ثورة المقابر رواية لضياء الشريف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 06:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2008, 09:26 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (7)
    كان محمد الامام يجلس في فناء الدار وحيداً وامامه طاولة صغيرة عليها براد مليء بالقهوة وبعض الفناجين النظيفة وامام ناظريه تسعى شخوص من الماضي قفزت من مخيلته وتمثلت له حية امامه : هاهي اخته زينب تسعى في نظافة الفناء بالمكنسة الطويلة , وهاهي امه ترقبها بحب وحنان , ثم هاهي زينب تجلس تحت شجرة الليمون وامامها عالمها المفضل و الخاص : اكداس من الكتب والمجلات , وهاهو اباه على الحصيرة الكبيرة يتصدر المجلس المكون من اصدقائه المقربين عبد الناصر والماحي والناظر وداعة الله السيد وامام الجامع الشيخ احمد ابو عاقله والعمدة الطاهر الزين . وهاهو ابن اخته محمدو- وهذا هو اسم الدلع الذي اطلقته عليه جدته فالتصق به منذ شهوره الاولى وعرف به بعد ذلك – هاهو يلهو مع اميمه الماحي اخت مصطفى التي تحاول تعليمه المشي , وهاهي امه مرة اخرى ترفع محمدو للاعلى ومحمدو يرفع يديه محاولا قطف ثمرة ليمون والسعادة تطفح من محياهما معا . ثم راى نفسه جالسا مع اباه في نفس هذا المكان قبل احد عشر عاماً حينما دخل عليهما الحاج عبد الناصر وقال بقلق :
    -محمد يجب ان تسافر الآن لتحضر اختك .
    فهب اباه واقفا وقال :
    -ماذا حدث ؟
    فرد عبد الناصر :
    -لقد اتصلت الآن وقالت انها انجبت ولدا وان زوجها في السجن .
    فقال اباه :
    -ابراهيم في السجن .. زينب انجبت ولدا.. اجلس يا عبد الناصر واحكي ماذا حدث .
    جلس عبد الناصر وقال :
    -لم تخبرني اكثر من ذلك , ولكنها شددت علىً اخبر محمد ليحضر فورا ويعود بها .
    ثم اردف :
    -جهز نفسك الآن وانا سوف اذهب معك الي الخرطوم وانهي لك اجراءات السفر.
    وتذكر ان امه حضرت اثناء النقاش وهي تحمل صينية الشاي فبادرها عبد الناصر قائلاً:
    -إبشري يا ام زينب , عندي لك بشرى سارة .
    تهللت اساير امه وقالت :
    -لقد إتصلت زينب .
    فأومأ عبد الناصر براسه وقال :
    -إتصلت .
    -وبما انها اتمت التسعة أشهر فقد انجبت .
    -حسابك سليم , انجبت ولدا اسمته محمد وهي ستعود بعد ايام قليلة .
    وقعت صينية الشاي من يد امه ورفعت يديها الي السماء وهي تقول :
    -بنتي انجبت .. بنتي ستعود .. زينب عائدة .. احمدك يارب وأشكر فضلك
    تذكر انه وقف واسندها قائلا اهداي ياامي .
    فقالت ودموعها تسيل : متى ستعود .. متى ؟
    فقال عبد الناصر :
    -اتصلت بي الساعة وقالت إن زوجها سمح لها بالعودة
    قالت امه بدهشة
    -لماذا لايعود معها ؟!
    فقال عبد الناصر بارتباك واضح
    -هو مشغول باعمال كثيرة وقد وافق على عودتها .
    ثم بلع ريقه وواصل :
    -قد تعود غدا و بعد اسبوع فهذا يتوقف رحلات الطيران ومواعيد الحجز .
    فقال اباه بعد صمت طويل :
    -محمد سيسافر الي الخرطوم لينتظرها بالمطار .
    فقال عبد الناصر على الفور :
    -حظكم عظيماً جداً اليوم لانني ذاهب الي الخرطوم بعد ساعة فإن شئت رافقني
    وتذكر كلام حاج عبد الناصر الذي قاله له في العربة حينما كانا عائدين بجثمان زينب الي القرية فقد قال له :
    -لقد قالت لي بالحرف انها تشعر ان روحها تتسرب من جسدها وانها توشك ان تموت , لقد كان صوتها ضعيفا وواهنا فادركت ان عزرائيل يقف بجانبها لذلك سابقت بك الزمن ولكن حكم الله كان اسرع ثم تذكر تبريره للذين سالوه قائلين : طالما ان المرحومة انجبت قبل اكثر من شهرين وزوجها مسجون لماذا لم تتصل ؟ فقال مبررا : لقد كانت بالمستشفى غائبةً عن الوعي فقد كانت الصدمة اضافة الي ولادتها قيصريا .
    ثم تذكر انن ابن اخته لم يكف عن الصراخ منذ ان انتزعه من صدر ناديا في المطار وهو متوجه الي الطائرة .
    وتذكر ان إمرأةً سوادنية متوسطة العمر كانت تجلس مع زوجها خلفه مباشرة قامت واخذت منه الطفل الذي هدأ ما ان استقر على صدرها فناولها لرضاعة وتفاجا سؤالها : اين امه ؟
    فقال لها : في جنات الخلد باذن الله .
    وتذكر ان ابن اخته تشبت بثوب المرأة ودفن راسه في صدرها حينما حاول اخذه عندما هبطت الطائرة بارض المطار فقالت المرأة : دعه حتى نخرج .
    وفي الخارج تسلمته آمال عبد الناصر .
    وتذكر انه ظل على نفوره هذا وهو يكبر امام عينيه حتى صار عمره الآن احد عشر عاما حاول فيها آلاف المرات ان يتقرب منه ولكنه كان يبتعد بالف حجة وحجة ويحرص ان يعامله كما يعامل جده بادب شديد ولكن من على البعد وببرود قاس , وكان لا يتحدث معهما الا رداً على سؤال من احدهما , وكانت ردود تلغرافية قصيرة لا تتعدى : نعم يا جدي , او لا ياخالي , وهكذا .
    وتذكر ان امه كانت تتالم لعذابه وعذاب ابيه بسبب هذه المعاملة الرسمية فكانت تقول لهما معزية :
    هكذا خلقه الله .. هذا طبعه .. انه خجول .
    وكان يعلم ان امه تعلم انه ليس خجولاً .
    وتذكر انها كانت تجد العزاء في تعلق محمدو والتصاقه القوي بها .
    تذكر رحيلها المفاجيء الذي جعل محمدو كريشة في مهب الريح تعصف بها بغير رحمة وتذكر انه لم يعطهم الفرصة ليحلوا محلها فانطوى على نفسه في غرفة امه القديمة لا يخرج منها الا الي المدرسة او الي النهر او الي منزل حاج الماحي.
    تذكر كل ذلك فزفر بالم وحشاه يتقطع ولم يشعر بحاج عبد الناصر الذي طرق الباب طرقتين ودخل مباشرة .
    لم يشعر به الا بعد ان رآه يقف امامه , رحب به وصب له القهوة فقال حاج عبد الناصر وهو يرشف الرشفة الاولى
    -اربعة كراسي ومجموعة من الفناجين , هل تنتظر احدا ؟
    فرد عليه :
    -الاصدقاء لا يكفون عن الحضور .
    وضع حاج عبد الناصر فنجانه وسال محمد
    -الم يحضر اباك من الحقل ؟
    منذ مدة طويلة وهو يذهب من الفجر ولا يعود الا متأخراً .
    قال حاج عبد الناصر وهو يزفر :
    -أعلم , لقد بدأ يفعل ذلك منذ ان توفيت امك .. حتى العشاء يصليه في الحقل وصرنا لا نراه الا في صلاة الجمعة .
