|
Re: أنا وجهاز المستغربين (منقول) (Re: النصرى أمين)
|
كنت كغيري أعتقد أنني من المنتمين لفئة المغتربين إلي أن أنار الله تعالى بصيرتي فعلمت أنني مستغرب ولست مغتربا . ولم تكن رحلة الوعي بالذات سهلة فقد بدأت عندما قررت الهجرة لبلاد الله الواسعة , فقيل لي يجب عليك أن تأخذ تأشيرة خروج , وأشاروا لمبني يقع في ميدان كان محط عهد صباي حيث لا مغتربين ولا يحزنون , وقد كان فكان أول ما فعلوه معي أن امتحنوا صدقي بالقسم مرتين على المصحف الشريف , وكدت أفعل كما فعل الشيخ العرابة الترابي عندما طابوا منه القسم في محاكمات بعد مايو بأن أشير للمصحف من بعيد , (لكني لسبب حبي للشيخ) استنكفت أن أقلده خاصة وأنه معروف بإبداعاته وتجلياته , وما أنا ومال التفلسف خاصة وأن الأمر أمر قسم وكتاب جليل , المهم أقسمت مرتين عند موظفة الضرائب وعند موظفة الزكاة , ومن هنا بدأت تتلبسني حالة من الاستغراب والتي ستستشري في جسدي حتي تدمغني بصفة الاستغراب والتي لاحقا ستحولني من مغترب لمستغرب .
ثم توالت الاستغرابات لتحط بي في محطة إخري وهى أنني كلما أردت هذه التأشيرة السحرية يطلب مني الانتظار لسبب لم يتكشف لي إلا بعد حين فقد كنت وأنا المطيع لأوامر كل العسكر أقف حائرا مستكينا وكأني مجرم في انتظار الحكم عليه إلا أنه وفي إحدى المرات القليلة التي يعطف مثلهم علي مثلي طلب مني الضابط أن أذهب مع شرطي للداخلية لإحضار جواز سفري المعتقل هناك , فذهبت وأنا أتوجس خيفة وأقرأ في سري ما تيسر من القرآن والشرطي المرافق لي كان غير مبال وكأن لا أحد قربه يموت من الخوف فلم يلتفت لخوفي أو يطمئنني بكلمة بل ظل يسألني عن عملي في الغربة وعن راتبي وأنا أحاول أن أداري ما بي وأجيب عنه بتحفظ فقد كنت أظنه يستجوبني لجرم ما , المهم وصلنا هناك وقادني الشرطي إلي أحد المكاتب حيث كان هناك شرطي آخر سنجك مشلخ ثلاثة شلوخ بالعرض في كل خد , فذكرت له مسألتي فلم يدعني أكمل بل حمل جوازي والورق الذي بداخله وأعطاني له متمنيا لي سفرا سعيد فازدادت دهشتي وشجعني الموقف ان أسأله عن المشكلة فقال ببساطة لا مشكلة ولا شيئ اسمك مطابق , قلت لمن ؟ فقال لا يهم المهم أنك لست المعني . فقلت ولكني في كل مرة بحدث معي هذا وأدخل في هذه الدوامة لأكون في النهاية لست المعني كلمتان خفيفتان تكلفاني من التعب الكثير . فقال : عندما نعثر عليه سينتهي الأمر بالنسبة لك أو أن تطلب خطابا يكتب لك فيه أنك لست المعني وتصوره وترفقه مع جوازك في كل مرة تطلب تأشيرة الخروج لكن لسبب ما انتهت معاناتي بسبب الكمبيوتر أو أنهم قبضوا علي المعني الله أعلم وإن لم تنته دهشتي.
كل ذلك كان تمرينا للدهشة والاستغراب , لما ستأتي به الأيام , فقد حدث في عام 1997م وعند عودتي في الاجازة الصيفية , أن قررت السفر مباشرة للأردن بسبب مرض زوجتي رحمها الله , فجمعت ما عندي من مال استعدادا للسفر فأراد الله أن يسطو أحدهم علي بيتي ويحمل كل ما كنت أملك من مال معد للسفر وللمصاريف , وبعد رحلة فاشلة مع الشرطة لاستعادة مسروقاتي خرجت منهم بورقة رسمية تبين ما حدث وأني لاأملك إلا الرجوع لوظيفتي في بلاد المهجر , فقصدت جهاز المستغربين ( عفوا المغتربين ) بعد أن تحصنت واستعنت بما أحفظ من آيات وأدعية , لم أشك لحظة في أني سأجد كل تعاطف وتفهم لحالتي , ولكن هيهات فقد أصرت مفتشة الضرائب ( المساهمة الوطنية ) أن أدفع مبلغ خمسين دولارا وأقسمت برأس أبيها أن هذا كل ما تستطيع عمله لي من مساعدة ولما ذكرت لها أني لا أملك من ذلك دولارا واحدا قالت لي ببساطة اشتري من السوق تعني السوق الأسود لأنه لم يكن هناك سوق أبيض للدولار . فإزدادت دهشتي وعمني الاستغراب أكثر عندما رفض موظف الزكاة كذلك طلبي باسقاط الزكاة عني لهذا العام فقال بل نؤجلها ولسنا نحن من نسقطها عنك فعليك ان تذهب لديوان الفتوي في شارع واحد وستين لعمل فتوى هناك , تصوروا معي موقفا مثل هذا لواحد ظل مواظبا على الوفاء بكل التزاماته الماليه ما لزم منها وما لم يلزم دون تأخير ولسنوات عديدة لا يجد في النهايه إلا أن يقترض ليدفع الزكاة , على أي مذهب وفي أي شريعة ذلك ما جعلني مستغربا كامل الدسم.
المهم أنني أقترضت لأسدد الثالوث المفروض علي المساهمة والزكاة وشيئ اسمه الخدمات ولم ينسوا أن يأخذوا مني ما كان يعرف برسوم الفضائية .
المدهش أن هناك شيئ اسمه البطاقة لها موظفين و منافذ للتعامل وصفوف متراصة ولن تؤشر إلا إذا كانت بحوزتك ومجددة , و الغرض منها أن تحفظ لك سجلك المالي معهم في زمن الكمبوتر الحائر بيننا وبين ناس الجهاز .
الأخ الدكتور تاج الدين المهدي لماذا لا نكون واقعيين ونعترف أن لا ضرورة لكل هذا الجيش الجرار من الموظفين والعمال وما إليه , فالمسألة كلها رسوم في رسوم ونحن ظللنا طلية حياتنا كمستغربين ندفع بلا كلام ولا مفاهمة دع كل هذا وخصص لنا منافذ يقوم الواحد منها بكل هذه المعاملات بالجملة , فيدفع الواحد ما عليه ويسلم جوازه ويتكل على الله ويأتي بعد سااعة أو ساعتين لاستلام جوازه مؤشرا وكان الله يحب المحسنين , ودع هذا الجيش الجرار يتراجع للخلف ليقوم بأعمال التأشيرة بعيدا عن النوافذ , وتكون مهمة الموظف الجالس عند النافذة استلام الأوراق والجواز بعد أن يدفع ما عليه في الخزانة وبس .
لا صفوف لا بطاقة خاصة مع وجود الكمبيوترات في كل ركن من أركان جهازكم . ليس هذا زمن الصفوف والشرطى الذي يسوي ما اعوج منها بالتنمر والتكشير في الوجوه أو مقابلة الموظفين والموظفات العابسات المتنمرات في وجوهنا وقد شابت رؤوسنا من الغربة فلا تدعوها تدور من الدهشة والاستغراب عند نوافذكم المتعددة .
|
|
|
|
|
|