|
Re: وأنبهل ود الحسين (Re: Seif Elyazal Burae)
|
صفحة جديدة مع واشنطون؟
زيارة المبعوث الأمريكي الجديد الجنرال سكوت جراشين الى السودان التي تبدأ اليوم تمثل فرصة يفترض اقتناصها للتخفيف من حالة المواجهة مع الدول الغربية تحديدا التي أفرزها قرار المحكمة الجنائية، ووضع العلاقة السودانية - الأمريكية على مسار جديد خاصة بعد إعلان الرئيس باراك أوباما عن استراتيجيته الثلاثية للتعامل مع السودان: الجانب الانساني، وتنشيط اتفاق السلام والجنوب والمفاوضات مع الحركات المسلحة. فمعركة الجنائية ستكسب سياسياً وفي مجلس الأمن، ولهذا من الضروري تحييد الخصوم على الأقل إن لم نقل كسبهم بالكامل، وعلى رأس هؤلاء واشنطون. إختيار الجنرال نفسه ليكون مبعوثا للرئيس باراك أوباما يعتبر في حد ذاته رسالة ايجابية، وذلك بالنظر الى قائمة من المرشحين الناشطين ضد الانقاذ أمثال جون برندرقاست وروجر ونتر، وعلى نفس النسق جاء اختيار مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية السفير جوني كارسون ليلقى ترحيباً قد لا يجده مرشح آخر. وفوق هذا كله فمن الواضح ان للرئيس اليد الطولى في تحديد مسار سياساته وأولوياتها وان معاونيه من رئيس موظفي البيت الأبيض رام عمانويل الى نائبه جو بايدن والمندوبة في الأمم المتحدة سوزان رايس رغم مواقفهم العلنية المعادية، الا انها لم تترجم الى سياسات أو تعيينات، والأخيرة تشير الى ان القرار لا يزال في يد أوباما نفسه، وهو يبحث عن وجوه وأفكار جديدة فيما يخص السودان. وفي واقع الأمر فإن أي رئيس أمريكي تظل له الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد أولويات سياساته ومساراتها. ويذكر ان أول إهتمام للرئيس السابق جورج بوش بالسودان كان بسبب القس فرانكلين جراهام، وذلك حتى قبيل انتخاب بوش. فالقس الذي يحتل مكانة خاصة عند بوش طلب من الأخير الا ينسى السودان بعد انتخابه. وبعد دخول بوش البيت الأبيض ببضعة أسابيع زار وفد من جمعيات المسيحيين مستشار بوش الرئيسي كارل روف وأعاد التأكيد على ضرورة الاهتمام بالسودان، ووعدهم روف بذلك. وأدى هذا الاهتمام الى تعيين السيناتور السابق جون دانفورث أول مبعوث في عهد بوش خاص بالسودان. دانفورث بدأ بداية غير تقليدية لتناول موضوع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عندما إقترح تجربة محدودة وإعلان وقف لاطلاق النار في منطقة جبال النوبة وحدها، وبعد النجاح تتوسع التجربة لتشمل كل الجنوب. الحركة الشعبية لم تكن مرتاحة لهذه الفكرة وذلك من منطلقين: أنها تبدأ بوقف لاطلاق النار، واستراتيجية الحركة ظلت دائما أن يكون هذا البند ختام المفاوضات.. وثانيهما انها تبدأ بمنطقة محدودة، بينما الحركة تطرح كل قضايا السودان على الطاولة. ويبدو أن بعض الجمعيات واللوبيات المتعاطفة مع الحركة اتصلت ببوش لتطرح وجهات نظر معارضة لتوجه دانفورث، لكن بوش منح الأخير ثقته واستمر اهتمامه بالملف السوداني الى أن توج بتوقيع اتفاق السلام. القضايا المطروحة بالنسبة للولايات المتحدة تتوزع بين دارفور واتفاق السلام مع الجنوب إضافة الى قضية المنظمات