|
إنجلينا جولي..دارفور وفلسطين والعراق!
|
أكّد موقف الفيلسوف الفرنسي، جان بول سارتر، الرافض بقوة لموقف بلاده الرسمي في الجزائر، حيث كانت تجري عمليات القتل بدم بارد، على الدور الذي يمكن أن يلعبه الفن، وعلى الموقف الذي يمكن أن يتخذه المثقف. وإمعانا في نقد بعض القيم التي يراها سالبة في المجتمعات الغربية، وحتى في أوساط المثقفين، رفض جائزة "نوبل" !! اليوم، تقفز إلى ذهني صورة سارتر بالمواقف الإنسانية التي تلعبها الممثلة الأمريكية ذائعة الصيت، إنجلينا جولي. فهي لم تكتف بزيارة اللاجئين البائسين في دارفور قبل ثلاثة أعوام، إذ تقوم هذه الأيام بزيارتهم مرة أخرى، بل وكتبت عنهم في صحيفة "واشنطن بوست" داعية لمعاقبة المجرمين. في الطرف المقابل، يجهد بعض المثقفين العرب في تبرير ما يحدث في دارفور، وردّ التهم عن الأطراف الداخلية في الأزمة. فهم يشيرون دائما إلى أن "الامبريالية الدولية" و"الصهيونية العالمية" تلعب الدور الرئيس في الأزمة. وحين تبادر منظمات عالمية، أو جهات قانونية كمحكمة الجزاء الدولية في لاهاي من أجل وقف العنف، وتنفيذ العدالة بحق الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تثور ثائرة البعض مشككين في كلّ شيء باعتبار أن الأولى، بدلا من دارفور، أن تتوجه الأنظار كلّها إلى جرائم إسرائيل في فلسطين ولبنان، وإلى احتلال العراق ! وبعد أن طرح المدعي العام في محكمة لاهاي، لويس مورينو أوكامبو عريضة اتهام بحق وزير دولة في السودان، وزعيم مفترض في مليشيا الجنجويد، دارت الأسطوانة المشروخة ذاتها: "لماذا دارفور وليس فلسطين أو العراق"؟ طيّب، ولماذا ليس دارفور؟ فحسب احصاءات منظمات غير حكومية، وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة، قتل أثناء النزاع في دارفور ما لا يقل عن 200 ألف من البشر، وتشرّد مليونان. الموقف الأخلاقي المبدئي يقتضي من هؤلاء إن كانوا يؤمنون بمبدأ أخلاقي، إدانة أية جريمة ترتكب بحق الإنسان غضّ النظر عن دينه وعرقه وطبقته الاجتماعية. فليست ثمة فروق بين الضحايا في فلسطين ولبنان والعراق، ونظرائهم من الأفارقة في دارفور أو الأكراد (مثلا) في العراق. لكن، ما يرشح في بعض وسائل الإعلام العربية، وما ينتج - ثقافيا - في البلدان العربية، يجعل موت مئات الآلاف من البشر سواء كانوا أفارقة أو أكرادا أو أمازيغ، أمرا تافها لا يستحق المقارنة مع ما يجري في فلسطين أو بحق "عرب العراق" ! هل الولايات المتحدة وحدها تمارس ازدواجية المعايير ؟ العرب - رسميا وشعبيا - لم يقدموا شيئا يذكر للناس في دارفور. لم أقرأ ولم أسمع إلا عن مساعدات محدودة جدا من طرف الدول العربية لملايين اللاجئين والنازحين هناك. المنظمات الغربية وحدها تفعل ذلك. أنا أعرف عن عمل "أكسفام" و"سيف ذي جلدرن" و"أطباء بلا حدود" و.. أنجلينا جولي هناك ! ليس ثمّة اتهامات مؤكدة من طرف قضاة محكمة لاهاي بحق أيّ متهم إلى غاية الآن، إلا أنه من المهم دعم أيّ توجه لمعاقبة المجرمين سواء كانوا في الحكومة السودانية أو في حركات دارفور المعارضة للخرطوم. هذا هو الموقف المبدئي والإنساني المطلوب من بعض المثقفين الذين يسقطون "نظرية المؤامرة" على دارفور غير عابئين أبدا بالعدد المفزع للضحايا. وإذا كانت أنجلينا جولي قد "غبّرت قدميها في سبيل الضحايا في دارفور"، وكان العرب عاجزين عن تقديم أية معونة لهؤلاء، كما فعلوا بكرم حاتمي تجاه لبنان - مثلا - بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، فليس أقلّ من أن يصمتوا، لكي لا تضاعف مزايداتهم أوجاع المغتصبات وذوي القتلى واللاجئين بنظريات المؤامرة التي تعكس قدرا كبيرا من قلة الاكتراث بالبعد الإنساني.
|
|
|
|
|
|
|
|
|