الحديث في رايي يجب ان يتسع ليشمل الجذور الاجتماعية والثقافية العميقة للمشكل السياسي الحالي. ان العسكريين الذين قفزوا على السلطة عدة مرات، والذين يؤيدونهم، انما ينطلقون من قناعة راسخة لدى الكثيرين ــ للأسف ــ بانهم على حق في فعائلهم تلك. فهذه ثقافة. في بلدان اخرى يرى الناس انفسهم على حق، ولكنهم يقولون لك: اذا كان سيد التور قال احلبوه، فافعلوا. مؤخرا قال لي أحد هؤلاء المساكين، وهو ضحية من ضحايا الدكتاتورية ولكنه لا يدري، قال لي ان النظم العسكرية أفضل للسودانيين لانها تنجز انجازات ملموسة كالمدارس والطرق الخ. استغربت قوله وهو المتعلم ولا أقول المثقف، قلت له: ومن أدراك وأدرى العسكريين ان شعبنا يريد الطرق والمدارس؟؟!! قال لي ان الديمقراطية كانت فوضى لان أعضاء الجمعية التاسيسية كانوا يقولون كذا وكذا: قلت: فهذا الذي يقولون هو رأي الشعب، سواء أعجبك أو لم يعجبك، من انت حتى تكون ولي أمر الشعب القاصر في رايك، حتى تحدد لهم الصاح والغلط؟!. هذه هي العقلية التي انجبت الدكتاتوريات وغذتها وأطالت اعمارها.
أما اننا عدوانيين، فان انكرت هذا، تكون ما ركبت مواصلات في السودان ولا دخلت سوق الخضار، مقارنا مع اي مواصلات اخرى في العالم او اي سوق آخر. دعنا بعيدا عن السياسيين والمثقفين او المثقفاتية. الم تلاحظ ابدا العدوانية اليومية المجانية في سلوك المعلم او الشرطي او السائق او سيد اللبن حتى؟؟ نحن بصراحة لا نتمتع بالصبر ولا بالديمقراطية، ونحتاج لزراعة وتنمية هذه الثقافة التسامحية والصبورة والتي تحترم حق الآخر بل تقدسه، والا بلغنا يوما، معاذ الله، مرحلة ليبيريا وسيرا ليون ورواندا وبورندي والكنقو وغيرها. نحن افارقة لحد كبير، وهاهي ثقافتنا في اكثر صورها تطرفا بادية للعيان في الامثلة التي ذكرت، فهل سيعصمنا تنوعنا القديم وحضارتنا العريقة وادياننا السمحة وحدها في وجه طوفان العنف والاقصاء السائد والمتزايد؟؟ أظن ان كلا. فدعونا اذن نسعى ما استطعنا لترسيخ القيم الواقعية التي تضمن لنا التعايش بشكل سلمي، حتى لا نضطر لتعلم الحقيقة بالطريق التاريخي الطويل والصعب والدموي. اقول القيم الواقعية، رغم انها قيم نبيلة وجميلة ايضا، ولكن من المهم لفت النظر الى انها واقعية، وغصبا عننا يجب ان نتعلمها ان كنا واقعيين، لنتمكن من العيش المشترك بامن وسلام، لانه لا خيار لدينا سوى ذلك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة