|
Re: البشير يمد لسانه للقضاء السوداني هازئاً ويقول: هارون لن يستقيل ولن يُقال ولن يُستجوب!!!!!. (Re: ياسر احمد محمود)
|
حتى الآن ، لم يول المنافحون عن (قدرة) الدولة على ملاحقة المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة في دارفور ، إنتباهاً كافياً لمشكلة (الحصانات). (فنظام روما) يقوم ، فى أحد أهم وجوهه ، على التعاون الدولى للحدِّ من استخدام هذه (الحصانات) كآليات (للافلات) من العقاب ، في حين أن أوامر تأسيس محاكم دارفور الثلاث جاءت غفلاً من أيَّة معالجة لهذه (الحصانات) التى تحول دون إخضاع (الأشخاص ذوى السلطة) لأحكام العدالة ، مثلما يخلو القانون الاجرائى نفسه من مثل هذه المعالجة.
جهاز الأمن الوطنى والمخابرات ، مثلاً ، ما زال يتمتع ، على نحو مخصوص ، بوضعيَّة مميَّزة لجهة سلطاته وحصانات أعضائه بموجب (قانون الأمن الوطنى لسنة 1999م) ، رغم أن المادة/151/3 من (دستور السودان الانتقالى لسنة 2005م) صيَّرت هذا القانون غير دستورىٍّ بنصِّها على تركيز مهام الجهاز فى "جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنيَّة" ، فحسب. ولعلَّ ذلك هو ، بالضبط ، محور مطالبة لويز آربور ، المفوَّضة السامية لحقوق الانسان ، في مؤتمرها الصحفى بتاريخ 5/5/2006م ، بإعادة ترتيب الجهاز وإصلاحه بصورة عاجلة ، كونه لا يتفق ، بوضعيَّته الراهنة ، مع المعايير الدوليَّة ، وبالأخص ما يتصل منها بموضوعة الحصانات (صحف ووكالات ، 5 و6/5/2006م).
وقبل ذلك كان تقرير لجنة التحقيق الدوليَّة قد أبرز جملة مآخذ على القوانين السودانيَّة التي تقعد بقدرات الأجهزة العدليَّة. فقانون الإجراءات الجنائيَّة لسنة 1991م يمنع مقاضاة الأشخاص ذوى السلطة بشكل فعال. والمادة/33 من قانون الأمن الوطنى تمنح حصانات واسعة لأعضاء الجهاز ، فلا يُلزمون بإعطاء معلومات عن أنشطته ، ولا يمكن ، بدون موافقة المدير ، مقاضاتهم بأيِّ أفعال تتصل بعملهم. وحتى عندما تتمُّ الموافقة ، فإن العضو المتهم يُقدَّم إلى محكمة .. (سريَّة!) ، بالمخالفة لمنظومة المعايير الدوليَّة للمحاكمة العادلة ، كالمادة/41/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة التي تقضي بأن الجلسة (العامَّة) هى (المعيار) الأساسي للمحاكمة (العادلة). ومن ثمَّ أوصت اللجنة بإلغاء هذا القانون ، نظراً لما يرتبه من تفشٍّ لحالات (الإفلات) من العقاب ، ولكن .. لا حياة لمن تنادي!
ومن قبيل المفارقة أن المُشرِّع أدخل ، قبل شهرين من تأسيس محكمة الفاشر ، وسبعة أشهر من تشكيل محكمتي نيالا والجنينة ، تعديلين جوهريين بموجب أمرين جمهوريَّين مؤقتين: أحدهما على قانون الاجراءات الجنائيَّة ، والآخر على قانون قوات الشعب المسلحة ، (لتحصين) أعضاء الشرطة والجيش من المسئوليَّة الجنائيَّة حتى عن أفعال (القتل العمد) ضد المدنيين العُزل ، فلا يقتضى الأمر سوى (التعويض) أو (الديَّة) ، وحتى هذه تتكفل بها الدولة ، حسب المادة/73/3 في القانون الأول ، والمادة/79/أ/3 في القانون الثانى! ولا يغيِّر سقوط هذين التعديلين في مرحلة المجلس الوطني من حقيقة أنهما يعبِّران عن اتجاه عام لدى السلطة في هذا الشأن!
ما زلت مصِرَّاً على رأيى باستحالة الحديث عن (القدرة) على محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دارفور ، قبل إجراء إصلاحات قانونيَّة شاملة تسقط ترسانة (الحصانات) التي (تغلُّ) يد القضاء عنهم!
-------------- * كمال الجزولي- رزنامة الاسبوع-الرأي العام 27/3/2007م.
|
|
|
|
|
|
|
|
|