في الحادي والثلاثين من ديسمبر، وبعد مرور نصف عام على الذكرى السابعة عشر لرحيل نون، والزمان على وشك أن يكمل دورته القديمة. استلم جو الرسالة التالية من على إسماعيل:
"جو العزيز:
أنا الآن واقف على أقصى بقعة في الأرض على ضفاف بحر الشمال. أمامي الفنار القديم، مغطى بالثلوج التي كثلوج روحي التي تحن إلى شمس إفريقيا!
صباح الجمال يا حبيبي العنيد، وأنت ما تزال تمتهن الأسئلة بالقصي من الإجابات.
أعرف أنك الآن جالس أمام الديار تكتب مسرحاً جديداً عن بطولات الناس العاديين والناس القادمين. أعرف أنك لم تغسل وجهك جيداً هذا الصباح حتى لا تتبخر فكرة مجنونة عن نشيد تؤديه الحبيبات على أبواب الشمس.
وأعرف أنك قبل قليل أرسلت ملويزي ليأتي لك ببعض السجائر. وأن ملويزي يماطل في الطريق ويلعب (سكَّج بكَّج) مع سابيمبي..
أعرف، وأفرح جداً، لأنك أجلت بعضاً من تفاصيل المسرحية القادمة يوم أمس لتقنع مابانا الصغيرة بأن تمشط لها شعرها اليوم. وهي ما زالت لا تثق إلا في رؤاك الجمالية. وتعلن أنها لو كانت كبيرة لتزوجتك أنت، ضاربة عرض الحائط بكل ما تقوله النسوة عن قميصك الوحيد.
جو العزيز:
أنا الآن كما تعرف أبصر العالم جيداً بعيني تلك التي كنت تنظفها لي بنفخات من فمك عندما كنا نلعب في التراب. وأعلق على جدران قلبي دائماً صورة ذلك اليوم الذي مشيت فيه حافياً عشرين ميلاً، عبرت الغابات والجبال وضِعْتَ في تلك المدينة التي كانت في مخيلتك المكان الأزرق بحجم المنديل. ذلك المكان الذي أخذوني إليه ليرمموا لي عيني التي انجرحت بعصاك التي قذفتها لترمي لنا بعض اللالوب. من المؤكد أنك الآن اكتشفت أن المدينة مكان أزرق، ولكنه بحجم البحر، الذي هو بحجم المنديل في آخر المطاف. أذكر أنهم قالوا أنني قبل أن أصحوا من البنج، كنت قد سربت بعض أسرارنا للإيقاع بأصدقائنا في الجانب الآخر من الحي في لعبة القمر القادمة.
ها أنا يا جو أعرف العالم جيداً وأرى بعيني تلك كل الفنارات وكل الدروب. وأنا الآن ماضٍ باتجاه (المدن المستحيلة). أتذكُر يا جو عندما كنا (نُدَقِّسْ) الأستاذ ونتصفح كتاب (ألطريق إلى المدن المستحيلة)؟؟ ونقرأ رواية (عائد من الجحيم) التي تمجد بطولات العناد؟ أتذكُر تلك الكتب الممنوعة في تلك المدرسة التي أنشأها الغزاة (المحليين) الذين يعملون ليل نهار ليركِّبوا لنا جلوداً غير جلودنا وقلوباً غير قلوبنا ويدججونا ببعض الفرائض؟!
جو يا حبيب،
مازالت مفاوضاتي جارية مع الـ(التاريخ)، وأحاول أن أقنعه بأن بيوتنا أيضاً كانت جميلة، وكذلك غناءنا ونساءنا..
غداً نشرع نافذة أخرى للنهار.
غداً سيكون ملويزي أكثر إنضباطاً في مسألة الوقت.
غداً سيكون لمابانا الصغيرة تفاصيل أكثر اتساعاً، وتقوم المسرحية في ميعادها.
غداً سارسل لك قميصنا لتخرج وتتفسح قليلاً وترقص في عرس حبيبتنا نواندا وتغازل بعض البنات، لأن ذلك يزيد الفرح في العالم.
أنا عائد إلى غرفتي لأهندس عالماً وبلاداً للصحو، بملامح مدن ومسارح أكثر أتساعاً لتحمل دراما الحضور التي تكتبها أنت، وما يسميه سيف حسن
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة