عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-28-2024, 01:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حيدر حسن ميرغني(حيدر حسن ميرغني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2006, 11:46 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء (Re: حيدر حسن ميرغني)



    الأحباء هنا :
    تحية طيبة .

    ترددت كثيراً في إيراد موضوع كتبه الدكتور عبد الله علي إبراهيم في صحيفة (سودانايل ) السماوية التي يرأس تحريرها الأستاذ ( طارق الجزولي ) في عددها بتاريخ 21/ 05/ 2004 م وله علاقة هشة بموضوع الغابة والصحراء و علاقة حميمة بطرف من أطراف الهوية يدور في الساحة الآن الكثير حوله ، واللغة والمُصطلحات في الموضوع رغم اختلافي في بعض ما أورده الدكتور من رؤى ، فهو لم يزل بكراً ، و ولود أنثاه ، ربما أجد متسعاً لتوضيح خلافنا معه لاحقاً إن تيسر .
    الناظر بروية للغة ومنهج الدكتور عبد الله سيضطر ألا يستعجل الحُكم على تلك الرؤى ، في حين أنني أحاول قدر الممكن أن يطال النقد الرؤى دون المساس بالشخوص وخياراتها ،رغم تداخل تلك الرؤى في بعض الأحايين بشخوص أصحابها . ربما لهذا التداخل شيء من الحقيقة ، وربما به من المكر ما به !! ، ولذا أحب تناول الرؤى وتجنب المساس بالشخوص .

    مرفق لكم النص :

    النص :

    الإسلام الشعبي: دين في مقاس الرجرجة
    عودة إلي مفهوم القس سبنسر ترمنغهام (1949) عن الإسلام الشعبي
    عبد الله علي إبراهيم

    ترجمة محمد عبد الله عجيمي

    سادت منذ حين مصطلحات وأوصاف في الكتابة عن الثقافة السودانية لم تخضع بعد إلي التمحيص. ومن هذه المصطلحات قول الكتاب أن إسلام السودانيين المسلمين هو "تأسلم" وأن عروبة عربهم استعراب وأن خليط هذين الحظين المبخوسين هو "الاسلاموعربية". و"التاء" في حال التأسلم والإستعرب هي "ت" الافتعال. وهذا حكم مجازف لا يصدر عن علم أو تأهيل لأنه لا احد يعرف "مقدار" الإسلام أو العروبة التي يشترط توفرها في كائن بشري حتى يصح وصفه بالمسلم العربي بغير "تاء" المناتقة كما جاء عند الدكتور عبد الله الطيب.

    واخشي أن يكون ذيوع هذه المصطلحات أثراً من معارك السياسة العملية حيث تدور رحى حرب الحداثيين والأصوليين من العرب المسلمين منذ حين في سياق حرب أهلية بغيضة. وقد أراد الحداثيون كسب نقاط علي خصومهم الدينيين بالقول إن ديننا هو "نص ديانة" وعروبتنا هجينة فلا تخوتوننا. وإذا صح مثل هذا الاعتذار بضآلة كسبنا من الإسلام والعروبة في معمعمان العراك السياسي فهو لا يجوز في مقام العلم بالأشياء.

    ومصطلحات الحداثيين الدهريين من مثل الاستعراب والتأسلم قديمة حتى لو بدت لها لمعة عند الناطقين الجدد بها. فهي من موروثنا من الإثنوغرافية الاستعمارية والتبشيرية التي نشط فيها هارولد مامكايكل بكتابه عن (تاريخ العرب في السودان، 1922 ) والقس الأنجليكاني ترمنقهام بكتابه عن الإسلام في السودان (1949). ولم نقصد برد منشأ هذه المصطلحات إلي بؤر استعمارية القول إن متبنيها في أيامنا هذه ملوثون ومصروعون بالغرب. حاشا. أكثر ما نريده في هذا المقام القول إن هذه المصطلحات قد تفرعت من نظريات "ألأوابد"survivals والانتشار التاريخي للثقافة ومباديء الوظيفية functionalism التي سادت في أوائل القرن الماضي ثم خبت جذوتها وهجرها الناس إلي نظريات أهدي وأقوم. ووقف للأسف حمار نظرنا الثقافي في عقبة تلك النظريات المهجورة. وقد نعزو ذلك إلي أن شعبة الأنثربولجيا بجامعة الخرطوم ،التي هي مركز تلقي الجديد في هذا العلم، قد كفت عن العناية بالثقافة منذ تحولت إلي شعبة خدمات لمنظمات غوث الملهوف الغربية. وأضحي جهد أكثر أساتذتها منصباً علي كتابة مذكرات عن خلفيات اجتماعية للسودانيين المراد غوثهم أو تطويرهم. وهكذا توقفت الشعبة عن النظر الثقافي الذي ميز جيلها الأول مثل الدكتورين تاج الأصفياء وفهيمة زاهر. وسيري القاري خطر مثل هذا التباطؤ في متابعة النظر الثقافي المطرد الذي انتهي بنا إلي التعلق بنظريات عن أخص خصائصنا عفا عليها الزمن ورمي بها الناس في مزبلة العلم لو صح التعبير.

    وقد حاولت في مقالين لي بالإنجليزية أن أوطن النظر الثقافي عندنا فيما استجد من علم الهوية والثقافة. نشرت كلمتي الأولي في مجلة الدراسات الأفريقية العالمية الإنجليزية عام 1985 ونشرت الثانية بكتاب حرره الدكتوران سيد حامد حريز والفاتح عبد السلام عنوانه في العربية: "الإثنية والخصام ولتكامل القومي في السودان" (1989). وقد حال صدورهما في الإنجليزية وتنائي المنشورة بالخارج منهما عن محيط البلد دون أن يجدا مكانهما في المناقشات الجارية علي قدم وساق في بلدنا عن الهوية. وقد التمست عون الأستاذ عز الدين عثمان المحامي في ترجمة المقالة الأولي والأستاذ محمد عبد الله عجيمي في ترجمة الثانية. كما دقق في التعريب الدكتور بدر الدين علي والأستاذ الخاتم المهدي. فجزاهم الله عني كل خير. وقد راجعت التعريبين لأتحمل تبعة نشرهما وحدي دون غيري. وقد نشرت المقالة الأولي المعنونة "كسار قلم مكميك: عودة إلي هوية الجعليين ألكبري" هنا علي حلقات منذ حين. وها أنا أبر بالوعد وأنشر المقالة الثانية المعنونة " الإسلام الشعبي: دين في مقاس الرجرجة" علي حلقات هنا. ولن يجد القاري ثبت المراجع ويمكن لطالب الاستزادة الاستفسار عن مرجع أو آخر علي بريد المؤلف.

    وجهة النظر المأخوذ بها حاليا حول هوية السودانيين الشماليين الإثنية والدينية هي في جوهرها من عمل هارولد أ. مكمايكل (1922)1 وجي. سبنسر ترمنغهام (1946)2. ويقول مكمايكل أن القاسم المشترك الأعظم في الهجين العربي الأفريقي، الذي نشأ عن اختلاط النوبة المحليين والعرب، الذين استقروا على نهر النيل منذ القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر الميلادي، هو تلك الأرومة البربرية أو النوبية المشتركة التي تسري في كافة عناصره بنسب شديدة التفاوت (1922:235). وقد أطلق ترمنغهام على دين هذا الهجين اسم "الإسلام الشعبي" لأنه مشرب بالوثنية الأفريقية. وأراد ترمنغهام بهذه التسمية القول انه إسلام آخر علي النقيض من الإسلام الارثوذكسي ANTI -ORTHODOX ،أو هو هجينSYNCRETISTIC علي اقل تقدير، أو غير تقليديUNORYHODOX(1949 :10. وقد قبل الباحثون اللاحقون بهذا التوصيف لهوية الشماليين الإثنية والثقافية على نطاق واسعهارولد باركلي 1964 :136-137؛ يوسف فضل حسن 1967 :152؛سيد حريز 1977 :11،22؛ وليام آدمز 1977: 557،574،577؛ أحمد الشاهي وف.ت.مورF. C. T. MOOR 1978 :32؛ حيدر إبراهيم 1979 :15،126؛ أحمد عبدالرحيم نصر 1980 :88-91 وشرف الدين عبد السلام 1983 :5،10،43)3.
    ينطلق توصيف كل من مكمايكل وترمنغهام لهوية الجعليين الكبري من فرضية فاسدة لا تستمد جذورها من الحقيقة المشاهدة للتمازج العربي-الأفريقي في السودان فحسب بل من الدلالات السلبية لمصطلح السفاحية العرقيةMISCEGENATION في الثقافة الانجلو-ساكسونية. فهولاء البيض من ذوي السلطان علي الفكر ومفاهيمه يستهجنون في دخيلة أنفسهم خلطة الأعراق ويعدونها خرقاً وسفاحاً (علي المزروعي1973 :58،75).وعليه فمكمايكل يتحدث عن عملية التمازج العربي-الأفريقي في السودان والعنصر الذي نتج عنها بمصطلحات مثل:"التدني"، و"النقاء العرقي"، و"السلالة الأصلية"، و"التلوث" وما يجري مجراها1922 :195،208،223،318،336). وهذا فعل من يستنكر في قرارة نفسه تزاوج الأعراق وخلطتها. بل أنه وصف مجموعة عرقية سودانية بعينها يجري فيها دم أفريقي أكثر من الدم العربي بأنها "متدنية أو هابطة". وقال أنه عني بهذا الوصف أن تلك الجماعة ببساطة وبراءة "أقل عروبة" من غيرها. وقد برر لجوءه لهذا المصطلح بقرينة أنه يكتب عن العرب في السودان لا عن أفارقته: " وبما أنني أكتب عن العرب وليس عن السودانيين الأفارقة الذين سبقوهم إلي السودان بصورة أساسية فإنني استخدم عبارة"أكثر تدنيا" كمعادل ل"أقل عروبة"(1922 :223)". وبرغم هذا التنصل فان عمل مكمايكل يوحي أحيانا بأنه يرى"الدم العربي" أعلى قدراً من "الدم الأفريقي" .فهو يشير، على سبيل المثال، إلى أن أغلب الأسر ذات البشرة الشاحبة، التي يفوق مقدار دمها العربي مقدار دمها الأفريقي، تنفر من التلوث بدم هو مزيج سوداني خالص(1922 :199 31. وعلى نحو مماثل ينسب مكمايكل وترمنغهام تفوق الكنقارا، وهم سادة الفور بغرب السودان، وبأسهم إلى أرومتهم العربية الأولي (مكمايكل 1922 :91؛ترمنغهام 1949 :32). والواضح أن وراء استخدام مكمايكل لمصطلح "تدني" دلالة أكبر من مجرد مصادفة أسلوبية في الكتابة عن العرب دون الأفارقة. ويبدو تمسكه بمقولة التدني الثقافي الناشئ عن التدني العرقي هذه أكثر وضوحا حين يصف إسلام "عرب" السودان الشمالي بأنه "ملوث بعادات وخرافات مختلف السكان الأصليين الذين استقروا بينهم" (1922 :195). وحسب ترمنغهام فان "الزنوج-العرب" و "الحاميين-العرب" في السودان دخلوا الإسلام وصبغوه بقدر وافر من وثنيتهم (1922 :10،149). وقد بدا له إسلام السودانيين مشربا بعناصر وثنية أفريقية كما هي في دارج فهم الغربيين لعقائد الأفريقيين المتهمين بالتعلق بالخرافة النزعة العاطفية وقابلية التأثر بالإيحاء الجماعي (1949 :108،149). وجريا على ذات النهج يشير ترمنغهام إلي "تعصب" البقارة للمهدية وينسبه إلى غلبة "الدم الزنجي " فيهم (1949 :30).
    بات واضحاً أن مقولتي "التدني العرقي" و"التدني الثقافي" متناصرتان يشدا واحدهما أزر الأخرى في هذه المناقشة حول هوية السودانيين الشماليين. فالدهماء في نظر ترمنغهام ترتبط بخرافاتها ارتباطاً لا ينفصم (ترمنغهام 1949 :195). وستقتصر هذه الورقة على مناقشة مقولة التدني الثقافي التي ينطوي عليها مفهوم الإسلام الشعبي الذي جاء به ترمنغهام ليصف إسلام السودانيين. وسنتناول بالنقد المنهج والمفاهيم التي استبطنت مقولته عن الإسلام الشعبي. وإضافة إلى ذلك سوف تناقش الورقة حماسة الدراسات الأثنوغرافية السودانية في قبول هذه المقولة بغير تأمل ونقد. وهي حماسة تتناقض مع أفضل أحكام ترمنغهام الذي حذر من الأخذ ببعض مقولاته إلى حين إجراء دراسات مفصلة حول الإسلام الشعبي في أقاليمه المختلفة (1949 :171). ولا حاجة للقول بان هذه القبول السكوتي لمقولته يتعارض أيضا مع أفضل النظرات التي تمخضت عنها تلك الدراسات الأثنوغرافية نفسها. وترى ورقتنا أن فهم الإسلام في السودان، في وقت أصبح الدين يلعب دوراً متزايداً في الحياة الثقافية والسياسية للبلد، سوف يبقى قاصرا من دون نظر نقدي في نصوص ترمنغهام وأفكاره.
    يرى ترمنغهام أن الإسلام في السودان يراوح بين قطبين هما الإسلام "الشعبي "والإسلام الأرثوذكسي ORTHODOX ISLAM وقد فسر الاختلاف بين الاثنين في ضوء أطروحته العامة حول التعايش التاريخي بين الإسلام الرسالي الأول وبين نظم هجينة تفرعت منه في البلاد التي تمدد إليها . وعلى حد قول تلك الأطروحة فان قلة فاتحة ضئيلة الشأن من العرب جاءت بالرسالة ، أي بالقرآن والسنة، فأخذتها الجمهرة إلي أقاليم الدنيا واستثمرتها في معاشها ومعادها كادحة إلي ربها كدحاً. وقد أعطى هؤلاء الذين دخلوا الإسلام تلك الرسالة "استشرافا للعالم دفق بدوره الدين في كل شئ في الحياة". وبمضي الزمن، في قول ترمنغهام، تطور الإسلام إلى النسق ألتوفيقيSYCRETISTIC SYSTEM الذي هو عليه اليوم. وهو نسق علي خلاف الرسالة الإسلامية الوافدة والحضارة التي تمثلتها. فهذا الهجين في نظر ترمنغهام "شئ جديد حقاً نشأ عن تفاعلهما وتركيبهما". ويصف ترمنغهام هذا النظام المهجن بأن له قوة باطنية غير عادية لتمثل وهضم العناصر الأجنبية التي أثرت مفاهيمه الأصلية الغريرة بينما احتفظ، في ذات الوقت، بعزائمه الخاصة في طلب الشوكة والوحدة العضوية والنظر المحيط للعالم. ويقرر ترمنغهام أن الشريعة تبقى الرمز لأهل النظام الهجين بينما تحكم الأعراف والعوائد حياتهم (1949 :106-107).

    ويعتبر ترمنغهام،فيما يبدو، التهجين SYNCRETISM عملية خلاقة حينما تطرق لكيف تهجن الإسلام وتطور داخل الحضارتين الهلينية-الشرقية (1949 :106) إلا أنه سيء الظن بعاقبة التهجين لدي تناوله لإسلام السودان الهجينSYNCRETISTIC ISLAM :-

    "...لقد أشرب الإسلام بصبغة قوية من الميول والنزعات الأفريقية فجاءت سماته المميزة ممثلة في الوجدانية المسرفة والخرافة... جاء الإسلام إلى بلاد بلا حضارة (السودان-أفريقيا) خلا الناس فيه من كل إرث باطن يسهمون به في ترقية الدين الوافد صعداً" (1949:104.
    وزاد ترمنغهام بأن قال أن الذين قاموا بنشر الإسلام في السودان لم يأتوا بإسلام من الدرك الأسفل فحسب بل كانوا أنفسهم من الجهلاء الذين قصر خيالهم دون التدريب الحسن في عقيدة الإسلام الأرثوذكسية. وواصل قائلاً أنه قد سنحت الفرصة كاملة لهؤلاء الدعاة الجهلاء، وسط قوم بلا خلفية ثقافية، أن لا يستصحبوا خرافات الناس وترهاتهم فقط بل أن يجسدوها هم أنفسهم في هيئة أولياء صالحين ذوي كرامات (1949 :10".

    ومن أول متاعب الباحث مع مفهوم "الإسلام الشعبي" أنه غير دقيق في الإحاطة المقنعة بالظاهرة التي خرج لوصفها. فالإسلام الشعبي، حسب ترمنغهام وسالكلي نهجه، هو إسلام صوفي في غالبه إرتدف ممارسات وثنية مميزة أيضا. فمن المعلوم أن رجال الصوفية هم من نشروا الإسلام في السودان بصورة رئيسية. ولقد سبق لنا الوقوف على الفكرة السلبية التي يحملها ترمنغهام عن إنجاز هؤلاء الرجال. فقد وصف الطرق الصوفية، التي هي عنده نقيض الأرثوذكسيةORTHODOXY ، بأنها التعبير المنظم عن حياة السودانيين الدينية. ويصنف ترمنغهام الإيمان بالمهدية كجزء من الإسلام الشعبي رغم أنه يطلق علي المهدية اسم "الإسلام البدائي" (علي غرار المسيحية البدائية المضطهدة في ظل دولة الرومان) الذي هو عنده الأصل الذي جاء به النبي (ص) (1949 :155). من الناحية الأخرى لا يعتبر ترمنغهام "الإسلام البدائي" إسلاما أرثوذكسيا ORTHODOX طالما أنه يرفض المذاهب الأربعة كما فعل المهدي (1949 :162). وهنا مطعن علي ترمنغهام كبير. فهو يدخل مفهوم المهدي في الإسلام الشعبي ثم يخرجه منه بمنطق دائري. وأخيرا فان ترمنغهام لا يفرق كثيرا بين الصوفية الخالصة التي تروق للمتعلمين وبين الاعتقاد في الأولياء والصالحين السائد عند جمهرة الناس (1949 :193). فهما عنده سواء مما يدخل المتعلمين في جمهور الإسلام الشعبي أيضا. ولكنه يري أن عقيدة العامة تضمنت المفاهيم الصوفية بشكل مفسد (1949 :210). وعلى وجه العموم فان وجهة النظر الأكاديمية السائدة عندنا تطابق بين الإسلام الشعبي وبين الصوفية التي يعتقد الباحثون أنها لم تبلغ قوماً بلا حضارة وحسب، بل كانت هي نفسها تمر بمرحلة متضعضعة من تاريخها، وبين الإسلام الشعبي.
    للباحثين نظرات شتي في البؤس الثقافي المزعوم للإسلام الشعبي. فهو في نظر الباحثين تجلي متدن للإسلام الرسالي في بيئة السودان الجاهلة. فلما أعيت الإسلام الحيلة عندنا أن يتحقق علي مثاله الأرثوذكسي الرسالي أو الرسمي هبط إلي درك الشعبية. (ترمنغهام 1949 :115؛ حريز 1972 :22؛ إبراهيم 1979 :126؛ عبد السلام 1983 :43). ويرى هؤلاء الباحثون أن السودانيين انتهوا إلي إسلام متدن حين مزجوا الإسلام الأرثوذكسي بالعادات المحلية.

    كان بوسع ترمنغهام في الأربعينات أن يخوض في هجنة الدين كما فعل. ولكن لا عذر لسالكي دربه لأن الدراسات الأكاديمية الحديثة حول الهجنة SYNCRETISM ،وتجلياتها في الإسلام على وجه الخصوص، علي نقيض الصورة التي رسمها ترمنغهام للإسلام "الشعبي" في السودان. وقد وضع جي.سبولدنغ JAY SPAULDING أصبعه ،على نحو مميز، علي الخلل في معالجة ترمنغهام والمعالجات الشبيهة بها. يقول سبولدنغ أن وجود ممارسات إسلامية سودانية مما قد تكون بدعاً سافرة قد قاد اؤلئك الباحثين إلى استخلاص نتيجة مفادها إما أن السودانيين مسلمون غير ملتزمين أو أن إسلامهم يختلف عن إسلام الشعوب الأخرى. ويرى سبولدنغ أن المسالة الأولى هي شأن متروك الحكم فيه لربهم الذي خلقهم بينما الثانية نموذج للبرهان الدائري- أي أن يفترض المرء مسبقا أن السودانيين مسلمون ثم يأتي من بعد ليقف علي طبيعة وشذوذ الإسلام السوداني (1977 :49).

    وقف الباحثون في الإسلام في شرق آسيا، بحزم، ضد الفكرة القائلة بان الهجنة تتمخض في نهاية المطاف عن ضرب من الإسلام من الدرجة الثانية. ويرى جون بوسفيلد JOHN BOUSFIELD أن الإيحاء بان المراحل الأولى للأسلمة في جنوب شرق آسيا كانت تحمل في طياتها فكرة تعدد الآلهة بقدر تعد قوي الطبيعة ونواميسها. وهي المعروف ب "الإشراك" في الديانات التوحيدية. ومن ثم جاءت، بالضرورة، بإسلام "غير نقي" هي فكرة ليس لها ما يسندها (1985 :207). و من ناحية أخرى يلقي عاصم رويASIM ROY اللوم على دارسي الإسلام الذين يصبون اهتمامهم على قياس انتشار الإسلام على المستوى الإقليمي بمسطرة الإسلام الأرثوذكسي. هذا القياس ، فيما يقول روي، يحيل عملية جد خلاقة ومركبة للتفاعل الثقافي بين ديانة مقتحمة وثقافة محلية، إلي مجرد مسالة استقطاب بسيطة، غير حاسمة ولا موضوعية بين ضرب من الإسلام "الحقيقي" أو "الأصلي" وضروبه المنحرفة عنه المسماة ب "الشعبي" أو "العامي" (1983 :249).

    وفوق ذلك فإن مصطلح "الهجنة" قد يكشف، وبشكل مضطرد، عن قصور نظري في تحليل كيف يغير الناس معتقدهم ويدينون بدين جديد. بل أن ستيفن قليزر STEPHEN GLAZIER وجد مفهوم الهجنة مضللاً. واستفاد قليزر من ليكوكس الزوجة والزوج (1972 :320 ) ليخلص إلي أن مفهوم الهجنة يفشل في إنصاف العملية الخلاقة في تحول الناس إلي الأديان حيث يوحي بأنها ، بالأحرى، مجرد عملية تجميع آلية لأفكار خليط من الدين الوافد وعقائد سبقته بين من اعتنقوا هذا الدين (جلازير 1985 :60).
    ويمكن لهذه القطبية (المثالي-الواقعي) أن تكون أكثر تضليلا إذا ما أخذت بمعزل عن سياق الخطاب الذي أفرزها. ويوضح روي، على نحو بارع،أن المثالي في الإسلام أو الأرثوذوكسي، هو من ابتداع المستشرقين ودارسي الإسلام الأول ممن لم يطلعوا علي أبحاث تجريبية عميقة حول الإسلام في أقاليم أهله العديدة . فقد نحت هؤلاء الباحثون، فيما يرى روي، نموذج الإسلامي الأرثوذوكسي نحتاً استندوا فيه بالضرورة على مثال المذهب السني. وأصبح هذا الابتداع، الإسلام الأرثوذكسي، المحك الذي يقيسون به صحة كافة المظاهر الإسلامية الأخرى(روي 1983 :5). وعليه فادعاء هذا الكيان المبتدع أنه الأصل والحق و"الدين" هو مما فرضه هذا الكيان نفسه علي ضروب التدين الأخرى. وهي ضروب يحق لها بذات القدر أن تدعي مصداقية جوهرية وجاذبية باطنة للمعتقدين بها. علماً بأن اولئك الباحثون لم يجعلوا الإسلام الأرثوذكسي مرادفا ل "الدين" إلا في ضوء معيار مسبق للصحة يرتبط بمفهومهم للحقيقة (عبد الحميد الزين 1977 :24.

    وهذا منهج أخرق في قول روي: " يكمن القصور الأساسي لهذه النظرية الإستشراقية المثالية للتفاعل الديني الثقافي في نزوعها إلى تقييم الظاهرة الإسلامية والمسلم استنادا إلى درجة التطابق مع مثاليات أو معايير الإسلام الأرثوذكسي. ويعاني هذا المنهج الاستدلالي في مجال دراسة التغيير الديني من قصور ذاتي حيث يبدأ بتعريف مسبق للإسلام ومن ثم قبول أو رفض ما يعرض لهم من إسلام أقوام مسلمين بمقدار انسجامه مع ذلك التعريف . ومنهج كهذا لهو عاجز عن تفسير الدين تفسيراً يبلغ ما يعنيه الدين لمن يؤمن به ويتعبد به ويوقره في خاصة نفسه. وإذا كان الهدف من دراسة دين ما ليس هو تعريفه بل التعرف عليه فان هذا البحث المعياري، الذي يحاول فرز المسلم "الصالح" من المسلم "الطالح"، قمين باتخاذ وجهة خاطئة" (1983 :5).

    وعليه فإن مصطلحي الإسلام الشعبي والإسلام الأرثوذكسي لا يندرجان تحت علاقة الواقعي في مواجهة المثالي، بحفظ الترتيب. بل علينا أن ننظر اليهما من وجهة نظر المسلم كضربين أو واقعين إسلاميين مختلفين كما سنبين ذلك بالتفصيل لاحقا. ونقول، مستفيدين من عبارة لميشيل هرزفيلد MICHAEL HERZFELD ، أن الإسلام الشعبي والإسلام الأرثوذكسي لا يشكلان تمييزا بين "الواقعي" و"المثالي" بقدر ما يمثلان تقابلاً بين واقعين :أي فكرتين حول ما ينبغي أخذه في الاعتبار عند محاولة تعريف ماهية المسلم(1982 :9).

    ويضر تشديد الباحثين على الانفصام بين الإسلام التقليدي والإسلام الشعبي بمحاولة فهم أوسع وأشمل للإسلام في السودان. وقد درج الباحثون اللاحقون لترمنغهام، دون تمييز، على إعادة صياغة أفكاره حتى عند تعارضها مع بصيرتهم التجريبية المستقاة من العمل الميداني بين الجماعات المسلمة، كما سيتضح بالتدريج. ويكشف وصف ترمنغهام لأداء الإسلام في السودان،وما استنسخ الباحثون التالون له منه، دون اختلاف يذكر، عن ملمحين،الأول: أن ترمنغهام يميز بين الإسلام الأرثوذكسي والإسلام الشعبي على المستوى القومي أو مستوى "القرية الأنثروبولوجية" باعتبارهما مؤسستين وواقعين متعارضين تماما. وإذا نظرت إلي عناصر هذه القطبية رأيت مدي التحامل التاريخي للدراسات الأكاديمية علي العامة المستضعفين وتنميط طرائقهم وتبخيسها كيفما أتفق. ويوضح الرسم المستخلص عن هذه الدراسات كيف أن هذه الدراسات تتحيز ضد الوثني، والأفريقي والأمي والعملي والأنثى حين تقيسهم علي المسلم والعربي والمتعلم والنظري والذكر (الأشكال لن تصحب المقال).
    التحامل الثاني في تحليل ترمنغهام هو إخضاعه للممارسات الدينية بحسب درجة قبولها النسبية عند علماء الدين (باركلي 1964 :206). وهكذا سارع لباحثون لتعيين البدعة والمحرم والمفارق للقرآن في ممارسات الإسلام الشعبي بمقياس ما ظنوا أنه لا يتسق أو ينافي الإسلام الأرثوذكسي (ترمنغهام 1949 :127،164،166،181،210). ويقول حيدر إبراهيم بوضوح أنه بنى دراسته عن إسلام الشايقية علي بينة "أين يتقاطع مع الإسلام الأرثوذكسي وأين يميل عنه أو يختلف"(1979 : 134). وهكذا فإن هؤلاء الباحثين بتركيزهم على الانفصام بين الأرثوذكسي والشعبي يعطون الانطباع بان موضوع دراستهم ليس الإسلام والسودانيين بل الإسلام في مواجهة السودانيين. ويعلق الدكتور أكبر أحمد على نزعة مماثلة في دراسة الإسلام في باكستان قائلا أن الباحثين ينحرفون بدراسة الإسلام فيجعلونه ديناً مضاداً لإسلام شعب الباشتون الباكستاني. ويضيف: "يمثل الإسلام بالنسبة للبشتوني القبائلي تكوينا سياسيا واقتصاديا-دينيا محددا يمارس هويته الباشتونيه من خلاله. فالإسلام والباشتونية متسقان ومنسجمان بحيث يمثلان عند الباشتوني تكوينا منطقيا. ويرتبط الاثنان بعلاقة تبادلية عميقة. كما أن الإسلام متوغل في البنية الباشتونية بما يوحي بأن مسألة الفصل بينهما غير واردة (1982 :193)".

    ولابد أن ترمنغهام قد أدرك شيئا من متانة تعلق مسلمي السودان بإسلامهم . فعلى الرغم من قوله صراحة أن السوداني يحتاج أن يتحرر من "إسلامه العاطفي، غير الأصيل" (1949 :22) لكي يحقق إمكانياته الجمالية، فانه يصف ذات السوداني، في ذات الوقت، بأنه "مسلم حقيقي صلب" وليس وثنياً تكسوه قشرة رقيقة من الإسلام (1949 :108ـ109).

    يكشف حتى الباحثين الذين يقبلون بالإسلام الأرثوذكسي كمفهوم صالح ونهائي في الإسلام عن قصور كبير في محاولاتهم لتحديد أرثوذوكسية أفكار ومعتقدات إسلامية بعينها منسوبة للإسلام الشعبي في السودان. وقد أبان طلال أسد عن جهل هارولد باركلي بالأفكار والمفاهيم الإسلامية الأرثوذكسية التي أراد أن يحاكم بها ممارسات الإسلام الشعبي (1965 :169). ويكفي أن نذكر هنا أن عقيدة رجم الملائكة للشياطين بالشهب، وهي ثابتة بنص آية قرآنية(67 :5) مما عده باركلي خرافة(1949 :172)6. ويتضح من هنا أن أية تأكيدات حول وجود انقسام بين الدين الأرثوذكسي والشعبي يستلزم، في المقام الأول، معرفة شاملة وعميقة بفقه الإسلام الأرثوذكسي الذي عليه مدار الحكم. وسوف نفصل لاحقا في حاجة دارسي الثقافات الإثنية في المجتمعات الإسلامية إلى تدريب كاف في مسائل الفقه والشريعة الإسلامية.

    وفوق ذلك فقد أضفى بعض الكتاب إبهاما وغموضاً على مفهوم الأرثوذكسية نفسه، وذلك حين خلقوا، بلا مبرر، صراعا داخلياً بين عناصر هذا المفهوم المعروفة من قرآن وسنة وقياس واجتهاد. فليس ثمة اتفاق بين هؤلاء الكتاب في نسبة ما للأرثوذكسي وما للإسلام الشعبي من الممارسات التي يدرسونها. فشرف الدين عبد السلام يقول بأن الاعتقاد في الأولياء والصالحين ليس له ما يسنده في القرآن إلا أنه، مع ذلك، لا يوحي بان ذلك الاعتقاد يتنافى مع الإسلام الأرثوذكسي(1983 :63). وحسب رأي باركلي فإن العناصر القرآنية المتوافقة مع الاعتقاد في الأولياء والصالحين ـ خلافا للعناصر غير القرآنية ـ مقبولة تماما عند علماء الدين(1964 :206). وفيما يتعلق بمفهوم المهدية، من الناحية الأخرى، فان ترمنغهام يراه عظمة نزاع بين إرثوذكسية متشددة ترفضه وأرثوذكسية متساهلة تتسع له وتتكيف معه (1949 :14. ويزيد الأمر تشويشاً حين يقسم ترمنغهام معظم السودانيين إلي فئتين: فئة الأرثوذكسيين من جهة وفئة الأرثوذكسيين المتشددين من الجهة الأخرى. ولا غرو فإن هذا التشقيق في مفهوم الإسلام الأرثوذكسي يفسد قولهم بالتمايز والقطيعة بينه وبين الإسلام الشعبي. فالأرثوذكسي، كما رأينا في تشقيقه أعلاه، ذو درجات ومنازل منها القصوي المتشددة والصغرى المتساهلة. وقد تتداخل درجاته ألصغري مع الإسلام الشعبي.

    وينبع التشويش في مفهومي الإسلام الأرثوذكسي والشعبي من بعض الأساليب التي يصف به الكتاب بعض عقائد العامة.فيستخدم بعض دارسي الإسلام أحياناً صيغة المبني للمجهول عند الحديث عن معتقدات بعينها مما يؤمن به القرويون (باركلي 1964 : 146،152؛ حيدر إبراهيم 1979 :18،145). وهذا الاستخدام اللغوي مضلل في كثير من الأحيان. فقد يقود إلى الظن بأن هذه المعتقدات مما يختص بها الإسلام الشعبي بينما حقيقة الأمر ليست كذلك. وعلى سبيل المثال يقول باركلي: "يعتقد بعض القرويين أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، وبسبعة وعشرين درجة على وجه الدقة" (1964 :146). وفي واقع الأمر فان ذلك هو حكم الشرع لكن صياغة باركلي توحي بأنه ربما كان مجرد اعتقاد شعبي. ويبلغ موضوع فرز عناصر الإسلام الشعبي من الأرثوذكسي مرتبة العشوائية في تناول الدارسين للعين الحارة. فالدارسون، على إطلاقهم، يعتبرون الإيمان بها أمرا ليس من الإسلام الأرثوذكسي في شئ ويحسبونها إما من عقائد الإسلام الشعبي (حيدر إبراهيم :126،145،149)، أو ممارسة خرافية وثنية ظلت حية بعد دخول الإسلام (ترمنغهام 1949 :166،170ـ171؛ باركلي 1964:195؛ سيد حريز 1977 :7؛ آدمز 1977 :577؛ شرف الدين عبد السلام 1983 :86ـ89). ومن الجهة الأخرى فإن دائرة المعارف الإسلامية تنص علي ثبوت العين في الإسلام (ص786) إلا أنها تقرر خطأً أن "السنة تشجب الإيمان بها" (ص786).

    وصفوة القول فإن تلك المؤسسات التي أطلق عليها الباحثون اسم الإسلام الأرثوذكسي يمكن أن نطلق عليها،وعلى نحو دقيق، اسم الإسلام "الرسمي" والذي نشأ في ظل الإدارة الاستعمارية التي تلت الدولة المهدية(1885ـ189. وليس بغير دلالة هنا أن يستخدم كل من ترمنغهام وسيد حريز مصطلحي "رسمي" و "أرثوذكسي" بالتبادل (ترمنغهام 1949 : 202؛ حريز 1977 :7). ولإتحاد المصطلحين، أو تبادلهما المواضع، جذر في نشأة المؤسسة الدينية الحكومية في السودان خلال عهد الاستعمار. فقد تتبع نورمان دانييل ،ببصيرة نافذة، التباين بين أرثوذكسية (الدين) والتعصب (اللادين) في سياق الإسلام والسياسة في السودان ورده إلى أيام حرب الدعاية التي شنها دعاة التدخل في السودان من الإنجليز في آخر القرن التاسع عشر لإقناع الرأي العام والحكومة البريطانيين بضرورة القضاء على الدولة المهدية (1966 :423ـ44. وصورت تلك الدعاية المهدية في السـودان بأنها حركة ضالة مفعمة بالتعصب وتدعو الناس إلى ما وصف،على وجه التحديد، بأنه مروق على الدين القويم (دانييل 1966 :428، 435،43. وبعد القضاء علي المهدية أرادت الإدارة الاستعمارية التحوط ضد قيام أي تمرد مسلح كالمهدية في المستقبل تؤجج ناره الطوائف الصوفية (التي كانت تعتبر جزءً من الإسلام الشعبي). ولذا قررت الإدارة الاستعمارية تشجيع ما أسمته الإسلام "الأرثوذكسي" ORTHODOX ISLAM . ويصف غابرييل واربيرج هذا الضرب من الإسلام كما يلي :-
    "يقوم أولاً علي هذا الإسلام العلماء الذين درسوا في الأزهر بصفة أساسية. وكانت مهمة هؤلاء رئاسة الهرم الديني في السودان ومنع قيام الحركات الرسولية، مثل المهدية. ويقوم ثانياً علي شبكة من المحاكم الشرعية يرأسها قضاة مؤهلون وذلك للحيلولة دون لجوء المسلمين السودانيين إلى شيوخ الطرق الصوفية... كما شددت السلطات الاستعمارية على ضرورة إقامة مساجد في المراكز الهامة في السودان الشمالي للتقليل من أهمية زوايا الصوفية (1971 :95)." و يتضح لنا مما تقدم إن الإسلام الرسمي-الأرثوذكسي - هو واقع سياسي أكثر منه مسألة عقيدة أو مذهب. وهو أيضا أداة أدارية، بمعنى أنه، ممثلا في الشريعة، صار القانون "الأهلي" أو"العرفي" الذي يحكم حياة السودانيين الشخصية والعائلية(فليرـ لوبان FLUEHR- LOBBAN 1981 :69) وبالتالي فلا يمكن الادعاء للإسلام الرسمي إلا بشق الأنفس بأنه الإسلام الأرثوذكسي طالما أردنا له أن يتطابق مع عالمية العقيدة وسدادها.

    ومما يبعث على الأسف أن تركيز الباحثين على ثنائية الشعبي/الأرثوذكسي، على مستوى "القرية الأنثروبولوجية" يتعارض مع أفضل النتائج التجريبية التي توصل إليها الباحثون أنفسهم. وفي هذا السياق أمسك باركلي علي ما سماه " جوهر الإسلام الأرثوذكسي" في بري اللأماب (الحي الخرطومي المعروف وكان ريفاً لدي زيارة الباحث له في الخمسينات) في ضوء تحرياته الميدانية حول مدى التزام أهل القرية بأركان الإسلام الخمسة (1964 :137ـ145). وعلى الرغم من حقيقة أن باركلي قد وجد أن القرويين علي جادة شرع الإسلام من هذه الجهة إلا أنه يتشبث مع ذلك بالثنائية القديمة بين الإسلام الأرثوذكسي وإسلام القرية الشعبي قائلاً:

    "أهل بري اللأماب مسلمون يمارسون شعائرهم وفق المعتقد السني أو الإرثوذكسي ويتبعون المذهب المالكي إلا أن السلوك الديني في القرية لا يمكن تفسيره، على وجه الدقة، وفق أي مفهوم أساسي للإسلام الأرثوذكسي (1949:136). واستطرادا فان ترمنغهام وآدمز يزعمان، دون تمحيص، أن مسلمي السودان يرتبطون بكرامات وسير الأولياء والصالحين أكثر من ارتباطهم بأسوة النبي (ص) (ترمنغهام 1949 :127؛ آدمز 1977 :579). هذا في الوقت الذي يلفت فيه باركلي النظر إلى إيمان القرويين المطلق بالنموذج المثالي للنبي(ص) (1964 :13.

    وتتحكم في تضخيم ثنائية الأرثوذكسي -الشعبي اعتبارات لا اصل لها في الإسلام نفسه بقدر ما تعلق ذلك بمنهج مباحث الدارسين وتبويب كتبهم الأنثربولجية. فالباحثون في إسلام القرية عادة ما يفردون فصلاً لدين القرويين يصفون فيه خرافاتهم ووجوه ممارساتهم التي يقولون أنها لا تنسجم مع الإسلام الأرثوذكسي. ومن الجهة الأخري، وفي حالات عديدة، يأتي هؤلاء بما يعدونه ممارسات إسلامية "أرثوذكسية" من صحيح الدين في فصول أخري ليست هي فصل دين القرية الموصوف بالشعبي. فعلي سبيل المثال نجد بركلي يعرض لموقف الأسلام الشرعي في العدل بين الزوجات، وعلاقة الرقيق بالسادة في الأبواب المفردة للصلات القرايبية وتراتب الشرائح الاجتماعية في كتابه. ولو لم تستول فكرة ثنائية الدين الشعبي والأرثوذكسي علي بركلي لوسع من فصله عن دين القرية (الذي هو عنده دين غير قويم ومفارق للجادة) ليشمل هدي الإسلام عن تعدد الزوجات والرق والرحم والقرابة (1964 :122،126،129).

    ويتكرر نفس الشيء في كتاب حيدر إبراهيم عن الشايقية (1979). فالكتاب يعرض لعقائد وهدي الإسلام الأرثوذكسي خلال فصوله التي تتناول ترتيب الشرائح الاجتماعية ودورة الحياة والنظم الاجتماعية. ولم يشأ حيدر أن تتخلل تلك العقائد فصله المخصص للدين. وغني عن القول أن قصر مناقشة الإسلام على فصـل مفرد للدين يعني فصـله عن الممارسة الأجتماعية. وفوق ذلك فقد عني الدارسون بإيراد هذا القدر من أقباس الإسلام الأرثوذكسي بما وافي حاجة بحثهم الخاص ولم يريدوا الحصر. ولو أرادوا الحصر لجاءوا بعناصر كثيرة من وحي الشرع في حياة أهل القرى. وسنخلص إلي شيوع الأرثوذكسية وتمكنها من الإسلام الشعبي متي اعتبرنا ضروب الممارسات الإسلامية العديدة لعامة المسلمين التي أصلها في الإسلام الأرثوذكسي من غير تصريح أو إعلان. وعلى سبيل المثال فقد ظللت اعتقد، ولفترة طويلة، أن التقريع الذي نالنا من أهلنا الكبار حين نتناول الطعام وقوفاً أو استلقاءً على الجنب، ماهو إلا من قبيل الحث على آداب المائدة، إن لم يكن خرافة. ثم اكتشفت أنه مما قضت به الشريعة.

    بالإضافة إلى الخلل الذي رأيناه في المحاولات البحثية لتحديد الممارسات الإسلامية الأرثوذكسية، فإن نظرة دارسي "الإسلام الشعبي" في السودان تجاه المعتقدات الشعبية، التي هي قوام إسلام العامة في نظرهم، ربما كانت هي خطئيتهم ألكبري. فهم قاصرون عن تحليل هذه المعتقدات علي ضوء خصائص أجناسها الأدبية أو الفلكلورية لاقتطاعهم لها من سياقها الشفاهي في دورانها بين الناس وجعلها عقائداً مجردة مكتفية بذاتها. فعلماء الفلكلور شديدو التنويه بأن النظر الرشيد إلي عقائد العامة رهين بمثل هذا التحليل لكل المأثور الذي تستبطنه هذه العقائد. وترجع هذه الشدة في التنويه إلي سي دبليو فان سيدو (194 وقد تبعه بإحسان لوري هونكو الذي قال: " قبل إصدار أي حكم تعميمي حول معتقدات الانقريين (مجموعة اثنية فنلندية) على المرء أن يعرف أي جنس من المأثورات يوفر أكثر الأدلة قيمة عن المعتقد وأيها ، من الجهة الأخرى، ثانوي القيمة بوجه ما" (1964 :7).

    ينطبق النقد سالف الذكر على توصيف ترمنغهام لما يشكل "عقائد للسودانيين". فهو عزوف عن تحليل الأجناس الأدبية الموصوفة. ففي تركيبه لما سماه بالإسلام الشعبي نجد ترمنغهام يقتطع عقائده عن الأجناس الفلكورية الحاملة له مثل كرامات الأولياء والصالحين (1949 :135ـ136) والأمثال السائدة (ص15 والأحلام (ص143) والنذور (ص145) والتنبؤات (ص15 والخرافات (ص173) والأحاجي (ص173) والحكايات (ص173). وفيما عدا بعض التعليقات المقتضبة حول مصداقية كرامات الأولياء و"الخرافات" فانه يهمل نقد مصادر العقائد الشعبية إهمالاً تاماً. ونتيجة لذلك فقد انتهى به الأمر، كما أشرنا من قبل ، إلى اعتبار ما جاءت به الآيات القرآنية عن الشهب والشياطين، إضافة إلى شيطان الإعصار، من قبيل الخرافة، وهما حق ديني (1949 :172). علاوة علي أن النذر ليس دلالة على الخضوع الكامل للولي كما أراد لنا ترمنغهام أن نفهم . فخلافاً لذلك يرى حيدر إبراهيم أن مريدي الأولياء ماكرون نوعاً ما وعلاقتهم مع سادتهم تتسم بالمنفعية والعملية. ومن دلائل ذلك ما قاله حيدر عن تهديد القرويين للولي خلال طقس أداء النذور بالتحول عنه إلي ولاء آخر إن هو فشل في تلبية حاجتهم. وقد قيل أن ولياً مشهوراً اشتكى من إساءات القرويين له واستفزازهم (حيدر ابراهيم1979 :156) .ويعتبر تحليل سيد حريز لأحاجي الجعليين (1977) وشرف الدين عبد السلام لكرامات الأولياء (1983) تقدما جديرا بالثناء في مجال تحليل الأجناس الفولكلورية بالرغم من أنهما لم يبتعدا كثيرا عن الولاء لأطروحة ترمنغهام في عرضهما لعقائد الإسلام الشعبي.
    نظرة جديدة لاشكالية الإسلام الشعبي/الإسلام الأرثوذكسي

    أوجزنا فيما سبق بعض الأخطاء التي وقع فيها الباحثون في محاولتهم تأسيس دراساتهم حول السلوك في القرية السودانية على مفهوم مسبق قائم على ثنائية الإسلام الشعبي/الأرثوذكسي. كما تناولنا بعض الإشكاليات الكامنة في افتراض مثل هذه الثنائية. ومن الناحية الأخرى فقد تشكك بعض الباحثين، مؤخراً، في جدوى مفهوم "الأرثوذكسية" نفسه سواء بالنسبة لدراسة الإسلام أو ممارسته. ففي قول بعض الباحثين أن استخدام مفهوم الإسلام الأرثوذكسي أضحي إما أمراً متعذراً أو مسألة خاضعة لإيجاد تحديد صارم ودقيق له بفضل ما أولاه المؤرخون الاجتماعيون والاثنوغرافيون من اهتمام لرسم صورة دقيقة للإسلام في تضاريسه المتنوعة والمركبة، ومن السياقات المحلية لا من الكتب الشرعية وحدها.

    وقد اتخذ هذا الانزعاج من مفهوم "الأرثوذكسي" منحى متطرفا في بعض الحالات. فعبد الحميد الزين، مثلا، يقترح التخلي عن مصطلح "الإسلام" الجامع المانع والمعرف بالألف واللام لأجل فهم أفضل لتجارب المسلمين المتنوعة في ضروب إسلامهم العديدة النكرة (1977 :227). ويرمي اقتراحه بصورة أساسية إلى إزاحة ما يطلق عليه الإسلام الأرثوذكسي عن موقعه المتميز بوصفه الإسلام ـأي ذلك المعرف بالألف واللام. وقد لفت العديد من الباحثين النظر إلى الطبيعة المتطرفة لاقتراح الزين هذا (ايكلمان EICKELMAN 1981 :1؛ أسد 1986 :1؛ أكبر أحمد 1987 :220). وفوق ذلك يبدو اقتراح الزين لإفتراع "ثيولوجية شعبية" إسلامية صعب التحقيق . وهذه الثيولوجية الشعبية، التي تضارع الثيولوجية الرسمية تعني عنده "تجاوز النص المقدس لصالح نظرة ثاقبة مباشرة في نظام العالم" (1977 :24. ولعل إحدى سلبيات فرضية الثيولوجيا الشعبية هذه أنها تبقى على ثنائية الإسلام الشعبي/الأرثوذكسي التي خرج الزين بالذات لهدمها .وهو بإيحائه أن الثيولوجيا الشعبية قد تكون "الإسلام الحقيقي" (المصدر السابق :246) يحدث ضررا بالغا بقضيته الداعية إلى أن الإسلام تجليات شتي كل منها صحيح النسبة للدين.

    وعلى الرغم من الخلل في حجة الزين فان الثيولوجيا الشعبية قد تبرهن على كونها مجالا واعدا للبحث والدراسة. فقد جمعت مثلاً من الرباطاب حكما وأمثالا صيغت جريا على نهج السنة النبوية .ومع ذلك فان القول بوجود ثيولوجيتين متميزين في الإسلام أمر يصعب برهانه. وكما بين مايكل غيلسنان ،على نحو بارع، فان تعاليم القرآن والسنة والأحكام الشرعية قد نفذت من خلال قوة الثقافة الشفاهية إلى صميم النسيج الذي يشكل حياة المسلمين وأصبحت جزءا منه (1982 :35ـ36). وهكذا صح القول إن ما عددناه "الثيولوجيا الشعبية" هي بالأحرى مجرد ثيولوجيا صفوة دخلت المأثور الشفاهي للعامة. ولعل إحدى مهام البحث الشيقة القادمة هي التحقيق في السبل التي أخذت العامة الثيولجيا الإسلامية وجعلتها جزءاً صالحاً من ثقافتها وممارساتها.
    ويرى باحثون آخرون أن مسألة الأرثوذكسية ذاتها كمفهوم وممارسة دخيلة على الدراسات الإسلامية (سميث SMITH 1957 :20؛ ايكلمان 1981أ:213؛ تيرنر TURNER 1974 :62). فهم يرون، تبعاً لذلك أنه من الأوفق الحديث الأورثوبراكسية لا الأرثوذوكسية متي تعلق الأمر بالإسلام. والأورثوبراكسية هي مفهوم يعني اشتراك أهل الدين في العبادات والشعائر أكثر من اشتراكهم في العقائد اللاهوتية التي لا خلاف عليها (ايكلمان 1981 :204). وعلى الرغم من أن ديل ايكلمان قد ساهم في صياغة هذه الفرضية إلا انه يلفت النظر ـ محقاـ إلى قصورها (المصدر السابق :204). فهي تفصل في الأساس بين الشعائر والعقيدة اللذين يمثلان في واقع الأمر جانبين لا غني عن أي منهما في أي حياة دينية تستحق الاسم (دائرة المعارف الدينية THE ENCYCLOPEDIA OF RELIGION :187). ولن تفلح فكرة جعل الإسلام وحدة شعائر لا عقائد في تفسير المحن العقدية التي تعرض لها علماء ومتصوفة مسلمين عبر التاريخ. فهناك محنة احمد بن حنبل ،شيخ المذهب الحنبلي، ومحنة ابن تيمية، حنبلي القرن الرابع عشر، ومحنة وإعدام الحلاج ـ صوفي القرن العاشر. وهي محن كانت مدارها صحة العقيدة لا سداد الممارسة. وكبديل للتخلي عن مفهوم الأرثوذكسية هذا بالكلية حاول بعض الباحثين إدخال تعديلات عليه. ويمكن للإسلام، بلا شك، أن يستخدم المفهوم بمعنى يختلف عن ذلك الذي ظل مستخدما حتى الآن . وقد يقتضي هذا بالطبع تعديلات جذرية عليه قد تنتهي باستبداله بآخر أكثر ملاءمة .
    توافرت لنا منذ سنوات بحوث ودراسات جيدة عن ضروب الإسلام المحلي وتجارب الإسلام "الشعبي" والإسلام في التخوم . وهي دراسات ساقت الباحثين إلى الفكرة القائلة بوجود معتقدات معيارية عامة تستبطن كافة ضروب الإسلام المحلية هذه (ايكلمان 1982 :1). ولكن هذه المراجعة لا تستلزم بالضرورة العودة إلى مفهوم الأرثوذكسية القديم الذي تعرضنا له بالنقد لتونا . فلا مندوحة من القول أن الأرثوذكسية أساس في الإسلام. ويقول طلال أسد أنه من المؤكد أن للأرثوذكسية حضوراً في الإسلام. فهي عنده تتجلي "حيثما توفرت لدى المسلمين القوة لضبط وإعلاء شأن دينهم أو طلب الالتزام بصحيح الدين والتكيف علي مقتضاه أو ما استخدموا تلك القوة لاستهجان الانحراف في دينهم وحصره وتقويضه أو إحلال صحيح الدين في محله."( 1986 :15). فالأرثوذكسية كما يراها أسد، تقاليد خطاب DISCURSIVE TRADITION يمكن حتى للمسلم الأمي أن يساهم فيها بفرز صحيح الدين والالتزام به (المصدر السابق ).ويستطرد فيصفها بأنها "علاقة مميزة ـ علاقة قوة" وليست مجرد فقه وشرع ومعتقد (المصدر السابق ) . وتغاير فكرة أسد هذه ،بوضوح، معنى الإرثوذكسية الذي اعترضنا عليه في هذا الفصل. فقد فهمناها طويلاً كبنية من المعرفة والمتون أو المؤسسات الوصي الوحيد عليها هم علماء الدين . وفي تعريف أسد للأرثوذكسية يصبح عالم الدين، الذي كان في السابق الوصي والقيم الوحيد على التعاليم الإسلامية، وترا واحدا فقط في قوس" التقليد الإسلامي كما جاء عند غيلسنان (1982 :46) .

    ومع ذلك يبدو أن أسد لم يصب تماما في مطابقته بين التقاليد الخطابية والإرثوذكسة. فللأورثوذكسية لوازم من إجراءات فقهية وسياسية كي تقع وتنفذ. وعليه فمفردات التقليد الخطابي قد تندرج أو لا تندرج في الأرثوذكسية حكماًً بصور الشوكة التي تسندها وتجعلها قانوناً نافذاً متبعاً. فالسنة والشيعة معاً في تركيا مثلاً يستهجنون ممارسات العلويين وينفونهم عن الإسلام. وبهذا الحكم علي العلويين فإن هؤلاء السنيين والشيعة قد أدلوا بدلوهم في ما هو صحيح الدين وشاركوا في الخطاب الذي يريد حفظ بيضة هذا الصحيح من الدين (ايكلمان 1981أ :220ـ221). ولكن يحتاج المرء إلي ما هو أزيد من مجرد هذا الاستهجان والنفي عن الدين ليدرج رأي السنيين والشيعة الموصوف في الإرثوذكسة. وقد مر علي بين الرباطاب السودانيين من صرف عبارات تقولها كبار النساء من جيل مضي بمثابة إقامة للصلاة كلغو فولكلوري لا دين فيه. ولكن الباحث يحتاج لأكثر من مجرد نفي السنة والشيعة الأتراك للعلويين من الدين لكي يدرج رأيهم هذا في الأرثوذكسية. ونجد في الخالين تعييناً من مسلمين لصحيح الدين ، أي التقاليد الخطابية، من غير أن تتخذ هذه التقاليد صورة الأرثوذكسية الجامعة المانعة.

    ويبدو أن العلاقة بين التقليد الخطابية والأرثوذوكسية في الإسلام تثير معضلة حقيقية للباحثين .وأطلق هودجسون HODGSON ، الذي واجه هذه المعضلة قبل أسد، علي هذه التقاليد الخطابية مصطلح "الإسلام الشرعاني" (1963 :229) وهي تسمية سرت سريان النار في الهشيم ووافقت هوي عند جملة من الباحثين (تيرنر 1974 :105؛ ايكلمان 1981أ : 221؛ بوسفيلد 1985 :207). ويعرف هودجسون هذا الضرب من الإسلام بأنه كيان كلي معقد من نظم السلوك والتفكير يتميز به أولئك المسلمون الذين يرون أن للشريعة القدح الأعلى في الدين والحياة. (هودجسون 1974 :351). وعلى الرغم من أن الإسلام الشرعاني ، حسب قول هودجسون ، ليس صورة الإسلام الوحيدة ، إلا أنه اكتسب منزلة خاصة بين صور اللإسلام الأخرى. فقد إستا ثر بالحكم علي صحيح الدين من غيره. فهو الذي بيده الأمر في موافقة ممارسات وعقائد المسلمين أم انحرافها عن جادة الإسلام. (المصدر السابق :224). ومع ذلك فان هودجسون يقرر حقاً أن الإسلام الشرعاني ليس أرثوذكسية خلافا لافتراضات بعض الدارسين الخاطئة في هذا الشأن (المصدر السابق :350ـ351). وبالمقابل يحتفظ هودجسون بمصطلح "أرثوذكسي" في دراسة الإسلام ليستخدمه في الحالات التي استقرت فيها عقيدة أو ممارسة بعينها وتوطدت إما رسميا أو اجتماعيا مما يسوغ وصفها بالأرثوذكسية. ومثل هذا الاستخدام المشروط لمصطلح "أرثوذكس" ، في قول هودجسون، لا يتطابق بالضرورة، في كل الأحوال ،مع "الشرعانية". (المصدر السابق :351). إن تمييز هودجسون هنا بين الأرثوذكسية والتقاليد الخطابية مثير للاهتمام إلا إنه لن يشبع الباحث الذي يريد أن يعرف كيف تشق مفردات التقاليد الشرعانية الخطابية طريقها إلي الأرثوذكسية في الإسلام. فلم يفصل هودجسون في أمر المؤسسة أو المؤسسات التي لها الشوكة في تعيين ما الأرثوذكسي. كما لم يتطرق إلي التقاليد الثقافية التي ترتكز عليها تلك المؤسسة أو المؤسسات ليقع لها بها ذلك التعيين. وليس واضحاً من اجتهاد هودجسون في الأمر لمدى الذي تطاله هذه الأرثوذكسية متي وقعت.

    مما لا شك فيه سمو مهمة إعادة تعريف مصطلح الأرثوذكسية كأداة شوكة ثقافية من جهة و بما يأخذ في الاعتبار خصوصية الدين الإسلامي من جهة أخرى. وليس في المجال فسحة هنا لمعالجة الأسئلة الهامة التي يثيرها هذا المشروع. غير أني سوف أسلط الضوء ،باقتضاب، على بعض المسائل المتفرعة عن هذه المراجعة. وعلينا هنا أن نضع نصب أعيننا أننا نتعامل، فيما يتصل بالإسلام إجمالاً، مع تقاليد خطابية صورها الدكتور بريان تيرنر بأنه تتمتع ب "بفضفضة جوهرية" (1974 :226). فليس هناك البابا الذي يحتكم إليه المسلمون حول صحيح العقيدة ولا المجالس اللاهوتية التي يتواثق عندها أهل الحل والعقد. وتبعاً لذلك علينا، مثلا، أن نحدد كيف يسعى الإسلام إلى تحقيق الإجماع حول صحيح معتقده، وكيف ينعقد له الإجماع علي ذلك، وكيف يحافظ عليه ويوطده، وبأي حظ من النجاح. ولا مشاحة أن المحن الكبرى مثل محنة ابن حنبل والحلاج وابن تيمية، التي المحنا إليها فيما سبق، ستكتسي قيمة عظمي في المباحث الأانثروبولوجي التي تتجه لغاية تعيين صور الإسلام المختلفة. ومن المفيد في معالجتنا لطريقة الإسلام في عقد الإجماع لصحيحه أن نعرف لماذا أحس ابن تيمية ،الحنبلي ، بعد أربعة قرون من إعدام الحلاج بسبب معتقداته الصوفية، بالحاجة إلي الطعن في الرجل والتنغيص الغليظ علي ذكره. فلربما ألجأ ابن تيمية إلى هذه الخطة النكدة فرط محبة الحنابلة من رهطه للحلاج بعد مر كل ذلك الوقت علي محنته (ماسيجنون 1982 :45).

    إضافة إلى ذلك نحتاج أن ندرس البنية الكهونتية (متعلقات إدارة الكنيسة الجامعة في التعبير المسيحي) في كل تعبير أو مؤسسة إسلامية. والبادي أن علماء الشيعة يتمتعون بقوة "كهنوتية" مؤسسية تضمن لهم تلاحم جمهور أتباعهم اكبر بكثير مما يتمتع به اضرابهم من علماء السنة . وسيقودنا هذا إلى جملة أبحاث نافعة ولازمة وخصبة عن المدى الذي تطاله فتاوى العلماء ودرجة نفاذها، وبطش وسداد مجالس التفتيش التي يعقدها العلماء للتحري عن التزام أفراد بعينهم بصحيح الدين، ومنزلة حكم الردة عموماً 12. ولعلنا نحتاج أيضا إلى التدقيق في مصطلحات إسلامية راسخة مثل "الغلو" و "الاعتدال" و "تجاوز حد الدين"، كحدود تعين علي تمييز المباح والمندوب والمحرم إسلامياً لنستصحبها في مباحث الأرثوذكسية ومترتباتها في الإسلام. وفوق هذا فقد أشار ايكلمان ،ببراعة، إلى أن أثر المال السعودي، الذي دعم المذهب الوهابي في بقاع دار الإسلام، في عقد اتساق إسلامي مشاهد حول صحيح الدين، من الموضوعات التي لم تنل حظها الكافي من الدراسة (1982 :11). إن دراسة المجالات المشار إليها آنفا مطلوبة من اجل توصيف دقيق لكيفية عمل مفهوم الأرثوذكسية في الإسلام قبل أن نقطع بوجودها في الدين أو عدمه رجماً أو تكأة علي تقاليد دينية أخري .

    وقد المحنا فيما سبق إلى تشبث الاثنوغرافيين أكثر فأكثر بالمعتقدات المعيارية في الإسلام وهم ينبشون في البيئات المحلية الموصوف إسلامها بالشعبي. وهذا يتطلب منهم ،بدوره، تنويعا في تدريبهم يشمل التعرف على نصوص الإسلام الموسومة بالأرثوذكسيةORTHODOX ISLAM . ومثل هذا التدريب سوف يعرض للخطر ،بلا شك، تقسيم العمل البحثي حول الإسلام كما تصوره العالم الإنثربولجي الأمريكي روبرت ردفيلد (1985) فالمأثور الثقافي عند ردفيلد إما "كبير" ويقصد به ثقافة الخاصة وإما "صغير" وهو ثقافة العامة. و جسد ردفيلد التفاعل بين المأثورين، "الكبير" و "الصغير"، في واقعهما الإسلامي، كلقاء بين فون جرنباوم VON GRUNBOUM ووسترمارك WESTERMARK . أما الأول فهو دارس لتراث الإسلام الفصيح وأمهات كتبه وتفاسيره ومتونه وحواشيه الرصينة المهابة. أما الثاني فهو عالم انثروبولوجيا انصب اهتمامه على المأثور الشعبي والمحلي والخرافي. فهما مثلاً قد درسا موضوع التفاعل بين الاعتقاد في الأولياء والصالحين ومفهوم الإسلام الشرعاني كل من زاويته وبما يسعف منظوره ومنهجه (1985 :48ـ49). وكيفما كان الأمر فان حظ مأثوري ردفيلد "الكبير" و "الصغير" من الذيوع في أدبيات الانثروبولوجيا حول الإسلام، جد قليل. وقد قبل به من دارسي الإسلام الدكتور جوزيف روجر JOSEPH ROGER الذي زكي أن يعيننا المصطلح كإطار لا بأس به لفهم بعض عقائد العامة. ولم يعلق روجر مع ذلك علي ثنائية ردفيلد فتحاً علمياً مرموقاً (1981 :8 ويرى ايكلمان، من الجهة الأخرى، انه لا يعني أكثر من حشد لا يسمن ولا يغني لبيانات بعقائد إسلام الخاصة، كما بوبها المستشرقون، ومقابلتها بقائمة حاشدة أخرى من عقائد العامة مما أستنبطه الإنثربولجيون. وفي الحالات التي جرت في هذه المقابلة بين قطبي الثنائية (كما في تحقيق حيدر إبراهيم حول مفهوم السحر في قريته السودانية (1979 :135ـ143) مثلا) فان المرء ليشك في شرعية تقسيم الإسلام إلى شعبي / تقليدي . وعلى نقيض اللقاء بين العقيدة والخرافة الذي هيأنا له ردفيلد في صورة اجتماع فون قرنبوم ووسترماك، فإن المقابلة بين قائمة إسلام الصفوة وإسلام العامة أقرب إلى مشهد الشخص الذي يرى صورته في المرآة أو يلتقي بنفسه في الجانب الآخر من الطوار.

    يربط ايكلمان بين ميل الانثروبولوجيا المتزايد لتصبح مشروعا "أهليا"، أي ما يقوم به أهل البلد عن بلدهم بدلاً عن احتكارها بيد البحاثة الأوربيين، وبين التعديلات الجوهرية التي لا بد أن تطرأ علي دراسة وتحليل التيارات الدينية الشعبية (1981أ :234). وربما كانت تدور بخلده حين قال بهذا الربط مساهمة المرحوم الأنثربولجي المصري عبد الحميد الزين (1935ـ1975) ووعده الذي عاجله الموت فذبل. ونقول بهذا عن إيكلمان استنادا إلى ما كتبه ايكلمان ناعياً الزين بالإضافة إلى كتاباته أخرى. فأيكلمان مدرك ليس لما أنتوي الزين من تغيير لمنهج دراسة الإسلام الشعبي فحسب بل مدرك للحدود القصوى التي ربما قطع الزين أشواطها لتنفيذ منهجه المذكور لو لم يمت. (1981 :365). وكان الزين اقترح معالجة لنظام الرموز الدينية علي نهج المدرسة البنيوية. وهي مدرسة تري تلك الرموز قائمة كتعابير عن علاقات في تركيبة مجمل المجتمع. يقول الزين :

    "علينا أن نبدأ، في هذه الحالة، من نموذج إسلام إنسان البلد NATIVE"" ونحلل العلاقات التي عينت معناه . وانطلاقا من هذا الافتراض يمكن لنا أن نلج عالم للإسلام ونسبر غوره من أية نقطة كانت حيث لا يوجد انقطاع مطلق في أي مكان بداخله. فلا توجد كيانات مستقلة في باطن ذلك النظام ، وكل نقطة فيه يمكن الوصول إليها، في نهاية الأمر، انطلاقا من أية نقطة أخرى. وبهذا الفهم لن تكون للمعاني وظائف جامدة ممكن عزلها عن بعضها بصورة كلية أو إرجاعها ببساطة إلى أي وحدة من وحدات التحليل سواء كانت رمزاً أو مؤسسة أو عملية اجتماعية إلا إذا فرضنا ذلك فرضاً علي الوظائف المذكورة. وانتهينا بذلك إلى ترتيب خارجي لها يخيم علي النظام الثقافي، الإسلام، بصورة مصطنعة ومن عل. وبمعنى آخر فإن بنيات النظام الثقافي الإسلامي وطبيعة مفرداته المكونة له هما ذات الشيء، أي أن منطق النظام هو محتواه، بمعنى أن كل مصطلح وكل كيان داخل النظام هو نتيجة علاقات بنيوية بين كيانات ومصطلحات أخرى ،وهكذا دواليك، بلا بداية للنظام ولا نهاية عند أي نقطة معينة مطلقة " (1977 :251ـ252) .

    ويوحي الزين هنا أن مثل الترتيب المصطنع الدخيل على النظام هو ما يقع لنا متي ما تمسكنا بغير ضرورة بثنائية أرثوذكسي/شعبي .
    والمهم أيضاً أن عبد الحميد الزين لم يقنع بردم الهوة بين "الإسلام الشعبي" و "الإسلام الرسمي" بل سعى أيضا إلى لحم الانفصام في الأنثربولوجي نفسه وذلك من خلال بحثه، في أخريات أيامه، للحصول على درجة علمية في الفقه والتشريع الإسلامي ( ايكلمان 1981ب: 365). وكان يريد أن يلم بهذه العلوم الشرعية حتى لا يسلم أمر فهم الدين، متي عرض له إسلام الخاصة، لعلماء الدين مؤمناً علي دور زينوه لأنفسهم كسدنة للإسلام لا فهم له بدونهم ولا معقب علي قولهم. وهو دور خصهم به لأنثربولجي الباكستاني أكبر احمد بقوله: "إن تصحيح الفهم الخاطيء للإسلام عند رجال القبائل المسلمين هو مهمة علماء الإسلام الأرثوذكسي. أما نحن، كانثروبولوجيين ، فمعنيون بكيفية فهم المجتمع للدين وليس بكيفية رؤية الدين لنفسه " (1982 :19 . وخلافاً للزين فإن أحمد يوطن علماء الدين في مشروعهم كحراس للدين الصحيح. فقد ظل علماء الدين "يعتبرون سوء استغلال الإسلام أو الفهم الخاطيء له عند رجال القبائل " من صميم الإسلام "الشعبي" أو الضال . وهذا منهاج سيبقي علي الثنائية الأرثوذكسية-الشعبية. وللخروج منها يلزم أن نتجه إلى دراسة أفضل لكيفية فهم المجتمع للدين، أو الدرس الأفضل للدين الشعبي الذي سيقتضي تجاوز الحدود التي اقترحها أحمد. فالتأهيل الشرعي الفقهي الذي طمح له الزين في أخريات عمره مما يشير بقوة إلى الحاجة الملحة لخرق حدود بروتوكول تقسيم دراسة الدين بين غون قرنبوم ووسترمارك.

    خاتمة :ـ

    تنطلق هذه الورقة من الارتياب في فعالية مفهوم الإسلام الشعبي الذي أطلقه ترمنغهام عام 1949 م لوصف دين "العرب ـ الأفارقة" بشمال السودان . وقد اتضح إن هذا المفهوم يرتبط ارتباطاً لا فكاك منه بوجهة نظر سلبية أشمل تستهجن الطبيعة الهجين لؤلئك الناس حيث تعتبرهم نتاجا لدم سفاحي ملوث تم فيه التنازل عن نقاء كل من العنصرين العربي والإفريقي . ونتيجة لذلك فإن إسلامهم تشكل على صورتهم فجاء "مموثناً"، أي مترعاً بالوثنية، وفي درك من الثقافة. إضافة إلى ذلك فان الورقة ترى إن مفهومي التوفيقية SYNCRETISM والأرثوذكسية ORTHODOXY قد قيدا خطا دراسة الإسلام في السودان بفرضهما على مادة البحث ترتيباً حكمياً، خارجياً، مزيفاً. و عليه يمكن وصف تلك الدراسات التي تأسست علي ثنائية الشعبي والأرثوذكس بأنها تتناول الإسلام في صدام مع السودانيين وليس إسلام السودانيين . وبسبب قبول الأنثربولجيين لثنائية شعبي/وأرثوذكسي بصورة مسبقة فإنهم قد انحدروا في بحث غير رشيد مما يسميه الغربيون ب "صيد الفراشات" يتعقبون به الغرائبي والمنحرف والخرافي من العقائد لحشدها في فصل مستقل عن إسلام القرية التي يدرسونها. وهذا منهج أطرق ينتزع الإسلام من جملة حياة أهل القرية في زواجهم وعقودها وتنشئة بنيهم وبناتهم، وموتهم وشعائره، أي في معاشهم ومعادهم. وتري المقالة أنه لكي ندرس بصورة أحذق ما تعارفنا عليه باسم الإسلام الشعبي وجب علي الأنثربولجيين إحسان المعرفة بما يسمونه الإسلام الأرثوذوكسي والتدريب في فنونه حتى لا ينصبوا بغير ضرورة ملجئة علماء الدين أوصياء عليهم في مجال حيوي من مجالات علمهم.
    هوامش
    1ـ دخل مكمايكل (1892ـ1969) في خدمة حكومة السودان (الاستعمارية البريطانية) في عام 1905 وتدرج فيها حتى تبوأ منصب السكرتير الإداري في عام 1926 .

    2ـ انضم ترمنغهام (1904ـ ) إلى خدمة جمعية التبشير الكنسية وأصبح سكرتيرا عاما للجمعيات التبشيرية في كل من شمال السودان أعوام 1937ـ1949، ومصر أعوام 1949-1951 ثم غرب إفريقيا أعوام 1951ـ1952، حيث استغرقه البحث الأكاديمي منذ ذلك الحين . ومن المدهش أن تظل صورة مبشر للإسلام في السودان متماسكة لا يعتورها شك أو تصويب على مدى العقود التي انصرمت منذ الخمسينات وخلال فترة مضطربة طوال عهد الاستقلال أصبح فيها موضوع الدين طاغيا في الساحة السياسية . ولا لا غلاط أن تحيزات ترمنغهام التبشيرية تنفذ من خلال عمله بلا مواربة . ويكفي أن نشير إلى قوله إن السوداني إذا ما "حرر من إرثه الديني فان تطوير فكره وخياله سيكون أمراً ميسوراً " (1949 :22) . وغني عن القول إن هذا "التحرير" هو نقطة البداية لأي مبشر . وواضح أن صورة ترمنغهام لإسلام السودان احتفظت بجاذبية نافذة اختلف إغراؤها باختلاف من وقعوا اسري لها. وبدا لي أن رواد الحركة الوطنية واليساريين قد راقهم فيها الفصل بين الإسلام الشعبي والرسمي أو الأرثوذكسي. فمثل هذا الفصل يبيح لهم أخذ جانب الدين الشعبي وشجب طبقة العلماء الدينية المتهمة عندهم بممالأة الاستعمار أو الشطط الديني. أما الإسلاميون فقد وطدوا عزمهم علي تربية أو حمل الناس علي صحيح الدين لما مثله الإسلام الشعبي من انحراف عنه. وقد وجد الاثنوغرافيون، من الناحية الأخرى ، إن الإسلام الشعبي قد فصل من نفس القماشة الريفية الهامشية التي هي مادة شغلهم البحثي. وتشكل هذه الجاذبية المتعددة الوجوه للإسلام الشعبي موضوعا شيقا للبحث في حد ذاته.

    3ـ يطلق عليه آدمز اسم "الدين الشعبي" (1977 :574،577) . ويرى باركلي إن الطرق الصوفية ليست دينا "شعبيا" بكل معنى الكلمة حيث أنها ذات جذور في تاريخ المسلمين الفكري (1964 :137) .

    4ـ اختلف الباحثون في تعيين الطبقة الثقافية التي تهجنت مع الإسلام لدي وفوده إلى أرض النوبة. فقد وصفها بعضهم بالوثنية أو السحر (ترمنغهام 1949 :111؛ باركلي 1964 :266؛ عبد الحي 1976 :28؛ حريز 1977 :52،60؛ إبراهيم 1979 :126؛ نصر 1980 :91؛ عبد السلام 1983 :10). ويبدو أن آدمز هو الوحيد الذي أعتقد أنها ثقافة مسيحية متماسكة ومؤثرة في أهلها تفاعلت بقوة مع الإسلام الوافد (1977 :591) . ومما يستغرب له أن هؤلاء الكتاب، خلافاً لآدم، شككوا في مسيحية السودانيين التي كانت دين السودانيين لحوالي ثمانية قرون خلت قبل الإسلام، ونسبوها إلى الوثنية أو السحر. والسبب البادي في هذا الإرذاء بالمسيحية السودانية أن هؤلاء الكتاب اعتقدوا أن مسيحية السودانيين كانت سطحية الأثر ولم تفلح في اقتلاع جذور الوثنية التي سبقتها . فقد قال ترمنغهام إن المسيحية السودانية لم تكن سوي دين للدولة بينما لم يكن الناس علي دين ملوكهم وظلوا يحتفظون بأرواحيتهم الوثنية (1949 :77) .

    5ـ يذكر حيدر إبراهيم منظور المؤمنين هذا،عرضا، ودون تركيز في تناوله له خلال تأطيره لدراسته عن الإسلام في قريته الشايقية . ويلفت النظر ، محقا، مع ذلك إلى أن كل طائفة من المسلمين في القرية تعتبر نفسها وحدها العارفة بصحيح الدين وتدعي حوزة السداد في معرفة ذلك الصحيح دون الآخرين (1979 :127)، ولكنه للأسف لم يتحر باستقامة هذه النقطة الهامة بل تجاوزها متمسكاً بثنائية الشعبي والأرثوذوكسي (1979 :126) .

    6ـ يرى ترمنغهام أن سمة الإسلام الإفريقي المفردة تتمثل في أن اعتناقه لا يسبب إلا قدرا ضئيلا من الاهتزاز الداخلي في الحياة الاجتماعية ومأثور الإنسان الأفريقي العائش علي الطبيعة. والسبب في ذلك أن هذا الإسلام لا يستنكف استصحاب ملامح الوثنية الأساسية ويهجنها في صحيح معتقده (1949 :249) . وبهذا يفسر ترمنغهام النجاح الكبير للإسلام في إفريقيا لأن تحول الأفريقي اليه لا ينزعه جملة واحدة من أكثر عقائده الوثنية (1949 :165). ويناقض ترمنغهام مع ذلك نفسه حين ينسي مقولته عن هذا التساهل الفطري للإسلام في قبول الهجنة حين فسر السودانيين الجنوبيين عنه. وقال أن هذا الانصراف راجع إلى المقاومة الطبيعية للقبائل الزنجية للإسلام "حيث أن الارواحية الوثنية شديدة المحافظة بينما الإسلام يدمر المؤسسات الوثنية " (1949 :104) .

    7ـ يبدو أن عدم الدقة في تحديد ما هو من الإسلام الأرثوذكسي وما ليس منه فاشية. فميشيل ميكر MICHAEL MEEKER يري أن أداء فريضة الحج عدة مرات ليس من الإسلام الأرثوذكسي في شيء. ويقرر أيضاً بغير سند أن الوقوف بعرفة في الحج أمر منهي عنه في صحيح الإسلام (1979 :266) .والحكمان خاطئان من وجهة نظر الإسلام الموصوف بالأرثوذكسية.

    8ـ يقدم جاك واردبيرج JACQUES WAARDEBURG إطارا فكريا أوسع للتعيين الأخرق للأرثوذكسية في الإسلام وذلك من خلال تفسيره لأسباب ضآلة مساهمة البحث الأكاديمي الغربي في تعميق فهم العلائق الواشجة بين الإسلام الشعبي والإسلام الأرثوذكسي. يقول واردبيرج : "بما أن أهل العلوم الاجتماعية قلما يعرفون النصوص الإسلامية الآمرة . . . فإنهم ظلوا يركزون مباحثهم على الإسلام الشعبي حيث وجدوه غاصاً بعناصره "البدائية"... فالانثروبولوجيون يعتبرون الإسلام الشعبي هو إسلام الناس الحقيقي بينما يعتبرون الإسلام الرسمي (الأرثوذكسي) مثاليات دينية لدى بعض المشرعين وعلماء الدين البعيدين عن الناس (1978 :335ـ33 .

    9ـ المصادر التي اعتمدت عليها دائرة المعارف الإسلامية ، لا تقرها، في حقيقة الأمر، علي حكمها بأن العين خرافة ليست من الدين. ولم يزد ابن الأثير والمتقي، ممن رجع إليهم كاتب مادة (العين الحارة) في دائرة المعارف، عن لجوء المصاب بها إلى ضارب الودع للوقاية منها ( ابن الأثير 1893 :202، المتقي 1969،4 : 220) . وفيما عدا هذا الاحتراز فان المتقي يورد خلاصة لمعظم الأحاديث النبوية التي تقرر إن العين حق (1971 :744،746) .

    10ـ يرى ايكلمان ،على سبيل المثال، إن المرابطية ،وهي مصطلح أهل المغرب لعقيدة الناس في الأولياء الصوفية، لا نسبة لها في الإسلام الأرثوذكسي. وهي عنده في أحسن الأحوال ضرباً من الأورثودوكسيةORTHODOXY وتتبع شعيرة طقسية راسخة (1981أ :225) .
    11ـ يرد في إقامة الصلاة تلك ما يلي:

    الصلاة صلاتك
    وا########## واطاتك
    ونقع ونقوم على جلاتك

    ترجمها عن الإنجليزية محمودا لامين في " الصوفية في السودان SUFISM IN THE SUDAN " بحث لنيل درجة الشرف ،الجامعة الأمريكية ببيروت 1970 .
    12ـ للوقوف على تطبيق حديث لهذه السلطات العقابية الدينية انظر محمود محمد طه (1987).
                  

العنوان الكاتب Date
عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-08-06, 02:46 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالكريم الامين احمد09-08-06, 03:04 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-08-06, 03:55 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء معتصم الطاهر09-08-06, 05:16 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-08-06, 08:24 PM
      الاستعارات الثقافية osama elkhawad09-08-06, 11:30 PM
        Re: الاستعارات الثقافية osama elkhawad09-09-06, 01:32 AM
  حوار mohmmed said ahmed09-09-06, 01:40 AM
    Re: حوار osama elkhawad09-09-06, 01:46 AM
  حوار mohmmed said ahmed09-09-06, 01:59 AM
    Re: حوار osama elkhawad09-09-06, 02:05 AM
      عن خرافة الغابة و الصحراء باعتبارها "ناظما للثقافة السودانية" osama elkhawad09-09-06, 03:09 AM
        Re: عن خرافة الغابة و الصحراء باعتبارها "ناظما للثقافة السودانية" osama elkhawad09-09-06, 04:37 AM
          Re: عن خرافة الغابة و الصحراء باعتبارها "ناظما للثقافة السودانية" osama elkhawad09-10-06, 02:44 AM
            Re: عن خرافة الغابة و الصحراء باعتبارها "ناظما للثقافة السودانية" osama elkhawad09-14-06, 01:17 AM
              Re: عن خرافة الغابة و الصحراء باعتبارها "ناظما للثقافة السودانية" osama elkhawad09-14-06, 01:38 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-14-06, 02:46 AM
    البوتقة الثقافية لا تعبِّر عن كل الثقافات السودانية،وانما عن "الجماعة المستعربة" osama elkhawad09-14-06, 10:14 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-15-06, 03:33 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-15-06, 09:35 AM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-15-06, 01:37 PM
      Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء abdalla elshaikh09-15-06, 06:04 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء محمد شرف الدين عبد البارئ09-15-06, 06:29 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-15-06, 09:08 PM
  Re:الغابة والصحراء كناظم جمالي للثقافة السودانية Agab Alfaya09-15-06, 11:00 PM
  Re: الآفروعربية أو تحالف الهاربين Agab Alfaya09-15-06, 11:05 PM
    Re: الآفروعربية أو تحالف الهاربين osama elkhawad09-16-06, 00:41 AM
  Re: التوق والترميز او الدولة الدينية والدستور الاسلامي !! Agab Alfaya09-16-06, 01:49 AM
  Re: واسلاماه : صيحة لمفكر يساري كبير Agab Alfaya09-16-06, 01:53 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-16-06, 02:26 AM
  Re: الا اذا قلنا ان الانسان السوداني انسان مستعار ! Agab Alfaya09-16-06, 05:01 AM
  Re: ما رأيكم في هذه الاستعارة الثقافية ؟ Agab Alfaya09-16-06, 05:12 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-16-06, 05:19 AM
  Re: هل هو تراجع و رد اعتبار واعتذار ؟ Agab Alfaya09-16-06, 10:03 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبد الله عقيد09-16-06, 11:04 AM
    كناية ثقافية وليس استعارة ثقافية-تصويب مهم osama elkhawad09-16-06, 05:16 PM
      Re: كناية ثقافية وليس استعارة ثقافية-تصويب مهم osama elkhawad09-17-06, 01:35 AM
  Re: ويعتذر ايضا انابة عن تلاميذه ! Agab Alfaya09-17-06, 11:36 AM
  Re: الاستاذ/ كمال الجزولي يرد على الدكتور عبدالله Agab Alfaya09-17-06, 08:07 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-18-06, 02:44 AM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-18-06, 02:13 PM
      Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-18-06, 04:10 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-18-06, 04:57 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-19-06, 00:37 AM
      Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء حيدر حسن ميرغني09-19-06, 11:24 AM
      Re:بيدي عمرو ، لا بيدي ! Agab Alfaya09-19-06, 12:01 PM
  Re: خطوة الى الامام Agab Alfaya09-19-06, 12:11 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-19-06, 12:24 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبد الله عقيد09-19-06, 01:12 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-19-06, 01:25 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-19-06, 01:45 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-19-06, 01:59 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-19-06, 02:10 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-19-06, 06:54 PM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-19-06, 09:12 PM
      Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-19-06, 11:04 PM
  Re: تسوي بيدك يغلب اجاويدك ! Agab Alfaya09-19-06, 11:30 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-19-06, 11:33 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-20-06, 01:15 AM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-20-06, 04:27 AM
  Re: سنار الرمز ، وليس سنار الدولة الدينية ، Agab Alfaya09-20-06, 04:06 AM
    Re: سنار الرمز ، وليس سنار الدولة الدينية ، osama elkhawad09-20-06, 05:00 AM
      الشفرات الثقافية osama elkhawad09-20-06, 05:09 AM
        Re: الشفرات الثقافية حيدر حسن ميرغني09-20-06, 05:43 AM
        Re: وهل هذه هي الشفرة الثقافية للسودان ؟ Agab Alfaya09-20-06, 07:38 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-20-06, 05:21 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-20-06, 05:25 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-20-06, 11:04 AM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-21-06, 00:00 AM
  Re: أول محاولة جادة في التأسيس للتعدد الثقافي Agab Alfaya09-21-06, 03:45 AM
  Re: محمد جلال هاشم يصف مشروع الدكتور بالاسلاموعروبية ! Agab Alfaya09-21-06, 04:23 AM
  Re: الدكتور عبد الله على ابراهيم ، والسودانوية ، Agab Alfaya09-21-06, 12:58 PM
    Re: الدكتور عبد الله على ابراهيم ، والسودانوية ، حيدر حسن ميرغني09-21-06, 02:08 PM
      Re: الدكتور عبد الله على ابراهيم ، والسودانوية ، حيدر حسن ميرغني09-21-06, 02:50 PM
        Re: الدكتور عبد الله على ابراهيم ، والسودانوية ، osama elkhawad09-22-06, 01:49 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-22-06, 03:35 AM
  Re: لا توجد تعددية خارج ثنائية الغابة والصحراء ! Agab Alfaya09-22-06, 10:49 PM
  Re: الاغنية السودانية الحديثة نتاج للبوتقة الثقافية Agab Alfaya09-23-06, 00:40 AM
    في نقد البوتقة ككناية ثقافية: نماذج متعددة أو البوتقة في مقابل التعدد الثقافي osama elkhawad09-23-06, 03:22 AM
  Re: عندما أقر الدكتور بالهجنة الثقافية ! Agab Alfaya09-23-06, 04:15 AM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء عبدالله الشقليني09-23-06, 11:22 AM
    Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء osama elkhawad09-23-06, 01:44 PM
      Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء munswor almophtah09-23-06, 04:54 PM
  Re: عيسى الحلو يستدرج الدكتور عبد الله علي إبراهيم .... في الغابة والصحراء Agab Alfaya09-23-06, 09:10 PM
  Re: ديالتيك ثقافي Agab Alfaya09-23-06, 09:26 PM
  Re: محمد المكي يرد Agab Alfaya09-23-06, 09:44 PM
    Re: محمد المكي يرد عبدالله الشقليني09-23-06, 10:16 PM
      اختزالية وتبسيطية و خفة ثنائية "الثقافة العربية والافريقية" osama elkhawad09-23-06, 11:49 PM
        يتبنى "ود المكي" كناية البوتقة، و يتفق مع نقد الخطاب الثقافي الامريكي لها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ osama elkhawad09-24-06, 00:54 AM
        Re: الرمز ابدا اختزالي ! Agab Alfaya09-24-06, 02:21 AM
          الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟؟؟؟؟ osama elkhawad09-24-06, 04:20 AM
            Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ osama elkhawad09-24-06, 01:39 PM
              Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ osama elkhawad09-24-06, 11:48 PM
                Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ osama elkhawad09-25-06, 01:36 AM
                  Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ osama elkhawad09-25-06, 02:31 AM
                    Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ حيدر حسن ميرغني09-25-06, 01:22 PM
                      Re: الغابة والصحراء ليست واحدة: كيف لود المكي ان يتنقد البوتقة الامريكية،وهو احد دعاة البوتقة؟؟ osama elkhawad09-25-06, 11:30 PM
  Re: بين البوتقة والباقة Agab Alfaya09-26-06, 00:33 AM
    Re: بين البوتقة والباقة munswor almophtah09-26-06, 01:05 AM
      Re: بين البوتقة والباقة Agab Alfaya09-26-06, 01:34 AM
      في نقد كناية البوتقة:م.أ. ابراهيم نموذجا osama elkhawad09-27-06, 00:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de