تشهد الكويت الأسبوع القادم واحدة من أهم الانتخابات في تاريخها. ولأن هذه الانتخابات قد جاءت كما هو معلوم بسبب حل البرلمان رداً على ممارسته لحقه الدستوري في مساءلة وزراء الحكومة، فإن التوقع كان أن تصبح قضية الديمقراطية وتحصين البرلمان ضد الحل التعسفي هي محور الحملات الانتخابية. ولكن بعض الظن إثم، لأن الذي حدث هو أن قضية منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات أصبحت هي لب الصراع، مما قسم المعارضة وأضعف الديمقراطية.
(2)
الكويت كما يحدثنا ابنها البار د. عبدالله النفيسي أصبحت المرآب الخلفي للمدرعات الأمريكية وإحدى أهم القواعد العسكرية الأمريكية التي تنطلق منها القوات لغزو الجيران. وعليه كان أيضاً يتوقع، خاصة من القوى الإسلامية والوطنية، أن ترفع صوتها ضد هذا الوضع الشاذ. ولكن الإسلاميين رأوا أن إقامة الحواجز التي تفصل بين الصبيان والبنات في أماكن التعليم هو الجهاد الأولى.
(3)
في آخر زيارة لي للكويت قبل بضع سنوات سمعت بعض نواب البرلمان البحرينيين يفتخرون بأنهم انتفضوا لمنع المطربة اللبنانية نانسي عجرم من الغناء في البحرين، وعندما لم ينجحوا أصروا على أن يفرضوا عليها الاحتشام وهي تغني. وقد عدوا ذلك نصراً مؤزراً وفتحاً مبيناً. نفس النواب قادوا في الشهر الماضي انتفاضة أخرى لمنع فنانة لبنانية أخرى هي هيفاء وهبي، من الغناء في البحرين. وقد صوت كل أعضاء البرلمان تقريباً على قرار يطالب الحكومة بإلغاء حفل غنائي لتلك المطربة.
(4)
بعض من علقوا على هذا الطلب ذكروا بأن البحرين تزخر بمنكرات أخرى كثيرة سكت عنها هؤلاء المجاهدون. ويمكن أن يضيف آخرون نقطة "فرعية" تتعلق بكون البحرين ظلت مأوى الأسطول الخامس الأمريكي لعقود. ولكن لعل النقطة الأهم من وجهة نظر برلمانيي البحرين كانت يجب أن تكون سلطة البرلمان نفسه الذي يضطر لتوجيه "عريضة" للحكومة مثله في ذلك مثل أي جمعية أو نقابة.
(5)
هناك نقاط كثيرة يمكن أن تثار حول هذا السجال، منها على سبيل المثال أن مجرد فكرة لبس الزي الإسلامي تفترض وجود الرجال والنساء في فضاء مشترك، وإلا لما كان هناك أي داعٍ لارتداء زي معين. ومنها أن الاختلاط قائم أصلاً في الكويت، وأحياناً كثيرة بدون الزي الإسلامي، هذا إضافة إلى ما نعرفه من رحلات الشتاء والصيف إلى أوروبا وغيرها. ولكن هذه تفاصيل، لأن المشكلة تظل هي نفسها حتى لو كانت قضايا الاختلاط تستحق كل هذا الاهتمام.
(6)
قرأت مرة أن رجلاً أقسم بالطلاق أن الحجاج بن يوسف لا بد أن يكون من أهل النار، ثم ندم على ذلك فاستفتى أحد الفقهاء عن طبيعة علاقته مع زوجته بعد هذا القسم. رد الفقيه قائلاً: إذهب فلا تثريب عليك، لأنه إن لم يكن الحجاج من أهل النار فلن يضرك أن تعاشر زوجتك بالحرام. بالطبع فإن وضع القضية بهذه الطريقة خطأ من الناحية العقائدية، لأن الله سبحانه تعالى وحده هو الذي يحدد مصير العباد. ولكن هناك نقطة مهمة تتعلق بالتراتبية بين الذنوب، لأن هناك اللمم والكبائر وأيضاً الموبقات.
(7)
المنطق البسيط يقول أن هناك فرقاً كبيراً بين التواصل البريء (وحتى غير البريء) بين الطلاب والطالبات في قاعات الدرس وحولها، وبين قيام أنظمة تغتصب حق الأمة وممثليها في الولاية على الدولة والمال العام، وتستخدم سلطاتها للفساد والإفساد. ويصبح الاختلاف أكبر حين تؤجر هذه القلة المتسلطة البلاد كشقة مفروشة للغزاة الأجانب، فتصبح أنظمة القهر المحلي شريكة في قهر شعوب أخرى بما تقدمه من تسهيلات لقاهريها. ويزداد المنكر فظاعة حين نجد أن هذه الأنظمة تمول احتلال أراضيها بما تقدمه من تسهيلات مالية للمحتلين.
