاً بحرية التفكير والتعبير. الحرية هي غاية أخلاقية في ذاتها ولذاتها، والدولة، على ما يفترض هيغل، هي ملكوت الحرية الموضوعية، والحضن الدافئ للحرية الذاتية، ومن ثم فإن غاية الفرد الجوهرية أن يكون عضواً في الدولة. العضوية في الأسرة والعضوية في المجتمع المدني مقدمتان ضروريتان للعضوية في الدولة، وعضوية الفرد في هذا أو تلك ليست اختيارية، بحكم طبيعة الإنسان، فليس ثمة فرد إنساني خارج الأسرة وخارج الجماعة وخارج المجتمع المدني. (يمكن لأي شخص أن يغير جنسيته باكتساب جنسية دولة أخرى، ولكنه لا يستطيع العيش خارج الدولة. الغجر السعداء استثناء يؤكد القاعدة.)

    غاية الفرد ليست الأمن وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية فقط، أي ليست غاية نفعية وأنانية فحسب، بل غاية أخلاقية لا تتحقق إلا بعضوية الفرد في الدولة، ثم في الجماعة الإنسانية أو الجماعة المؤنسنة. فكرة الحب، بجميع المعاني التي ينطوي عليها الحب، من الحب الجنسي (الإيروس) إلى حب الحكمة (الفلسفة) مروراً بحب الأبناء وحب الآباء والأمهات وحب الوطن وحب الله وحب العدالة وحب الإنسان ..، تؤكد هذه الغاية الأخلاقية، فضلاً عن النزوع الأصيل إلى الحرية، الذي يخترق التاريخ البشري منذ استوى الإنسان على عرش المعرفة بستانياً للعالم حتى يومنا، وإلى ما لا نهاية. وإلى ذلك فإن الغاية النفعية ذاتها لا يمكن تحقيقها على نحو ثابت ومؤكد سوى في نطاق الدولة وفي ظل القانون، وإلا فإن البشرية ستنتكس إلى حرب الجميع على الجميع. هنا تكمن خطورة مفهوم "الأمن الذاتي" خارج نطاق الدولة، الذي يطرح اليوم في غير مكان، ولا سيما في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها، بحجة "حماية المقاومة".

    "إن الاتحاد الخالص والبسيط (اتحاد الفرد بكل من تتجلى فيه ماهيته الوطنية / الإنسانية، ثم الإنسانية) هو المضمون الحقيقي والهدف الصحيح للفرد. فمصير الفرد أن يعيش حياة كلية جماعية، والإشباع الجزئي الأبعد من ذلك والنشاط ونمط السلوك تتخذ من هذه الحياة الجوهرية والمشروعة على نحو كلي نقطة البداية والنهاية". ذلكم، كما ترون، هو الرهان التاريخي على تحسن الإنسان، الذي يحمل في ذاته هذه الإمكانات والقابليات، بحكم ماهيته ذاتها. الدولة الوطنية هنا هي الشكل أو الصيغة، التي تتظاهر فيها ماهية الأفراد. وهي صيغة مفتوحة بالضرورة على أفق إنساني، ما يدعونا إلى القول: إن الإنسانية هي أساس الوطنية ورافعتها وغايتها، وما يضع حداً عقلياً وأخلاقياً على جميع مظاهر التعصب والانغلاق، ويؤكد حقيقة أن التعصب هو حصيلة الجهل وضمور الروح الإنساني أو غيابه، ووليد المصالح الخاصة العمياء.

    تركيز الاهتمام على الفرد ليس من قبيل التزام المذهب الفردي، على أهميته، بل من قبيل الحفر على أساس المجتمع المدني والدولة السياسة، وتأكيد حقيقة أن حق الدولة أعلى من حقوق أعضائهاً فرادى ومجتمعين، لأنها "كلية عينية"، أي لأنها وحدة الكلي والفردي الجدلية. فـ "العقلانية، إذا ما أخذت بصفة عامة، وعلى نحو مجرد، تقوم على الوحدة التامة والكاملة بين الكلي والفردي، وتعتمد الدولة العينية، من حيث مضمونها، أولاً على وحدة الحرية الموضوعية (أعني حرية الإرادة الكلية والجوهرية) والحرية الذاتية (أعني حرية كل فرد في أن يعرف، وأن يريد غايات جزئية) وبالتالي، ثانياً من حيث صورتها، فهي تحدد ذاتها عن طريق القوانين والمبادئ التي هي أفكار، ومن ثم، كلية. وهذه الفكرة هي الوجود الأزلي على نحو مطلق للروح"[8]. الدولة إذاً هي وحدة الحرية الذاتية (حرية الفرد) والحرية الموضوعية (القانون)، والصيغة التي تتحقق فيها هذه الوحدة هي الدستور والقانون. هذه العلاقة الجدلية بين الحرية والقانون هي التي تؤدي إلى تطوير القوانين وتحسينها لتتسق مع مطالب العقل ومطالب الروح الإنساني الحر.

    وكما هو واضح للقارئ فإن الانطلاق من الفرد كان يهدف إلى غايتين: أولاهما تأسيس فكرة العمومية أو الكلية، التي هي ماهية الدولة، على أنها بعد أصيل من أبعاد شخصية الفرد، بل هي ماهية الفرد الجوهرية. والثانية تأكيد حقيقة أن هذا البعد ذاته هو ما يسمح بنشوء نمط تواصلي جديد على المستوى الأفقي في المجتمع، يقوم على أساس المواطنة، ولا يلغي أنماط التواصل الرأسية أو العمودية، بل يحصرها في مجال المجتمع المدني، ويحول دون انتقالها إلى المستوى السياسي. وذلكم ما يميز المجتمع المدني الحديث من المجتمع التقليدي؛ فالمجتمع المدني يقوم على ثلاثة مبادئ عامة هي: استقلال المجالات الاجتماعية، واستقلال المجال السياسي عنها جميعاً بوجه خاص؛ وتفريد العلاقات الاجتماعية، الذي يضفي على المواطنة قيمة أولية ومركزية؛ وأفقية العلاقات داخل المجتمع، التي تمنح الأولوية للمنهج الترابطي على البناء الجمعي (تراصف الجماعات) مما يؤدي إلى تنحية الهويات الخصوصية، ما قبل الوطنية، لمصلحة هوية جامعة جديدة هي الهوية الوطنية أو القومية.

    نود هنا أن نؤكد مرة أخرى أن فكرة الوطنية أو القومية (وهما بمعنى واحد سيميائياً) كانت ولا تزال ملازمة لفكرة الدولة الحديثة، وكذلك فكرة الأمة وفكرة الشعب، بل إن تبلور مفهوم الشعب، مفهوماً سياسياً، المفرد منه هو المواطن، يحيل على المواطنين الأحرار والمتساوين في الحقوق والواجبات وفي عضوية الدولة، كان عامل الانتقال الجدلي من الدولة الدستورية، الليبرالية، (الدولة السياسية) إلى الدولة الديمقراطية، انطلاقاً من حق الاقتراع العام، الذي هو مصلحة مباشرة لكل فرد بالغ من أفراد المجتمع المدني، لكي يؤكد عضويته في الدولة وحقه في المشاركة في حياتها. وقد عرف الياس مرقص الديمقراطية تعريفاً لافتاً بأنها الليبرالية مضافة إلى مفهوم الشعب. وقد أكدنا مراراً أن الشعب ليس معطى كمياً وليس جمعاً حسابياً لجماعات إثنية ودينية وطبقية، بل هو مفهوم سياسي من طبيعة الدولة ذاتها، وكذلك مفهوم المواطن.

    ولما كانت الدولة السياسية كلية عينية، أي وحدة الحرية الذاتية والحرية الموضوعية، أو وحدة الإرادة الفردية والإرادة العامة، ووحدة المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ولما كانت الكلية أو العمومية هي الماهية الجوهرية للأفراد، الذين لا يسعون وراء مصالحهم الخاصة وحاجاتهم الشخصية فحسب، بل يسعون إلى ما هو عام وكلي مما يتسق وجوهرهم الإنساني، فإن التجلي الواقعي لهذه الكلية العينية هو الدستور والقانون اللذين هما وحدة الحقوق والواجبات، الجدلية، وتجسيد للحرية الموضوعية. حقوق الأفراد هي واجبات الدولة؛ وحقوق الدولة هي واجبات الأفراد. مع ملاحظة أن حق الدولة أعلى من حقوق جميع أفرادها. ويفترض، وهذه الحال، أن تكون واجباتها، تجاه مواطنيها، وتجاه مجتمع الدول، أعلى من واجبات جميع أفرادها. ومن ثم فإن القانون (الدستور وسائر القوانين المشتقة منه والمتسقة معه) هو ماهية الدولة وحقيقتها الواقعية. فإذا حذفنا القانون من الدولة لا يتبقى منها شيء سوى التعسف والاعتباط والاستبداد.

    تجدر الملاحظة هنا إلى أن العرف (الوضعي) هو "قانون" الجماعة العشائرية (عشيرة أو قبيلة أو تحالف قبائل)، وأن الشريعة أو "الناموس" هي قانون الجماعة الدينية، وأن القانون الوضعي العام هو قانون المجتمع المدني الحديث وماهية الدولة الوطنية. ومن ثم فإن مفهوم الدولة الحديثة ملازم لمفهوم الوطنية أو القومية الحديثة، وهما بمعنى واحد. العرف لدى قبيلة معينة قد لا يوافق قبيلة أخرى، كلياً أو جزئياً، والشريعة الخاصة بدين معين أو مذهب معين أو طائفة دينية معينة لا يوافق أدياناً ومذاهب وطوائف أخرى، ذلك لأن العرف والشريعة كليهما جزئيان. القانون الوضعي في صيغته العامة والمجردة، وحده، يناسب جميع أفراد المجتمع المعني على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الجزئية، لأنه عام، فليس من مجتمع حديث وليس من دولة حديثة بلا قانون وضعي يسري على جميع المواطنين بالتساوي، وليس من وحدة وطنية راسخة بلا قانون وضعي يلتزمه جميع المواطنين. لذلك يعرض الدستور على الشعب قبل سريان أحكامه.

    لا يتسع المجال هنا لتتبع المسار التاريخي لنشوء الدولة الدستورية ودواعي الانتقال من الملكية المطلقة إلى الملكية المقيدة أو الملكية الدستورية وإلى الجمهورية، للوقوف على اختلاف أنظمة الحكم واختلاف الدساتير والقوانين باختلاف تجارب الأمم والشعوب وتفاوت مستويات نموها وتمدنها. وقد بين مونتسكيو ذلك في كتابة الشهير "روح القوانين"، وخلص إلى أن روح القوانين لدى كل شعب هو أو هي روح الشعب ذاته وخلاصة تجربته التاريخية. المدخل التاريخي والمدخل الحقوقي والمدخل السياسي (علم السياسة) مهمة جداً لتتبع مسار نشوء الدولة الدستورية وتطورها ولمعرفة أسباب اختلاف الدساتير والقوانين من دولة إلى أخرى والآليات الاجتماعية السياسية، التي تقبع في أساس هذا الاختلاف، حتى بين الدول المتقاربة في مستويات التطور الرأسمالي، وتحكم، من ثم، لا العلاقات الاجتماعية السياسية، في كل دولة على حدة، فقط، بل تحكم العلاقات الدولية أيضاً. ما يعني أن هنالك عدة مداخل لمقاربة هذا الموضوع، وهي مداخل متكاملة بالضرورة. لكننا آثرنا المدخل الفلسفي، الذي ندعي أنه أساس جميع المداخل الأخرى.

    في رسالته عن ديمقريطس وأبيقور قال ماركس:"إنه في أوقات الأزمات الكبرى يجب على الفلسفة أن تصبح عملية. ولكن ممارسة الفلسفة هي ذاتها نظرية، والنقد هو الذي يزن الموجود الفردي بميزان الوجود، والواقع الخاص بميزان الفكرة". والفكرة التي اتخذها ماركس ميزاناً لواقع الدولة البروسية، في زمنه، ليست الفكرة الهيغلية عن الدولة فقط، بل فكرة الدولة الديمقراطية أيضاً، كما كان يتصورها يعاقبة الثورة الفرنسية (روبسبيير ودانتون ومارا وصولاً إلى بابوف الذي قاد أول محاولة شيوعية في التاريخ الحديث (1797) ،أي وصولاً إلى القطيعة مع البورجوازية[9].

    وفي نقده فلسفة الحقوق عند هيغل وضع ماركس أساساً منهجياً لما هي الديمقراطية، أو لرؤيته للدولة الديمقراطية، قوامه: "المجتمع المدني ليس انعكاس الدولة، بل الدولة هي تعبير المجتمع المدني". الدولة الديمقراطية ستغدو عنده الدولة السياسية، الليبرالية، التي ينتجها المجتمع المدني على أنها شكل وجوده السياسي، والتي تصير دولة مادية (ديمقراطية) يتحد فيها الشكل السياسي والمضمون الاجتماعي. كما أن مسعى ماركس، في الحوليات الألمانية، كان يذهب إلى "توحيد الروح السياسية الفرنسية والنظرية الألمانية" ولا سيما الهيغلية.[10]

    فقد ثمن ماركس نقد فلسفة الحق الألمانية، التي لقيت في أعمال هيغل الصياغة الأوفر انسجاماً والأكثر غنى واكتمالاً، والتي هي، في الوقت نفسه، نقد للدولة المعاصرة، نقد يعرب عن نقصها وتناقضها في ذاتها؛ إذ "الصورة الفكرية الألمانية عن الدولة المعاصرة المنصرفة عن الإنسان الفعلي لم تكن ممكنة، على العكس، إلا لأن الدولة المعاصرة نفسها تنصرف عن الإنسان الفعلي، أو لا ترضي الإنسان كله إلا بصورة وهمية" [11]. ماركس، هنا، يشاطر هيغل نقده للدولة المعاصرة، التي، وإن اعترفت بالفرد الطبيعي أساساً لها، وفق المنطوق الليبرالي من هوبز وجون لوك إلى جان جاك روسو وفكرة العقد الاجتماعي ..، إلا أنها لا تعترف بهذا الفرد إنساناً فعلياً وكائناً كلياً. لا تعترف بماهيته الإنسانية، بل بفرديته العضوية فحسب. ولا تعترف بجميع الأفراد مواطنين متساوين في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولا بحقوق متساوية للرجال والنساء. بيد أن نقد ماركس ينصب، في هذه المسألة، على أن النقد الهيغلي لا يُستغرق في نفسه، بل في مهمات لا يتوافر لأجل حلها غير وسيلة واحدة هي الممارسة (البراكسيس) ويتساءل: "هل تستطيع ألمانيا أن تتوصل إلى ممارسةٍ، أي إلى ثورة بمقدورها أن ترفع ألمانيا لا إلى مستوى الشعوب المعاصرة الرسمي وحسب، بل أيضاً إلى المستوى البشري الذي سيكون مستقبل هذه الشعوب الأقرب؟"[12] أي إنه لا يريد لألمانيا أن ترقى إلى مستوى الدول المعاصرة لها فقط (هنا فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية) بل أن تتخطى نقائص هذه الدول إلى دولة ديمقراطية. فالدولة الديمقراطية هي دولة جميع إفرادها، بلا تمييز، وعليها أن تقوم بوظائفها، التي هي وظائف اجتماعية، لا تتعلق بالصفات الفردية لكل فرد، بل بصفته الاجتماعية، على نحو يرضي مواطنيها، لأنها كما يصفها دوماً "تحديد ذاتي للشعب".

    لم يستطع ماركس، بحكم منهجه النقدي، أن ينظر إلى الفكر السياسي الألماني إلا نظرة راديكالية، جذرية، والجذرية عنده بالتعريف: معرفة الأشياء أو فهم الأشياء من جذرها؛ وليس من شيء أكثر جذرية للإنسان من الإنسان ذاته. فالدولة الديمقراطية هي التي تصفي جميع العلاقات التي تجعل من الإنسان كائناً مهاناً مستعبداً عاجزاً ومحتقراً. لذلك رأى في نقد الدين الذي يعمل وفق هذا التعليم مدخلاً إلى نقد السياسة. الناس لم يخطئوا الجنة، والعالم ليس قابلاً لأن يصير جنة وفردوساً، ولكن ما دامت "دولة سياسية"، ليبرالية، قد تحققت في الجوار فإن "دولة مادية"، ديمقرتطية، تتجاوزها جدلياً يمكن أن تتحقق في ألمانيا، هذه الدولة المادية هي الدولة الديمقراطية بألـ التعريف، وهي محمولة على نمو المجتمع المدني وإمكانات تجاوزه إلى مجتمع مؤنسن. (قارن هنا موقف ماركس بمواقف من يقولون عندنا أن الديمقراطية لا تناسب خصوصيات مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية)

    عند ماركس ووفق منهجه، الدولة السياسية (الدولة الدستورية، الليبرالية) شرط الدولة المادية (الدولة الديمقراطية) الضروري، الثانية لا توجد من دون الأولى ولا تقوم إلا بتجاوزها جدلياً. والمجتمع المدني شرط المجتمع المؤنسن، الثاني لا يوجد من دون الأول، ولا بقوم إلا بتجاوزه جدلياً. والانعتاق السياسي الجزئي شرط الانعتاق الإنساني الكلي ومقدمته اللازمة. (راجع كتابه المهم "في المسألة اليهودية"، ترجة الياس مرقص) هكذا هي التاريخانية أو منطق التاريخ. فقد قال ماركس، في هذا الصدد: "إن الحلم الطوباوي بالنسبة لألمانيا (إن حلم ألمانيا) ليس الثورة الراديكالية، وليس التحرر الإنساني العام، بل بالأحرى الثورة الجزئية، الثورة السياسية فقط، الثورة التي لا تمس دعائم الصرح (صرح المجتمع المدني) ذاتها. علام ترتكز هذه الثورة الجزئية، الثورة السياسية فقط؟ على أن قسماً من المجتمع المدني يتحرر ويبلغ السيادة العامة، على أن طبقة معينة تعمد، انطلاقاً من وضعها الخاص، إلى تحرير المجتمع بأسره. إن هذه الطبقة تحرر المجتمع بأسره، ولكنها لا تحرره إلا إذا افترضنا أن المجتمع بأسره يوجد في وضع هذه الطبقة، أي إنه يملك مثلاً المال والتعليم أو يستطيع الحصول عليهما إذا شاء. ما من طبقة من طبقات المجتمع تستطيع أن تضطلع بهذا الدور من دون أن تثير الحماسة للحظة في نفسها وفي الجماهير، وهذه اللحظة هي تلك التي تتآخى فيها الطبقة المعنية، وتمتزج مع المجتمع بأسره، ويخلطونها فيها مع المجتمع، ويتقبلونها فيها، ويعترفون بها ممثلته العامة، تلك اللحظة التي تكون فيها ادعاءات هذه الطبقة فعلاً عقل المجتمع وقلب المجتمع.."[13] إن حلم ألمانيا أن تتبرجز وأن تبني دولتها السياسية وأن تسعى إلى تجاوزها جدلياً.

    غير أن تأخر ألمانيا، الذي كان يتجلى في تأخر نظامها السياسي وطبقتها السياسية ذات الوعي الأيديولوجي، وفي عجز البورجوازية الألمانية قياساً بالفرنسية والإنكليزية، جعله يراهن على دور البروليتاريا الألمانية أو على دور ما لما سيسميه غرامشي الكتلة التاريخية في كسر حلقة التأخر وعلى دور ما لألمانيا في افتتاح مشروع التحرر الإنساني الذي رأسه الفلسفة وقلبه البروليتاريا. وهذا الرهان ولنسمه كذلك، لم يكن تأملاً نظرياً صرفاً، ولا رغبة محضة، بل كان ينطلق من رؤية تاريخانية ديالكتيكية مفادها أن أمة ما يمكن أن تتعلم في مدرسة الأمم الأخرى وان بمقدورها عندما تعي ذاتها وعالمها أن تختصر آلام الولادة "فقط، لا أن تقفز فوق مراحل التطور، وذلك انطلاقاً من وحدة التاريخ البشري وكونية العقل الإنساني. وهو رهان حكم عليه التاريخ، لا بانهيار التجربة "الشيوعية" بل بمبدأ قيامها نيابة عن المجتمع، من دون توافر الشرط الذي وضعه ماركس نفسه على البورجوازية في الفقرة السابقة، ولا سيما اعتراف جميع فئات المجتمع أن البروليتاريا هي عقل المجتمع وقلبه. (يجب أن نلاحظ هنا أن البروليتاريا الروسية، التي قامت باسمها الثورة البولشفية، كانت لا تزال بلا عقل وبلا قلب، بحكم تأخر روسيا. قيمة فكر ماركس تكمن في أخطائه أيضاً).

    إشكالية التأخر هذه، وكيفية تجاوزه واقعياً، يمكن أن تساعدنا اليوم في تفسير نمو النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، (والتطرف القومي العربي وقيام النظم التسلطية على أشلاء جنين الدولة الوطنية عندنا) وهذه، أي النازية والفاشية والتسلطية مرض القومية الخبيث وعاهة الرأسمالية المتوحشة وتعبير عن ضمور المحتوى الديمقراطي الإنساني في الفكر والسياسة. والولايات المتحدة الأمريكية اليوم نموذج معاصر لمرض القومية الخبيث وعاهة الرأسمالية المتوحشة وضمور المحتوى الديمقراطي الإنساني في الفكر والسياسة، وهو ما يضع الفرق بين الديمقراطية والليبرالية من جهة، وبين الليبرالية الكلاسيكية و"الليبرالية الجديدة" الأمريكية الطابع، من جهة أخرى.

    بعد توكيد أولوية الإنسان العياني، الفرد الحقيقي، أو الإنسان الفعلي، يؤكد ماركس أن العائلة والمجتمع المدني هما المقدمتان الأساسيتان للدولة، وهما "يحولان نفسيهما إلى دولة وهما بالذات القوة المحركة[14]". ينطلق ماركس هنا من ديالكتيك الخاص والعام، (كل خاص هو عام) المجتمع هو العام الذي يحدد الخاص (الدولة)، لا العكس، لأن الدولة هي دولة خاصة بالمجتمع الذي ينتجها، دولة وطنية خاصة، في مجتمع الدول، وشكل سياسي خاص لوجود اجتماعي معين. ثم من ديالكتيك الفردي والخاص والعام. الفردي هو العام متعيناً: سقراط إنسان، سقراط يستمد ماهيته وقوامه من العام والكي فقط. والفرد، الإنسان الفعلي، ليس شيئاً ما خارج العالم الذي هو عالم الإنسان: المجتمع والدولة. الفرد الواقعي هو الإنسان وقد صار مجتمعاً موضوعياً (الإنسان مُجتْمعاً) أي مموضعاً ومتحققاً واقعياً في العلاقات الاجتماعية السياسية وفي علاقات الإنتاج. في هذا المستوى، المجتمع هو العام. الدولة هي الخاص، لأنها أحد أشكال الوجود الاجتماعي، لأنها الشكل السياسي للوجود الاجتماعي؛ الوجود الاجتماعي الكلي هو المضمون، الدولة شكل سياسي خاص. ديالكتيك الشكل والمضمون هو ديالكتيك الديمقراطية. لذلك يتفق ماركس مع هيغل في أن وظائف الدولة ومجالات نشاطها مرتبطة بالأفراد، ولكنه يؤكد أنها مرتبطة بالأفراد بصفاتهم الاجتماعية السياسية، لا بخصائصهم الفردية البدنية والذهنية والنفسية ولا بانتماءاتهم الدينية أو الإثنية. فالفرد ليس عضواً في الدولة إلا بصفته السياسية فقط. والسياسة بصفتها الشيء العام المشترك بين جميع مواطني الدولة وجميع أفراد المجتمع وفئاته متأصلة في فاعلية الإنسان الحرة الواعية والهادفة، وبصفته العام متعيناً، لذلك كانت السياسة فاعلية اجتماعية ومجتمعية. والدولة غير الديمقراطية هي استلاب هذه الفاعلية. والدولة الاستبدادية هي "الاستلاب الناجز" بتعبير ماركس.

    الدولة السياسية، غير الديمقراطية، عند ماركس، هي تناقض في ذاتها، بين مضمونها الاجتماعي الإنساني وشكلها السياسي. يقول في ذلك: "الديمقراطية هي حقيقة المَلَكية (سواء كانت ملكية مطلقة أم دستورية، (وحقيقة الجمهورية أيضاً، والملكية هنا هي المثال الأكثر شيوعاً أولاً، وواقع الدولة البروسية التي عدها هيغل تجسيداً للعقل ثانياً)، ولكن المَلَكية ليست حقيقة الديمقراطية. الملكية (وقل الجمهورية) هي بحكم الضرورة أيضاً ديمقراطية كتناقض حيال ذاتها. بينما العنصر الملكي (أو الجمهوري) لا يوجد كتناقض في الديمقراطية. الملكية لا يمكن فهمها من ذاتها، بينما يمكن فهم الديمقراطية من ذاتها. في الديمقراطية لا يكتسب أي من عناصرها أهمية غير التي تعود إليه، وكل عنصر هو عنصر فعلي من ديموس (الشعب) بكليته. أما في الملكية فإن الجزء يحدد طابع الكل، وكل نظام الدولة ملزم هنا بالتكيف لنقطة جامدة واحدة. إن الديمقراطية هي نظام الدولة كمفهوم أعم. أما الملكية فليست غير نوع من أنواع نظام الدولة، ناهيك بأنه سيئ. إن الديمقراطية هي مضمون وشكل، أما الملكية فكأنها ليست سوى شكل، بينما هي في الواقع تزييف المضمون.



    في الملكية يوضع الكل، الشعب، تحت أحد أساليب وجوده، تحت نظامه السياسي. أما الديمقراطية فإن نظام الدولة ذاته يبرز واحداً من التحديدات، عنينا بذلك التحديد الذاتي للشعب.

    في الملكية نواجه شعب نظام الدولة، في الديمقراطية نواجه نظام دولة الشعب. الديمقراطية هي لغز لجميع أشكال نظام الدولة. هنا نظام الدولة ليس في ذاته فحسب، ليس من حيث جوهره فحسب، بل أيضاً من حيث وجوده، من حيث واقعه، يتفق دائماً، المرة تلو المرة، مع أساسه الفعلي، مع الإنسان الفعلي، مع الشعب الفعلي، ويتأكد كقضيته الخاصة، إن نظام الدولة هنا يبرز كما هو كنتاج حر للإنسان …"[15].

    الديمقراطية عند ماركس، كما هي في الواقع، نظام للدولة يحمله الوجود الاجتماعي، المجتمع والمجتمع المدني في مجرى الصيرورة التاريخية، نظام ممكن وواجب، من وجهة نظر الفكر والسياسة والأخلاق. وهي جوهر نظام الدولة. ولا بد للدولة أن تتوافق مع جوهرها. وكل نظام للدولة هو إنسان مُجَتْمَع (أي إنسان صائر موضوعياً في صيغة مجتمع. والإنسان المُجَتْمَع هو أساس المجتمع المؤنسن، هو مقدمة المجتمع المؤنسن وأسّه وقوامه، لأن التفتح الإنساني الحر غير ممكن إلا في المجتمع المؤنسن، الذي يحرر أفراده من جميع أشكال الاستغلال والقهر والعبودية ومن جميع أشكال الاستلاب، المقدس منها وغير المقدس. في الديمقراطية، كما يقول ماركس، لا يوجد الإنسان من أجل القانون، بل يوجد القانون من أجل الإنسان، والوجود الإنساني، هنا، هو القانون. في الديمقراطية المبدأ الشكلي هو نفسه المبدأ المادي. هكذا ينبسط مفهوم الدولة المادية (الديمقراطية) بما هي الوجود المادي للمجتمع الفعلي والشعب الفعلي والإنسان الفعلي والشكل السياسي لهذا الوجود الاجتماعي ذاته أو لهذه الكينونة الاجتماعية ذاتها.

    تتعين الدولة بصفتيها: الحقوقية والسياسية. صفتها الحقوقية هي جوانيتها أو صفتها منظوراً إليها من داخلها. وصفتها السياسية خارجية، أي منظوراً إليها من الخارج. فالدولة السياسية إزاء الدول الأخرى هي الدولة الوطنية أو القومية أو الأمّوية (الدولة / الأمة). وإزاء شعبها أو مجتمعها هي دولة الحق والقانون. ولنقل إن الحق هو مضمون القانون ومحتواه؛ والحقوق كلها: الحقوق المدنية والسياسية والدستورية والاقتصادية والثقافية ..الخ تندرج تحت مقولة الحق التي تنفك دوماً إلى مقولتين: الحق الخاص الشخصي، والحق العام، ولاحق بلا قانون.

    عند ماركس، يمكن أن يكون شكل الدولة ملكياً مطلقاً أو ملكياً دستورياً أو جمهورياً أو ..الخ وهذه الأشكال جميعها باستثناء الدولة الديمقراطية هي أشكال الدولة السياسية التي ليست بعد الدولة المادية، أي الدولة الديمقراطية، لأنها لا تزال تناقضاً في ذاتها. أبرز مظاهر هذا التناقض، وأهم مضامينه أن سلطة الدولة، في ظل الملكية الخاصة، هي بالأحرى سلطة الملكية الخاصة، أي سلطة المالكين على غير المالكين، وهؤلاء الأخيرون هم المنتجون.

    يتساءل ماركس:"فيم تتلخص سلطة الدولة السياسية على الملكية الخاصة؟ ويجيب: في سلطة الملكية الخاصة بالذات. في جوهرها الذي دفع إلى حد الوجود (أي اغتراب العامل عن منتوج عمله وعن عملية الإنتاج). وماذا يبقى للدولة على نقيض هذا الجوهر؟ يبقى الوهم الزاعم أن هذه الدولة تحطم إرادة العائلة والمجتمع، ولكنها لا تفعل ذلك إلا لكي توفر الوجود لإرادة الملكية الخاصة، التي لا تخضع للعائلة والمجتمع، ولكي تعتبر هذا الوجود الوجودَ الأخلاقي الأسمى للدولة السياسية .أعتقد أن مفهوم الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، ومن ثم لنتاجات العمل الاجتماعي وللثروة المادية هو مفهوم ديمقراطي بامتياز، إذا أدركنا أن ماركس لم يقل بإلغاء الملكية على الإطلاق، بل بنفي الملكية الخاصة جدلياً، وإذا استوعبنا درس التجارب الاشتراكية المحققة التي جعلت ما يفترض أنه ملكية اجتماعية ملكية الدولة السياسية، بل ملكية ما هو دون الدولة السياسية، أي دولة الحزب الواحد أو الحزب القائد، ومن ثم جعلتها ملكية لا أحد؛ فأنتجت الفساد والإفساد. ومن البديهي أن الدولة ليست شخصاً طبيعياً كي تملك. وكل ملكية لشخص اعتباري أو رمزي هي نزع ملكية لأفراد طبيعيين ونزع الملكية هو نزع الحق والحرية. ومن ثم فإن جدل الملكية الخاصة التي ظهرت إلى الوجود، بحكم التاريخ، أي بوصفها ضرورية، والملكية الاجتماعية العامة التي تفترضها الملكية الخاصة نفسها ضرورة تاريخية، هو أيضاً جدل الحرية والضرورة. ويبدو أن هذه المسالة لا تزال على جدول أعمال التاريخ تحددها الصيرورة التاريخية أكثر مما تحددها التصورات. هل ما تزال الآلام التي أنتجتها الملكية الخاصة غير كافية للإيذان بتجاوزها جدلياً؟‍ الله أعلم

    ربما كان مفهوم المشاركة السياسية الفعلية في حياة الدولة أحد المداخل لحل المعضلة الآنفة الذكر فالمشاركة السياسية الفعلية التي تفترضها عضوية الفرد في المجتمع المدني، ومن ثم في الدولة هي السبيل الوحيد لتحويل الدولة السياسية إلى دولة ديمقراطية. إذ ماذا تعني العضوية سوى المشاركة والمسؤولية؟. في الدولة السياسية القائمة حولنا والمفترضة عندنا تعبر السلطة التشريعية عن حضور المجتمع في الدولة. فالدولة لا توجد بادئ الأمر إلا بوصفها دولة سياسية، وإن كلية الدولة السياسية (أو عموميتها أو كونها شيئاً عاماً) هي السلطة التشريعية. ولهذا، كما يقول ماركس، يعني الاشتراك في السلطة التشريعية الاشتراك في الدولة السياسية. يعني أن المرء يبدي وجوده ويحققه، بوصفه عضو الدولة السياسية، بوصفه عضو الدولة. ومن هنا ينجم أن رغبة الجميع كلاً بمفرده، في الاشتراك في السلطة التشريعية ليس سوى رغبة الجميع في أن يكونوا أعضاء للدولة فعليين (نشطاء)، رغبة بلوغ الوجود السياسي، أو أن يبدوا وجودهم بوصفه وجوداً سياسياً، ويثبتوه بنشاط. ومن هنا ينجم أن سعي المجتمع المدني إلى التغلغل في السلطة التشريعية بكل كتلته، كلياً قدر الإمكان، هو سعي المجتمع المدني الفعلي إلى وضع نفسه في مكان المجتمع المدني الوهمي للسلطة التشريعية، ليس سوى سعي المجتمع المدني إلى بلوغ الوجود السياسي، أو إلى جعل الوجود السياسي وجوده الفعلي. إن سعي المجتمع المدني إلى التحول إلى مجتمع سياسي أو سعيه إلى جعل المجتمع السياسي مجتمعاً فعلياً، يتجلى بوصفه سعيه إلى الاشتراك بصورة أعم قدر الإمكان في السلطة التشريعية"[16] إذاً:

    آ ـ لا توجد الدولة، بادئ الأمر، إلا بوصفها دولة سياسية، ولكن حقيقتها هي الدولة المادية. الدولة السياسية، الليبرالية، تناقض في ذاتها ما لم تعترف بأساسها الفعلي، أي بالعائلة والمجتمع المدني. وإن حل التناقض ليس حذف أحد حديه، لذلك فإن السلطة التشريعية في الدولة هي تعبير عن كليتها وعموميتها، أي تعبير عن حضور المجتمع المدني فيها. لكن السلطة التشريعية لا تزال بعد تعبيراً وهمياً عن حضور المجتمع المدني الفعلي فيها، بحكم تراتبية المجتمع المدني الطبقية من جهة، وبحكم الطابع المزدوج لأعضائها، من جهة أخرى؛ إذ يفترض أن أعضاء المؤسسة التشريعية هم ممثلو الأمة، ممثلو الشعب. ولكن كل واحد منهم لا يزال ينتمي إلى طبقة اجتماعية خاصة، ويميل إلى خدمة مصالحها. ولذلك كانت الانتخابات التشريعية الدورية تعبيراً عن تغير نسبة القوى الاجتماعية.

    ب ـ لكي يصبح هذا الحضور فعلياً لا بد من المشاركة الفعلية كلياً قدر الإمكان، وهنا تطرح مسألة التمثيل الحقيقي للكلية الاجتماعية، بدءاً بقانون الانتخاب وتحديد الدوائر الانتخابية وإعداد جداول الناخبين وتوفير الشروط القانونية والأخلاقية لصحة الانتخابات ونزاهتها وصولاً إلى انعقاد الهيئة التشريعية وتأليف الحكومة.

    ج ـ إن جميع "أعضاء الدولة" يميلون إلى أن يكونوا أعضاءها فعلاً، وأن كلاً منهم يرغب في بلوغ وجوده السياسي الفعلي، أي أن يكون مشاركاً نشطاً حراً ومسؤولاً. أي إنهم يرغبون في توكيد وجودهم السياسي أو جعل وجودهم الاجتماعي سياسياً وجعل وجودهم السياسي هو وجودهم الفعلي، قدر الإمكان.

    د ـ سعي المجتمع كله، قدر الإمكان، إلى التغلغل في السلطة التشريعية هو سعيه إلى إحلال وجوده الفعلي الحقيقي محل وجوده الوهمي الذي تدّعيه الدولة السياسية، المحدَّدة بالملكية الخاصة. إذ لا تزال طبقة أو فئة اجتماعية بعينها تدّعي لنفسها صفة الكلية الاجتماعية، صفة تمثيل الشعب والأمة والنيابة عنهما. وهو ما يحمل إمكانية النكوص إلى الاستبداد. فالاستبداد، في نهاية التحليل، هو إحلال الخاص محل العام والجزء محل الكل وإلغاء العام والكلي من دون أن يدري الجزئي والخاص أنه بذلك يلغي ذاته؛ فإلغاء العام هو إلغاء الخاص وهنا تكمن أسباب الانفجارات الاجتماعية وأسباب الخراب وحروب التدمير الذاتي، التي ينتجها الاستبداد.

    هـ ـ في سعيه إلى إحلال وجوده الفعلي محل وجوده الوهمي يسعى المجتمع المدني إلى بلوغ وجوده السياسي العام والكلي أو جعل وجوده السياسي هو وجوده الفعلي. أي يسعى إلى التحوّل إلى مجتمع سياسي أو جعل المجتمع السياسي مجتمعاً فعلياً. وتلكم هي الديمقراطية، في نظر ماركس.

    المدخل إلى ذلك هو التمثيل، مع اخذ العدد بالحسبان. التمثيل الذي محتواه جعل السلطة التشريعية تنبع من المجتمع المدني وتكون هي وظيفته السياسية بالمعنى الواسع للكلمة. والتمثيل يفترض الانتخاب. "والانتخابات هي علاقة المجتمع المدني المباشرة، الصريحة التي ليست تمثيلية وحسب، بل موجودة فعلاً، بالدولة السياسية. ولهذا من المفهوم بديهياً أن تشكل الانتخابات مصلحة سياسية في غاية الأهمية للمجتمع المدني الفعلي. وفي الحق الانتخابي غير المحدود النشيط والهامد ارتفع المجتمع المدني فعلاً للمرة الأولى إلى التجرد من نفسه بالذات، إلى الوجود السياسي، بوصفه وجوده الحقيقي العام الجوهري. ولكن السير بهذا التجريد إلى النهاية في الوقت نفسه هو إلغاء له. إن المجتمع المدني إذ أكد وجوده السياسي بوصفه وجوده الحقيقي، إنما جعل، بالتالي، من وجوده المدني، فيما يميزه عن الوجود السياسي، غير جوهري، وبسقوط أحد العنصرين المفصول أحدهما عن الآخر يسقط نقيضه. ومن هنا ينجم أن الإصلاح الانتخابي يمثل في إطار الدولة السياسية المجردة إلغاء هذه الدولة، ولكن مع مطلب إلغاء المجتمع المدني"[17].

    يبدو لنا بوضوح أن ماركس يضع مسألة الديمقراطية في مجرى الصيرورة التاريخية، ويبين ضرورة نفي المجتمع المدني جدلياً أي تحوله، مع كل ثروة التطور المحرز، بل بفضل هذا التطور ذاته إلى مجتمع سياسي مؤنسن تكف الدولة فيه عن كونها شكلاً سياسياً مخارجاً أو معارضاً لمضمونها، فتتحول هي الأخرى إلى دولة مادية، ديمقراطية. ومثلما لم يتصور ماركس إلغاء الملكية، بل تغيير شكلها فحسب، أي تحويلها من ملكية خاصة إلى ملكية اجتماعية، فإنه هنا لا يتصور إلغاء الدولة بما هي شيء عام فعلياً وموضوعياً وشكل خاص ذاتياً، إذ لابد من تحديدات ذاتية للوجود الاجتماعي المتعين أو للكينونة الاجتماعية. ولعله واضح هنا ارتباط إلغاء الدولة السياسية بإلغاء الملكية الخاصة التي هي عماد المجتمع المدني وحقيقته الفعلية المقنّعة بالوجود الوهمي للإنسان الموضوعي أي للمجتمع. إن ماركس لا ينشد أكثر من إحلال الوجود الواقعي للمجتمع محل وجوده الوهمي، وإطلاق سيرورة تاريخ الإنسان.

    ولا أعتقد أن ماركس يغلق بذلك دائرة الديالكتيك أو أنه يضع نهاية للتاريخ، بل إنه يفترض نهاية لهذا التاريخ الذي لا يزال، حتى اليوم، تاريخ اغتراب الإنسان. آية ذلك انه يفترض أن عوامل نمو المجتمع المدني وتحوله جدلياً إلى مجتمع إنساني أو إلى إنسانية اجتماعية إنما تتولد من داخله بفعل تناقضاته أو تعارضاته الملازمة. وكذلك عوامل نمو الدولة السياسية الشكلية وتحولها إلى دولة مادية (دولة ديمقراطية) مع توكيد مفهوم الدولة. المجتمع المدني ليس نهاية التاريخ، وليس هدف التاريخ وغايته، وكذلك الدولة السياسية، الدولة الوطنية أو القومية، بل الجماعة المؤنسنة. الديالكتيك البادئ بالعلاقة الأولية البسيطة علاقة الإنسان بالعالم أو الذات بالموضوع لا يمكن أن يتوقف إلا بحذف أحد الحدين الجدليين: النوع البشري أو العالم، وهو افتراض لم يغب عن بال إنغلز الذي قال ما معناه: حتى لو افترضنا فناء النوع البشري، لسبب من الأسباب، فإن الطبيعة ستعيد إنتاج ذاتها الواعية، ربما في مكان غير هذا الكوكب. وليس لهذه "الطبيعة الواعية ذاتها من اسم آخر سوى الإنسان.
    نود أن نؤكد أن الديمقراطية هي مضمون الدولة الوطنية الحديثة، وأن العبرة في جميع الأحوال هي مدى اتساق أو عدم اتساق الشكل مع المضمون. الدولة هي الشكل، الشكل السياسي للوجود الاجتماعي، والمجتمع المدني، ثم الأمة، ثم الشعب، هو المض
                  

العنوان الكاتب Date
للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 05:35 AM
  Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 05:38 AM
    Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 05:45 AM
      Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 05:57 AM
        Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 06:04 AM
          Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) بدر الدين احمد موسى11-13-10, 07:15 AM
            Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 07:37 AM
              Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 07:40 AM
                Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) بدر الدين احمد موسى11-13-10, 07:58 AM
                  Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) بدر الدين احمد موسى11-13-10, 08:00 AM
                    Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) بدر الدين احمد موسى11-13-10, 08:02 AM
                      Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) بدر الدين احمد موسى11-13-10, 08:14 AM
                        Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 08:35 AM
                          Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 09:32 AM
                            Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) مامون أحمد إبراهيم11-13-10, 09:42 AM
                              Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 10:26 AM
                                Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 10:27 AM
                                  Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 10:33 AM
                                    Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 02:13 PM
                                      Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 03:56 PM
                                        Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 04:08 PM
                                          Re: للباحثيين عن معرفة ونقاش موضوعي : ماهي الدولة (كتابات متفرقة) abubakr11-13-10, 05:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de