|
Re: صدام فى عيون البعض ! (Re: jini)
|
Quote: إعدام صدام: نهاية طقوسية
جاء توقيت تنفيذ حكم الإعدام لصدام حسين في صباح يوم عيد الأضحى صدمة لأصحاب الرؤى السياسية المعتدلة الذين لا يرضيهم هذا الأسلوب في الاستهانة بمشاعر الأمة الإسلامية، وما يمثله يوم الحج الأكبر من قيم تعبدية تمس ركنا من أركان دينهم، وما يحمله من دلالات رمزية في تكريم النفس الإنسانية، يجعل أي عبث بقدسية هذا اليوم وتوظيفه في الانتقام السياسي، واستحضار أبعاده وإشاراته التاريخية بالغ الخطورة على الداخل العراقي وخارجه في الحاضر والمستقبل. وتنفيذ حكم الإعدام في هذا التوقيت التاريخي من الحكومة العراقية كشف حجم المغامرة والتهور السياسي الذي لا تقدم عليه حكومات ودول عاقلة ومسؤولة عن مصالح شعوبها.
هذا التوقيت المفاجئ للجميع وضع حدا لجميع الاعتراضات والتساؤلات والتفاصيل المطولة حول طبيعة المحاكمة وظروفها السياسية تحت الاحتلال ليكون الرأي العام العراقي والإقليمي والدولي أمام الأمر الواقع. لكن بدلا من أن يتم إنهاء هذا الملف الصعب لديكتاتور عربي بعقلانية سياسية وأسلوب حضاري، ليكون دلالة واقعية على رقي واعتدال سياسة من ائتمنهم الشعب العراقي على ترتيب أوضاعه وتوفير الأمن والاستقرار له، إذ يفاجأ الرأي العام العربي والإسلامي بعمل غير إنساني من هذه الحكومة باختيارها هذا التوقيت المثير للاشمئزاز وتستهجنه الطبائع السوية من خلال توظيف أزمنة ذات خصوصية دينية لا يسمح بالعبث بها، وما تخلقه من انطباعات عدائية، واسترجاع لصراعات تاريخية مليئة بالاختناقات الثقافية.
يأتي هذا الاختيار المحير للعقلاء لتبدو هذه الحكومة متأثرة بالنهج والعقلية الزرقاوية التي تدعي أنها جاءت لتحاربه فترسخ بمثل هذا الأداء السياسي الغبي رؤى متطرفة، وتفكيرا عنفيا طائفيا لا يحترم القيم الإنسانية، ويتغذى على فكر انتقامي عبثي. لا يمكن القول إن هذا الاختيار جاء عفويا وبريئا من الحسابات الآيديولوجية والانتقام الشخصي الذي يعبر عن ثقافة محتقنة هشة في استلهام قيم الإسلام والفكر الإنساني المعاصر. هذا الفعل يشير إلى عقلية طقوسية تبحث عن إثارة أسطورية في سلوكها السياسي. في العالم العربي لا ينقصنا الوعي الخرافي المشحون بالألغاز والتفسيرات المؤامراتية في رؤية العالم وصراعاته، ويمثل لها هذا الفعل التاريخي مصدرا ملهما لبقاء الكثير من الخرافات في الوعي السياسي. هذا التوقيت العبثي لا يستطيع الكثيرون إدراك الهدف السياسي الذي يراد تحقيقه حيث لا توجد ضرورة في اختياره، فتقديمه أو تأخيره لأيام معدودة يحقق المطلوب دون تحميله بهذه الانطباعات الخطرة على المجتمع العراقي والعربي.
إن أفضل مكافأة قدمتها الحكومة العراقية لصدام حسين وأنصاره في العراق وخارجه أن يأتي سيناريو الإعدام بهذه الطريقة والتوقيت الطقوسي، المصحوب بتصوير تلفزيوني يظهره بشجاعة تفوق شجاعة المنفذين للحكم وفي لحظات روحانية تشع مع إطلالة يوم النحر كانت كافية لخلق درجة من الأسطورية على حياة ونهاية هذا الرجل، وحتى يحافظ المشهد على أسطوريته المخصصة لشخص صدام دون أن تختلط معه شخصيات أخرى فقد تم تأجيل تنفيذ حكم الإعدام بحق برزان والبندر إلى ما بعد عيد الأضحى، وأرادت السلطات أن يكون هذا اليوم تاريخيا مخصصا للتخلص من صدام.
هذه النهاية الطقوسية ستمهد لصعود جديد لخطاب ممزوج بروح قومية وإسلامية يلمع هذه الشخصية بصورة متزايدة دون خجل في ذاكرة الأجيال. فبعد السقوط المدوي لبغداد تحت الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 توارى هذا الخطاب وشعر بالخجل من تقديم أي مديح وشعارات قومية مسرفة بعد انهيار حزب البعث والتسبب في توريط العراق بهذه الكارثة. لكن مع بدايات تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وبدء ظهور صدام في محاكمات متلفزة، أخذ هذا الخطاب التمجيدي لصدام يعود للظهور وينمو بمرور الوقت للتذكير بالاستقرار والرخاء مع الحكومة الصدامية، وتزداد حالات الإعجاب بشخصيته من خلال متابعة مناقشاته مع القضاء. سيتطور هذا الخطاب من مقالات محدودة تحمل قدرا من التعقل في ابداء الإعجاب في مرحلة زعامته مع الإقرار بديكتاتوريته وطغيانه السياسي وانتهاكه للحريات وحقوق الإنسان إلى مرحلة تنسى معها أخطاؤه الكبرى وكونه سببا رئيسيا في الكارثة التي يعيشها العراق من احتلال وفقد للاستقرار.
إن الحماقات المتكررة التي نشهدها من الحكومة العراقية ومن اميركا وإيران للعبث بمستقبل العراق لا يمكنها إخفاء جرائم صدام حسين التاريخية أو التسامح مع خطابات تحاول تلميعه، حتى شبهه البعض بعمر المختار. خطورة هذه الرؤى التي تمجد العهد الصدامي للتعبير عن سخطها من هذا الواقع الجديد بقدر كبير من المراوغات الخطابية، أنها تحاصر ذهنية الرأي العام العربي بثنائيات تقليدية للاختيار بين احتلال مرفوض أو عهد بائد كانت نتيجته هذه الأوضاع المأساوية. وبما أن وضع الكثير من الحكومات والزعامات العربية أفضل حالا من السياسة البعثية في عهد صدام، فإن انتشار هذه الرؤية التمجيدية المخاتلة ستؤثر على فعالية التغيير المنتظر في الدول العربية، لأن هذه المقارنات الغوغائية في تمجيد أزمنة ديكتاتورية ستكون سببا في تعطيل وعي الشعوب في أهمية الإصلاح والديمقراطية الداخلية، والانشغال بخصومات لا علاقة لها بمشكلاتنا الحضارية، وترسخ قناعات الدول الغربية الكبرى بعدم جدوى وأهلية مجتمعاتنا لأي إصلاحات سياسية، لتدعم أنظمة القبضة الحديدية التي تناسب هذه الشعوب. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|