لنا مهدي .. تصدر ديوانها الأول من القاهرة .. النيل يغلي عند المصب

Quote: يسعدني أن أقدم للقارئ السوداني والقارئ العربي هذه الباقة من أشعار الشاعرة لنا مهدي وهي سيدة شابة مثقفة لم تصرفها واجبات الوظيفة ولا الحياة الزوجية وما تفرضه من واجبات الإنجاب وتنشئة الأطفال عن الاطلاع والمثاقفة وكتابة الشعر وروايته. وقد تعرفنا ببعضنا البعض عن طريق هذه الاتصالات الحديثة منذ ما لا يزيد على السنة فأطلعتني على مجموعة من أشعارها وتقبلت نصحي حولها فسحبت بعض القصائد وأبقت على بعضها الآخر وأضافت إلى مجموعتها عددا آخر من القصائد الجديدة وعلى ضوء ذلك الحذف والإضافة استطيع أن أقول بلا تردد أن شعرها يحقق قفزات نوعية متوالية وهي بذلك تستحق التشجيع ويرجى منها الكثير في مستقبل غير بعيد . بين أيدينا الآن الديوان الأول للسيدة مهدي ويضم في صورته الحالية معظم ما كتبت من قصائد وأشعار وأنا أعلم تماماً ما ينطوي عليه الديوان الأول من مخاطر بالنسبة للشاعر والشاعرة إذ يرتهن مستقبل الشاعر بما يلقى الديوان من استقبال القراء واهتمامهم به وتعليقهم عليه .وليس حتماً من الحتم أن يندفع الشاعر في مغامرة الكتابة أو يعزف عنها لأن ديوانه الأول وجد استقبالاً جيداً أو استقبالاً رديئاً من القراء فان مرد ذلك إلى شخصية الشاعر واستجاباته للرفض أو القبول .فهنالك من المبدعين من يدفعه النقد القاسي إلى التفوق واثبات القدرة ومنهم من يدمره ذلك النوع من قسوة القراء ويصده صداً عن ريادة آفاق الإبداع. وبالمثل هنالك مبدعون يدمرهم الثناء والإشادة ويثبط هممهم القبول السريع صادقاً كان أو كاذباً.وظني إن ذلك ما جرى لمعظم ما أنتجت النساء العربيات من شعر وقصة ورواية في هذه العقود الأخيرة فقد ابتلعتهن صحراء الإطراء والإشادة واختفى أكثرهن من الساحة ولم يعد يسمع بهن أحد. والواقع إننا جميعا نريد الخير للمرأة السودانية والعربية ونريد لها أن تلمع وتأتلق في عوالم الإبداع ولكننا يجب أن نلجم تلك الرغبة أو الأمنية ونغالب رغبتنا في كيل الثناء لأن الثناء الكثير يغرق المبدعة شأنه شأن الإفراط في سقيا النبات فإن تراكم الماء يمنع الأوكسجين عن الجذور ويسبب لها الاحتقان أو التعفن وفي نهاية الأمر يقضي على النبات. لقد نظرت في هذا الديوان بعين العطف والمحبة ولم يكن لي من هم سوى سبر قدرات شاعرته : هل هي شاعرة ذات قضية؟ هل لديها حس الموسيقى ؟ هل هي معنية بفنون الإيحاء .وتلوين البنفسجة كما يقول شكسبير؟ هل تستخدم خيالها في تصور العالم على غير هيئته الراهنة؟ هل تكتشف علاقات جديدة بين الأشياء والمعاني غير ما درج عليه الناس؟ نترك للشاعرة أن تجيبنا على تلك التساؤلات في مستقبل قريب ولكنني سأجيب على واحد فقط من تلك الأسئلة وهو السؤال الأول:هل هي شاعرة ذات قضية؟وأقول بلا تردد إن معظم شعرها مكرس لقضية الوطن ويستمد عنفوانه من منظور مهدوي وهو منظور رفع عدداً من شعراء السودان إلى قمم عالية من الإبداع كما هو عند البنا ومحمد المهدي المجذوب.ولا يستطيع المبدع السوداني إلا أن ينفعل بأمثولات البسالة والفدائية التي قدمها أسلافنا المهدويون وقدراتهم العجيبة على المصابرة وتقديم التضحيات ثقة بساعة النصر في نهاية المطاف وذلك على رأي القائل: ليسألوا عنك أفواج الغزاة رأت نطحا كنطحك والأيام مهدية؟ أو كلمة ونستون تشرشل في حق شهدائنا في كرري: "لقد قتلناهم ولكننا لم ننتصر عليهم." ويثلح الصدر كثيراً اعتزاز الشاعرة بانتمائها المهدوي وانغماسها الكامل في ذلك المنظور مقابل جهل تام لتلك الأمجاد بين أبناء جيلها من الشباب. انه الديوان الأول أو المدماك الأول في بناء صرحها الإبداعي وعلينا نحن القراء أن نتقبله بقلب خافق وذهن مفتوح متمنين لها كل الخير والتوفيق والتقدم المستمر على طريق الإجادة والتجويد. محمد المكي ابراهيم شاعر سوداني