|
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين (Re: ود محجوب)
|
في كلمة منصفة جزلة تنضح بالعرفان أسماها "محمود العالم: رائد موسوعي لم يمل" كتب الأستاذ هاني نسيرة:"لم يكن الأستاذ محمود العالم الذي رحل عن عالمنا يوم السبت الماضي مفكراً ورائدا فلسفيا ونقديا من طراز خاص فقط، ولكن كان كذلك إنسانا فريدا في إنسانيته وتواضعه، في سمته وشخصيته، كان وراء اكتشاف الكثيرين وإنصاف الكثيرين ليس أولهم نجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور كما لا يعرف آخرهم...كان يتابع كل شئ، لا يجد الحرج، وهو من كانت معركته مع طه حسين والعقاد وزكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي وغيرهم مسطورة ومحفوظة في كتب التأريخ الأدبي والفكري دائما، أن يتابع كل جديد وأن يقرأ كل مستجد، فأتت قراءاته لمشاريع الجابري وحسن حنفي والطيب تيزيني ونصر حامد أبو زيد كما قرأ مشاريع سمير أمين وأنور عبد الملك وقسطنطين زريق وعبد الوهاب المسيري وحسين مروة وغيرهم.. اهتم بالجميع من أجل الجميع دون استعلاء أو إقصاء!"(أ.هـ)...محمود أمين العالم أحد أهم الموسوعيين من المثقفين العرب المعاصرين..هذه الفئة النادرة ظلت أعدادها تتناقص باستمرار في خضم التنامي المتواتر في ولوج عالم التخصصات الدقيقة والرغبة العارمة في جني فوائد هكذا تخصص..التخصص الضيق للعلماء أودى بهم إلى غيابات وكهوف الإنكفاء العلمي وأدى إلى تمزق اواصر وجسور التواصل بين حقول المعرفة الإنسانية.
كمحمود أمين العالم كان الطيب صالح موسوعيا ضمن مجموعة متفردة من العلماء السودانيين الموسوعيين..في كتابنا الموسوم "حواشِ على متون الإبداع"، أوقفنا فصلا للموسوعيين من أهل السودان بعنوان:"فصل في محاسن أهل العصر: كلية غردون وموسوعية العلم" اشرنا فيه إلى أن "الثقافة الموسوعية، كانت، بتباين طبيعى متوقع في نوعها ودرجتها، سمة أجيال كاملة..والثقافة الموسوعية، في نهاية الأمر، هى نتاج استعداد فطرى وعادات مكتسبة، ومناخ عام داعم للاجتهاد والاستعداد الفردى". في ذاك الفصل عرضنا لإضافات ومواهب موسوعيين من طبقة "الشيخ الرئيس" تيجاني الماحي الذي اقترب من حقول المعرفة "فاقتطف من كل بستان زهرة وأنشأ مجمرة علمية فيها من كل وقد جمرة" كما تلمسنا جوانب من إضافات أعجوبة زمانه الفلكى المتقدم الريح العيدروس والعالم البحر اللجى الطيب السراج والقانونى الضليع محمد احمد أبو رنات، والنطاسى البارع الموسيقى محمد أدهم والفيلسوف الصوفي شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه.
الطيب صالح قطعاً واحد من هؤلاء الرجال الأفذاذ .. في مراجعته لمختارات الطيب صالح التي صدرت في تسعة أجزاء عن دار رياض الريس للكتب والنشر، علق الكاتب أحمد بابانا العلوي بأن "كل جزء منها يضم باقة من الأدب الرفيع مقالات، وأحاديث، وخواطر تحيط بأهم القضايا كما تقدم للقارئ ألواناً من الفكر الراقي، والرؤى العميقة والصور الفنية الجميلة … والخلاصة أننا أمام حديقة غناء، تحتوي على أفضل ثمرات الفكر التي تغذي العقول وتنعش الذهنيات، وتشحذ المدارك، وتفتح البصر على الآفاق، ما يعطينا القدرة على فهم وإدراك جوهر المعاني، وحقائق العالم من حولنا".. حديث العلوي أوجز لب قضية المختارات التي كشفت الغطاء عن موسوعية الطيب صالح وكونية ثقافته العالية الراقية.
مراجعة العلوي توقفت عندها لأنها تجاوزت المألوف في مراجعات الكتب والتي تكتفي منها بنظرة عين الطائر خطفاً وتعليقاً.. أما هذا الألمعي فقد تمهل عندها ونظر في الدلالات الكبيرة لهذه المختارات ولعل أبرز ملاحظاته تتلخص في أنه ربطها برسالة الكاتب الرشيد والتي يرى انها "تكمن أساساً في الرقي الحضاري بتقويم الذهنيات وصقل العقول، وتحرير الإرادات، والكشف عن مواطن القصور من أجل تحفيز الهمم وذلك بإلغاء المثبطات التي تمنع تطور المجتمعات وتعوق مساهماتها في تطور الحضارة الإنسانية".
يمضي العلوي ليصف مختارات الطيب صالح بأنها "شهادة الأديب على عصره بأسلوب الأدب الراقي والفن الجميل، والأخلاق العالية التي تميز أهل السودان والصفوة منهم خاصة، وهي دليل بلا شك على عراقة مجتمعهم وعمق تدينهم وعلو هاماتهم ..شمائل وفضائل غرستها البيئة في نفس الأديب الكبير فكانت زاداً له وهو يجوب الآفاق ويحتك بضروب من الحضارات والثقافات".
في ذات المنحى ذهبت كلمة الأستاذ محمود صالح عثمان صالح في تقديمه لهذه المختارات حيث وصف الطيب صالح بأنه:" كاتب "شامل"، مكنته ثقافته العميقة والمتنوعة واطلاعه الواسع باللغتين العربية والانجليزية على علوم اللغة، والفقه، والفلسفة، والسياسة، وعلم النفس، وعلم الأجناس، والأدب، والشعر، والمسرح، والإعلام، أن يروي، ويحكي، ويخبر، ويوصف، ويحلل، ويقارن، وينقد، ويترجم بأسلوب سهل عذب ينفذ الى الوجدان والفكر كما تشهد هذه المجموعة من "مختارات من الطيب صالح".
العلوي ومحمود لم يبالغا في وصف الطيب بشمولية العلم وموسوعية المعرفة ..ولعل الجزء الثاني من هذه المختارات والموسوم "المضيئون كالنجوم: من أعلام العرب والفرنجة" هو الدليل الأوضح على صحة، ودقة، وصفهما..هذا العمل المتميز يتألف من قسمين. أولهما "من أعلام العرب" يستعرض سيراً عطرة لسيدنا عمر الفاروق وابنه الصحابي الجليل عبدالله بن عمر كما يطوف بنا في " فيوض العارفين"..في هذا القسم تتبدى عمق ثقافة الطيب الإسلامية ورؤيته للقيم السلوكية الإنسانية الراقية التي أرساها الخليفة الفاروق وابنه عبد الله وحفيده وسميه عمر بن عبد العزيز..أما فيوض العارفين فهذه مسألة أخرى..تطواف الطيب على إشراقات الإئمة والصالحين وكبار أهل العرفان من شيوخ الصوفية متعة عميقة للنفس وغذاء طيب للروح..السمة الغالبة لاهتمام الطيب بهذا الرهط الكريم من الصحابة وأهل العرفان يتلخص في موقفهم من قضايا إنسانية مركزية كالعدل والشورى والمحبة والوسطية والتوافق مع الذات والآخر.
أما القسم الثاني الذي أوقفه الطيب لأعلام الفرنجة فقد اشتمل على تسعة فصول تناولت سير وإضافات بعض أبرز رجال السياسة كاللورد بتلر (راب بتلر) والأدباء كالإنجليزي ساميول بيبز والفرنسي مارسيل بروست. من جانب ثالث عرض الطيب لبعض أبرز إضافات المورخين من البريطانيين (واي. ج. تيلور، وريتشارد كمب) والفرنسيين (فيرناند برودل) ولم ينس الصحفيين (مايكل آدمز) كما كرَّس فصلين لاستعراض بعض مفاهيم وأطروحات فلاسفة اجتماعيين من طبقة الفرنسيَّين الذين طبقت شهرتهما الآفاق رولان بارت وميشيل فوكو.
عند استعراضه لإضافات هؤلاء العمالقة لم ترهبه هالات العلم والشهرة..لم تأخذه الرعدة التي غشت أجيال كاملة من المثقفين العرب عند تعاملهم مع تيارات الفلسفة والنقد الغربية التي استجدت في مرحلة ما بعد الحرب الكونية الثانية وتداعيات الحرب الباردة من بنيوية وتفكيكية وحداثة وما بعدها... إضافات رولان بارت وميشيل فوكو ونعوم شومسكي تعامل معها الطيب إطلاعاً ونقداً تعامل كل فاعل واعٍ مدركٍ في الحراك الثقافي الكوني... قرأ اعمالهم قراءة نقدية ناجزة مثمناً ما رأى أنه يستحق وناقدا بل ساخراً من إضافات بعض هذه الرموز العصية ولعل أبرز مواقفه كانت عند تناوله إضافات الفيلسوف الفرنسي رولان بارت الذي كان حتى وفاته عام 1980 ماليء الدنيا وشاغل الناس في دنيوات النقد والتنظير الاجتماعي وكانت إضافاته بالغة الأثر حيث تركت آثاراً بعيدة في تطور مدارس البنيوية والماركسية وما بعد البنيوية والوجودية، بالإضافة إلى تأثيره في تطور علم الدلالة....رجل بهذه الضخامة لم يجد الطيب حرجا في وصف منهجه بأنه "لغو مملوء بالمغالطات والعجرفة"..وأن بارت"رجل يتيه بعلمه، وهو فيما يتعلق بنا على أي حال، علم لا فائدة منه ولا خير فيه"...الخبر هنا ليس في رأي الطيب فرأيه كرأي غيره من المثقفين، يؤخذ منه ويرد عليه، ولكن الخبر في الإطلاع الناقد لمثقف عربي وتبنيه لموقف مدرك من رؤية كبار المفكرين من قضايا الادب والإبداع عموماً.
في هذا الجزء نلقى الضوء على بعض الإهتمامات الموسوعية للطيب صالح ..نتنزه معه قليلاً في بساتين المعرفة وحقول العلوم والثقافة الإنسانية ..كغيره من الموسوعيين، طاف الطيب على كثير من فروع المعرفة الإنسانية وفنونها وآدابها ...توقف عند بعضها محباً وعند بعضها عاشقاً وعند البعض الآخر معجباً ...وما بين الحب والعشق والإعجاب تسربت و"تشرنقت" وشائج المعرفة التي كتب عنها الطيب أو أشار إليها أو تلمسها من قرأوا له أو استمعوا له.
من بين هؤلاء تخيرنا شخوصاً واعمالاً لبعض من أحبهم الطيب او أحب أعمالهم وكتب عنهم كأبي الطيب المتنبيء واللورد بتلر والحاردلو وحاج الماحي ومحمد ود الرضي ..إلى جانب هؤلاء اضفنا فناناً غردا جميلاً هو التاج مصطفى..إضافة التاج من جانبنا، أملتها في تقديرنا، إلى جانب القدرات الإبداعية المتميزة ولا شك، ثلاث مسائل...أولها التماثل الكبير بين التاج والطيب في السمات الشخصية من حيث الوقار والرزانة ...الثانية الإشتراك في منظومة قيم تقوم على السلوك الصوفي بما فيه من تواضع ووفاء..ثالثة المسائل تركز على الأصالة التي تتبدى في التعتق مع الأيام ومنجمية المنتوج الإبداعي من حيث إمكاناته الهائلة لإعادة الاكتشاف من قبل الأجيال اللاحقة ...كلاهما بقى (وسيبقى بإذن الله) رمزاً خالداً في الذاكرة السودانية ..سيبقى الطيب ما بقيت "موسم الهجرة إلى الشمال" وأخواتها وسيبقى التاج ما بقيت "الملهمة" وأخواتها.
مجلس الطيب: التقاء الشرق والغرب رغم أنف كبلنج :
"الشرق شرق والغرب غرب وهيهات ان يلتقيا" مقولة روديارد كبلنج (1865-1936)،شاعر الإمبراطورية البريطانية العظمى ظلت في بؤرة التجاذب السياسي للدلالة على استحالة الالتقاء بين الحضارات الشرقية والغربية ..قائلها لم يعرف كعسكري محارب بل كشاعر وشاعر كبير ضخم وروائى إنجليزي عالي القيمة ...حقيقة الأمر أنه كان أول كاتب إنجليزي يفوز بجائزة نوبل في الآداب عام 1907 عن أعماله التي شملت "أناشيد متنوعة" (1886) و"النور الذي خبا" (1890)...هذا الأديب الذي يؤمن بإنفصال العالمين الشرقي والغربي لم يولد في بلد أجداده حيث الإمبراطورية التي لا تغيب شمسها بل هو من مواليد أرض طاغور المغني ...مولود بالهند مهد الحضارات القديمة .. شعار كبلنج عاش أزمانا وخرج على الناس بعباءات مختلفة ليس آخرها مقولات هانتغتون بشأن "صدام الحضارات" كحتمية تاريخية لا يمكن تحاشيها إلا بالذي ليس منه بد منتصر ومهزوم.. في مثل هذه الأطر كان الزج ب"موسم الهجرة إلى الشمال" كمحاولة لبحث إشكالية الذات والآخر ..الشمال والجنوب ..الشرق والغرب..كبلنج والطيب صالح.
في ظل خلفية كهذه يكتسب مجلس الطيب أهمية خاصة ..ليس لانه يطرح فكرا بديلا ..لا ..لا.. ولكن فقط لأنه يحاول التعامل مع العطاء والإبداع الإنسانيين من منظور أشمل وأرحب وأجمل.
مجلس الطيب هذا مجلس افتراضي يقوم على ما دونه من كلمات إعجاب ببعض اعمال المبدعين من الشرق والغرب.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 10:11 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 10:23 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 10:30 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 10:39 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 10:53 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 11:03 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-28-09, 11:14 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-29-09, 09:11 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | عبدالعزيز الفاضلابى | 05-29-09, 09:32 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 05-29-09, 10:28 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-26-09, 05:20 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-26-09, 07:03 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-26-09, 08:05 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-26-09, 08:56 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-27-09, 08:58 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | صديق الموج | 06-27-09, 10:01 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | نصار | 06-27-09, 10:13 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | طارق جبريل | 06-27-09, 10:35 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | نادية عثمان | 06-27-09, 11:03 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-29-09, 07:42 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-28-09, 06:21 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-28-09, 11:41 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-28-09, 08:46 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | أبوبكر أبوالقاسم | 06-28-09, 10:06 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 06-29-09, 10:53 PM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | أبوبكر أبوالقاسم | 06-30-09, 08:48 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 07-01-09, 07:53 AM |
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين | ود محجوب | 07-02-09, 11:51 PM |
|
|
|