وقائع الندوة التي استضافتها منظمة اعادة تاهيل واعمار دارفور Darfur Rehabilitation Project –U S

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 04:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-27-2009, 04:53 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صراع الرؤى .. نزاع الهويات في السودان .. (Re: احمد ضحية)

    صراع الرؤى .. نزاع الهويات في السودان ..

    المؤلف : دكتور فرنسيس دينق
    المترجم : دكتور عوض حسن
    اسم الكتاب في الإنجليزية : war of visions : conflict of identities in the sudan "
    الناشر : the brookings institution, washington D.C.1995.
    الناشر : مركز الدراسات السودانية " طبعة ثانية معتمدة 2001 " .
    عرض : احمد ضحية .

    تمهيد :

    منذ أن صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى ( سبتمبر عن مركز الدراسات السودانية 1998- التي تم سحبها لاشتمالها على أخطاء في الترجمة ) وحتى إعادة طباعته منقحا في 1999 و2001 , ظل يثير كثير من الأسئلة , على مدى واسع النطاق داخل السودان وخارجه . إذ اشتعل منهج الكتاب في البحث في احد أكثر الأسئلة حرقا في السودان : سؤال الهوية . باعتباره أس الصراع في السودان والمحور المفصلي للازمة الوطنية الشاملة . وكما أشار دكتور دينق في تقديمه لهذا الكتاب , إن نزاع الهوية يحدث في إطار الدولة عندما تتمرد مجموعات , أو بمعنى أدق عندما يتمرد مثقفوها ضد ما يرونه اضطهادا غير محتمل , تمارسه المجموعات المهيمنة , ويتم التعبير عنه بعدم الاعتراف , والأبعاد عن مجريات الأحداث والتهميش , وربما يعبر عنه أيضا بالتهديد بالتدمير الثقافي , أو حتى بالتصفية الجسدية .
    وبالاستنتاج _ كما أتصور _ لا يقتصر هذا الكتاب على تفسير ألازمة التاريخية بين الشمال والجنوب , بل يتعدى ذلك إلى ألازمة الراهنة في دار فور .
    يبقى أيضا أن نعرف أن هذا البحث الضخم , في صراع الرؤى , يأخذ أهميته أيضا من كون أن كاتبه هو دكتور فرنسيس دينتق , من أبناء قبيلة الدينكا , والذي يعمل كزميل رفيع بمعهد بروكنز بواشنطن .

    خلفية :

    دكتور دينق في الفصل الأول ( من القسم الأول من هذا الكتاب )يقوم بعرض عام للنزاع الذي أدى إلى انقسام السودان إلى شمال وجنوب , من خلال نقضه لبعض المفاهيم الزرائعية , التي ظل علماء التاريخ يتحججون بها ( لا شمال بدون جنوب ) , مستعيدا الجذور العملية التاريخية التي أدت إلى تكوين الشمال العربي المسلم , والجنوب الافريقى ومن خلال عرضه للتأثيرات الثقافية بين السودان والشرق الأوسط , التي تعود لآلاف السنوات قبل الميلاد مرورا بالغزو التركي المصري والدولة المهدية والاستعمار الثنائي ( الانجليزى المصري ) وصولا إلى اندلاع حرب الرؤى بين الشمال والجنوب في أغسطس 1955. اى قبل أربعة اشهر فقط من إعلان الاستقلال , في يناير 1956 . من خلال هذه الخلفية يتوصل المؤلف إلى نتائج أساسية تفسر صراع الرؤى . منها اعتبار السودان قطرا عربيا , الشيء الذي تداعياته على نظام التعليم والبرامج الثقافية والعلاقات الخارجية . ففي هذا السياق تبلور سودان ما بعد الاستقلال . بين السودانيين غير العرب , ممثلين في الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها . وبين العرب المسلمين , ممثلين في الأنظمة المتعاقبة على الحكم في الخرطوم منذ استئناف الحرب في 1983 , اثر خرق نميرى لاتفاقية أديس أبابا 1973 من جانب واحد , ما فاقم أزمة الهوية وعاظم الحرب , ليؤدى ذلك بالنتيجة إلى بروز اتجاهان عقائديان : الأصولية الإسلامية والاتجاه الراديكالي في كل من الشمال والجنوب .

    اعتبارات سياسية :

    هناك عدة مداخل سياسية بديلة تطرح نفسها منبثقة من هذه الخلفية , لنزاع ألهويات بين الشمال والجنوب . احد هذه المداخل يفترض أن الهدف المقدم هو الوحدة الوطنية , وبعدها يتم البناء على العناصر , التي يمكن أن تحقق ذلك . ويتمثل العامل الرئيسي لهذا التوجه , في الحجة التي تؤكد بان التكوين الجينى للبلاد لا بقدم اى سند لادعاءات النقاء العرقي والثقافي ناهيك عن التفوق , ويعود ذلك إلى وجود عنصر افريقى مؤثر في الشمال يربط السكان بالمجموعات غير العربية داخل الشمال والجنوب ولهذا فان الهوية الأفريقية تقدم القاسم المشترك , الذي يمكن أن تقوم على أساسه هوية وطنية موحدة .
    ويمضى دكتور فرنسيس دينق بالقول : أن الرسالة التي تحتويها هذه الحجة , تعبر عن حقيقة مرة يصعب تقبلها من قبل الذين التزموا بالهوية العربية . فهي تعنى في الأساس تذكير الشماليين بان ما ظلوا يحملونه من مفاهيم الهوية العربية ماهو ألا وهم وخيال , وأنها ادعاءات تفتقر إلى السند الوراثى والتاريخي . وأدت إلى انقسام البلاد بصورة يصعب احتمالها .
    ويمضى دينق في تحليل الحجة الثانية , بأنها تبين بان هويتي الشمال والجنوب ظلتا تتطوران لتعبرا عن مفهومين ذاتيين متناقضين بحدة , في العرق والثقافة والدين . إضافة إلى ذلك يختلف الجنوب والشمال في مستوى المعيشة , وهناك تفاوت في النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي , فالشعور بالعزة والكرامة في الشمال لدى السودانيين العرب المكتسب من نظرتهم الذاتية يقف حائلا دون التخلص من ادعاء انتمائهم العربي , للارتباط بهويتهم الأفريقية التي أسقطوها منذ أمد طويل . ويؤكد دينق أن الدين بالنسبة للسودانيين الشماليين يعد ستارا وقناعا لسياسة الهيمنة العرقية . وعليه فان تحقيق الوحدة الوطنية على الأسس الأفريقية سيكون ثمنه غال جدا .
    ويتوقف دينق عند فشل الشمال والجنوب في التوصل إلى اتفاق حول هوية مشتركة وشاملة . إذ يقول أن ذلك شكل جزء هاما من النزاع . في خطاب جون قرنق في اجتماع كوكادام مارس 1986قال: أن قضيتنا الرئيسية تتمثل في أن السودان ظل ولا يزال يبحث عن هويته الحقيقية , وعند فشلهم يلجا السودانيون إلى العروبة , وعند فشلهم في ذلك يلجاون إلى الإسلام كعامل للوحدة . ويصيب الإحباط الآخرين لأنهم فشلوا في فهم تحولهم إلى عرب , بينما أراد الخالق لهم غير ذلك . ولهذا يلجاون إلى الانفصال . ينطوي هذا الوضع على الكثير من الغموض والتحريف , مما يخدم المصالح الطائفي المتباينة . وحسب رموز شفرة القاموس السياسي الشمالي الجنوبي يمكن فهم كلمات قرنق على إنها دعوة للفرقة البلاد . ورغم أن نظرته شاملة وجامعة نظريا , إلا انه يمكن وصفها بأنها نظرة جنوبية .

    صراع ألهويات :

    في الوقت الراهن يبدو السودان في مفترق طرق حرج بين الأصولية والصحوة الإسلامية في الشمال وبين مفهوم حديث لدولة مدنية ديموقراطية علمانية في الجنوب . وكما أشار احد الأكاديميين الإسلاميين السودانيين حديثا : " أن ما نشهده يعبر عن نزاع بين نظرتين ثقافيتين متعاديتين , تعيش كل منهما مرحلة بعث وصحوة جديدة , ويعد تبنى الثقافة الغربية كعامل ديناميكي خارجي يقدم المثل والسند المادي والثقافي للقوى المعارضة للإسلاميين , تطورا حديثا , وبالرغم من انم ذلك لم يكن غائبا تماما منذ بدايات " الصحوة الإسلامية " إلا أن التأثير الغربي يعتبر ألان عاملا مهما , خاصة لتكامله مع قوى داخلية متطورة جدا ." .
    يتناول دكتور فرنسيس دينق في القسم الثاني من هذا الكتاب التطور الذي شهدته هذه ألهويات المتصارعة . الهوية الشمالية التي لعبت دور الاستيعاب للهويات الأخرى . عبر اليتى الاستعراب والاسلمة , عبر مراحل تاريخ السودان المختلفة . والهوية الجنوبية التي ظلت تلعب دور المقاومة لهذا الاستيعاب منذ الفترة السابقة على الاستعمار الثنائي .
    وفى القسم الرابع من هذا الكتاب , يكرس دكتور دينق منهجه للبحث حول عن الأمة . متناولا نشأة وتطور الهوية الوطنية المنقسمة , خلال تتبعه للحركة الوطنية منذ بواكير ها والدور الذي لعبته فى هذا المجال . الى جانب حركة الاستقلال والتقليد الطائفي ومشروع التحديث والمسيرة المنقسمة نحو الاستقلال . ما أدى بالنتيجة بعد الاستقلال في 1956 إلى الهيمنة الشمالية أو ما أطلق عليه دينق عودة الاستعمار . الأمر الذي ترتب عليه مقاومة الجنوب لهذه الهيمنة بتصاعد موجات العنف في الجنوب , خاصة من جانب العسكريين ضد السكان المدنيين متناولا بالشرح والتحليل مسيرة اتفاق أديس أبابا 73 , " اتفاق السلام التكتيكى – كما وصفه " وما آل إليه هذا الاتفاق من انهيار في 83 والنتائج التي ترتبت على ذلك .

    الاستقطاب :

    يقول دكتور دينق : بينما كان ينظر إلى اتفاقية أديس أبابا , على إنها عامل للسلام والوحدة , دعمت ترتيبا سياسيا عادلا متسعا للجميع , رأت بعض المجموعات مواصلة المعارضة واعتبرت الأقسام اليمينية العربية الإسلامية الاتفاقية انتصارا لأعدائها من المسيحيين الجنوبيين والعلمانيين ودكتاتورية جعفر نميرى . وكان هناك بعض الجنوبيين ممن رأوا الاتفاقية بمثابة استسلام واختاروا البقاء خارج التسوية . أشار محمد بشير حامد إلى رد فعل الجانبين معلقا " رغما عن التنازلات الهامة من جانب الأحزاب الشمالية , لم يكن هناك سوى القليل من الأرضية المشتركة . قدم الشماليين نوعا من تفويض السلطة الاقليمى , لكنهم لم يقتربوا من الفدرالية , وبينما قبل الجنوبيون بالسودان الموحد , أرادوا أكثر أنواع الكونفدرالية اتساعا " .
    ويتتبع المؤلف في هذا الفصل مسيرة التوتر في العلاقات بين الشمال والجنوب بعد الاتفاقية منذ لحظة احتضان النميرى للمحافظين الشماليين وتحالفه مع الأخوان المسلمين , شارحا معضلات الهيمنة الشمالية بسبب سياسات وأفعال الحكومة المركزية . ومع الازدواجية بين تأجيج الحرب مع الرغبة في السلم أو التمسك بمبدأ الوحدة الوطنية مع التفكير في الانفصال كخيار , مع هذه الازدواجية التي تنبع من أجندة خفية ترتبط بدورها بتلك الانشقاقات التي تدعو إلى تقسيم البلاد , ونظرة الأحزاب إلى الانقسامات , وما يبدو من اقتناعها بأنه لا يمكن رأبها , وان أمكن نقاشها يستحيل حلها . مع هذه الازدواجية كانت الهوية الجنوبية في سياق أخر تتخلق وتنشا .

    عناصر نظام القيم المحلية :

    يشرح المؤلف في هذا الفصل عن نشأة الهوية الجنوبية , عناصر نظام القيم المحلية , باعتبارها من الموضوعات المحورية التي يؤكد عليها الناس أنفسهم , والتي شغلت اهتمام علماء الأجناس , حيث تبرز الجوانب التالية :
    (1) السعي من اجل هوية ونفوذ دائمين , من خلال التواصل الوراثى وتسلسل الأسلاف والأجيال .
    (2) وحدة وتجانس المجتمعات كما يتم التعبير عنها في مفاهيم – العلاقات الإنسانية .
    (3) مبادىء الكرامة والعزة الفردية والجماعية . ويظل النيليون من الدينكا والنوير وأقربائهم من بين اقل القبائل تأثرا بعمليات التحديث والتنمية في أفريقيا , ويعبرون بذلك عن تلك القيم .
    ساعد التداخل الحميم بين المعتقدات الدينية للنيليين وبين كل مناحي الحياة الأخرى في توضيح القيم الأساسية الدائمة لهوية ونفوذ مجتمع النيلين . ويكاد يكون دور المعتقدات التقليدية في الانتشار والتغلغل مشابها للنظام الاسلامى , ويكمن الفرق في انه , بينما الإسلام مركزي وشامل , تتبع معتقدات النيليين وممارساتها نظاما وراثيا مجزأ مبنيا على الوحدات الإقليمية الذاتية وعلى الوحدات الو راثية العشائرية . ويوفر ذلك الصلة الذاتية والشخصية مع الإله عبر أرواح السلف , مما يسمح بقدر من التعايش الديني والحرية الدينية والتعددية وقد سمحت المرونة الكامنة في تلك القيم للنيلين في الماضي بتبني جوانب من الأديان والثقافات الوافدة بصورة انتقائية . تقبلوا حديثا التبشير المسيحي , كعامل مرتبط بالتعليم والتطور , واعتنقوا المسيحية لتكاملها مع قيمهم الروحية والثقافية الأخلاقية المحلية . وكان التغيير بالنسبة لهم بهذا عملية تبنى وتأقلم مع العناصر المرغوبة , وليس تغييرا جذريا متكاملا للمجتمع . والمواقف التي تم تقييمها على إنها مقاومة للتغيير , تمثل بذلك عملية انتقاء تؤكد على الاستمرارية مع توافقها مع التغيير ومقاومتها للتغيرات الجذرية التي تقوض النظام .
    إن الاستمرارية في التواصل بين الأجيال لها روابط عاطفية عميقة بموروث السلف , ولكنها قادرة على التكيف مع المتغيرات . أكد الزعيم ارول كاكوك زعيم دينكا جوك , الذي في أواخر السبعينيات من عمره , معلقا على هذه القيم قائلا : " الإله هو الذي يغير العالم بإعطائه الأجيال المتعاقبة أدوارها . وكمثال لذلك فان أسلافنا الذين اختفوا عن حياتنا ألان , امسكوا بتلابيب حياتهم .. ثم غير الإله الأشياء .. إلى أن وصلتنا وسوف يستمر التغيير . عندما يقرر الإله تغيير حياتك فان ذلك سيتم عن طريقك وزوجتك . سوف تنامان معا لتلدان طفلا . عندما يحدث ذلك عليك أن تدرك بان الإله قد أودع في أطفالك , الذين حملتهم زوجتك , الأشياء التي عشتها في حياتك ." .
    لاحظ افانز بريتكارد أسلوب النوير لحل نزاعاتهم " والعناصر الخمسة الهامة لحل اى نزاع من ذلك النوع بالمفاوضات المباشرة , عبر زعيم تبدو بأنها : -
    (1) رغبة المتنازعين لحل نزاعهم .
    (2) مكانة وقدر شخصية الزعيم ودوره التقليدي في الوساطة .
    (3) النقاش الكامل الحر الذي يقود إلى قدر كبير من الاتفاق بين كل الحاضرين .
    (4) الشعور بان الشخص يمكن أن يتنازل تقديرا للزعيم والكبار دون انتقاص لكبريائه في الوقت الذي لا يبدى فيه ذلك لخصمه .
    (5) اعتراف المهزوم بعدالة قضية الطرف الأخر .
    أن عملية توسط الزعيم بين الأفراد والجماعات مستغلا في الغالب أساليب الإقناع , ظلت مظهرا للمسئولية التي تحتضن الجميع من اجل هذا العالم الثنائي , عالم الإنسان والأرواح . ولكن بمعايير السلطة السياسية والحكم , لم تكن تلك الأساليب اقل أهمية من استعمال القوة .
    ويمضى دكتور دينق في تتبع تداعيات نظام القيم بما هي إعطاء قضايا الدين الأبدية بعدا دنيويا يجعل الناس شديدي التدين . ويعتقد الدينكا انه إذا أخفى الناس الخصال السيئة فبطريقة ما الإله سيكشفها .ولدى النيليين إحساس ذاتي بعزة النفس تمنعهم فرض النظرة العرقية على الآخرين وعدم قبول فرضها عليهم . والتداعي الأخر الذي نفس الأهمية لنظام التجزئة القائم على النسب هو الشعور العميق بالاستقلالية . كما أن هم – النيليين – يعطون أهمية كبيرة لمفهوم القيادة . إلى درجة تقارب القداسة الروحية المرتبطة بموروث السلف .
    ويمضى المؤلف في شرح حدود النظام الاجتماعي , كما يتناول المسيحية والثقافة الغربية . باعتبار أن السياسات الإنجليزية شجعت الهوية الجنوبية القائمة على النظام التقليدي وتأثير النفوذ الحديث للمسيحية والثقافة الغربية , الخ .. كما يتتبع دور التعليم والوعي وما ترتب عليه من سعى جاد للخلاص إلى جانب الديناميكية العسكرية خلال الاضمحلال المتزايد لنظام مجموعات العمر – الجنوبي الذي صاحب انهيار المجتمع التقليدي .. ومع تحضر المجتمعات الريفية , كان على الشباب أن يختار بين التمرد أو الهجرة من اجل العمل في الحضر . مستعرضا ضمور الساحة السياسية الحديثة قائلا : في مثل هذا الوضع أصبح إحياء واستغلال تقليد مقاتلي القبيلة لأغراض عسكرية واضحا ومدمرا .

    الانقسامات الراهنة داخل الجنوب :

    ربما أكثر الجوانب وضوحا في النزاعات داخل الحركة الشعبية , والتي لا تثار حولها خلافات تذكر , يتمثل في أهداف الحركة . أن الهدف المعلن للتيار الرئيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها , هو تحرير كلب البلاد من كافة أنواع التمييز القائم على العرق , الدين . الثقافة . اللغة أو الجنس . والهدف المعلن لتمرد أكول –مشار – كونق -. هو الانفصال للجنوبي . ديموقراطية الحركة الشعبية لتحرير السودان , مع احترام حقوق الإنسان داخل الحركة . النظرة الفاحصة تكشف عن وضع أكثر تعقيدا , أملته تظلمات وطموحات شخصية ظلت تعتمل لفترة طويلة من الزمن .
    ومنذ انقسام هؤلاء عن الحركة الشعبية أخذت الانقسامات داخل الجنوب تأخذ في الاتساع والتفشي إذ انقسم وليام نون وكاربينو كوانين وغيرهم .
    يعترف القادة الجنوبيون , كما يجب أن يكون لام أكول قد أدرك أيضا , بان الانفصال لا يمكن تحقيقه بطلب من السلطة المتحكمة لتمنحه تكرما . ويعتقد التيار الرئيسي للحركة بأنه يتحقق فقط إذا فرضته ظروف المعادلة العسكرية , وانه لمن الخطأ الافتراض بان الجنوبيين بمن فيهم قادة الحركة الشعبية وجيشها قد تخلوا عن خيار الانفصال .
    وفى هذا الصدد توضح قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها , باستمرار بان لدى كل من الداعين للانفصال والذين يرغبون في سودان جديد هدفا مشتركا , لان الاطروحات الوطنية تتضمن بشكل تلقائي التطلعات المحلية . السودان المتحرر يعنى بالتالي الجنوب المتحرر , ولكن , إذا كان الانفصال هو الهدف فان القتال من اجل سودان جديد ديموقراطي وعادل سوف يحقق دعما إقليميا أعظم من دعم القتال من اجل الانفصال . والانفصال كهدف سوف يستفيد بهذا من حركة النضال من اجل العدالة داخل إطار الوحدة . وإذا ما حدث وفشل الهدف النهائي لخلق سودان جديد , فان الهدف الاقليمى لتحرير الجنوب , سوف يكون تحقيقه ممكنا وبطريقة عملية من خلال ذلك النضال .

    التحدي الجنوبي للأمة :

    إن دعم وترسيخ نظام القيم الثقافية التقليدي للجنوب , بواسطة قوى التحديث . قد أعطى الجنوب نموذجا منافسا للأمة . ويمكن القول بان هذا النموذج يعد أكثر قابلية للصمود والاستمرارية مقارنا بالنموذج المقترح من جانب الأصوليين في الشمال , لأنه . وبالتحديد أكثر اتساقا مع المفهوم العلماني للدولة الحديثة في الإطار العالمي المتداخل .ومع ذلك فان نموذج الحركة الشعبية المقترح يتعثر لصلته بالجنوب الذي تحده الإقليمية , بالرغم من أن النموذج يكسب أرضيته في أفريقيا السوداء . للنموذج الشمالي تميز مكتسب من حقائق الواقع السياسي على المستوى القومي , مع دعم العالم العربي الاسلامى له , بالرغم من انه يميل إلى عزل أفريقيا السوداء . القوة القومية للنموذج العربي الاسلامى تفسر سبب فشل الحكومات التي أعقبت نميرى في إلغاء قوانين سبتمبر 83 سيئة السمعة التي تم ترسيخها بجهود الحكومة الراهنة ليصبح حكم الشريعة كاملا . ومع هذا فان الحركة الشعبية التي تمثل انصهارا لعناصر من التقليد والحداثة تشكل التحدي لدعاة النموذج العربي الاسلامى .
    يتناول دكتور فرنسيس دينق في القسم الرابع من هذا الكتاب الشمال والجنوب كعالم مصغر . متناولا علاقة دينكا الانقوك الجنوبيين بالحمر الشماليين و إطار التعايش بينهما , والأسس التي نهض فيها هذا التعايش . منتقلا إلى القوانين التي تحكم القبائل المختلفة في الجنوب والشمال عبر مراحل التاريخ المختلفة , منذ ما يسبق الحكم التركي ومرورا بالمهدية والحكم الثنائي , محاولا شرح أسباب تبنى ألهويات الداعية للفرقة . وتوحد هذه ألهويات المثيرة للفرقة . كما حدث في منطقة دينكا الانقوك وجيرانهم من العرب .
    ومن ثم يتناول بالشرح والتحليل مسيرة السعي للحكم الذاتي في منطقة ابيى ووضعها كمنطقة متنازعة بين الشمال والجنوب .
    ويمضى دكتور دينق قائلا : تحولت بؤرة الاهتمام بالا نقوك من المحلية إلى المحافل القومية والدولية . برغم أن الحرب الأهلية دمرت منطقة ابيى , واصلت عائلة الزعيم دينق مجوك عبء تحمل القيادة المحلية , وظلت تسعى لإقامة تفاهم بين المجموعات التي كان عليها أن تتعايش , بصرف النظر عما ألت إليه السياسات على الصعيد القومي .
    ويؤكد انه يمكن تلخيص الدروس التي يقدمها وضع ابيى للأمة والأهمية المحورية لعامل الهوية فى عدة نقاط :
    (1) يعتبر وضع الانقوك والحمر نموذجا مصغرا للوضع بين الشمال والجنوب , لان الانقسام يرجع أساسا إلى عامل الهوية الذي يفرق السكان إلى عرب وإفريقيين , وما تثيره هذه القضية من مشاكل ناتجة عن هذا التميز .
    (2) في هذه الازدواجية ظلت الهوية العربية مهيمنة كقوة خارجية مشابهة للسيطرة الاستعمارية .
    (3) لم يكن المهيمن والمهيمن عليه متشابهين في تكوينهما فحسب , بل كان كل منهما يؤثر في الآخر , ويعتمد عليه . بينما كان تأثير الجنوب على الانقوك اكبر من تأثيرهم عليه , ظلت الأزمة المستعرة في منطقة الانقوك تلقى بظلالها على الجنوب .
    (4) بينما كان استئناف العداوات في الجنوب نتيجة لتطورات النزاع بين الشمال والجنوب , إلا انه كان وبدرجة ما , متأثرا بالوضع المتأزم في منطقة ابيى .
    (5) أصبح الاتفاق السائد في الجنوب , وبالقطع وسط الدينكا , بأنه لايمكن تحقيق سلام دائم بين الشمال والجنوب دون الأخذ في الاعتبار وضع دينكا الانقوك .
    (6) تجب الموازنة عند حل النزاع بين انتماء دينكا الانقوك للجنوب وبين الاعتماد العملي المادي والاقتصادي للقبائل العربية على المرعى ومصادر المياه في ارض الانقوك , التي لا تمكن الحياة بدونها .
    (7) يتوقف تحقيق السلام على مقدرة الحكم السياسي الذاتي ( في سودان موحد أو منفصل ) المدعوم بترتيبات اقتصادية , في أن يسمح بالتبادل المشترك الحر وتقاسم الموارد الحيوية عبر الحدود السياسية

    دينكا الانقوك :

    وأخيرا : وبصرف النظر عن تفاصيل الترتيبات الخاصة بالمشاركة في الموارد الحيوية , يبقى الانقوك جنوبيين في المقام الأول , ويجب أن ينظر لمقدرتهم على التوسط بين الشمال والجنوب داخل هذا الإطار .
    ويركز المؤلف في القسم الخامس من هذا البحث القيم والضخم على البعد الخارجي ومعضلات الصلات الخارجية من خلال تتبع مسيرة العروبة والإسلام في الفكر السياسي الشمالي , حيث يتوقف عند محطات بارزة 1967واديس أبابا وكامب ديفيد , الخ .. متتبعا أيضا التحولات في المواقف الداخلية على عهد جعفر نميرى خاصة بعد الانقلاب اليميني في 1976ومن خلال موروث ثورة مايو يخلص المؤلف إلى : انه من الواضح أن الربط بين الرموز المحلية للهوية والعلاقات الخارجية يمكن أن يكون داعيا للفرقة وسلبيا أو داعيا للوحدة وبناء . ويكشف معظم تاريخ العلاقات بين الشمال والجنوب عن صلة سلبية انقسامية . .. ولكي تتمكن البلاد مرة أخرى من أن تحقق وتحافظ على وتحسن ما تم التوصل إليه في العهد الذهبي , لابد من الاعتماد على إمكانيات الحل العادل للنزاع الشمالي – الجنوبي الذي اتسع وانتشر ليشمل مناطق أخرى مهمشة غير عربية في الشمال – برغم قيادة الجبهة الإسلامية والحكم العسكري الراهن للبشير – لا يزال ذلك الالتزام متمتعا بقاعدة عريضة , مما يجعل إمكانيات عقد تصالح مماثل بين الشمال والجنوب يبدو حقيقة , أمرا بعيد المنال . ويبقى السؤال الحقيقي عن الكيفية التي سوف يفسر بها هذا الجمود نفسه إقليميا وعالميا والوسائل التي سوف تتحدد بها طرق الدعم أو التحكيم بين الهويات المتنازعة .
    ناتى إلى آخر أقسام هذا الكتاب الغنى بالمعرفة , القسم السادس .. ويكرسه دكتور دينق لواقع الأزمة بدء من حدود الهوية وتصورات ألازمة حيث يخلص إلى نتائج ما توصل إليه :

    خلاصة الرؤى :

    تنبع أزمة الهوية الوطنية في السودان , من حقيقة أن السودانيين الشماليين العرب – المهيمنين سياسيا واقتصاديا , رغم أنهم ينحدرون من تلا قح عربي – افريقى , ويشكلون الأقلية بالنسبة لمجموع سكان البلاد – يرون أنفسهم عربا في المقام الأول , يتبراون من العنصر الافريقى فيهم , ويسعون إلى فرض هويتهم على كل أرجاء البلاد , ليشمل المجموعات غير العربية في الشمال وكل سكان الجنوب , الذين يشكلون معا في مجموعهم الأغلبية القومية الساحقة . ولهذا تسعى الأقلية العربية الحاكمة لتعريف الشخصية الوطنية على أسس توجهات نظرتها الذاتية , التي تعتبر نفسها تحريف وتشويه لهويتها المركبة الناتجة عن عرق عربي – افريقى مختلط , ويبدو عنصرها الافريقى أكثر سفورا برغم الحرص الشديد على إنكاره .
    تتمثل البدائل المقترحة بشكل عام لحل أزمة الهوية , في التكامل على أسس الاستيعاب والتعايش داخل إطار للوحدة يحتضن التنوع . بينما يعد الشمال نتاجا للاستيعاب الافريقى – العربي وبينما يسعى الشمال بعزم دائم لبسط هذه العملية على الجنوب , يؤكد وجود هذه الازدواجية المواجهة العدائية التاريخية التي تمكن الجنوب خلالها من مقاومة استيعابه بواسطة الشمال بنجاح حتى الآن . وبالرغم من أن الجانبين تأثرا بالتبادل الثقافي , الذي يبدو أكثر وضوحا في الشمال عنه في الجنوب , إلا أن التاريخ المرير لم يترك لهما اى رؤية تجاه اى شيء مشترك , سوى رؤية نزاعهم بمنظار يعكس الاحتقار المتبادل .
    يعد انقسام البلاد إلى هوياتها الأفريقية والعربية نتاجا للاستعراب والاسلمة في الشمال من جانب , وللمقاومة الأفريقية ضد فرض وجهة النظر الشمالية من جانب آخر .
    يجب رؤية كل من " ثورة الإنقاذ الوطني " وحليفتها الجبهة الإسلامية القومية , والحركة الشعبية لتحرير السودان على أنهما يمثلان الذروة لعملية مرت عبر ثلاثة مراحل : تقليدية , انتقالية وحديثة .
    تنبع العقبات أمام حل النزاع من الموضوعات الواردة في تحليل القضايا ومن نشؤ وتطور الرؤى المتصارعة الآن حول تلك القضايا . بينما يبرز النزاع في أشكال متعددة ومستويات مختلفة , تعد الحرب الأهلية البعد الأكثر حدة وحسما بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها . لقد أصبحت قضية الشريعة مثيرة لأكثر جوانب النزاع صعوبة ولكنها تشكل نموذجا لمجالات خلاف أخرى .
    ما تشير به الحكمة البديهية , لا يمثل بالضرورة وجهة النشاط العملي الذي يتبعه صناع القرار . الوضع السوداني يعبر عن انعكاس ما ساوى لصدق هذه الحقيقة . فمن جانب , أصبحت قضايا النزاع واضحة جدا للجميع . بمن فيهم أطراف النزاع , ومن الجانب الآخر يعترفون بان الوضع الراهن لا يمكن ان يصون السلام والوحدة . ومع ذلك فان المواقف التي تتخذها الأطراف للمفارقة توسع شقة الخلاف , مما يجعل المساومات صعبة أن لم تكن مستحيلة .
    أمام السودانيين عدد محدود من البدائل ليختاروا منها من بين المواقف الجلية للأطراف . احدها إعادة تعريف الهوية الوطنية لتكون بصدق موحدة ودا عمة للمساواة التامة في الفرص السياسية , الاقتصادية , الاجتماعية ,والحياة الثقافية للبلاد . وبديل آخر يتمثل في خلق إطار يوفق بين التطلعات المثالية للوحدة والحقائق الموضوعية للتنوع . والثالث , الاعتراف بان العقبات أمام الوحدة الوطنية ربما تكون عصية لا يمكن تخطيها , وبان الانفصال يمكن أن يسمح لكل من الطرفين أن يتقدم ويتطور في مجال المهام الايجابية للبناء والتنمية على أسس نظراته الذاتية وتطلعاته الخاصة .


    القاهرة شتاء 2005
                  

العنوان الكاتب Date
وقائع الندوة التي استضافتها منظمة اعادة تاهيل واعمار دارفور Darfur Rehabilitation Project –U S احمد ضحية08-27-09, 04:08 AM
  ندوة مستقبل السودان على ضوء الإنتخابات المقبلةحركة القوى الجديدة الديموقراطية(حق) – مكتب أميركا احمد ضحية08-27-09, 04:14 AM
    السودان : احتمالات السلام واجندة عمل مؤسسات المجتمع المدنى.. احمد ضحية08-27-09, 04:21 AM
      العلاقات السودانية المصرية .. ملف امني… احمد ضحية08-27-09, 04:33 AM
        ندوة دكتور الباقر العفيف حول سؤال الهوية والأزمة السودانية ... احمد ضحية08-27-09, 04:37 AM
          جون قرنق:رؤيته للسودان الجديد واعادة بناء الدولة السودانية .. احمد ضحية08-27-09, 04:42 AM
            صراع الرؤى .. نزاع الهويات في السودان .. احمد ضحية08-27-09, 04:53 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de