|
Re: طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد-عبد الرحمن الكواكبي... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)
|
Quote: وإنيّ، إراحةً لفكر المطالعين، أعدّد لهم المباحث التي طالما أتعبتُ نفسي في تحليلها، وخاطرتُ حتىّ بحياتي في درسها وتدقيقها، وبذلك يعلمون أنيّ ما وافقتُ على الرّأي القائل بأنّ أصل الدّاء هو الاستبداد السّياسي إل بعد عناءٍ طويل يرجحُ قد أصبتُ الغرض. وأرجو الله أنْ يجعل حُسنَ نيتَّي شفيع سيئاتي، وهاهي المباحث: في زيارتي هذه لمصر، نشرتُ في أشهر جرائدها بعض مقالات سياسية تحت عنوانات الاستبداد: ما هو الاستبداد وما تأثيره على الدّين، على العلم، على الترّبية على الخلق، على المجد، على المال... إلى غير ذلك. ثم في زيارتي إلى مصر ثانيةً أجبتُ تكليف بعض الشبيبة، فوسّعتُ تلك المباحث خصوصا في الاجتماعيات كالتربية والخلق، وأضفت إليها طرائق التخلُّص من الاستبداد، ونشرتُ ذلك في كتاب سمَّيته )طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد( وجعلته هديةً مني للناّشئة العربية المباركة الابية المعقودة آمال الامة بيمُْنِ نواصيهم. ولا غروَ، فلا شباب إلا بالشباب. ثمّ في زيارتي هذه، وهي الثالثة، وجدتُ الكتاب قد نفد في برهةٍ قليلة، فأحببتُ أن أعيد النظّر فيه، وأزيده زيدا مما درستهُُ فضبطتهُ، أو ما اقتبستهُ وطبقَّتهُ، وقد صرفتُ في هذا السبيل عمرا عزيزا وعناءً غير قليل... وأنا لا أقصد في مباحثي ظالماً بعينه ولا حكومةً وأمَّة مخصصة، وإنما أردتُ بيان طبائع الاستبداد وما يفعل، وتشخيص مصارع الاستعباد وما يقضيه ويمضيه على ذويه... ولي هناك قصدٌ آخر؛ وهو التنبيه لمورد الداء الدّفين، عسى أن يعرف الذين قضوا نحبهم، أنهم هم المتسببون لما حلَّ بهم، فل يعتبون على الغيار ولا على الاقدار، إنما يعتبون على الجهل وفَقْدِ الهمم والتوّاكل.. وعسى الذين فيهم بقية رمقٍ من الحياة يستدركون شأنهم قبل الممات... وقد تخيرّتُ في الانشاء أسلوب الاقتضاب، وهو الاسلوب السّهل المفيد الذي يختاره كتُاَّب سائر اللغات، ابتعادا عن قيود التعقيد وسلسل التأّصيل والتفّريغ. هذا وإنيّ أخالف أولئك المؤلِّفين، فلا أتمنى العفو عن الزلل؛ إنما أقول: هذا جهدي، وللناقد الفاضل أن يأتي قومه بخير منه. فما أنا إلا فاتح باب صغير من أسوار الاستبداد. عسى الزمان يوسِّعه، والله وليُّ المهتدين. 1320 ه- 1902 م 4 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|