إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 00:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-08-2009, 06:11 AM

Abuzar Omer
<aAbuzar Omer
تاريخ التسجيل: 07-26-2008
مجموع المشاركات: 2109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد)


    حدثنى!
    حدثنى عن الموت، حدثنى عن آلاف العابرين من هنا. من بدأت سعادتهم بين يديك، من إنتهت تعاستهم تحت قدميك. حدثنى عن الضحك بهستريا، حدثنى عن دخول عالم الإضطرابات النفسية أو ما تحت الإنزلاقات الكونية. عن البكاء الموغل فى الصمت، عن بوار الكلام. أدرك أن كلماتك ستكون دفء لى فى شتاء الدم الذى ينتظم أوردتى. أدرك أنى لا أرغب فى الكلام. الإستماع سيكون زادى و جرعتى الأخيرة التى ستكفينى فى ظلمات التراب. أنا عائد إلى الحياة التى لم توهب لى. ديارى ديار الغرباء.
    فقط حدثنى لا تصمت.

    فى هذا الوقت من مسيرة الحياة، يجف معين الأسئلة و يبدأ المحكوم عليه بالكلام. يحكى كل شئ، يدخل بادئ الأمر بالإعتراف و ينتهى بضحكات الإنكسار، يسلم لله.

    - لم أكذب عليك، كما لم أكذب عليهم. أنا لم أقتل أحد، و الله أعلم بى منى.

    ألا يعلم هذا المتمرد أن القاضى، و الوالى، و جميع المسئولين سيكونون فى سباتهم العميق حين يغادر هو إلى أبديته!!
    عليه أن لا ينتظر المعجزات، ليته يقتل التفاؤل، فذلك أيسر مما أقدم عليه بقتل نفس طاهرة.

    المحكوم عليه، يدرك أن ما تبقى من العمر أقل من نصف يوم. سيتم تنفيذ الحكم فى صباحه الباكر، فلن ينعم بالنور ثانية. فقط من قبر الأحياء إلى قبر الأموات.

    - صمتك يذبحنى، قل شيئاً، حدثنى عن الموت.

    - إذن أنت تظن أن طريقة الموت الجديدة اكثر رحمة !!
    " إحساس متضائل بالالم لا تستغرق فيه السكرة سوى عشرين ثانية".

    - سيكون معى شخص واحد!
    الطبيب و مساعديه سيكونون بالخارج، لكن الزجاج سيسمح لهم بالمتابعة!
    هنالك من سيشمت فيّ عند موتى.. لم يكفيهم ذلك العمر الذى تمدد ببطء منذ الميلاد و حتى نهاية العقد الرابع يهبهم منها ما يروى نفوسهم الظمئة.

    - و لكنى برئ ايها السيد!!

    بدأ منتصر يبكى بهدوء صاخب، دموعه الغزيرة الجامحة باردة ومنهمرة بلا توقف، لم يستطع شيخ إبراهيم أن يقول شيئاً لما يقارب نصف الساعة، فالرجل يتلو بالبكاء الصامت مرافعته فى حضرة الشيخ الذى كانت مهمته التخفيف على هذه الكائنات المتمردة البائسة حتى محطتها الاخيرة حيث يتوقف القطار ويسود الظلام اللامتناهى، إلى أن تشرق رحمة الله اذا إ ستحقها العبد.

    كلمات الشيخ فى هذا الوقت من عمر المحكوم كانت تحض على أن يسارع المحكوم بطلب الغفران والصلاة والدعاء، حتى تطمئن نفس الشخص فى حضرة الله، من ثم يصل الى أن عدالة الأرض قد تكفى وتحجب عقوبة السماء عند البعث. رسالته محددة وبسيطة لكنها فاعلة.

    لم يحدث خلال عمره مع هذه المهنة والذى وصل الى أكثر من مائة محكوم – يكون رفيقهم الوحيد و الدائم فى الفترة ما بين نطق الحكم و تنفيذه – أن كتم احدهم اعترافه إلى هذا الوقت. تبقت ستة ساعات فقط على حياة هذا الكائن البائس و لم يحدث شىء.

    كان عليه ان يستمع إلى المحكومين خلال ساعاتهم الاخيرة ليخفف عنهم آلامهم و بؤس وحدتهم. يقنعهم بأن الموت قد يأتى بالخير فالله أرحم بعباده و رحمته وسعت السموات و الارض.

    منتصر لا زال يذرف الدموع فى صمت يقطع القلب.

    ليتيقن هذا البائس بأنه و إن كان بريئاً فلن يغير ذلك من شىء، عليه ان يخفف عن نفسه فلا جدوى من البكاء.

    الشيخ فى نفسه اصبح يتأرجح بين التصديق و التكذيب. لم يجرب يوماًان يكون شاهداً على موت برىء ، بل كان جزءً من منظومة العدالة التى تقتص من المخطئين.


    الكل يعبر من هنا كخيط أبيض يقطع الدياجر فى هدوء صاخب و ما ان تبلغ اللحظة نشوتها حتى يعود الصمت من جديد، و تبدأ رحلة بائس آخر إلى مستقرها فى غيابت الصمت السحيق. الايام وحدها أعطت الشيخ دروس سيظل يؤمن بها ويكفر بما دون ذلك فى عناد صلد.

    القادمون من هنا كائنات متمردة على الطبيعة. ما من أحد يطفىء جذوة الدم، إلا و تنتهى به لعنة الروح الى الإنكسار و الدموع. يدخل البائس وهو غارق فى الدم، طافح فيه التمرد.
    البائس لا يظن بأنه يخالف المشيئة و لكنه يصحح البنود التى تركت للإجتهاد. و حين يدرك فداحة المنتهى فى مرآة الغير ينازع من أجل أن تموت العيون المتشككة و تعود الحياة الى ما كانت عليه. لطالما دخل الغم والحزن الى نفوسهم و لكنهم فقط يصححون أخطاء غيرهم.

    يأتى البائس منهم مفعم بالتمرد، معبأ بالأكاذيب ينثرها فى كل إتجاه. و لكن لصمت القضبان صدى يرتد بالحقيقة حين يصرخ البائس " انا برىء " . يرجع الصدى ضحكات ساخرة و ما أن تمضى الايام و الليالى حتى يدرك البائس عدم جدوى التمرد. فهو لن يقنع الكون الصامت حوله إلا بقداسة الصمت و طهارة الدموع. يخرج البائس من تمرده الى الإعتدال حين تنتصر الحقائق و العقل. ينفث "لقد أخطأت، كيف السبيل إلى الغفران؟" عندها يأتى الشيخ بماء و مصلاة و تبدأ رحلة الإعتدال.
                  

العنوان الكاتب Date
إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد) Abuzar Omer04-08-09, 06:11 AM
  Re: إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد) Abuzar Omer04-10-09, 01:31 AM
    Re: إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد) Abuzar Omer04-12-09, 05:38 AM
      Re: إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد) Abuzar Omer05-05-09, 04:47 PM
        Re: إحتقــان ذاكــرة .. ... .. ... .. ... ( سَرْد) Abuzar Omer06-27-09, 07:33 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de