(ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة)..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-29-2024, 10:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2008, 07:26 PM

Tragie Mustafa
<aTragie Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-29-2005
مجموع المشاركات: 49964

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. (Re: Tragie Mustafa)

    Quote:



    1- هل هناك موجات ركود مصاحبة لرأسمالية الدولة والمركزة الصارمة [لتنظيم الإنتاج ]؟

    محاولة الجواب على هذا السؤآل:

    أ- تختلف طبيعة "رأسمالية الدولة" في ناحية ذاتية في كل دولة من حيث العدد ومن حيث النوع، كما تختلف بصورة موضوعية حسب الطبيعة الإقتصادية السياسية لكل دولة توجد فيها هذا النوع من التنظيم الإقتصادي حيث تختلف طبيعة رأسمالية الدولة الإشتراكية في عددها ونوعها وعلاقاتها وتفاعلاتها وآثارها عن رأسمالية الدولة الرأسمالية المركزية وعن رأسمالية الدولة الرأسمالية التابعة.

    ب- في الدول الإشتراكية ذات التخطيط الإستراتيجي العام تقل إمكانات وجود إختلافات وفروق أساسية بين عوامل الإنتاج وحاجات الإستهلاك، حيث يسود التناظم في الإقتصادات الإشتراكية بين جهتي الإنتاج والإستهلاك بفعل التخطيط الإستراتيجي والخطط المتوسطة والأولية التي تتبلور بها الخطة الإستراتيجية وتتحقق .

    وبهذا التخطيط العام لموارد العيش والحياة في المجتمعات الإشتراكية والقيادة المركزية المنسقة والموحدة لعناصره وتفصيلاته والتناظم المضبوط في طول البلاد وعرضها لكياناته وتنسيقه بين الحاجات والقدرات الإجتماعية في ظروف الإدارة الإجتماعية لموارد ومنافع الإقتصاد الإشتراكي تضمحل أسس ومظاهر التفاوتات السلبية في الإقتصادات النقودية الرأسمالية التي تحيا وتعيش بها قواها الطبقية الراسمالية المسيطرة على والمسيرة لموارد ووسائل وجهود وثمرات إنتاج المجتمع لضرورات حياته وعيشه. حيث تنشأ بطبيعة وتناقضات هذه السيطرة وتتفاقم كثير من التمايزات والتفاوتات بين حاجات وقدرات الإنتاج وحاجات وقدرات الإستهلاك.

    ونتيجة لتكون وتزايد هذه التمايزات والتفاوتات تحدث حالات الركود والكساد في المجتمعات الرأسمالية بكل آثارها الإجتماعية والدولية وتتفاقم بضعف طلب الوحدات والناس للبضائع والسلع المعروضة لهم، وهو ضعف بنيوي موصول إقتصاداته الرأسمالية بأسباب مالية مختلفة المظاهر تقود إلى تدهور إمكانات تجديد هذا الطلب أو ذاك أو تعجز عن منع تدهور وتيرته الزمانية أو مقاديره وذلك بفعل حالة تباين بين عملية وهدف زيادة الربح المالي وهو الهدف الإستراتيجي لكل نشاط رأسمالي وتناقض هذا الهدف مع نفسه وآثاره الماثلة في تسبيبه زيادة تكاليف الإنتاج نفسه برفع أسعار مكوناته المادية (الطاقة والمواد والآلات والإدارة) وصولاً لذاك الربح ومن ثم إضعاف هذا الربح والرفع والغلاء لقيمة وقدرة القوى الشرائية لجمهور المنتجين والمستهلكين حائزي النقود وسيلة الإستهلاك مما هو موصول بتخفيض عددهم أو ثبيت عوائدهم المالية، ومن ثم تضييق أو قبض فرص تنوع او زيادة إستهلاكهم خاصة مع تسبيب المنافسة الفردية الرأسمالية العشواء لزيادة شديدة في تنوع عرض عدد البضائع والسلع المستهلكات وإلتهاءها بالتكاثر في إنتاجها وعرضها لدرجة فيض الإنتاج وزيادته على قدرة الإستهلاك أو بصورة أدق زيادة هذا الإنتاج وفيضه بالوسائل والآثار التي يحيا بها وزيادته السرطانية على الإمكانات الملائمة لتصريفه في وقت ملائم لتجديد قدرته الإنتاجية وفق المستوى الربحي المنشود. كذلك تزيد موجات الفيوض والركود في الإقتصادات الرأسمالية بأثر تجمع جهود وقدرات مؤسسات الإنتاج الرأسمالية وميل حاجات ربحها إلى السيطرة (الجماعية) على تطور مستويي الإنتاج والإستهلاك في قطاع معين، مما يؤثر سلباً بذات الأسلوب الفردقبضي والتبخيسي على القدرات والإمكانات الفعلية لجمهور المستهلكين في تنويع خياراتهم أو في حتى زيادة طلبهم القديم، مما يعطل تطور دورة الأرباح والإستثمارات في قطاع إقتصادي أو جزء معين من الجسد الرأسمالي ويقلل إمكانات التنظيم الرأسمالي لموارد العيش والحياة على تجديد وجوده و قدراته وتحقيق أهدافه الربحبة بنفس الأسلوب والإمكانات المادية والبيئية في علاقة تناحرية متفاقمة بآثارها المميتة على جميع وجوه الحياة والبيئة وهو ما يدفع بجدله الطبقي والوطني المادي والثقافي طبيعة تطور المجتمعات البشرية من حالة نقص الضرورات والتكالب المفرد عليها إلى حال أنجع للحياة والبيئة بإشتراك االناس كافة بشكل منظوم حسب حاجاتهم قدراتهم في تملك وسائل إنتاج هذه الضرورات وفي تنظيم مخطط متناسق لجهودهم في الإنتاج وفي توزيع ثمراته بينهم، إشتراكية علمية متقدمة بتنظيم طلائعها وأفكارها ودراساتها وخططها وممارساتها في إرساء إمكانات متناسقة لحرية وكرامة الإنسان تحارب بإستمرار أسس وبنيات ومظاهر الإستغلال والتهميش والإستعمار.

    من هذا التمحيص لبعض خصائص الإقتصادات الرأسمالية في مسآئل الفيض في الإنتاج والركود في التصريف يأتي خطأ سطور مشروع التقرير في تصورها وتصوره وجود "موجات ركود" في الإقتصادات الإشتراكية ذات المركزية الصارمة في تنظيم الإنتاج:
    فبحال نقيض لتصور مشروع التقرير كان وضع العرض والطلب في الإقتصاد الإشتراكي السوفييتي حتى إنعقاد المؤتمر العشرين (1956) وضعاً عادلاً معتدلاً موزوناً حسب طبيعة الظروف المحلية والدولية لإدارة الثورة والدولة بكل صراعاتها وحروبها وحصاراتها. وقد كان ذلك ميزان العدل والقسطاس الإجتماعي نابضاً بدقتين متداغمتين هما: 1- دقة ميزان عوامل وجهود الإنتاج...، و2- دقة ميزانه لعدد ونوع الحاجات الضرورة لحياة المجتمع وسلامة دولته في ظروف الحرب الداخلية والإمبريالية ضد كل من تنظيم وممارسات الثورة الإشتراكية والنضالات الشيبوعية وضد عناصر وكتل الحياة الإشتراكية السوفييتية.

    في خضم تلك الصراعات الضارية كانت حركة الإقتصاد الإشتراكي السوفييتية وتقدمه بقوى مجتمعه من حالة النقص والتكالب والإستغلال والتهميش والإستعمار الداخلي والخارجي الى حال الكفاية النسبية في إنتاج الضرورات وشيئ من الكمالات والعدل في توزيعها الزماني والإقتصادي الإجتماعي حسب الحاجة والقدرة، فبهذا التقدم كان تميز الإقتصاد الإشتراكي القائم آنذاك بنجاح ركائزه وآليات إنتاجه في تكرار معدلات رقيه وتطوره الذاتي والموضوعي، بل وفي إنتظام هذا التكرار وتجدده لحوالى سبعة وعشرين سنة (1927- 1954) كانت مع قدر من الإخفاقات والخسائر الصغيرة والكبيرة هي سنوات نجاح مذهل في التعمير والبناء والدفاع وتحقيق إنتصارات مادية وثقافية توالت بإنتظام بطبيعة التنظيم الإجتماعي المخطط لتنظيم وإدارة أصول وموارد وقدرات ذلك المجتمع السوفييتي وإقتصاده لسد حاجات الناس الأساسية وسد حاجات تطور المجتمع مستقبلاً. حيث كان تشكل ذلك الإقتصاد وسيروة أدآءه وموافاته وتجددها أقرب إلى صفة "النظام" وحتى لصفة "الرتابة" في تكرار إنتظامها. حيث تواتر ذلك الوضع التنموي المتوازن بسبب من إتساق وإنتظام عمل عناصره بالإجتماع والتجميع الحسن لعناصره وأهدافه ووسائله، وإنسجامها الزماني والموضوعي بتركيبة ورؤية وقيادة ممارسة حزبه الطليعي في التقدم إلى تحقيق أصول وأهداف التنظيم الإشتراكي لوسائل وموارد العيش والحياة، وبتوالي توسع إمكانات ذلك الإقتصاد الإشتراكي الوليد المدار بطريقة ديمقراطية شعبية (= سوفييتية) فتحت قدراته ومهماته وآفاقه، بلا تضخم فيه و بلا ركود، حتى أغلقته عن التفتح وردته عن تقدمه، نتائج عملية إستمرار قوى المناشفة داخله وخارجه في مواشجة الإتجاهات الرأسمالية العالمية لتنظيم إقتصادات كل دولة من دول العالم في سياق تمركز رأسمالي عالمي يقوم بتنظيم بنيوي مفرد لموارد العالم وفق مبادئي حرية رأس المال في تملك موارد عيش وحياة المجتمعات، وهي الفكرة الثورية القديمة ضد نظم الإقطاع والطبيعة العنصرية لملكياتها وإقتصاداتها [المعادية لليهود]. وقد كان إستمرار من سميوا فيما بعد بالمناشفة، في التمسك بوصول العالم كله افراداً ومجتمعات إلى حالة الحداثة كأساس للإنتقال من تلك الحالة بالتراكم في عناصرها وتحولاتها إلى حال "الإنسانية" الراقية بحرياتها وإخآءها ومساواتها! فكان إستمرار محاولات مواشجة الرأسمالية في الإتحاد السوفييتي منذ ما قبل تأسيسه، بإعتبار إن هذا اللون من التنظيم التقدمي في تاريخ تطور الحضارة البشرية أفضل درجة وأحسن رقياً في أعداده وأنواع نشاطه من حالة تبعثر وتبدد الموارد بالنظام الإقطاعي، ومن حالة إنفراد مجتمع ما بتسيير موارده بصورة إدارية أو (أنانية) مستقلة عن المستوى العام في العالم لتطور حيازة وتبادل المنافع!!

    فبهذا الموقف التقدمي الحداثي المرتبط فكرة بظروف تقدم علوم الطبيعة والفيزياء والمستوى السائد لتعريف "المادة" ولفلسفة "المظهر والجوهر" و"علاقة السبب والنتيجة"، والمستوى الطبقي القومي والثقافي السياسي لـ"المسألة اليهودية" بكل بؤساءها المهمشين وأثرياءها المتنفذين سواء في أوربا الشرقية الروسية والعثمانية أو في أوربا الغربية واقعين أو محركين لشقي الرحى، نشأ جانب من الإتجاه التقدمي في الحركات الصوفية والعمرانية والنقابية القديمة التي تشظيت بفعل التطور الرأسمالي ونشأت منها كثير من الأفكار الحداثية والقومية والتنظيمات الإشتراكية الديمقراطية، ومن هذا التطور الجدلي المادي والتاريخي تبلور الرأي الذي يتصور إن وجود البناء الوطني هو مجرد نتيجةً لنضال وجهد وبناء دولي أعم، بمنطق "وجود الجزء من وجود الكل" مما جعل تيار هذا الرأي منذ ما قبل قيام الثورة الإشتراكية في تناقض وصدام مع حال الإختلاف والعزوف والنقد ثم (التجديد) أوالإنقسام اللينيني والإستاليني داخل كيـــان وهيئات "حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي" الذي كانت تنبض فيه الحداثة الرأسمالية واليهودية السياسية ضد الإقطاع والعنصرية.

    فضد هذه "النزعة الكوزمبوليتانية" العولمية، وضد هذه "الخطوة الواحدة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف"، التقدمرجعية، إنصرف نشاط لينين وإستالين بغالبية مناصريهم: البلشفيك في هيئة تحرير البرافدا، وفي طلائع شعوب الشرق خروجاً من ذلك الخلاف والتناقض المبدد للجهود إلى تكوين حزب من نوع جديد بسماته الأممية والطبقية العمالية والثورية، مما حتمه إلحاح الظروف الطبقية البائسة لغالبية العمال والفلاحين الروس حيث تنبض الأرثذودكسية السياسية الشعبية بكل نيهاليستياتها والظروف الطبقية والثقافية البائسة لجموع كادحي قوميات الشرق حيث تنبض مصالح قوميات القوقاز والنفط والإسلام السياسي في ثوريته ضد القيصرية.

    ومن ضفر هذه التشكيلة الثورية الجديدة خرج لينين من حالة المراوحة الإشتراكية الديمقراطية بكل إصلاحاتها الديمقراطية التي تبدل الإقطاع بالرأسمالية، فجاء تكوين الحزب الجديد "حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الثوري" (الشيوعي) بلورة لنضالات تاريخية وطوراً أعلى لكثير من الكتابات والكشوف الجديدة في علوم الطبيعة والمادة ووحدة بنيتها وتعدد صور تمثلها وتحولها وفق قوانين عامة مما إتصل بتقدم الثقافة العملية الثورية والفهم اللينيني الجديد لـ"بناء الإشتراكية في كل بلد كضرورة لبناءها وقيامها في العالم" بمنطق بسيط : " ان الكل هو مجموعة أجزاء".

    ولكن رغم نجاح قوى الحزب اللينيني الجديد في إطلاق الثورة الإشتراكية فأن جهود المناشفة ونضالاتهم ضد الشيوعية لم تتوقف وقد كان إرتباط أصول من عرفوا بإسم المنشفيك بالتصور الكلياني العالمي لنمو وسمو الحضارة البشرية إلى مرحلة الإنسانية قد بدأ ظهوره كسياق في التفكير السياسي وتعاظم تاثيره منذ ظروف مرحلة صياغة "برنامج غوتا" (الإشتراكي الديمقراطي) وشروعه في تصحيح وضبط نمو النظام الحديث الذي ولدته الإنقلابات البرجوازية في الثورات الشعبية الإنجليزية والأمريكية والفرنسية، وقد تابع تنمية هذا النسق من التصورات الضبطية كل من كاوتسكي وبيلخانوف وتروتسكي وأتباعهم وذلك بصور مضادة بالتالي والتوالي لوجود عدد من الضرورات الموضوعية في التاريخ والحياة ومنها على خط تابع متصل رفضهم موضوعية وضرورة وجود تنظيم شيوعي، ثم رفضهم ضرورة قيام ثورة إشتراكية، ثم ضرورة بناء وتنظيم مجتمع إشتراكي، وكذا رفضهم ضرورة مضاعفة وسائل تقدم هذا المجتمع، ثم رفضهم ضرورة إنتظام هذا التقدم وتميزه على النطاق الدولي والعالمي، فعدائهم لضرورة الدفاع الديبلوماسي والعسكري والأممي عنه في مواجهة أحلاف وإنتهاكات حروب الإقطاعيين والمرابين والكولاك وطغاة الإقطاع والقبائل والقوميات المهمشة كما تفاقم رفضهم لمواجهة حروب العدوان الرأسمالي لألمانيا النازية بالدعم الأمريكي والرأسمالي العالمي الأول لها، مع رفضهم ضرورة الإسراع في تنمية مهام البناء وتعزيز النصر الإشتراكي في المستويات المحلية والعالمية!

    ولم يكن رفض المناشفة وأحبارهم لإجراءات ولادة وتقدم الشيوعية ولبناء الإتحاد السوفييتي مجرد عناد أو غيرة ومغايرة شخصية ضد نجاحات ماركس وإنجلز ولينين وإستالين بل كان إتصال ونمو هذا الرفض شقاً من نضال تقدمي طويل قديم فات ميقاته حده الموضوعي:
    فقد إستمر نضال أصول المنشفيك وفروعهم لأجل التطور الحديث الحر لإقتصادات دول العالم كوجه طليق للحداثة الإجتماعية لحمته تراكمات فردية للتحول في قدرات وحاجات كل شخص وكل مجتمع ودولة سمواً إلى حين يظهر فيه بشكل سلس تحول ووصول أفراد ومجتمعات العالم بـ(صورة طبيعية) إلى مرحلة ما بعد النقود مع ظهور ووضوح النهاية (الطبيعية) لدور مفاهيم وعمليات الملكية الخاصة في ضبط وتنظيم الإنتاج الإجتماعي، وذلك ببلوغ إقتصادات الأفراد والعالم مرحلة يتحقق فيها إستهلاك (قوى السوق) وتنظيماته ونشاطاته لكافة الإمكانات والقدرات المالية والسياسية المؤثرة لقوى الإقطاع وملكياته في أوربا بينما تدفع هذه التحولات التقدمية في المركز بتطور مجتمعات العالم الآسيوية والأفريقية بكل مواردها النفطية والذهبية وغيرها ناقلة إياها من ضفة التخلف إلى ضفة الحداثة [الرأسمالية] إعتماداً على تقدم التقنيات الإنتاجية وإنتشارها وسيطرتها وهيمنتها على عملية إنتاج وسائل العيش والحياة والتحور (الطبيعي) للنظم الإجتماعية من حال التراتب الإستغلالي إلى حال الإشتراكية المعزز لإمكانات الحرية والإخاء والمساواة والمتعزز بهما تطوراً طبيعياً يبدأ بحل التناقضات البسيطة والأولية ليصفي مسبقاً وجود التناقضات الأكبر دون صراعات أو نزاعات وحروب!!

    ولتجنب الغرق في رصد وتحليل الطبيعة السياسية الطبقية لجمع الحزب الشيوعي بكل لينينيته لعناصر هذا التيار نسرع إلى إختبار موضوعية هذه النزعة المنشفية المذكرة بعناوين وشعارات عجيبة التحقق والفهم مثل : "واقعية بلا ضفاف"!؟ و"إشتراكية بلا ضفاف"! و"رأسمالية بلا إستغلال" !؟ و"ذاكرة بلا أسماء"!؟ و"عمل بلا تنظيم"!؟ و"تنظيم بدون أسبقيات فكرية أو عناصر طليعية"!؟ وأيضاً "خطط دون جهاز تخطيط"!؟ و"سياسة بلا أفكار مسبقة ناظمة أو إرادة موحدة، أو ممارسة مشتركة متناسقة وموحدة"!؟ و حتى "تغيير ثوري إجتماعي دون طبقة عاملة"!؟ و"تنمية بلا هدم"!؟ وحرية لـ(ـكل) الطبقات"!؟ و"ديمقراطية شعبية بدون ديكتاتورية بروليتاريا"!؟ و"تقدم إجتماعي متناسق يستغنى عن التأميم والتخطيط والضبط الحكومي والديمقراطية الشعبية"!؟ وصولاً من هذه العجائب إلى القول بـ"إشتراكية تجدد وتنمي قوى السوق"!؟ وغير ذلك من تهويمات وإشراقات الهندسة الفراغية للأذهان والعقول الخربة، التي تجعل من الصعب تحديد أي أبعاد وعناصر وعلاقات موضوعية للتغيير الإجتماعي من مرحلة الإستغلال إلى مرحلة الحرية والإخاء والمساواة!

    ويفرض هذا الغموض ضرورة تمحيص هذه الفكرة ولو بسؤآل تحديدي متواضع وبسيط عن ما تقصده أو تعنيه هذه الحالة التقدمية المضادة للشيوعية بإصطلاح "الحداثة"؟ وهو سؤآل ينشأ معه سؤال آخر عن قيمة سكوت المنشفية أو أهل الحداثة التقدميين على طبيعة أو واحدية أسلوب تجاوزها أو تجاوزهم أزمات بنيتها الرأسمالية؟ حيث يلتبس أمر الحداثة كحال إنتقال حضاري من آخر مراحل الحيوانية في البشر إلى (أولى) مراحل الإنسانية، بل ويزيد غموض هذه الحداثة مع تنوع سياق عدد ونوع التفاوتات والصراعات الإجتماعية والثقافية في مجتمعات العالم بكل قومياته وثقافاته وأديانه، ومع زيادة تباين المصالح فيه بإختلاف التمثلات الخصوصية والعمومية لحضاراته الإنتاجية بكل مدينياتها وثقافاتها وبمختلف اساليب تحقيق المجتمع المعني لإنتاج إمكانات عيشه وحياته، وزيادة هذا التباين بإتساع وبإجتماع مدى هذا التنوع بتباين مستويات وعلاقات الإنتاج وظرفه المحلية والدولية؟، وكذلك بإختلاف وتباين وصراع وتناقض كثير من أسس وتفاصيل مجتمعاته وطبقاته وثقافاته بعضها إزاء بعض؟ وهو أمر -مع إزدحامه- يتصل في جانب رشيق حاد منه برصد ودراسة تاريخ تطور التنظيرات الليبرالية لا منذ بدايتها الفلسفية بل في مرحلة تبلورها في الفكر الهيجلي ثم تشظيه، أي تاريخ نهاية الفلسفة التقليدية، دراسة نقدية توضح بؤس الفلسفة وموتها إن خرجت على سياقات الطبيعة والتاريخ والمجتمع والعلوم الطبيعية والإجتماعية، وسكتت عن التصريح بأسباب إستغلال وتهميش حرية وكرامة مجتمعات البشر أو قعدت عن تغيير الأوضاع المولدة لعملية إستلاب وعيهم وإغتراب وجودهم عن طبيعة نشاطهم وإنتاجهم وسائل عيشهم وحياتهم، مما يجعل قيم حياتهم حقاً خاصاً لبعض قليل منهم يتكاثر به دون أكثرية مجتمعاتهم.

    إن عملية رصد أو دراسة تبلور وتطور وإنفجار الفكر المثالي إنفجاراً كونياً خيراً دراسةً ثرة قد تتعلق شكلاً بالأسلوب البرجوازي للفلسفة ولتاريخ أو علم الفلسفة والتمظهر اللاموضوعي لعناصره حسب تسلسل زمني يتابع ظهور شخصياته حيث يختلط بهذا المعيار الزماني العمل المتأخر فكراً لواحد من المنظرين والفلاسفة بالعمل المتقدم فكراً في عدد ونوع عناصره وتحليلاته ونتائجه، ويحدث ذلك لمجرد سبقه الزماني! وبذات الأسلوب البرجوازي لأخذ تاريخ الفلسفة كعملية تزمين أعمال فإن المعايير تتنوع زيادة وقلة وقبضاً وبسطاً حسب هوى المتكلم أو المؤرخ في هلام وخلب ثقافي قد يسر بعض الناظرين لا ضابط فيه ولارابط، قصير ومتباعد في نبضه وفي تغييراته، أقرب ما يكون لمتعة ذهنية مجردة يغني فيها كل فيلسوف على ليلاه أو لياليه الفكرية، يراودها ويلثمها ويطارحها كيفما يرى وكيفما تستجيب له، دون نابض موضوعي لهذه العلاقة بينهما أو سياق ناظم لتطورها وبهذا السياق نجد شبه هذه (الفلسفة) في فلسفة لجنة تسيير "المناقشة العامة" في نظرها وتسييرها الفكري لمشروع التقرير السياسي حيث خرجت من السياق المادي الجدلي للتاريخ الإجتماعي والإقتصاد السياسي للتطور العالمي والوطني بهدف تجديد المؤتمر لقوى ونضالات الحزب الشيوعي وإنتقلت من ذلك بمناقشة ناقصة ورؤية غبشاء إلى حالة سياسية بشعة ومؤسفة من الإحباط الطبقي والضياع الفكري كللها قيام مشروع التقرير بمحاولة جادة لتصفية الموضوعية التاريخية لوجود ونشاط النضال الشيوعي نابذاً ضرورة وجوده ووجود التاريخ الأساس لتنظيره وممارسته.

    إن وضع مشروع التقرير بهذه الطريقة في الحساب السياسي يمثل عثرة سير وإلتواء حركة لكن بالإمكان عدل خطوها بإحسان بدايتها وتصحيح سيرها بإنتباه وفحص وتمحيص وضع بعض الجوانب السودانية والعالمية من تاريخ وجدل وجود مظاهر وموضوعات نشوء ووجود الأفكار العامة والإجتماعية، حيث تتضح طبيعة التقدم العددي والنوعي في هذه الأفكار والإتجاه العام لتفاعلاتها وحركتها، وتعذر رجعة التفكير الإجتماعي من مصاف تقدمه إلى وضع إجتماعي متخلف لتنظيم إنتاج ضرورات العيش والحياة ثبت فشله في تحقيق إمكانات مادية وثقافية متناسقة لتحقيق حرية وكرامة مجتمعات الإنسان في كل دول العالم، ومن ذلك حالة الفشل المقيم للتنظيم الرأسمالي بكل تنظيراته وديكتاتورياته الليبرالية والبيروقراطية في تحقيق هذه الحرية والكرامة في مراكزه الإستعمارية أو في نطاقات وهوامش إستغلاله حيث تشكل وقائع الظلم والأزمة البنيوية لنظم حرية السوق حقيقة عارية تماثل بفكاهتها الإنتقادية الحزينة فكاهة قصة "الإمبراطور العاري" ذلك الذي خرج مزهواً للناس يتصور إنه يرتدي ثوباً سماوياً ليس له مثيل في الأرض بين الناس، حسبما أوهمه خاطته نتيجة رعبهم من غضبه عليهم حال تعذُر إجابة طلبه منهم صناعة ثوب بلا مثيل، فما إن خرج للناس عارياً بهذا الثوب حتى تصوروه قد جن ففقد الإمبراطور بهذا الإفراط هيبته بين الناس وحكمه، كذلك فإن رعاية الليبرالية لإستلاب الوعي بعرى الرأسمالية، لاتتطلب أكثر مما قام به مشروع التقرير السياسي إذ خرج للناس عارياً وهو يظن إنه يرتدي ثوباً ماركسياً نقياً شفافاً.

    لقد كانت ظروف العيش والحياة والأفكار الموضوعية المتصلة بتقدم العقلانية والحرية والكرامة في مجتمعات البشر هي البيئة العامة لتطورات الصراع الطبقي الإجتماعي السياسي على تمايز وتعدد أشكاله لحالات عائلية ودينية وقومية، ترتبط عصبياتها بمفاعيل تبلور الملكية الخاصة للأدوات والوسائل الإجتماعية للإنتاج، وذلك منذ إنفطام البشر عن بدائية وبهيمية وضعهم في الطبيعة وتمايز ذهنهم عن مخهم ويدهم، وتمايز عقلهم عن ذهنهم، وحتى تمايز وعيهم بأوليات وسيرورات حياتهم عن العقل، مما يتصل في تبلوره وتكونه بالتمايز القديم لوجود الكينونات والترسبات الخيرة والذهبية لفيوض وجود العقل في العالم منذ أوآئل الحضارة السودانية النوبية القديمة ومواشجتها عناصر وفهوم الإرتباط والتمايز بين العناصر والمجالات الحيوية والرئيسة في الطبيعة الخام بإنتظاماتها وبجدليات الفلك الكون والشمس والكواكب والأرض، وجدل العناصر والتمثلات الحيوية في الطبيعة الإجتماعية والأوضاع المجتمعية للغرس والضرع والولادة والحيازة والتنظيم والحكم والتجدد والخلود، مما وجدت بعض مفرداته وتكثفاته في المدينيات والثقافات التي نشأت زماناً ومناطقاً بعد مدينية وثقافة حضارة "خيم" (= السواد والخصب والفيض) النوبية القديمة ومثلما تبلورت بعدها وفي ذات النطاق الحضاري الإستعبادي ذات الظروف والتناقضات والنظرات والصراعات والقيم والافكار تفتحت آثارها في كل من قندر وحمير ومصر وسومر وبابئيل وأور وبيتئيل أو أورشليم، وآشور وكريت واليونان وفي الهند والصين وكما في شعاب نقادة وتئبيث (طيبة) وحران والحيرة ومكة وأصفهان وبغداد وصقلية وقبرص وقرطبة وقسطنطينبوليس وجنوة والبندقية وفلورنسا.

    ففي كل ناحية من هذه المناطق والظروف التاريخية لطبيعة العيش والحياة فيها وتنظيم حيازة المنافع فيها كان هناك تبلور وتطور ونشاط للقوى العمرانية والصوفية والمندائية والحنيفية واليهودية والمسيحية والإسلامية التي بلورت كثير من القيم الضابطة لمعاملات ذلك التطور الضاري. ومن تكثف حاجات الناس وميلهم إلى الوحدة الإجتماعية والسياسية بعد ألفيات سنين من التكالب والصراعات البدوية والحضربة فجاء تواشج الحضارة والتوحيد ونشاط طوائف البناء والعمل الحرفي والتنوع والتكاثر العام لإنتاجهم ولعدد ونوع حاجاتهم وطلبهم لفوائد سدها في مجالات الهندسة والمعادن والفلك والخيمياء والموازين والميول وإنجازهم فيها تقدمات فكرية وفلسفية وعملية وعلومية إجتماعية ورياضية وطبية وزراعية ومعدنية وجغرافية وتاريخية وآداب متنوعة تجسدت كعروة وثقى حيوية للحركة الثورية آنذاك في بعض جماعات الإسماعيلية والفدائيين (الحشاشين) وفي مدرستهم الرفاقية العظمى في أخوة الصفا وعقدهم فيها أياصر الفلسفة والعلوم بحركة قوى ومصالح وجهود فئات العمل في مختلف المجتمعات بتنوع وإتساق كانت له ككل تنظيم إجتماعي "مركزيته الديمقراطية " االخاصة ناقلين وضع مجتمعات البشر الأفريقية والآسيوية من حالة قرى حضرية لتجمعات البداوة إلى حال حديث للمدينية ، أخذ فيه (إصطلاح) "الخاصة" و(إصطلاح) "العامة"، معاني طبقية محددة، وصل إرتقائها إلى حد الميز والتفريق بين كل من "الثراء" و"الجاه"، وبين كل من "الحكومة" و"الدولة" وبين كل من "النظام السياسي العام" و"الدين"، وبين "الكانزين" و"المستضعفين".
    والأمر الأهم من ذلك في هذه المناقشة الإنتقادية لمشروع التقرير هو وصول جهود تلك الجماعات في مجتمعاتها إلى درجة تحول وإنتقال منظوم من حالة السخط االطبقي القبيلي، القحطاني والشعوبي (الموالي) في قومياته والشيعي السمة وحالة الإحتجاجات الفطيرة فيه على النزوع الإستبدادي (العروبي والتركي- السني) في تلك المناطق المتداخلة وإنتقالهم منه إلى رحاب تكوين جماعات تغيير بل وحركات تحرر منظومة بسمات قومية وطبقية وفكرية متداخلة أسست تفاعلاتها ثورات ودول "الزنج" و"القرامطة" و"الدول الفاطمية" مسهمة في تبلور حركة الفدائيين "الحشاشين" (الإرهابية) التي أخذت لنفسها حق إعدام كثير من قادة الصليبيين وقادة الإستبداد المحلي.

    وقد واشجت هذه التطورات في العالم السوداني الممتد من تخوم الصين إلى تخوم فرنسا ومن تخوم روسيا إلى سواحل أفريقيا الشرقية والغربية والجنوبية تبلور أزمة الإقتصادات الأوربية وإتجاهها بقوانين رد الفعل والحاجة إلى التحرر من الفقر والتكالب ومن المهانة الثقافية إلى الإندفاع في شن الحروب الصليبية وزيادة التداخل مع العالم الجنوبي المتقدم، مما شكل في داخل المجتمعات الأوربية حركات صوفية وعمرانية متقدمة كانت أصلاً في تنظيم إجتماع وحدات سكانها، وفي تقدم إنتاجهم وإقتصاداتها، ومن ثم في كسر حدة إقطاعاتها وتحرك مجتمعاتها بقوة بعد تطور الإنتاج والكشوف والعلوم والفلسفة والتعاملات والثقافة وتحول محاور ونطاقات عيشها وحياتها من المحلية إلى العالمية مُقلعة مُنطلقة بطول جناحي الإنتاج والتوزيع في أفقي الحداثة الجدليين: الإستعماري منهما والتحرري. .

    ومن تلك الحال السودانية التي بدأت تبلور التطور الحضاري والثقافي الذي يخفت فيه دور الأفراد والقادة تواشج تبلور ووجود القوى والمصالح والتنظيمات بتشكلات حديثة في أوربا متصلاً عبر البحر الابيض المتوسط وحدود المناطق العثمانية والأندلسية، بتبلور قوى ومهام النهضة الأوربية التي كان نموها وتفتحها متصلاً في صورة موضوعية بجدل تطور قوى ومهام التنظيمات الصوفية والعمرانية (الماسونية) بمختلف أشكالها وبتنوع وتكثف نشاطاتها في إطار تاريخ حافل بتفاوت الملكيات والحيازات والأعمال وبزيادة تناقض المصالح الطبقية الإقطاعية والتراكمات الرأسمالية الوليدة داخلياً وعالمياً مما نمى جدله بتطور إمكانات الإنتاج والتعامل، وزيادة عدد وتنوع وتقدير الأفراد والمجتمعات للقيم والمصالح المادية والثقافية للتملك النقودي للمنافع وإبتعادهم المتفاوت عن مقومات التملك الإقطاعي لموارد العيش والحياة وإقترابهم إلى نمط تملك فردي مالي للمنافع (أكثر إجتماعية) تمثل بسياقات المراكمة الرأسمالية .

    وقد تطورت هذه الحداثة الإجتماعية لحدود إشتراكية أولية بداية من مسآئل التملك الرأسمالي الوليدة وإتصالها بقضايا حريات وحقوق تموقع الأعمال الحرفية والتجارية وفتح وبداية نشاطها وختامه وطبيعة نشاط أصحابها في العمل، وفي نقل البضائع، وفي تحديد أو زيادة الاسعار والأجور، وفي مقادير دفع طلبات الضرائب ومراسيم الدفع الملكية لإنجاز حرب أو عمل ما، وفي حريتهم في نقاش مواقيتها ومقاديرها وفوائدها وطبيعة صرفها...إلخ مناقشة عامة مصونة من ضغوط الدين والدولة والإقطاع، ومدى إمكان تنظيمهم لجماعات إرتفاقية.معاشية أو مهنية أو علمية أو سياسية وتحديدهم المستقل لأبعاد وجودها ونشاطها.

    فمن هذه المسآئل الثقافية لتنظيم أساليب العيش والحياة زادت وتفاقمت كثرة من الإختلافات والتناقضات المتصلة بإدراك ووجود وتطورت فهوم الحياة الإقتصادية-السياسية وحساب مدى إجتماعيتها، مما صعب التحقق من قيمها وبرامجها وتنمية طبيعة وجودها وحياتها دون كسر أقانيم الحياة المألوفة - في ذلك الزمان الإنتقالي من الإقطاع- بتلك الأوضاع والأفكار القائمة على فهوم مثالية لتراتب وجود عناصر وحياة الإنسان كمفرد بمنطق سكوني وخضوعي ينحو إلى فهوم عنصرية للتراتب الإجتماعي وإلى تغذية دائرية لروح القطيع والإعلاء والسيامة العنصرية للنظام الإقطاعي في أوربا المسيحية-اليهودية مما إحتدمت تناقضاته إلى درجة الثورات والإنقلابات الليبرالية الدموية العنيفة في هولاند وشمال ألمانيا ثم إنجلترا فأمريكا وصولاً إلى الثورة الفرنسية وبإنقلاباتها وحروبها النابليونية حيث إنتصر رأس المال نصراً كبيراً في الفوز بحرية تملكه المفرد للوسائل الإجتماعية للعيش والحياة داخل أوربا وخارجها معمداً بالدم بنوكه وحملاته وشركاته الإستعمارية التي قهرت العالم، ولم تزل.

    من جملة جدل هذه التناقضات والصراعات نرى التواشج بين تبلور التطور الرأسمالي و قيم الإستنارة الإنسانية، التي كانت ضرورة ثقافية لإقناع وإقرار الأفراد والجماعات بحرية وكرامة النشاط الرأسمالي مما أدى بعد تلك المرحلة الدموية إلى تبلور جديد في كينونات الفلسفة المثالية -رغم كل دورانها حول عناصر ذاتها- حيث تحولت تلك الفلسفة المعتنية بالتفكير في طرق التفكير وإنتقلت بشكل نسبي من ذلك المدار الذاتي للتفكير إلى مدار إجتماعي لتقويم أصول ومعاني حرية الإنسان وعلاقه طبائعه الإجتماعية بالطبيعة الأم، وأسباب ومعايير وقيم شقاءه أو سعادته، وطرق توصله أو تحقيقه هذه السعادة زهداً وبساطة أو تكاثراً وصناعة، حيث عززت هذه الإتجاهات (الإجتماعية) في الفلسفة المثالية بشكل نسبي جزءاً كبيراً من عملية القطع العملي والفلسفي مع مظاهر الإقطاع، رغم إن تلك الفلسفة الأصولية المؤسسة لكثير من كوجيطات وأقانيم التفكير السياسي الحديث المعاصر بليبرالياته وشيوعيته لتطورات الزمان الحاضر عجزت عن إمتلاك إمكانية كافية للقطع مع دائرية وإنفصام نظام الحياة الإقطاعي وطبيعة التفكير السائد بتلك الحياة بحكم عدد من الأسباب منها يتصل بتبلور تلك الفلسفة في الظروف الموضوعية العامة لتلك المرحلة الإقتصادية المخالطة بتمويلاتها بين كل من الحروب الدينية والحروب النابليونية، وكذلك بحكم الظروف الذاتية الخاصة لتشكل إحداثيات تلك الفلسفة ونموها في ظروف الصراع الطبقي-القومي وتمثلاته في ألمانيا وعموم أوربا ذاك الزمان وتأثيراته الجدلية على شكل وطبيعة الحكم والتنظيم الإجتماعي والإقتصادي والثقافي وأصوله وصوره السياسية وعلى القدرة الموضوعية الصالحة لنفي تجدد الأسس الفكرية والثقافية لعلاقات الإقطاع القائمة في تقدير الفرد لذاته بصورة ترفعه شكلاً عن كينونته الإجتماعية. وقد شكلت جملة هذا السياق قاعدة فلسفية متخلفة لرفض المناشفة إمكانات بناء الإشتراكية في دولة واحدة في محيط مختلف عنها تخلفاً وتقدماً حسب الحالة العلمية والفلسفية لذاك الزمان، مما سبق إيضاحه. ومن جملة جدل الإتجاهات المبلورة لفلسفة هيجل والمدارس النقيضة لها يلاحظ تنوع الفوارق بينها جهة العلاقة بين الإنسان والوجود، وإمكانات تحول عناصر حياته وتحسنها بتلقاء ذاتها أو بفعل وجهد تنظيمه لهذه العناصر في سعة الوجود العام، ومع هذا الإختلاف القديم في سيادة الإنسان على مصيره وقدرته على تصريف أمور حياته ومسؤوليته عنها يوجد أيضاً الإختلاف في تقدير قيم وطول السياق الزماني لحدوث هذه التحاولات أو لإنجاز هذه التنظيم، كذلك الإختلاف حول أولوياته، ووسائله، وحول الجدوى العامة والنهائية له.

    في خضم تمثيل تناقض البلاشفة والمناشفة لهذا الإختلاف القديم إرتفعت إتهامات الركود ضد الإقتصاد والإتحاد السوفييتي عهدذاك مما إلا يصح إلا إن كان الأمر أمر لغة ودسائس إعلام يساوي بين مفردة "الرتابة" ووحدة الوتيرة في نغمتها الثقافية الإجتماعية ومفردة "الركود" في كينونتها الإقتصادية الرأسمالية المتصلة بـ"الكساد" وبوار السلع وإنخفاض الرباح والعائدات الحقيقية وزيادة الإفلاسات والمخارب الإجتماعية وتصريف أعباءها إجمالاً وبالقطعة من قمة رأس المال ومراكزه إلى قاعدة السوق وهوامشه الداخلية أو الخارجية التي إما ان تضعف بها إلى حد الفقر والإملاق الجوع والموت أو تعيد، مع ضعفها، تصدير هذه الازمة التي رميت عليها ولكن في صورة محملة بأعباء أكثر، تقود في جملة توزعها وتركزها إلى تمايز شديد بين قدرات وإمكانات ومصالح وسرعة دورة التصريف والإستهلاك وسرعة دورة الإنتاج، وسرعة دورة الخدمات المالية والتجارية المواشجة للدورتين السابقتين. وهذا التمايز بين إمكانات ومؤسسات ومصالح وسرعات هذه الدورات الثلاث "الدورة الإنتاجية" ، و"الدورة الإستهلاكية" و"الدورة الخدمية" المالية والسياسية والإجتماعية المواشجة للدورتين السبقتين، يمثل الطبيعة البنية العامة لتكون وتبلور ووجود وتفاقم الأزمة العامة للتنظيم الرأسمالي العالمي لموارد العيش والحياة، وتناقض الطبيعة الإغتيالية والتصادمية البطيئة لإحتضاره مع سرعة تجدد الموارد في البيئة والطبيعة العامة حوله، مما يعرف بـ "أزمة الإنهيار الإمبريالي" أو "أزمة إحتضار النظام الرأسمالي العالمي" وهي أزمة مهولة رغم إن كل شي يصير إلى فناءه، فبضخامة تغلغل النقود في العالم آلآف السنين وتغلغل الرأسمالية في تلافيف الحياة لـثلاثمآئة عام وأكثر فإن إنهيارها لا يحدث بين عشية وضحاها، كبرجي مركز التجارة العالمي مثالاً، بل إن إنهيار التنظيم الإمبريالي لموارد عيش وحياة الناس يحدث بتدرج معاشي تختلف وتائره وسرعاته وخطوطه وموجاته وجهاته وقواته خاصة إذا ما تراجع الذين كان يجب عليهم مقاومتها وزيادة تناقضاتها والثورة عليها إلى دور تقليل وتلطيف هذه التناقضات، بل وتحولوا إلى تثبيط إمكانات هذه المقاومة والثورة وثلمها في جهة المتمسكين بها وتخذيل العاملين على تضييق أسواقها وقبض حرية رساميلها وعلى تنمية إمكانات تدميرها، الأحياء منهم والشهداء .

    ولكن في عناية فقرة مشروع التقرير بالوضع الشيوعي والسوفييتي وإجتهادها للإتعاظ بعوامل قوة وبعوامل ضعف الوضع الشيوعي والسوفييتي تجاهلت نصوص الفقرة تغيرات هذا الوضع وإختلاف مراحله العامة ومراحل حياته من الولادة والطفولة والشباب إلى المرض والوفاة، وإتصال جوانب كبرى من هذ التسلسل بالطبيعة الحضارية والثقافية القديمة لتوالي المراحل التاريخية في كل مجتمع بما في ذلك مجتمعات روسيا القديمة، عاجزاً عن تناول وتحليل موضوعية كيانها العالمي من منظور أزمة إنهيار الرأسمالية العالمية، وهي الأزمة الأعظم في جنبات العالم والتاريخ المعاصر إذ تزيد وخامة عناصرها وآثارها كل يوم من إضطراب جميع النظم البيئية والبشرية.
    حيث تجنب مشروع التقرير في فقراته السوفييتية الإشارة إلى الإتصال الموضوعي -الموازي- بين أزمة التنظيم الرأسمالي العالمي للموارد، وأحوال تقدم النضال الإجتماعي لأجل الحرية والكرامة لكل المجتمعات في العالم، وما تبلور من هذا التناقض المتصل حتى اليوم من تنظير ونضال شيوعي في كيان حزبي جديد معاصر بلينينيته لأوضاع هذه الأزمة التي تحدث بتناقض عملية زيادة الربح مع آثارها في زيادة تكاليف الإنتاج ( الطاقة والمواد والآلات) وتعويض ذلك بإضعاف القوى الشرائية للمنتجين وعموم حائزي النقود غما بتخفيض عددهم وفصلهم من العمل أو تقليل إمكاناتهم مع زيادة تنوع العرض وتعدد المستهلكات وتنافس المؤسسات الرأسمالية في زيادتها أو ميلهم لإحتكارها جماعية مما يخفض الإمكانات الفعلية لتنويع خياراتهم أو لزيادة طلبهم ونشاطهم ويتدنى بها رغم زيادة حاجاتهم وتوفر موارد الإنتاج في المجتمع. وهي الأزمة التي بفضل ثمرات النضال الماركسي اللينيني وتقدم المعرفة الموضوعية بعناصرها أضحى من السهل الإشارة إلى أسبابها ومظاهرها رغم لبوسها دعوات وشعارات متنوعة كان أهمها في سياقات السياسة وفي سياقات الإقتصاد المؤسس لها دعاو وشعارات: "الديمقراطية الليبرالية"، و"الليبرالية"، و"الدولة الفعالة"، و"الإشتراكية الديمقراطية"، و"الإشتراكية الإجتماعية"، و"الإشتراكية المسيحية"، و"التراث"، و"النظام الإسلامي"، و"الإنفتاح"، و"المدنية"، وغير ذلك من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وهي دعاو وشعارات تتجلي نواقصها الموضوعية وتناقضاتها في كثير من دعاوى مشروع تقرير لجنة تسيير المناقشة العامة خاصة إنتقاداته الليبرالية لعناصر ولادة وبناء النظام الإشتراكي في الإتحاد السوفييتي ونجاحه الكبير في معارك البناء والدفاع والنصر وإعادة البناء وتفوق نجاح ركائزه الجماعية والفردية على نواقص وتكالبات وإستعماريات النظام الليبرالي في مجالات الحياة ونهوضه الكبير في إرساء وتنمية سائل التقدم الإجتماعي في الأرض وفي الفضاء، قبل أن يبدأ تأزم كل هذه النجاحات الكبرى في الحياة مع بداية السياسات التي أعلنت في المؤتمر العشرين (فبراير 1956) الخاصة بالتحول إلى نظام التقويم النقودي للمعاملات [في مجالات الإستهلاك دون مجالات الإنتاج].

    فالمسألة لم تكن حسب ما أوردته الفقرة الجزافية في مشروع التقرير مجرد موجات ركود يولدها النظام المركزي، بل كانت طبيعة التغييرات التي أحدثت هذا النظام وطبيعة التغييرات التي أحدثها في مجتمعه على المستوى الداخلي والمستوى العالمي نقلته خلال 25 سنة فقط من حالة رجل أوربا المريض إلى حال دولة عظمى وإستشراف مهيب في العالم لآفاق تحطيم المجتمعات لأسس ومظاهر الرأسمالية، وأنظمتها الإجتماعية السياسية الليبرالية القائمة على التهميش والإستغلال. ذلك الإستشراف الذي إفتتحه تنظيم وبناء الحزب الشيوعي والصياغة النظرية والعملية اللينينية للأفكار الماركسية، وبناء الإتحاد السوفييتي ونصره بها على الإقطاع والإستعمار والإستغلال والتهميش والتخلف والأمية والأمراض والجهل إنتصارات كبرى أستصغرها مشروع التقرير خالطاً العمل الطالح للمنشفيك في النضالات الروسية بالأعمال الصالحات للبلاشفة، بمعيار ليبرالي متذبذب ساقه -بلا موضوعية ولا مادية تاريخية- وفق رأي منشفي تصفوي بدلاً أن يسأل مشروع التقرير نفسه بصورة إنتقادية موجبة أين نحن من موجبات ذلك البناء وفوائده؟ كيف حققها؟ وماهي أسباب نجاحات تكوين الإشتراكية العلمية والإتحاد السوفييتي؟ كيف تبنى الدول وتنهار؟ وكيف وفقاً لمعادلات الإنتاج والإستهلاك تم تحول وتغيير سياق ذلك البناء والإتحاد من حال إلى حال؟ مبيناً بهذه المعادلات الخاصة بتناسب مستويات وعلاقات الإنتاج ومستويات وعلاقات الإستهلاك الإختلاف الموضوعي بين أسباب النجاح في البناء وأسباب تعطل وتدمير هذا البناء؟ وطالما كان سبب النجاح مختلفاً عن سبب الفشل، كان أفضل لمشروع التقرير السياسي - بدل عن هذه الصورة الشبيهة لـ"خطاب إستقالة من الحزب"- أن يقوم بعرض مقارن لأشكال وتواريخ النجاح في كل قطاع ولأشكال وتواريخ الأزمة في نفس هذه القطاعات مع تحديد (شعار) السياسة العامة في كل مرحلة والأشخاص القائدين لها لنرى بصورة موضوعية كيف نستفيد بالموجب فيها وكيف نتجنب السلبيات.

    2- هل تؤدي زيادة النشاط الرأسمالي إلى تنمية متوازنة ؟
    في (إنتقاد) مشروع التقرير لما سماه (إصلاحات) حدثت بعد المؤتمر العشرين وتولي المناشفة الجدد أمور السوفييت، يعترض على الحيز الضيق الذي أتيح للنشاط الرأسمالي، وذلك بطلب مشروع التقرير ودعوته إلى التوازن بين "تعدد الأنماط الإقتصادية" حيث إن هذا التعدد في جهة نظره لا يتطلب تغييراً ثورياً بل (يحتم) مجرد الإستجابة الفطيرة له!!! تقول سطور المشروع: ((بفتح هامش ضيق جداً لاقتصاد السوق الذي يحتمه واقع تعدد الانماط الاقتصادية، وبوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية.)) ولمحاولة حصف موضوعية هذه الفقرة ببعض الحساب العددي والنوعي لتناسق فقراتها بإمكان طرح النقاط الكاشفة الآتية:

    1- تجاهل الفرق بين الإصلاح والثورة المضادة:

    على أي أساس قبل مشروع التقرير الإجراءات الإنقلابية والثورة المضادة التي تجلت بالمؤتمر العشرين معتبراً إياها "إصلاحات" ؟ وذلك دون أن يسأل نفسه أو يقدم لقآرئيه الطبيعة التاريخية أو السياق التاريخي االموضوعي الذي بإمكان به تقويم طبيعة هذه الإجراءات؟

    2- تجاهل حقيقة نجاح وإنتصار الإشتراكية لنصف قرن ثم إفتراض إن الداء الذي الم بها هو الدواء:


    تجاهل مشروع التقرير تاريخ وطبيعة التكون الحديث لتعدد "الأنماط الإقتصادية" في روسيا وعموم الإتحاد السوفييتي وهو التعدد الذي تم نسبية وإنقضى بخروج وولادة النمط الإشتراكي في الإنتاج سنة 1917 حيث ولدت الإشتراكية الحديثة من الجدل القائم بين النظامين الإقطاعي والرأسمالي ومايواشجهما، فصارت روسيا القديمة بميلاده ثلاث أنماط أو ثلاث نظم إقتصادية. ولكن من تجاهل هذه الحقيقة، سارعت فقرة المشروع بالقفز على الطبيعة الطبقية لتصارع المصالح بين هذه الأنماط واغفلت توضيح طبيعة الإنتصار الإشتراكي على غيره من النظم سواء بدك عنصريات النظام الإقطاعي الدينية والعائلية-القومية بكل مؤساساتها، أو بإنتصاره على الرأسمالية بإلغاء أسس واشكال التملك الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لمقومات عيشه وحياته. فمن إغفال هذه الإنتصارات (إفترض) مشروع التقرير لسبب ما ان هناك أنماطاً إقتصادية عددا كانت قائمة في الإتحاد السوفييتي حين تلك الإصلاحات (1960- 1964) التي والتها الإصلاحات المعلنة في السنوات (1964- 1984) والسنوات (1985- 1991) ثم من ذلك الإفتراض الخطأ إفترض مشروع التقرير إن (تعدد هذه الأنماط) وهو تعدد وهم وخيال يمثل في حد ذاته أزمة أو مشروع أزمة تتطلب فتح هامش واسع لما سماه مشروع تقرير صراحة بإسم "إقتصاد السوق" بإعتبار خطأ هو إن الهامش الضيق لإقتصاد السوق لم يكن كافيا لحل الأزمة! وبإعتبار خطأ لإن "إقتصاد السوق" سيحل أزمة تعدد الأنماط ! مما يضاعف بعدد هذه الإفتراضات الخطأ حجم التنافر التاريخي والموضوعي في هذه الفقرة الصغيرة المحورية، بشكل مضحك مبكي.

    فـ"إقتصاد السوق" إسم حركي معروف للإقتصاد الرأسمالي، أي "الإقتصاد الذي يتيح التملك المفرد الخاص للمنافع والموارد العامة بمقابل مالي وفق مبدأ حرية الأفراد في العمل ومبدأ حريتهم التعاقد" وهي الحريات التي تحد منها الشروط الطبقية والسياسية لتكون ونشاط هذا النوع من التنظيم لأمور الإنتاج والإستهلاك، كنظام لحرية إستغلال عمل الناس وحياتهم في الإنتاج لتحقيق الربح للملاك، دون عناية بتفاوت حاجات الناس وقدراتهم..وبتطفيف وتبخيس ومحق لحقوقهم في مواردهم وجهودهم وثمرات إنتاجهم إلخ حسب ما وضحته معادلات خلق وزيادة وإستفاضة قيم عمل المنتجين، وقامت الحركة الشيوعية ماركسية ولينينية لأجل هدمه ودفنه. كما إن أهداف وآليات هذا الإقتصاد الإستغلالية والتهميشية تجعله مصدراً لكل الانواع السلبية من التفاوت بل وتجعله مفاقماً لها. فكيف نظر إليه مشروع التقرير كعلاج (يحتمه) (تعدد الأنماط) في مرحلة شباب الإشتراكية والإقتصاد في الإتحاد السوفييتي.؟





    3- التصور الخطأ للعلاقة بين آجال التخطيط وطبيعة الحوافزعلى الإنتاج:

    بعد أن إقترح مشروع التقرير توسيع إقتصاد السوق كحل لــ(أزمة تعدد الأنماط) في ذلك الإقتصاد الإشتراكي السوفييتي إقترح أيضاً كيفية معينة لنجاح تلك (الإصلاحات) هي ((بوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية. معينا إجراءا محدداً هو ((وضع خطط قصيرة المدى )) ويعرف مشروع التقرير إن الخطط القصيرة أو الضيقة جزء موضوعي أصيل من وضع الخطط الكبرى، ولأن لدارسي التخطيط إجابة كيف توضع الخطط طويلها وقصيرها؟ يمكن توجيه سؤآل إلى مشروع تقرير لجنة تسيير"المناقشة العامة" مع كل نواقصها في هذا الشأن هو: كيف إفترض المشروع إنه لم تك هناك خطط قصيرة المدى في إقتصاد ومؤسسات الإنتاج والخدمات في الإتحاد السوفييتي طول ذلك الزمان 1917- 1960 وبعده؟ إذ إنه يقول بأهمية خطط قصيرة: (( تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية)) دون ان يوضح للقارئي العلاقة الإدارية الفاعلة والوطيدة التي كانت قائمة في سوفيتات (= مجالس) وحدات الإنتاج بين كل من المنتجين وخطوات التخطيط والعمل والتقويم. ثم بعقلية إقتصاد السوق يتحدث عن الحوافز المالية كدافع للإنتاج في إقتصاد عيني كانت للنقود في طبيعة وجود وعمل مختلفة عن طبيعتها في النظام التجارية الراسمالية، ففي ذلك الإقتصاد كان يتم تلبية كل الحاجات الضرورة لعيش وحياة السكان بصورة (مجانية) السكن والمياه والكهرباء والتدفئة والمواصلات والتعليم من روض الأطفال إلى ما فوق الجامعة، والتدريب، والتموين الغذائي، والوقاية والعلاج من الأمراض، وتعامل المكتبات والفنون والرياضة والسياحة والترفيه كلها كانت ميسورة بين المجانية المطلقة وشبه المجانية (كثير من الطلاب الأجانب أقاموا في تلك الجنة الأرضية) مما يجعل تصور مشروع التقرير لأزمة تعدد الأنماط وعلاجها بالسوق والحوافز أمراً عجيباً في علم الإقتصاد السياسي وفي التاريخ.

    فالمشكلة أو بالأصح الأزمة كانت قد دخلت على ذلك التناسق من باب ماسمي "إصلاحات" وهي إجراءات رأسمالية تمهيدية نشطت كالشق الصغير في جسم سد مائي أو كالخلية السرطانية في جسم حي، فبقيام تلك الإصلاحات الزيف بإعادة تدريجية لمفاهيم وإجراءات التقويم النقودي للمنافع وفي مجال الإستهلاك دون مجال الإنتاج، وإستمرار ذلك ثلاثون سنة تفاقم بها التباين والتعدد والإنفصام في العملية الإقتصادية-الإجتماعية والإدارية والسياسية وتضاربت بها الثقافة والآيديولوجيا، وإختلف قادة التحرر الوطني مع قادة التحرر العالمي وقادة التحرر الوطني مع قادة التحرر الإجتماعي وإضطربت الأرض وزلزلت زلزالاً شديداً، ولم تزل.

    فمثلما شقت تناقضات الحياة التجارية والمالية من الداخل والخارج جدران كل دولة ونظام سياسي ودعوة في التاريخ كان لهذه التناقضات ذات المفعول فور إرجاعها إلى داخل الحياة السوفييتية، فمسألة الازمة لم تك في الحوافز وتناسباتها مع الحاجة أو مع حجم الإنتاج او نوعيته ولم تلك في النظام الذي يولد الإستغناء عن هذه الحوافز بل كانت في النظام الذي يولد ويزيد الحاجة إلى هذه الحوافز، والكيفية التفاوتية والسوقية التي حاول بها علاج التناقضات التي يعيد إنتاجها. فالدواء الأنجع هو التخلص من التقويم النقودي للمنافع لا التدواي به وهو الداء. وإن كان هذا التخلص صعباً في ذاك الزمان الضعيف الحاسبات والكمبيوترات فبالإمكان تحقيق جزء كبير منه بفصل مناسب بين تقنية النقود وتوارداتها صرفاً ودخلاً، وتقنية الحساب الإقتصادي-الإجتماعي للمنافع الإجتماعية في الحاضر والمستقبل بفعل تخطيط طويل المدى وإستراتيجية ملائمة للتنسيق بين إجابة المجتمع لضرورات عيش حياته ومستقبله وإمكانات صون بيئته. أما الإستعانة بجهاز المفاهيم الليبرالي لتقييم تاريخ الإشتراكية والشيوعية والإتحاد السوفييتي فيقود إلى وضع جديد لإنتاج المظالم العامة في السودان والعالم وزيادة وتائر الإستغلال والتهميش يزيد بها إحتكار السلطة والثروة فيه ويبدد الجهود والنضالات المتجهة فيه وفي العالم إلى إشتراك الناس في امور السلطة والثروة إشتراكية علمية متقدمة تحقق لهم بشكل متناسق إمكانات متناسقة للحرية من أعباء ضرورات العيش وللكرامة من مهانة التكالب على أبسط حقوق الحياة.

    وفي هذه الإشتراكية -مثلما في سابقاتها- تبقى عملية تخطيط وتنظيم الموارد وكل الحلقات الأولية والمتوسطة والإستراتيجية لهذه العملية هي محور التنظيم الإشتراكي مما لا بإمكان الإستعاضة فيه موضوعيةً بالتخطيط الأساس عن المتوسط أو بالأوسط عن الكبير. فهو بناء.




















    إنتهت الفقرة الخامسة














                  

العنوان الكاتب Date
(ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:15 PM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:16 PM
    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:17 PM
      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:18 PM
        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:19 PM
          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:21 PM
            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:22 PM
              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:24 PM
                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:28 PM
                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:29 PM
                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:31 PM
                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:32 PM
                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:33 PM
                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:34 PM
                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:35 PM
                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:37 PM
                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:38 PM
                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:39 PM
                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:40 PM
                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:48 PM
                                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:11 PM
                                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:15 PM
                                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:21 PM
                                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:26 PM
                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عوض محمد احمد05-19-08, 07:28 PM
                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:30 PM
                                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 08:14 PM
                                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 08:15 PM
                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Hussein Mallasi05-19-08, 09:11 PM
                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. salah elamin05-19-08, 09:19 PM
                                                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 09:50 PM
                                                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 09:53 PM
                                                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-20-08, 05:28 AM
                                                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. salah elamin05-20-08, 05:42 AM
                                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عمار عبدالله عبدالرحمن05-20-08, 07:25 AM
                                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-20-08, 06:47 PM
                                                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. nadus200005-21-08, 09:17 AM
                                                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-22-08, 02:20 AM
                                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-22-08, 04:54 AM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Al-Shaygi05-22-08, 05:49 AM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عبد الوهاب المحسى05-22-08, 06:51 AM
    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-25-08, 09:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de