|
Re: الشعببن - السودانى والبريطاني - والتار يخ المشترك (Re: Dr Mahdi Mohammed Kheir)
|
4 عندما غزت القوات البريطانية السودان عام 1889 , كان إعتقاد كثير من السودانيين المسلمين أن هؤلاء البريطانيين إنما هم قوى الشيطان التى تأتى بعد موت المهدى المنتظر (حسب الوعد الإسلامى) . ففى السنوات التالية للغزو كان هناك عددا من الثورات فى غرب السودان ضد الحكم البريطانى , قاد هذه الثورات أشخاص إدعى كل منهم أنه المسيح فى عودته الثانية . قاض متقاعد مرح يدعى محمد صالح الشنقيطى مرة حدثنى بقصة مفوض مقاطعة إنجليزى , فى السنوات الأولى للحكم البريطانى فى السودان , كان يتجول فى إنحاء البلدة فى الصباح الباكر متفقدا نظافة السوق والنظام فى الطرق . كان كل من يمر بهم يقفون له إلا رجلا واحدا ظل راقدا فى ظل شجرة وهو يبصق بصوت عالى . " يا زول إنتا عارف أنا مين ؟" صاح فيه المفتش الإنجليزى . فأجاب الرجل " أيوا .. إنتا كافر". الشخص الذى كان متوقعا له أن يقود الثورة ضد "الكفار" ولكنه لم يفعل , كان أبن المهدى الوحيد الذى نجا من الموت , ويدعى عبد الرحمن . حدث شئ فى عقل هذا الشاب فى حدود عام 1910م جعله يتخذ منحا مختلفا فى علاقته مع البريطانيين . لقد نمى الى علمه أن الفرد البريطانى إنما يقوم بمهامه وواجباته الحكومية بمسئولية وإنسانية تبدو مماثلة لتلك التى فى القيم والتعاليم الإسلامية . ومع ذل الإحتلال الأجنبى , إستطاع أن يرى أن هناك أبعادا أخلاقية وروحية فى الغرب يمكن لشعوبه أن تنتمى إليها بسلام . كانت تلك رؤية جديدة له عن البريطانيين . وكوطنى , إتخذ الخيار الواقعى لتطوير الإقتصاد والتعليم سلميا كطريق لنيل إستقلال السودان , بدلا عن طريق تجديد العنف . إحدى نتائج هذه السياسة , أن السودانيين أجمعوا على إتخاذ موقفا معارضا للمراسيم العثمانية الصادرة من أسطنبول , فدعموا بريطانيا فى الحرب العالمية الأولى , وفى الحرب العالمية الثانية كذلك . فلو ذهبت الى مقبرة الحلفاء فى العلمين بمصر فيمكنك أن تحصى على الأقل خمسين أسما سودانيا منحوتة على شواهد القبور أو أخرى مكتوبة على الحائط لأولئك الجنود الذين ليست لهم قبور معلومة . والعلمين ليست إلا مقبرة واحدة لمقابر الحلفاء الكثيرة فى مصر . فى لندن , وفى يوم الأحد 11 نوفمبر من كل عام تحل الذكرى السنوية للجنود القتلى والمفقودين فى الحرب , ووحدهم المفوضين الساميين لدول الكمنولث هم من يحضرون لوضع أكاليل الزهور على نصب الجندى المجهول . ومن جانبى أتطلع لليوم الذى يقوم فيه السفير السودانى , أذا أحب , بوضع أكليل من الزهور تكريما للرجال الشجعان من بنى وطنه الذين ضحوا بحياتهم جنبا الى جنب مع البريطانيين فى أرتريا وشمال أفريقيا وأماكن أخرى . وهذا جانب هام من جوانب تاريخنا المشترك .
|
|
|
|
|
|