|
الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ...
|
نقلا عن سودانايل
الاخ الاستاذ/خالد أحمد بابكر - يكتب (1)
يسميه أستاذنا الشاعر الكبير عبد الله شابو بـ (الشاعر العظيم).. والشاعر عندنا لا يكون عظيماً بشعره فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى مواقفه. وقد كانت للأستاذ محمد المكي إبراهيم صولات ومواقف ثابتة شهد له بها خصومه، ولا يزال موقفه في المجلس الوطني الانتقالي يرن في الأسماع. مثلما نبت المرحوم محمد عوض الكريم القرشي من تربة كردفان، فإنّ شاعرنا خرج من بين (شقوق) تلك التربة المعجونة بأنفاس التصوف والمعطونة في زهد الدراويش والجلابيب المرتّقة بالتقشف الجميل.. صاغ ألحان الحياة والثورة فجرت في عروق السودانيين مجرى الدم، وسارت بذكرها الركبان في كل ربع وصقع من هذه الأرض. يحاكي إشراقه وشموخه معالم مدينته عروس الرمال.. فهو (القبة) والضريح وغابة شيكان والسيد المكي وإسماعيل الولي و(ود أبصفية) وكل طارف وتليد تحتشد به مدينته التي تتباهى به بين المدائن.
كلما مررت من أمام باب دار محمد عوض الكريم القرشي تذكرت (لحن الحياة منَّك) وصوت الشفيع.. وكلما مررت بقبة الشيخ إسماعيل الولي جالت بمخيلتي صورة محمد المكي إبراهيم الشاعر الرصين المتميز... والدبلوماسي الفارع الذي تمنّع عن أخذ الجواز الأمريكي شأنه شأن شرفاء أهل السودان الذين امتنع أحد شعرائهم الأماجد ـ في حقبة السبعينيات ـ من أنْ يطلب لجوءاً سياسياً لدولة أوربية، ناهيك من أنْ يحمل جوازاً غير جواز سفره السوداني، وكان من حقه كدبلوماسي أنْ يفعل وهو مطارد من قِبَل نظام بعينه. فليس مثل محمد المكي إبراهيم من يتناسى ذلك الإرث الشريف للدبلوماسية السودانية وتلك المواقف الراسخة في سجل الشعراء، فهو قد أثبت بذلك، أنّ شرف الانتماء ـ ولو بدون مقابل ـ لا تضاهيه الامتيازات والإغراءات وإنْ عدّها البعض فتحاً ونصرا. فما أكثر المذهوين المتباهين اليوم بحمل الجوازات المزدوجة!.
(2)
ما ذُكرت (الغابة والصحراء) أو (الآفروعربية) في أدبيات ثقافتنا المعاصرة، إلا وبرز اسمه مع الرفقاء الذين اختطوا طريقها. فها هو النور عثمان أبكر يقول عنها في (صحوالكلمات المنسية):
مولود الغابة والصحراء
من هذا الطافر كالجبل الأسمر
كمنارة ساحلنا الأزرق
جاء عند عبد الحي أنّ مجاز الغابة والصحراء وقع للشاعر النور عثمان أبكر وهو في محيط أوربا الحضاري. وهي الرحلة التي وصفها الدكتور عبد الله علي إبراهيم في ورقته (الآفروعربية: أو تحالف الهاربين) بـ (رحلة مكي البائسة)!. لكننا ـ على أية حال ـ لا ندري السبب الذي حمله على وصفها بـ (البائسة)، مع إنها قادت إلى اجتراح فكرة مستنيرة وناضجة بكل المعايير. هل لأنه استهجن حديثهم عن الهُجنة؟ أم ماذا كان يرمي وراء ذلك؟. في اعتقادنا أنّ الهُجنة التي قال بها أهل الغابة والصحراء كانت وصفاً حقيقياً وواقعياً لحالتنا السودانية، ورؤية حصيفة اعترفت بالتعدد والتمايز الذي ينطوي عليه هذا البلد. وقد رأى د. عبد الله علي إبراهيم أنّ دعوة الآفروعربية تقف بيولوجياً على ما روجه المؤرخون والإثنوغرافيون خلال هذا القرن من أنّ سكان شمال السودان هم هجين عربي إفريقي. فهارولد ماكمايكل يصف الخليط من النوبة القارة والعرب ممن أقاموا على النيل من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر كهجين آفروعربي. ويقول إنّ بقية المؤرخين تبعوا ماكمايكل في دعوته هذه، وذكر منهم من الأجانب (ج. ترمنغهام) و(وليام آدمز)، ومن السودانيين: يوسف فضل وحامد حريز وحيدر إبراهيم.
كان من رأي الشاعر صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله أنّ جُلّ أقوال الأنثروبولوجيين (علماء السلالات) حول أصول سكان شمال السودان تناهض حقائق الواقع ولا تخلو من التدليس. ففي معرض رده على النور عثمان أبكر عَرَض لبعض المراجع التاريخية الأمينة، كما أخذ عدة مآخذ على علماء السلالات المتشككين في عروبة أقوام شمال السودان. ومع ذلك، فإنّ صلاحاً كان من كبار المعترفين بحقيقة الهُجنة السودانية، فحينما سئل في الخليج عن ماهيته، قال: أنا الهجين عنترة». أما اختزال رؤية الغابة والصحراء على أنها تقوم بيولوجياً على ما روجه المؤرخون وعلماء السلالات، لهو قولٌ منقوص لا يقف على أساس واقعي وحقيقي متين.
وقد عارض الأستاذ عبد المنعم عجب الفيا في ورقته (الآفروعربية.. بين الواقع ووهم الآيديولوجيا) أطروحة د. عبد الله علي إبراهيم ـ معارضة الباحث المدقق والناقد المتمكن في أسلوب منهجي قويم، وشارك عجب الفيا بورقته في إحدى الندوات التي أقيمت بالقاهرة في وقت مضى، وهي عبارة عن قراءة نقدية لما انتهى إليه د. عبد الله علي إبراهيم في هذا الشأن. وخلص إلى أنّ ورقة د. عبد الله علي إبراهيم تنتمي إلى القراءات ذات الصبغة الآيديولوجية في توصيف الهُوية الثقافية للذات السودانية.
(3)
في منحى آخر، قاد التشكيليان حسن موسى ود. عبد الله بولا حملة مناهضة للغابة والصحراء ـ قوامها الترهات والأباطيل ـ في التسعينيات الأولى إبان سياسات القمع والتعسف التي انتهجها النظام الإسلاموي باسم التمكين. فحسن موسى في ورقته (شبهات حول الهُوية) وبفعل إفراطه في الخصومة غير المبررة يُحمّل المسؤولية الكاملة لجماعة الغابة والصحراء في التمهيد لبروز سلطة الجبهة الإسلاموية ويتفوّه بمنكر من القول حين يرميهم رمياً بقوله: «لمحمد عبد الحي وشركائه نصيب الأسد في المسؤولية الأخلاقية بقدرما عبّدوا الطريق لسلطة الصيارفة الإسلاموية وسوّغوا مقولاتهم الغوغائية على مراجع العروبة والإسلام.. فهم قومٌ لم يرعوا حرمة الإبداع، ولم يرعوا دور المبدع كمعارض وكخارج، وانساقوا وراء إرضاء الدولة المخدِّمة بغشامة لا تليق برجال في ذكائهم. فهم يستحقون اللعنة بقدرما تتسع الشقة بين رهافة حسهم الجمالي وغلظة تواطئهم الاجتماعي». ولا يُخفي عبد الله بولا تورطه الأحمق مع تلميذه حسن موسى في رميهم بالباطل على النحو الذي جعله يقول في ورقته (شجرة نسب الغول): « عليهم اللعنة بقدرما بددوا شاعريتهم العظيمة في مراوغة حقائق الواقع الصادمة، عندما آثروا المسكنات الغنائية الرقيقة على مراويد ومباضع النقد الكاوية الشافية».
عجبي ممن يزاولون التدليس في رابعة النهار ويجعلون منه منهاجاً لنقد الآفروعربية. فهذا (الغش الثقافي) من جانب عبد الله بولا وتلميذه (النجيب) حسن موسى كفيل باستحقاقه اللعنة، فليست هناك أدنى صلة ـ ولو مفترضة ـ بين أصحاب المشروع الحضاري السلطوي وشعراء الغابة والصحراء. هنالك مجازفة كبيرة في الزج بالآفروعروبيين كونهم مسؤولون عن بروز سلطة الجبهة، فالجميع يعلم بمدى الاختلاف العريض بين مرجعية المودودي وإسلام التصوف السناري، هذا إنْ جعلنا من أوبة الآفروعروبيين إلى سنار ـ كما في دعوة عبد الحي ـ حُجة يحتجُّ بها المدلِّسون. لكننا لو توجهنا بالسؤال لكليهما عن ماهية (الأقوال الغوغائية) ـ كما زعمها حسن موسى ـ التي سوّغوها على مراجع العروبة والإسلام، فلن يجد ما يقوله، سوى المزيد من المراوغة والتضليل.
الغابة والصحراء صيغة ثقافية جامعة وليست آيديولوجيا يطوّعها كل عقل مؤدلج كيفما شاء، ويحاكمها كيفما أراد ورغب. فكل من سعى لانتقادها من منظور آيديولوجي تنكّب طريقها ولو كان من الرواد المؤسسين. وحسناً فعل محمد المكي إبراهيم حين قال بأنه لن يمنح الطموحين فرصة للمبارزة (المهاترة) جرياً على قول الأستاذ سند في رفضه (منازلة المسفّ)، فما أكثر المسفين اليوم والساعين لمعركة (الظهور) التي لن يبلغوا ساحتها عبرنا مهما رفعوا عقيرتهم بالسباب.
اطيب المنى
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 02:30 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 02:51 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | تماضر الخنساء حمزه | 12-03-06, 03:01 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 03:20 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abuguta | 12-03-06, 03:46 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 03:53 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 03:56 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abuguta | 12-03-06, 04:18 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 04:32 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 04:57 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 05:02 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abuguta | 12-03-06, 05:08 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 05:36 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 05:59 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abuguta | 12-03-06, 06:19 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 06:03 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 06:31 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الزاكى عبد الحميد | 12-03-06, 07:51 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 09:25 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 11:50 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | احمد حماد ادريس | 12-03-06, 12:56 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 01:11 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 04:01 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 04:08 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 04:16 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-03-06, 04:32 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-03-06, 04:43 PM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | abubakr | 12-04-06, 02:04 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | مكي ابراهيم مكي | 12-04-06, 01:16 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-04-06, 01:32 AM |
Re: الشاعر المرهف / محمد المكي إبراهيم ...... لحن الحياة منك ... | الطيب شيقوق | 12-04-06, 03:13 AM |
|
|
|