|
|
 Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح (Re: محمد المختار الزيادى)
|
بسبب الإسهالات المائية...حلفا الجديدة.. تبكي وتَنُوح وتصيِّح
حلفا الجديدة: ياسر الكُردي
[email protected] هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
في اللحظة التي خرج فيها وفداً رسمياً وشعبياً من حلفا الجديدة لاستقبال معتمدها الجديد؛ يوم الأربعاء الماضي 26مايو، استقبل مستشفى المدينة (22) مريضاً بالإسهالات المائية ليرتفع عدد المرضى منذ ظهور الوباء يوم 18 مايو إلى (153) من أولئك الذين وصلوا المستشفى أما البقية فلا يعلم بعددهم إلا علام الغيوب، ما دعا المعتمد أحمد عبد اللطيف للتوجه بعد حفل الاستقبال الذي أقيم له بالمحلية للتوجه مباشرة للمستشفى لتفقد أحوال المرضى الذين يجابهون أوضاعاً صحية وبيئية غاية في السوء، فمستشفى حلفا الذي أُسس لاستقبال عدد محدود من المرضى يتدافع نحوه الآن سكان محليتين هما محلية حلفا الجديدة ونهر عطبرة، ما يجعله يعمل بطاقة تفوق طاقته القصوى بكثير وهذا بدوره انعكس سلباً على أداء المستشفى، فقد شاهدتُ بأُم عيني منظراً تكرر في عدة عنابر (رُقاد) مريضين اثنين على سرير واحد، هذا خلاف المرضى الذين يرقدون في الممرات خارج العنابر، وآخرين ضاقت بهم العنابر فاتخذوا من (حوش) المستشفى (عنبراً) يتلقون فيه (درباتهم) وكل علاجتهم على الهواء الطلق.
من المدرسة إلى المستشفى..!
إكرام إبراهيم، طالبة بالمرحلة الثانوية ومن سكان قرية أُم رهو، ذهبت إلى المدرسة في الصباح الباكر كما اعتادت كل يوم لكن ما لم يكن معتاداً هو (مهاجمة) مرض إتاها بلا مُقدّمات وجعلها في حالة استفراغ وإسهال أتيا باندفاع وبلا توقَف فاضطرت زميلاتها لنقلها على جناح السرعة إلى المنزل وحينها كان والد إكرام منهمكاً في عمله بـ (الحواشات) وقد أقسم لنا بالذي رفع السموات بلا عمد أنه عندما أخبروه بمرض ابنته لم يكن حينها يملك من حطام الدنيا سوى (الكوريك والطورية) اللذين يستخدمهما في الزرع.. ولذا قال لي العم إبراهيم: (والله لو لا فاعل خير أحضر عربته لكي نسعف بها ابنتي ما كنا نستطيع أن نأتي بها إلى مستشفى حلفا).. لقد وجدنا المريضة (الطالبة) إكرام ترقد في سرير خارج العنبر في طقس تفوق درجة حرارته الـ(45) درجة، وتحيط بها مجموعة من قريباتها إضافة إلى والدها كل هؤلاء يجلسون في سرير واحد مع مريضتهم إكرام التي قالت إنها تلقت منذ دخولها المستشفى أربعة دربات وأن حالتها اآن في تحسُّن.
الجدول والتُرعة..
النموذج الثاني لمريض يدعى عبد الحافظ عوض قال: لقد حضرت من الخرطوم قبل إصابتي بأيام فقط ومجرد وصولي إلى حلفا ذهبت إلى (حواشتي) لمتابعة الزراعة وهناك شربت حتى ارتويت من (الجدول) الذي يأتيه الماء من (التُرعة) مباشرة وفي اليوم الثاني مباشرة شعرت بإسهال خفيف فاستعملت بعض الأدوية البلدية التي نفعتني مؤقتاً لكن سرعان ما حدثت الانتكاسة التي أفقدتني السوائل فكلما أشرب ماء اضطر بعد عشر دقائق فقط للذهاب للحمام وإخراج إسهال يأتي باندفاع مخيف للغاية كأنه يخرج عبر (ماسورة) مقاس أربع بوصة.. ونفس المشهد يتكرر كلما أكلت شيئاً.. وأضاف عبد الحافظ: بعد ذلك ما كان من أقاربي إلا أن نصوحني بأن أذهب سريعاً إلى المستشفى قبل استفحال المرض وبالفعل جئنا إلى المستشفى، ولكن عندما قارنت حالتي ببعض المرضى حمدت الله كثيراً وطلبت من الأطباء أن يسعفوني خارج العنابر لأن منظر المرضى بالعنابر يُرثى له كثيراً..
ليلة طويلة..!
من المفارقات التي وجدتها في أحد العنابر مريض بالإسهال المائي قال لي إنه يعمل بهذا المستشفى بقسم التحصين وبعد انتهاء دوامه اليومي ذهب إلى منزله وفي المساء اضطر إلى الذهاب إلى الحمام أكثر من خمس مرات بسبب إسهال باغته فجأة وجعل ليله أطول من(ليالي العاشقين)، وفي الصباح الباكر ذهب المستشفى لمباشرة عمله بقسم التحصين لكنه قبل مداومة العمل أراد الاطمئنان على صحته فذهب للفحص للتأكد من الحالة التي هاجمته ليلة أمس وفي معمل المستشفى فاجأه زميله بنتيجة تقول إنه مصاب بإسهال مائي يستدعي التوجه فوراً إلى عنابر المرضى وحجز مكانه بينهم، فقد قال له الطبيب الذي قرأ نتيجة الفحص (يا خُوى والله إنت زولنا ذاتو) فلم يجد الرجل بًدَّاً من الذهاب إلى عنبر المرضى ليس مشرفاً عليهم وإنما مريضاً مثلهم يتلقى نفس (الدربات) والأدوية التي تُصرف لعلاج مرض هدد سكان محليتي حلفا الجديدة ونهر عطبرة وجعل كل جُلَّ (النازلين) بالعنابر مصابون بمرض واحد اسمه (الإسهال المائي).
(نقّالة الموتى..!)
إحدى الممرضات – فضلت حجب اسمها – عندما قابلتها بمجرد دخولي للمستشفى بعد الساعة السابعة مساء سألتها (قبل التفكير في مقابلة المدير الطبي) عن الوضع الصحي بالمستشفى قالت لي من رأى ليس كمن سمع ولذا عليك أن تتبعني فقط لترى بعينيك حال المرضى وفي أول العنابر التي دخلناها وجدت كل الأسرَّة يرقد عليها مرضى وحوالى 20% منها يرقد على كل سرير واحد مريضان ويتساوى الجميع في أن كل واحداً منه أُدخلت في يده (أنبولة) عبر (فراشة) لنقل محاليل وريدية من الدربات إلى أجساد أنهكها الاستفراغ والإسهال.. هذا داخل العنابر أما المرضى الذين يرقدون في ممرات العنابر وخارجها تماماً (في حوش المستشفى) فلا يقلّون عن من هم داخل العنابر بأي حال من الأحوال، وفي أثناء ذهابي وراء السستر التي قالت لي أن من سمع ليس كمن رأى، أدخلتني على غرفة الممرضات لكن الدهشة ألجمتني عندما وجدتها ممتلئة هى الأخرى بالمرضى.. وقد التقطت صورة توثيقية لمرضى من داخل هذه الغرفة الخاصة بالممرضات.. ليس ذلك فحسب بل إنني شاهدت مرضى يرقدون على (نقالات) الموتى وعندما استفسرت السستر قالت لي إن هؤلاء المرضى عندما يأتون للمستشفى يجدون أنفسهم أمام أمرين أحلاهما مُر أن يقبلوا بهذا الواقع المرير او أن يذهبوا إلى منازلهم لانتظار مصير مجهول قد تكون نهايته فقدان المريض للسوائل ومن ثم دخوله في مرحلة حرجة ولذا يفضل المرضى وأقاربهم (الرُّقاد) على هذه النقالات بدلاً من الذهاب إلى منازلهم.على الهواء مباشرةً..!