    قال محمد وهو يكاد ان يبكي :
    -لقد اصبح هزيلا وشاحبا لا يحركه شيء , في هذا الموسم كان الحصاد وفيرا جدا ولكنه لم يفرح كعادته في المواسم السابقة , لقد اصبح عازفا عن الحياة.
    قال الحاج عبد الناصر محاولا طرق الموضوع من جانب آخر .
    -كان الله في عونه , ولكنك ايضا اصبحت عازفا عن الحياة , ماذا بك يا محمد ؟
    صمت محمد ولم يجب فواصل حاج عبد الناصر قائلا :
    -انت شاب متدين وقد عهدناك دوماً معقلاً وحكيماً وانت تعلم ان الحزن لا يغير شيئا وأن الحياة يجب ان تاخذ دورتها كما امرنا لله سبحانه وتعالى .
    لم يقل محمد شيئا وساد صمت طويل قطعه حاج عبد الناصر قائلا :
    -منذ ان توفيت امك قبل عام وانتم تعيشون حياةً غريبة , اباك اصبح رجلاً آخر عاف الحياة ويبدو انه يعجل على اختصار ايامه ليلحق بها , وانت اصبحت منطويا ومنعزلا , وابن اختك كلوح الثلج لم يسمع له احد صوتاً ولم يره الا ذاهباً الي المدرسة او قادماً منها , حتى عمتك العازه التي اتت تلتمس الدفء عندكم \بعد ان مات زوجها وتفرق عنها ابنائها الثلاثة صارت غريبة بينكم رفر محمد وقال :
    -ليتها لم تأتي .
    دهش الحاج عبد الناصر وقال :
    -لماذا يامحمد , انا لا اتوقع مثل هذا الكلام !!
    -لقد ابتدات تخرف واختلطت عليها الاشياء والاحداثق .
    مذا حدث منها ؟
    -لقد عبات محمدو بالحقد والكراهية لنا , انها تقول كلاما غريبا !
    سأل الحاج عبد الناصر وهو لا يكاد يصدق:
    -ماذا قالت له ؟
    -قالت له ان جده رجل ظالم وحاقد , كان يضرب المرحومة امه والمرحومة جدته ويربطهما بالحبال , وحكت له اشياء اخرى اخجل من ذكرها !!
    هتف الحاج عبد الناصر باستغراب شديد
    -العازة تقول ذلك ؟!!
    ثم وضع يده على جبهته وكانه تذكر شيئا وقال لنفسه : العجوز تثأر من اخاها الذي تحالف مع اباها وزوجوها كرهاً , ولكن ايعقل هذا بعد كل هذه السنين الطويلة ؟!
    ثم سأل محمد
    -متى حدث ذلك ؟
    -قبل شهور , بعد وفاة امي بشهرين او ثلاثة تقريبا .. كنت قد تعيشت مع مصطفى وعدت بعد منتصف الليل واثناء مروري بمحاذاة شباك غرفة محمدو
    سمعتها تقول : قتلوها , لقد قتلوها . فتوقف وكان الشباك مفتوحا فسمعتها تقول له كلاما جعل رأسي يدور .. هل تصدق انها حكت له حتى ...
    وامسك عن الكلام , فقال حاج عبد الناصر :
    -تكلم يا محمد , ماذا حكت له ؟
    -حكت له ما حدث في الليلة التي دخل فيها اباه على المرحومة امه !!
    وضع عبد الناصر يده على راسه وهو يقول :
    -ياالهي العازة تفعل ذلك !!!
    -لقد خطر لي ان ادخل وازجرها ولكنني تمالكت نفسي غدا اكاشفها بما سمعته .
    -وهل فعلت ؟
    -كلا .
    رفع الحاج عبد الناصر صوته قائلا :
    -لماذا ؟!
    -منعني الحياء ان اقول لها انني تجسست عليهما .
    -وتتركها تعبئ الولد بالحقد والكراهية كل هذه الشهور !!
    -مهما حدث فهي عمتي .
    -هل اخبرت اباك ؟
    -لم اخبره , خفت ان يقوم بطردها وتتعقد المشكلة اكثر وتخرج الي العلن .
    -حسناً فعلت , وهل حاولت تصحيح الامر لابن اختك ؟
    -لقد اعيتني معه الحيلة , منذ ان احضرته وهو دائم النفور مني , قل لي ماذا افعل يا عمي ؟!
    -يجب ان تفعل شيئا يا محمد .. هذه حالة معقدة ولا بد من علاجها .
    -هل تني انه يعاني من خلل نفسي ؟!
    -لا أعلم ولكنك لو رتبت الاحداث هكذا : ذاق مرارة اليتم وهو في المهد فقد توفيت امه وعمره شهران , ثم مات اباه في السجن وعمره عام , ثم توفيت جدته التي كانت طوق نجاته وهو يلغ الحلم بعد , ثم اتت العازة لتزيد الطين بلة , لو رتبت الاحداث هكذا لخرجت بهذه النتيجة ولكن ما ينفيها تماماً هو تفوقه العجيب على اقرانه في كل شيء حتى في مظهره العام واعتنائه بنفسه , انه يتصرف كرجل !
    -ولكنه يتصرف احيانا تصرفات غريبة ... هل تصدق انه وحتى اليوم لم يدخل بيت اباه او احد اعمامه , حتى في الاعياد لا يذهب ولو حدث وقابل احدهم فهو يتجاهل تماما ! حتى في وفاة جده عبد الله العام قبل الفائت لم يره احد على الاطلاق رغم ان الوفاة حدثت ايام العطلة المدرسية , انني استغرب ذلك !!
    -هم ايضا لم يسعوا لكسب حبه وتجاهلوه منذ ان كان طفلاً في المهد , دعك منهم وحاول معه بطريقة اخرى فانا اثق تماماً انه يحبك .
    -هو لم يحبني في يوم من الايام , لا انا ولا أي شخص آخر سوى المرحومة جدته واميمه الماحي .
    قال حاج عبد الناصر وقد وجد ضالته :
    -هل هو متعلق بها؟
    -منذ ان كان طفلاً في شهوره الاولى تعلق بها ويهش لها عندما تحضر , والان منذ ان توفيت جدته وهو دائم المكوث ببيت حاج الماحي معها .
    هتف حاج عبد الناصر ,
    -اذا تزوجها .
    قال محمد وقد دق قلبه بعنف :
    -ماذا تقول يا عمي ؟!
    -لاتوجد في القرية فتاة مثل بنت حاج الماحي , ادب وجمال واخلاق , اضف الي ذلك انها تحب ابن اختك وهو يحبها , اما بالنسبة لقسمك فيمكنك ان تكفر عنه .
    -انا لا افكر في الزواج , وهي ايضا .
    -وما ادراك انها لا تفكر في الزواج ؟
    -لقد رفضت كثيرين تقدموا لها
    -وهل انت مثل الذين رفضتهم , انك ..........
    فقطع عبارته صوت طرقات على الباب ودخول الاستاذ وداعة الله السيد مدير المدرسة الابتدائية عليهما وفي يده كراسة . حياهما وجلس فبادره حاج عبد الناصر قائلا :
    -هل اتيت زائرا ؟
    فرد الاستاذ وداعة الله
    -وهل تظنني اتيت غائراً .
    فقال الحاج عبد الناصر وهو يبتم بخبث .
    -ليس من عادتك ان تزور تلاميذك القدامى .
    ثم اشار الي الكراسة المطلوية في يد الناظر واردف
    -وهذه كراسة محمدو ... ماذا فعل ؟
    ارتبك الناظر ونظر الي محمد الامام الذي قال
    -دعه ياحاج يشرب قهوته أولاً ثم نرى بعد ذلك ماذا فعل ابن اختي .
    فقال الناظر :
    -هكذا انت دائما يا حاج عبد الناصر , منذ أن كنا صغاراً وانت اخبثنا .
    فقال حاج عبد الناصر وهو يضحك :
    -بل قل اذكاكم جميعا , انسيت ايام المدرسة ؟
    -ذكاء ماكر لا تستعمله الي في المقالب واثارة الفوضى في الفصل .
    فقال عبد الناص وقد انفرجت اساريره :
    -وانت كنت اغبانا يا استاذ وداعه .
    -ولكنني تفوقت عليكم جميعاً وصرت مديرا.
    فرك حاج عبد الناصر يديه بسعادة وقال وهو يضحك .
    -لقد جعلتك تعترف بعمرك الحقيقي .
    ثم نظر الي محمد وواصل قائلا
    -هو دائما ينكر انه دفعتي ومن عمري ،حاول الناظر تدارك الامر قائلا :
    -لا انكر انه جمعتنا المدرسة الابتدائية سويا ولكنني كنت في الصفي الاول الذي دخلته وعمري ست سنوات حينما كنت انت في الصف الخامس وقد اعدت سنة أي ان بيني وبينك ست اعوام كاملة هي فارق العمر بيننا.
    ضحك حاج عبد الناصر حتى دمعت عيناه وانتقلت عدوى الضحك الي الناظر والي محمد ايضا فقال حاج عبد الناصر .
    -هذا فالٌ حسن .
    وقام قائلا :
    -سوف ادعكما تتحدثان براحتكما .
    وغادر من غير ان يلتفت الي دعوة محمد له بالمكوث .
    قال محمد موجهاً سؤاله الي الناظر :
    -هل حدث شيء من محمدو ؟
    -ان الذي حدث من محمدو شيئا صحيحا ومنظقيا , ولكنه غير مالوف ان يحدث في هذا الزمن ومن طالب المرحلة الابتدائية وفي قرية منسية كهذه القرية , شيء غريب ادخلني في حرج امام طفل لم يتعد الحادية عشر من عمره !
    سأل محمد بقلق ؛
    -ماذا حدث يا حضرة الناظر ؟
    -هما موقفان . حدث الاول قبل اربعة ايام والآخر حدث اليوم وسابدا لك بالاول : فقبل اربعة ايام طلب منهم كتابة موضوع انشائي عن المعلم عنوانه ( من علمني حرفا صرت له عبدا ) فرفع اصبعه وقال لي : انا لن اكتب يا استاذ , وحينما سالته لماذا لم يجبني فقلت اشجعه ظنا مني انه لا يجيد ما يكتبه رغم نبوغه وذكاءه : اكتب أي شيء يا محمدو .
    صمت الناظر قليلا وواصل قائلا :
    -في المساء بدات في قراءة الكراسات وتصحيحها فوجدت ابن اختك كتب هذا
    ومد الكراسة الي محمد الامام الذي قرا الاتي :
    ( ان المعلم يمارس مهنةً مقدسةً وشريفة ولكنه ليس سيداً والتلميذ ليس عبداً )
    طوى الكراسة ونظر الي الناظر الذي قال :
    -استدعيته الي مكتبي صباح اليوم التالي وناقشته في الذي كتبه فقال لي كلاما غريبا اربكني .
    -ماذا قال ؟
    -قال لي انه ليس عبداً لا للمعلم ولا لاي شخص آخر وان المعلم لا يقدم خدماته التعليمية حسنةً لوجه الله لذلك هو ليس سيداً على احد طلما هو يقبض راتباً لقاء ما يقوم به من تعليم . فسألته من قال لك هذا فقال لي ان لا احد يقول له او يلقنه شيئا, وسالني ان اطه كراسته واسمح له بالانصراف فقلت له اذهب وكراستك ستوزع مع باقي الكرسات في حصة الاسبوع القادم .
    صمت محمد الامام ولم يقل شيئا فقال الناظر :
    -واليوم حدث الموقف الاكثر غرابة , فاثناء الحصة الثالثة حدثت عملية سرقة . احد الطلبة سرق منه كراس جديد وقلم رصاص واستيكه ولساعة كاملة والاستاذ كمال يتحرى ويفتش محاولا معرفة السارق بغير جدوى فاستشارني فامهلتهم ساعة اخرى لكشف السارق والا سيعاقب الفصل كله بعشرة جلدات لك طالب , وبانتهاء المهلة بدانا في تنفيذ العقاب وحينما حان دوره رفض ان يجلد فطلبت منه ان ينتظرني بالمكتب وبعد ان فرغنا من جلد الفصل ذهبت ووجدته ينتظرني واقفاً بمكتبي وكان معي بعض المدرسين صرفتهم لخوفي ان يرد علي ردا يفحمني كما حدث في موضوع الانشاء .
    صمت الناظر قليلا وامسك بفنجان القهوة المليء حتى نصفه وشربه في جرعة واحدة وقال :
    -سالته لماذا رفض ان يعاقب كزملائه فرد علي باغرب رد يمكن ان اسمعه من طالب في سنه ! على ذنب لم يرتكبه فهو مضطر لتركها غير آسفا , فقلت له : لا يجب ان تكون علامة شاذة بين زملاؤك واقرانك فقال لي بالحرف :انا فعلاً علامةً شاذة بينهم , فأنا الاول عليهم وانا اذكاهم جميعا ولا يوجد بهذه المدرسة من لم يجلد على خطأ او اهمال الا انا , لم يحدث ان جلدت او وبخت لانني لم اخطيء او اهمل واجباتي ولن يحدث هذا مستقبلا ابدا .
    اخذت الدهشة بمحمد الامام كل ماخذ وسأل الناظر :
    هل قال لك كل هذا ؟!
    عبأ الناظر لنفسه فنجاناً آخر من القهوة وقال :
    -قاله بثبات وبتعال شديد وكانه رجلاً يفوقني سنا !
    -ماذا قلت له ؟
    -لم اجد ما اقوله له سوى ان يحرص على ان لا يخطيء ابدا .
    وضع الناظر فنجانه وسأل محمد :
    -والان قل لي ماذا يقرأ في اوقات فراغه ؟
    قال محمد في سره : هذا سؤال يوجه لمصطفى واخته فلهما مكتبة كبيرة وهو يمكث هناك اكثر من مكوثه هنا سأل الناظر مرة اخرى ,
    -ماذا يقرأ ابن اختك يا محمد ؟
    -هو يسكن في غرفة امه القديمة وكلما ادخل عليه اجده يقرا في كتبها وكراستها التي لم يقربها احد منذ رحيلها المفاجئ عن القرية وعودتها جثةً في صندوق .
    -رحمها الله واسكنها الجنة زينب الرقيقة . كانت طالبة نابغة وعظيمة الشان في المدرسة وقد ورث ابنها نبوغها وذكائها . أي نوع من الكتب كانت تقرأ ؟
    -كتب عادية , قصص قصيرة ومجموعة روايات ودواوين شعر وكثير من المجلات تناول الناظر الكراس من الطاولة وقام قائلا :
    -ابن اختك سيوكن له شان عظيم فلا تدع عينك تغيب عنه .
    ثم دنا من محمد الامام وهزه من كتفه وهو يقول بتأكيد :
    -سيأتي يوم تتذكر فيه هذه النبوءة .
                  

العنوان الكاتب Date
ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:22 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:37 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:41 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:47 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:19 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:24 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:31 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 08:46 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:17 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:26 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:33 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:44 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:51 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de