التي تراها واشنطون من أولوياتها. وهذه هي النقطة الأولى التي سيركز عليها جراشين ويمكن للحكومة أن تقدم فيه بعض التنازلات كسباً للمعركة السياسية وتقوية لموقف الدول المتعاطفة مع السودان. ويستحق ما حدث في مجلس الأمن إشارة خاصة. فعقب طرد المنظمات مباشرة فشل مجلس الأمن في إصدار أي قرار يطلب من الحكومة ارجاع هذه المنظمات، لكنه تمكن من ذلك في الأسبوع الماضي، حيث صدر القرار من كل الأعضاء بمن فيهم الصين وروسيا وليبيا الذين يعول عليهم السودان، وأهم من ذلك أن التقرير صدر بعد التقييم المشترك الذي أجري بواسطة الأمم المتحدة والسودان. وقد أعاد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة انتقاده للسودان بسبب طرد المنظمات، وهو نفس ما ذكره أوباما وهو يعلن سفر مبعوثه الى السودان مركزا على ضرورة عودة المنظمات أو البحث عن آلية جديدة. وهذا ما يستحق التدقيق، فبينما ألمح بعض معاوني أوباما الى ان ذلك يعني اللجوء الى استخدام المنظمات التي لم تطرد ووسائل أخرى لسد الفجوة، الا ان بعض الناشطين أمثال جيري فاولر رئيس منظمة «إنقذوا دارفور» بدأوا يتحدثون عن إقامة ممرات إنسانية آمنة لتوزيع العون. التقرير المشترك يتحدث عن ان الوضع يمكن أن يتدهور في غضون بضعة أسابيع، وهذه هي الفترة التي تحتاج الحكومة الى استغلالها بالتعاون والتفاهم مع المبعوث الأمريكي حتى وإن تطلب الأمر تقديم بعض التنازلات، وذلك حتى يمكن كسب واشنطون وإبعادها عن خيارات جيري فاولر والممرات الآمنة التي ستصبح رأس جسر لتدخل عسكري. فالقضية ليست عودة المنظمات المطرودة تحديدا، وإنما سد الفجوة التي خلفتها سواء محليا أو عبر منظمات أخرى. التقرير المشترك المشار اليه ذكر ان عدد العاملين في المنظمات المطرودة بلغ (3142) منهم (2941 ) من السودانيين والبقية، أو ( 201 ) تحديدا من الأجانب، لكن للأسف لم يتم الاستفادة والاستعانة بكل السودانيين رغم خبراتهم في هذا المجال، وهذه نقطة تحتاج الى أن تعطيها الحكومة أولوية، لأن توافر الخبرة المهنية والميدانية سيؤدي الى سـد فجوة مقدرة. قبل قرابة العام كتب المبعوث الأمريكي السابق للسودان أندرو ناتسيوس مقالا لخص فيه تجربته ودعا الى اتباع نهج واقعي يقوم على التعاطي الايجابي مع الحكومة السودانية للوصول الى حلول، مضيفا أنه كان من دعاة التشدد وممارسة الضغوط، وهو نهج لم يؤد الى نتائج ملموسة ويهيىء الأرضية الى عملية تغيير للنظام لا يتحمس لها أحد من واقع التجارب العملية. الاشارات الواردة حتى الآن من واشنطون تومىء الى انها قد تتبع هذا النهج، ويمكن للحكومة مسلحة بالإلتفاف الشعبي والدعم الذي لقيته أقليمياً خاصة من القمة العربية الأخيرة أن تخطو خطوات أكثر ثقة لفتح صفحة جديدة في علاقتها مع واشنطون، والبداية بالاستفادة من زيارة جراشين لبناء الثقة والتعامل مع الوضع الانساني عبر خطوات عملية مما يمهد لاحلال السلام في دارفور، وأعطاء أوباما كرت الاسهام في هذا الحل وتحسين صورة بلاده عالمياً، وفوق هذا اتاحة الفرصة للسودان للتمتع بشىء من الاستقرار.
Elsir Seed Ahmed
rayaam.info
|
|
|
|
|
|
|
|
|