يقول شكري الدمرداش، أستاذ تمريض ورئيس الهيئة النقابية بمستشفى حلفا الجديدة: إن المرض الذي ألمّ بسكان المنطقة هو عبارة عن إسهالات مائية وأضاف أن الإسهال بصورة عامة ينقسم إلى ثلاثة مستويات بسيط ومتوسط وحاد وأن المستويين الأول والثاني يمكن علاجهما بالمنزل أو المركز الصحي أما الحالات الحادة والتي تجعل المريض يضطر للذهاب إلى الحمام أكثر من عشر مرات فهذه يستوجب نقلها إلى المستشفى.. وقال الدمرداش في حالة انتشار المرض بمثل هذه الصورة التي أمامنا الآن فإن الصحيح أن يتم عزل المرضى تحوطاً لعدم انتقال العدوى للأصحاء.. وهذا ما حدث بالفعل فالمعتمد أحمد عبد اللطيف بعد طوافه على المستشفى طالب جهات الاختصاص بعزل الحالات فى (كريتينا) خُصص لها المقر المعروف بحلفا الجديدة بـ (الاستراحة).. أما عن مُسببات المرض فقد احتار الناس في أمرها فمنهم من يعزيها لمياه الشرب ومنهم من يقول إن السبب هو الأكل (المفروش) على الهواء مباشرة في بيئة مُشبّعة بالتلوث.. لكن محمد السلال قطع بأن سبب انتشار هذا المرض هو الماء الملوث واستدل بفحوصات أجراها بعد إصاباته المتكررة وتردده على الأطباء بالخرطوم فقالت له النتائج إن سبب آلامه الماء ولا شيء غير الماء.. ومضى السلال يقول : لقد ذهبتُ إلى (الترعة) التي تمثل الناقل الرئيسي لمياه حلفا الجديدة فوجدت مساحة كبيرة مليئة بالمياه المتعفّنة تسبح بداخلها مجموعة من الكلاب الضالة علماً بأنها نفس الماء الذي يأتينا بالمواسير ونستخدمه في مشربنا ومأكلنا.
محاليل وريدية
ولمعرفة أصل وفصل هذا المرض جلستُ إلى الدكتور سعيد رجب خيري، المدير الطبي لمستشفى حلفا الجديدة، والذي ابتدر حديثه لي قائلاً: المواطنون عموماً يخافون من مرض الكوليرا لكن الحالات المنتشرة هذه الأيام ليست كوليرا لأن المريض بهذا المريض يكون عرضة لإسهال عنيف ومتواصل وفي دقائق فقط يمكن أن يتسبب في وفاة المريض، أيضاً في حالة الإصابة بمرض الكوليرا فإن الإسهال يكون أشبه بماء الأرز وغير مصحوب بألم.. ومضى دكتور خيري بقوله: قمنا بفحص عدة حالات وإرسالها إلى الخرطوم عبر وزارة الصحة الولائية فكانت نتيجة التشخيص أن هذه الحالات هي (E coli) وهي حالة أخف بكثير من الكوليرا لكنه عاد ليؤكد أنه حتى مرض الإسهال المائي ورغم قِلة خطورته مقارنة بالكوليرا لكنه مرض معدي ينتقل عن طريق الأكل والشرب عبر الذباب.. وأكد أن مشكلة الإسهالات عمومً تتسبب في فقدان المريض للسوائل والتي يجب إسعافها بالدربات (المحاليل الوريدية)..
قِصَّة طريفة..!
من الطرائف أنه وفي أثناء جلوسي مع المدير الطبي لمستشفى حلفا دخل علينا شاب وخاطب المدير الطبي بانزعاج مُحتجاً على تلقِّي والدته للعلاج في (الصالة) خارج العنابر فردَّ عليه المدير الطبي بأدب وبرود ظاهرين: (طيب أنا أعمل شنو؟) فأجاب الشاب (تدخّلا لينا العنبر) هنا قال له الطبيب: (خلاص أمشي إنت حُوم العنابر دي كلها وإذا وجدت سرير فاضي تعال لي عشان أحوِّلكم ليهو) ولأن الشاب متأكداً من امتلاء كل العنابر طالب بنقل مريضته إلى سرير بعيادة الحوادث لكن المدير رفض طلبه بحجة أنه لا يمكن استغلال عيادة الطوارئ لاستقبال المرضى..
بعد خروج الشاب سألت المدير الطبي عن أسباب هذا التكدس وامتلاء المستشفى حتى (الحوش) فأجابني بأن الضغط على المستشفى كبير جداً وعزا الأمر أيضً إلى أن كثيراً من المرضى تكون حالتهم ليست بالخطيرة ويمكن بل أفضل لهم تلقي علاجهم بالمنزل لكنهم يفضلون البقاء بالمستشفى خوفاً من المرض.
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 05-31-10, 01:05 PM |
| Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 05-31-10, 01:11 PM |
| Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 05-31-10, 01:51 PM |
| Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 05-31-10, 03:18 PM |
| Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 05-31-10, 06:57 PM |
| Re: الذل والقهرفى زمن الكوليرا, رائعة الحكم الفاسد فى السودان.. حلفا تبكي وتَنُوح وتصيِّح | محمد المختار الزيادى | 06-01-10, 06:16 PM |
|
| |
محمد المختار الزيادى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست