(1) هجرتني ملائكتها . انطوت خيمة العشق . ولملمت السُحب أطرافها ، فليس من داعٍ للبكاء . الشمس مصْفرَّةٌ وقرصها أكبر . على وجهها بُدرة الإصباح ، فقد طلّقت حرارتها ليصير الطقس عند انحدار العصر إلى الغروب أنقى وأروع . (2) قلتُ للحروف إنكِ شاهقةٌ في عليائك ، وما استطعتُ إليك السبيل . مرت عليَّ أماسٍ ، ولم تزرني تلك الأرواح الهائمة التي تدُلني الطريق الناعم الذي تشقُ فيه الأحرُف المُلساء ورق الحَيرة لأكتب من جديد . (3) أعلم أن الشأن العام قاسٍ ، كلماته وحشية ، تشبه الكتابة التقريرية . الخوض فيها كالسير حافٍ في تضاريس الحصى الساخِن . لن تلقى الحياة التي تُحب ، بل الحياة التي تفرُّ منها . (4) أحتاج مأدبةً أنا والصفاء ، وذاكرة لولبية ، تُخلط اللُبَّ بالقشر . وترمي الحديث على عواهنه. تشهدُ الخضرة تقفز من فوق بعضها. من أعلى ومن تحت الأفق . أشهد قصيدة تائهة في المروج أمسك يدها شاعر وقبّلها لترضى . عصافير تلك السماوات تجدُ الرزق أنّا شاءت ، رغم قسوة الشتاء ، فالصيف في بلادنا رياح سموم لا ترحم . (5) نفتح كوة أولى في الذاكرة . أجد من أُحب وقد التفّت حول جسدها كثُعبان شهوة أملس ومُرَقّط . ليس من ساعة أجمل من أن تكون لصيقاً بمن تُحب . لضربات القلب رنينٌ مُحبب ، يخترق الأجساد ، وللبرد عندما يتلصص أجواءنا ، لا يترك لنا إلا أن نتقرفص . (6) نفتح كوة أخرى ، وأجدني في مكانٍ قفر ، وظلمة تحبس الأنفاس ، وصفير الريح من بين فرجة النوافذ والأبواب في بيتٍ غرفه من الطين اللبِن ، مكان فسيح ، وبيوت متناثرة في جزيرة معزولة في بحر تتنازع عليه العرب والفرس . (7) خرجتُ من ظلمتي تلك إلى حيث عَباءة السماء تُقددها الأنجم من البعيد ولا قمر . بيدي سراجٌ قديم ، وقوده الزيت وتحميه زجاجة حتى لا تطفئه الريح . الخوف وضربات القلب رفيقان يدعوانك أن تغني بصوت عالٍ كي تطرد الرُعب الساكن تحت الليل وفي المكان وأنت وحيد . (8) قررت أن أبيت وحدي هنا ، وأعلم أن هنالك أفاعٍ ، طريقها مرسوم في التراب ، والعقارب السوداء تبحث عن الضوء . هذا هو الخوف الحقيقي ومصدره ،وليس الخوف من الشياطين التي توطنت منذ الطفولة الأولى في الذاكرة ، أو خرجت من قصص خرافة كنا نقضي عندها الليل نُحفِّز أنفسنا بالدهشة والسهر ، ونُعلِّم أنفسنا ارتجال القص . (9) قلّبت ورقةً أخرى من أوراق الذاكرة الرمادية ، ووجدت نفسي في طائرة تٌقل الحجيج إلى بيت الله ، وأنا مشتركٌ معهم نصف الرحلة . أدعية بأصوات غليظة وشخير و أنا أقرأ ديوان شعر لشاعر ماجِن .المسافة في الخيال أوسع من أفق الطائرة وهي تعبر من فوق بحار الدنيا ، وحين هبطت افترقت عن رفاق الصدفة ، وسرت بين أطياف القادمين والزوار في المطار الذي قصدت ، بجواري حفنة من البشر جمعتهم الصدفة و رماهم الزمان .كنت بينهم حتى أختام الجوازات للعبور الدولي ، ورجعت وحدي. حصاد القلب وجعٌ ، كل الدروب إلى سِفر الخروج ولا خروج . هجرتني ملائكة النظم النثري ، حين صرتُ أتوجع مما حولي وأستعجل النُطق قبل هطول الأحزان. فراقها قد طال وأظنه جفاف عِتاب لديه ألف مُبرر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة