|
Re: رقصة الوَجْد المؤنَّث في الكتابة الصوفيَّة .... للكاتبة الصحافية مــروة كـريـديـة (Re: emad altaib)
|
ـــــ الأنوثة مبدأ كوني لأن صور الكون ذات طبيعة انفعالية
ينطلق ابن عربي من مبدأ هو أنه لا يوجد في الوجود إلا الحق وأعيانه وصوره، وأن الكون هو صور الحق المنعكسة في مرآة الوجود. وتحمل "الصورة" سمات المتجلِّي فيها: فما ينطبع في الصورة من موجودات كونية يجد أصله في الوجود الإلهي. وهو شأن المثنويات المفاهيمية جميعًا: الجمال والجلال، الوحدة والكثرة، القِدَم والحدوث، إلخ[13]. وصور الموجودات هذه هي ذات طبيعة انفعالية. لذا يصرِّح الشيخ الأكبر بأنه "ما تمَّ إلا منفعل": إذ إنَّ كلَّ ما سوى الله فهو منفعل، أي محل يتميز بالاستعداد للتلقِّي والتأثر؛ فتسري الأنوثةُ كمبدأ كوني على اعتبار أن الكون محل لفعل الخالق. وهنا نفهم عمق الدلالة في "الوصية الحكمية"، الأولى من كتابه الوصايا:
إنَّـا إنَــاثٌ لِمـا فِيـنَا يُولِّـدُه * فلنحمدِ الله مَا فِي الكونِ من رَجُلِ
كون الإنسان مرآة تجلِّيات الأسماء والصفات الإلهية، وهو محل استقطاب للأفعال الإلهية. وهذا "الاستعداد للقبول" خاصية ذاتية تميِّز المحلَّ؛ وبفعل هذه الخاصية وُجِدَ الكون لأن كلَّ الموجودات فيه تمتلك قابلية المحل – إلا الله. والمحل عند ابن عربي لا يعني "المكان"، لأنه يقول بـ"أينيَّة المحل"؛ وهذا، بتعبير أبسط، هو "أين تتجه الصورة". فإن المحل هو القابل للتلقِّي. يقول ابن عربي:
وليس – تعالى – محلَّ حوادث، بل الأعيانُ محل الحوادث، وهو عين الحوادث عليها. فإنها محل ظهوره. فما هو لنا بأين، ونحن له أين. فمَن لا أينية له هو نحن؛ فأعياننا أين لظهوره .[14]
وميزة "العين" هي الرؤية، وخاصية المحل هي تلقِّي أثر المتجلِّي، أي صورته، مما يجعل من المحل مرآةً وموضوعًا للرؤية.
المرآة كمفهوم تجسيدٌ لمبدأ الأنوثة
الأنثى عند الشيخ الأكبر محل، والمحل مرآة؛ والرؤية، كعلاقة بين المرآة والمتجلِّي وصورته فيها، هي أساس الإيجاد؛ ويتطلب هذا الإيجاد محلاًّ أصليًّا يقبل تجلِّي الوجود المطلق ويتمثل في "الأعيان الثابتة" archétypes. ويُعد ابن عربي أول مَن استعمل مصطلح الأعيان الثابتة، بمعنى الحقائق الباطنية للأشياء[15].
وجلاء مرآة الوجود يرجع إلى فعل "التنفيس" كحركة رحمة وارتياح، وذلك لقوة تأثير الحب. وإذا سألنا: من أين الحب؟، يجيب ابن عربي: من تجلِّيه في اسمه "الجميل":
فإنْ قلتَ: "وما الجمال؟" قلنا: "نعوت الرحمة والألطاف من الحضرة الإلهية باسمه الجميل."[16]
فحضور المرآة في فكر ابن عربي يتعلَّق بطرحه مبدأ الأنوثة على المستوى الأونطولوجي. فالمرآة ارتبطت تاريخيًّا بالجمال والخيال والحب والمرأة؛ وتركيبات هذه المفردات وعناصرها كلها جعلتْها تقترن بعالم الطبيعة والانفعال، ومن ثَمَّ بالزوال. كما أن الأنوثة احتلت، في إطار التفكير الفلسفي، مرتبة النقص والتبعية على أساس إعطاء الأفضلية للفاعل بالنسبة إلى المنفعل؛ أما ابن عربي، فإنه استمدَّ المقولات المتداولة في عصره (الفاعل والمنفعل) وأفرغ مفاهيمها من مضامينها السابقة، ليعيد بناءها على أساس إلغاء الأفضلية والتراتبية. وقد اعتمد ابن عربي في بنائه لمبدأ الأنوثة على مبادئ:
- مبدأ التثليث بدل مبدأ الهوية؛
- انطلق من علم النكاح عوضًا عن التأمل؛ و
- اعتمد على مبدأ المحبة كأصل للمعرفة والإيجاد بدلاً من اعتماده على العقل.
هذا من ناحية مبدأ الأنوثة عند ابن عربي. أما من حيث الكتابة نفسها، فهي تنخرط في رقصها الوَجْديِّ المؤنث، عبر التأرجح الذي تلج حيِّزه باستدعائها حميمية الأنثوية وفتنتها، وتنسكن بنوع من الكتابة البيضاء المعتمة التي تتشظَّى في "آثارها" traces، في امِّحاءاتها، في صمتها، وفي اللامفكَّر فيه الذي تكتنزه، تكتبه وتمحوه، لتصير "أثرًا لأثر" trace d'une trace، أو لتنوشم باستحالة الكتابة، بنوع من الاشتغال الهرمسي الفعَّال في العمق الفاصل–الرابط بين حافتي "ثنية الجنسين" le pli des deux sexes في آنٍ واحد، لأن خطَّ الأنثوي يمر في ترحاله الباذخ بينهما.
بهذا المعنى يكون ابن عربي أحد القلائل الذين ورَّطوا الكتابة في مساءلة الأنثوي، والذين اندمجوا في تحقُّق الهدف الملغَّز لفعل الكتابة الذي هو: "إطلاق الصيرورات من عقالها" déchaîner les devenirs
الرابط :
رقصة الوَجْد المؤنَّث في الكتابة الصوفيَّة
|
|
|
|
|
|
|
|
|