بعد معركة امدرمان وتداعي الاوضاع في أبيي لاحت في الأفق بوادر إنفراج وأمل يدعو للتفاؤل عندما وقع حزبا الأمة القومي والمؤتمر الوطني على وثيقة التراضي الوطني في توقيت ممتاز لان الاتفاق يحقق الاستقرار ويحاصر الازمة السياسية في السودان. وربما التاريخ يعيد نفسه فبعد احداث 1976م قام الامام الصادق بتوقيع اتفاقية المصالحة الشهيرة في 1977م مع الرئيس الاسبق جعفر نميري ولم يكتب لها الاستمرار فهل يصمد التراضي الوطني بعكس ما حدث في المصالحة.
المؤتمر الوطني سيرته فيما يتعلق بانفاذ الاتفاقيات والتفاهمات ليست حسنة والشواهد كثيرة (جيبوتي/نيفاشا/القاهرة/ابوجا/سلام الشرق) فما هو الجديد هذه المرة؟ يري كثير من المحللين السياسيين ان وثيقة التراضي الوطني لم تأتي بجديد فجل ما ورد فيها تضمنته الاتفاقيات السابقة وربما بتفصيل اكثر وحزب الامة لديه اتفاق موقع في جيبوتي عبر عنه الامام الصادق حينذاك ببلاغته المعهودة (بانه ذهب لاصطياد ارنب فوجد فيلا) لكن واقع الحال يقول بغير ذلك فقد حدث تصدع كبير في صفوف حزب الامة ولولا حكمة الامام في مواجهة الامر لكتب ذلك الاتفاق نهاية حزب الامة.
ان مياه كثيرة قد جرت تحت الجسر مابين جيبوتي 1994م وامدرمان 2008م ورغم ان الامام الصادق كان أكثر المتشددين رفضاً لللاتفاقات الثنائية وسعي لتكوين جبهة عريضة من القوي السياسية من داخل وخارج منظومة التجمع الوطني الديمقراطي لكن يبدو انه قد اختار الان الثنائية لتكون مدخلاً للجماعية او التراضي الوطني على حد تعبيره. و في ذات الوقت لازالت علاقة المؤتمر الوطني مع الحزب الاتحادي الديمقراطي ترواح مكانها مابين تصريحات قادة المؤتمر الوطني التى تؤكد وجود حوار سيفضي الى اتفاق قريب؟! ومابين تصريحات مولانا السيد محمد عثمان الميرغني الرافضة للاتفاقات الثنائية والدعوة للوفاق الوطني الشامل وهي دعوة قديمة إلا انها أبطأت الخطي وربما مرد ذلك اخفاق الأليات او تعددها مما اعاق نموها بالسرعة المطلوبة. رغم ذلك سارع الحزب الاتحادي الديمقراطي بتقديم التهنئة لحزب الامة والمؤتمر الوطني على ماتوصلا اليه في اتفاق التراضي الوطني كما رحبت به اغلب القوي السياسية السودانية وقد بشر الامام الصادق وأيده في ذلك السيد رئيس الجمهورية بانهما سيهجمان بهذا الاتفاق على كل القوي السياسية وان وفقا في ذلك يكونا قد مهدا الطريق تماماً لتحقيق الاستقرار في السودان. لن نمل القول بأن القفز فوق جراحات الماضي وتناسي الخلافات وتجاوز المحطات السابقة كما قال الامام ( من فش غبينته خرب قبيلته) هو السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة ومواجهة التحديات الماثلة التى تستدعي توحيد القوي السياسية ويكون من الحكمة ان تجتمع القوي السياسية الاخري حول اتفاق التراضي الوطني.
التقييم الموضوعي بعيداً عن الانفعال يبين ان الانقاذ قد مرت بثلاثة مراحل الأولي الاقصاء والثانية الاعتراف بالرأي والرأي الاخر والثالثة الحوار لبلوغ غايات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان مما يعني بالضرورة الاعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. السودان الان يمر بمخاض صعب وفي ذات الوقت يستشرف مرحلة جديدة يجب ان ينظر فيها للانقاذ ونقض المواثيق بأعتبارها تاريخ نستلهم منه العبر لاسيما ونحن مقبلون على مرحلة الانتخابات العامة في العام القادم لذلك يجب ان تتضافر جهود المؤتمر الوطني والاحزاب لنقضي على هذا المناخ المسموم الذي يولد النزعة لحمل السلاح واعلا صوت الرصاص بدلاً عن صوت الحكمة والعقل والدور الاكبر يقع على عاتق المؤتمر الوطني ليكون مبادراً بالسير في طريق التحول الديمقراطي والتدوال السلمي للسلطة.
من خلال كلمتي السيد رئيس الجمهورية والامام الصادق في مناسبة توقيع اتفاق التراضي الوطني لمسنا جدية واضحة واصرار على تنفيذ ما إتفق عليه بل لعلنا سمعنا لاول مرة الاخ الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل شاعراً القي ابيات رصينة في مدح السيد الامام هذه الجدية وهذا الاصرار وهذه الروح الشاعرية نأمل ان تكون بداية جديدة تجب ماقبلها لان الشعب السوداني ماعاد يحتمل تبخر احلامه وتبددها على ايدي الساسة في السودان هذا الشعب اعطي وما استبقي شيئاً وآن الآوان لكي نرد له الجميل وبالطبع لن ننسي في غمرة هذا التفاؤل بأن جرح دارفور لايزال نازفاً وعلينا الاستفادة من مناخ التراضي الوطني لاعادة الحوار والتفاوض ودفع جهود السلام لتكون دارفور اخر مشاكل السودان. واذا كان المؤتمر الوطني وحزب الامة جعلاني لهم من الناصحين فليبعدا منذ الان عن البيرقراطية وكثرة اللجان والآليات فكلما كان تحركهما سريعاً زاد ذلك من فرص النجاح لمشروع التراضي الوطني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة