|
ظاهرة (التقشف) تهدد العالم...بقلم: م. محمد عبد القادر خليل...
|
حوالي مائة ألف عامل من نقابات العمال في أوروبا من خمس عشرة دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي خرجوا في تظاهرات غاضبة في بروكسل واسبانيا واليونان في يوم واحد هو الاربعاء الماضي ورفعوا لافتات الاستياء من حكوماتهم ومن الاتحاد الأوروبي واتهموا الطرفين بأنهم لم يفعلوا شيئاً يذكر في السنوات الثلاث الماضية منذ العام 2007م، لشعوبهم، بل تركوهم فريسة لسياسات خفض الأجور وزيادة الضرائب وخفض الانفاق وليدفعوا فاتورة أخطاء غيرهم التي لا ذنب لهم فيها. وإجراءات (التقشف) الأخيرة فرضها الاتحاد الأوروبي على حكومات الدول الأوروبية المثقلة بالديون لمعالجة العجز في الميزانيات ولخفض حجم الدين العام فيها الذي بلغ حوالي (13%) من (GDP) وهو تخطي النسبة المسموح بها بواسطة الاتحاد الأوروبي ويصر الاتحاد بفرض عقوبات على الدول التي تعجز عن خفض دينها وخفض عجز ميزانياتها أو بالاحرى تعجز عن تطبيق سياسات الاتحاد الأوروبي ألا وهي التقشف. وإجراءات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي تمس عامة قطاعات العمال والموظفين وذوي الدخل المحدود بطريقة مباشرة، حيث تجفف (السيولة) من ايدي الناس وتؤدي بذلك إلى خفض القوة الشرائية وبالتالي ركود الأسواق وابطاء النمو الاقتصادي الأمر الذي يؤثر مباشرة على العمال الصغار الذين يعملون في الشركات الصغيرة. إجراءات (التقشف) التي لجأ إليها الاتحاد الأوروبي أصبحت ظاهرة تهدد العالم (رغم ان العالم فيه ما يكفيه)، وأصبح الخوف والذعر من ان تنتشر هذه الظاهرة من خارج أوروبا الى بقية اجزاء العالم وزاد الخوف بعد ان أعلن ان هذه الظاهرة وصل (فيروسها) الى دولة الاكوادور التي شهدت محاولة انقلاب على السلطة من أهم اسبابها الحالة الاقتصادية المتردية التي أدت الى فرض اجراءات تقشفية بواسطة الحكومة أخيراً، فالعالم يخشى من بعد الاكوادور ان تنتشر (الظاهرة) في بقية دول أمريكا اللاتينية وثم من بعدها الى بقية قارات العالم. السؤال الذي يدور في اذهان المحللين والخبراء الاقتصاديين الآن هو ليس البحث عن من هو المتسبب في هذه الظاهرة، بل في كيف يمكن كبح جماح هذه الظاهرة قبل استفحالها وهذا يتطلب التفكير في ايجاد حلول لازمات الدول المالية دون اللجوء الى فرض إجراءات جديدة للتقشف لأن معظم الخبراء والمحللين الاقتصاديين وبعضهم أمريكيين يرون ان حلول (التقشف) لا يمكن أن تملأ جيوب الحكومات بالمال، بل ستملأ شوارع المدن بالمحتجين وزيادة العنف، لذا يجب تفاديها والتفكير في حلول أخرى، ولا بد للاتحاد الأوروبي من ابداء مرونة في تشدده ازاء الدول المتعثرة وتهديدها بالعقوبات ان لم تنفذ توجيهاته ولا بد له من الاهتمام بما يجري في الشارع الأوروبي من تظاهرات واضرابات التي شلت قطاع الخدمات في العديد من الدول والنزول عند رغبات قطاعات العمال والموظفين والفقراء والتعاطف معهم لا مقابلتهم بالتشدد والتهديد ان لا بديل للتقشف إلاّ التقشف. هذه المواجهة الآن بين حكومات الدول ونقابات العمال وبين الاتحاد الأوروبي ونقابات العمال أيضاً أول نتائجها الانعكاس السييء على الاقتصاد الأوروبي في منطقة (اليورو) ككل واذا انتشرت سيكون تأثيرها السييء على الاقتصاد العالمي أيضاً، لكن كيف يمكن كبح جماح هذه الظاهرة؟ كيف يمكن وضع حلول أخرى للازمات دون اللجوء الى التقشف؟ هذه الاسئلة سبق ان اجاب عليها وزير الخزانة الامريكي (تموثي قايتنر) عندما زار أوروبا قبل شهور مضت حين حذر الأوروبيين من مغبة (التقشف) ودعاهم إلى ضخ المزيد من الأموال ومزيد من الحوافز في ميزانيات الدول المتعثرة حتى تبلغ العافية، وان سياسة التقشف التي كانت قد بدأت في اليونان قال إنها لن تكون الحل الانسب بل الحل الانسب هو ضخ المزيد من الأموال الأمر الذي رفضته المانيا وفرنسا في الحال. وقالت انجلا ميركل وقال ساركوزي حينها رداً على تموثي قايتنر (إننا لا نملك مزيداً من الأموال لنحل بها مشكلات الغير)، وهذا معناه على كل دولة أوروبية بعد الآن أن تتدبر أمرها وان ليس للاتحاد الأوروبي سوى فرض سياسة التقشف ولا بديل غيرها. إذاً في رأي الأمريكيين ان سياسة (التحفيز) وضخ المزيد من الأموال هي الحل الانسب لمثل هذه الحالات لذا كبح جماح هذه الظاهرة ولمنع وقوعها في أماكن أخرى في العالم يجب إبتعاد الحكومات عن فكرة فرض عقوبات ضريبية أو تخفيض المرتبات على الطبقات المتوسطة والضعيفة واللجوء إلى سد العجز في الموازنات وخفض الديون عن طريق الاستدانة من البنوك بطرح السندات السيادية المضمونة العواقب والاهتمام بالصرف على التنمية وزيادة الانتاج القومي مع خفض الانفاق الحكومي في تسيير دولاب العمل، هذا احد الحلول من حلول كثيرة يمكن ان تعوض الدول عن خيار (التقشف) الذي أصبح الخيار الاسهل لدى الحكومات للخروج من الازمات وأصبح الهاجس الأكبر للشعوب في ان تضاف مشكلة اخرى الى مشاكل العالم من حروب وفقر وجوع وتلوث وإرهاب.
http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=762&id=60299
|
|
|
|
|
|