(8)
بنفس منطق المفتي سالف الذكر نقول إنه مهما كانت المضار المحتملة المترتبة على الاختلاط بين الشباب، أو غناء مطربة بحشمة أو بدونها، فإنها تتضاءل أمام المنكر الأكبر والمؤكد في اغتصاب سلطة المسلمين وأموالهم، واستخدامها في الفساد والإفساد وموالاة أعداء الأمة وتسهيل عدوانهم على ديار الإسلام. فمع هذه الآثام التي لا ذنب بعدها إلا الكفر، فإنه لن يضر أهل تلك البلاد شيئاً أن يستمتعوا بالخمور، وأن يرتكبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. هذا مع العلم أن أن المنكرات التي يخافون من وقوعها هي فاشية على كل حال في تلك المجتمعات أصلاً كما هو معلوم.
(9)
إذا كانت هناك حركات إسلامية حقيقية في البلدان المذكورة، فإن عليها أن تترك التلهي بهذه الصغائر، وأن توحد جهودها مع بقية فصائل المجتمع، بمن فيها التيارات الليبرالية واليسارية لفرض سلطان الأمة وتقوية النظم البرلمانية والقدرة على مساءلة الحكومات وتغييرها. فالخطر الأكبر على الأمة لا يأتي من قاعات الدرس، وإنما من القصور التي تحاك فيها المؤامرات ضد الشعوب. وإنه من الضرر أن توجه البرلمانات العرائض لحكومات تمارس التغول على صلاحيات الشعب وتخويلها اتخاذ قرارات ذات طابع ديني مما يعزز شرعيتها المشكوك فيها ويقويها على ظلمها وعدوانها. فالحاجة هي إلى إضعاف سلطات هذه الأنظمة لا العكس.
منقول من سودانايل
يبدو أن الأستاذ عبدالوهاب الأفندي تراجع كثيراً عن الرؤى التي تحملها الحركات الإسلامية في تنظيم شئون المجتمع المسلم وبدأ ساخراً من تنظيم أولوياتها في الحكم والذي يبدأ دائماً بضبط المجتمع حتى ولو لم يكن مسلماً .وضبط المجتمع عند الحركات الإسلامية يؤسس على نوايا البشر وليس ظاهر أعمالهم ونوايا البشر ليست من إختصاص البشر ولكن من إختصاص خالقها .. ولا تهتم البتة بمعايش الناس أو إنتاجهم .. وبرغم الإنتقاد الذي ساقه الأفندي في منطقة الخليج إلأ أنها محمدة في حقه كونه يلمح الى جذوره الفكرية الجديدة والتي لن تجد من العقلاء سوى أن يقولوا له مزيد من التقدم .. ومنطقة الخليج إذا سار فيها مثل ما ذكره الأفندي فلا قول لي سوى أن اقول أن ترف الحياة الغير منظمة سوف يقود الى مزيد من التزمت فنانسي عجرم لا يستطيع أن يتحمل تذكرة حضورها سوى من حصل على إكتفائه الذاتي وفاض له من المال رواحاً لنفسه وشبعت حاجته من أساسيات الحياة وتستطيع هي وغيرها من الحضور المنتظم الى تلك المنطقة كسباً للمال الفائض عن حاجتهم ..ولكن هل يمكن أن يغامر أحد متعهدي الحفلات بجذبها وغيرها الى حفلات منتظمة في الخرطوم حيث الغالبية العظمى تحت خط الفقر لا أعتقد في هذه المغامرة .. فعند وصول الإنقاذ سعت الحركة الإسلامية الى ضبط المجتمع وسلوكه فأنشائت محاكم النظام العام وشرطته وكأن عقد شعب السودان الأخلاقي كان منفرطاً وداهموا الناس في مخادعهم وتسلقوا اسوار الأمنين فجلدوا وفضحوا حتى من تتبع الستر في إبتلائه وأخذوا الناس بالشبهات فجلدوا بنات الجامعات من ذوي التواصل البريء كما اشار الأفندي بذلك ..وبإختصار فقد أحالوا حال الناس الى جحيم وزادوا عليهم في الهواجس .. وفي عهد الإنقاذ إزدادت الجرائم الموغلة في تردي الأخلاق فصار إغتصاب الأطفال خبراً عادياً يمكن أن تتطالعه في الصحف وبات الإجهاض عملاً يمارس وصار بيت اللقطاء يكتظ يوماً بعد يوم .. أن الذي في حوجة للتعنيف والنقد ليسوا مواطني الخليج ولكن مجتمع المثقف نفسه .. ومن خلال القراءة المتأنية لمقال الأفندي تجد كثير من أوجه الإتفاق بينه ود. الترابي في كثير من الفتاوى التي أثارت الكثير من الجدل في الإختلاط والحجاب .. أن تحسس موضع القدم يحتاج الى الكثير من التدقيق ويبدو أن كاتب المقال بدأ في تحسس موضع أقدامه جيداً ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة