مقالة غاضبة كتبها د. حيدر إبراهيم مؤخراً. غضب مزدوج انصب على المؤتمر الوطني وعلى معارضته ولأن لغضب العلماء ظلالاً أخرى استغربت، فغضبه على المؤتمر الوطني غضب فطري اكتسب الديمومة والاستمرارية ولكن غضبه على المعارضة هو محل دهشتي وتنبع تلك الدهشة من أنني ـ ورغم فارق السن والتجربة والعلم والتفطن والكياسة والدراية والإبانة وحسن المظهر المعرفي مقارنة بالدكتور حيدر ـ قد توصلت لقلة حيلة المعارضة وترشحها العلمي للذوبان التدريجي حتى مرحلة التلاشي منذ العام 96 حين ودعت د. حيدر بالقاهرة كأول معارض ضمن (ملهاة القاهرة) يختار المنفى طواعية وكان (يقلدني وهو يبكي) وكنت أحس في تلك اللحظة المتفجرة بأن قلبي كان يلقط النبض المجفف كالحمامة !! استغرب د. حيدر دعوة زعيم سياسي هدد بأن الجماهير الملايينية ستخرج للشوارع بحثاً عن أصواتها التي ذهبت مع الريح وعلل استغرابه بكيف تؤمر الجماهير للخروج بالإشارة وتساءل هل هي دمية يحركها الزعيم؟ والشاهد أن الجماهير ليست دمى ولا تؤتمر بالإشارة بدليل أنها لم تخرج وذلك يعني أمرين لا يقبلا أي شريك آخر، إما أن تكون هذه الملايين لم تصوّت في الأصل ولهذا لم تخرج لأن (الحُرقة) غير متوفرة وإما أن تكون قد صوتت للمؤتمر الوطني فخرجت في سياق مضاد! طرح الدكتور حيدر ـ الذي أعزه كثيراً لأسباب غير متعلقة بالسياسة ـ جملة من الإشارات ضمنها احتمالات تسيد المؤتمرالوطني للعمل السياسي في بلادنا لفترات طويلة وتساءل عن تدابير الأحزاب لقطع هذا التسيد ؟ وهذا سؤال يضعني مرة ثانية أمام ضموري وقلة وزني أمام سعة حيدر وتراثه المعرفي والثقافي فهو الأجدر برسم معالج منهجية لهذه الأحزاب المأزومة التي لم تخرج جماهيرها للشوارع على خلفية تخصصه كعالم اجتماع سياسي ولكن مساهمتي الضامرة هي أنه لا مخرج لهذه الأحزاب في سبيل إعادة حيويتها وسط جماهيرها إلا باتباع طريقتين هما المنهج العلمي السياسي الرصين لاجتذابها من جديد وهذا ما سبقه بها المؤتمر الوطني، أو بالمزيد من (الحوليات) ! ولكي لا أكون ممالياً للمؤتمر الوطني وأنا الموصوف (بالانتهازي) حين ابتسم في وجهه أسوق للدكتور حيدر حادثتين وقعتا عقب عودتي للسودان العام 2004 بعد 14 عاماً قضيتها في التيه والمنفى، فقد قمت بزيارة لتنقاسي لأهلي الذين تجمعوا لاستقبالي في (خلوة الرزوقة) وكانوا أكثر من ثلاثمائة منهم 44 ابن عم (لزم) تحولوا جميعاً للمؤتمر الوطني ولم يكن لهم سابق انتماء لأي من تنظيمات الحركة الإسلامية ولفت نظري أن الإمام وهو أحد أبناء عمومتي يدعو دعاء غريباً بعد صلاة المغرب أذكر منه (اللهم أمنح البلح صفرته وزد للبرسيم خضرته) وكان هذا مما تعلمه في (مدرسة الكادر) وهذا ما يفرّق بين ربط العبادة بالإنتاج وبين وصلها (بالكرامات)! الحادثة الثانية كانت طفلة عمرها خمس سنوات وهي ابنة اختي فقد منحتها عشرة جنيهات بعد مداعبتها لكنها بعد قليل عادت إلى تبكي وتشكو أن العشرة جنيهات ضاعت منها، فسألتها على سبيل الممازحة ماذا ستفعل فأجابتني (ما خلاص احتسبتها)! نبهتني هذه الكلمة إلى أن المؤتمر الوطني حول مفردات خطابه الأيدولوجي لحلوى في شفاه الاطفال حتى أحسست بأنني (أتنزل)!! منذ ذلك الأوان أيقنت أن نتيجة الانتخابات التي ستجرى لاحقاً تأسيساً على نيفاشا ستكون لصالح المؤتمر الوطني على خلفية (اللهم أمنح البرسيم صفرته) وعلى احتساب ابنة أختي لجنيهاتها وعلى (تنزلي) وهاهي النتيجة تؤكد ذلك وتتعزز بعدم خروج الجماهير، وهكذا أصابت فراستي مقاتلها و(زهت أيامي وأنا بتنزل)! تحياتي لكم أيها العالم الودود.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة