|
Re: قتال الشريكين .....فى الجامعات (Re: أبو الحسين)
|
عودة العنف فى الجامعات الطيب زين العابدين الصحافة 14/2/2007
طفح إلى السطح مرة أخرى، وبمستوى درامى، العنف الطلابى فى كل من جامعتى النيلين والزعيم الأزهرى الذى أدى الى مقتل طالب وجرح أكثر من عشرة آخرين، وقد سبق لجامعة أم درمان الأهلية أن شهدت عنفا بواسطة عصبة منظمة أدى إلى حرق بعض ممتلكات الجامعة ومعرض طلابى مناوئ للحكومة والاعتداء على منظميه، ولم يستجب أحد الى صرخة إدارة الجامعة بالتحقيق فى الأمر ومعاقبة المعتدين، فقد كانت الجامعة بإدارتها وطلابها تقف فى الجانب الخطأ من المعادلة السياسية! لقد كانت بداية العنف الطلابى فى مستوى القتل الجنائى هو ما شهدته قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم فى 1968م بسبب رقصة العجكو التى أصرت الجبهة الديمقراطية أن تكون ضمن برنامجها الانتخابى لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وعاقب الطلاب قائمة الاتجاه الإسلامى التى حاولت وقف فقرة الرقص عنوة بنقص تمثيلها فى انتخابات التمثيل النسبى الذى يعطى مقاعد فى المجلس الأربعينى (برلمان اتحاد الطلاب) بقدر الأصوات التى تنالها القائمة السياسية من كافة الناخبين. بالمناسبة لم يتهم أحد من الاتجاه الإسلامى بقتل الطالب الذى ضرب فى تلك الليلة بآلة حادة فى رأسه تسببت فى وفاته رغم انحياز حكومة مايو التى اكتمل التحقيق فى عهدها ضد الاتجاه الإسلامى. كانت تلك حالة معزولة الى حد كبير لم تمنع طلاب الاتجاه الإسلامى والجبهة الديمقراطية من أن يجلسا معا بعد ذلك فى المجلس الأربعينى وفى داخل اللجنة التنفيذية حسب قواعد التمثيل النسبى التى تعطى لكل قائمة تمثيلا فى اللجنة التنفيذية بقدر المقاعد التى نالتها فى المجلس الأربعينى. وقد وعت قائمة الاتجاه الإسلامى الدرس، وهو أن الطلاب يرفضون فرض وصاية آيديولوجية بالقوة على ممارسة فنية متعارفة فى أوساط الشعب السودانى، فامتنعوا فى الانتخابات التى تليها من الاعتراض على رقصة العجكو التى كان لها قدح معلى فى مهرجان الجبهة الديمقراطية الانتخابى، ففازت قائمة الاتجاه الإسلامى بتسعة عشر مقعدا وهى أعلى نسبة يفوز بها تنظيم فى ظل التمثيل النسبى! ساعد الاتجاه الإسلامى فى ذلك الفوز ان الانتخابات جرت بعد انقلاب مايو الذى أيده الشيوعيون وعارضه الإسلاميون، مما حدا بالجبهة الديمقراطية الى تحريض السلطة على حل اتحاد الطلاب المنتخب واستبداله باتحاد معين يضم التنظيمات اليسارية الموالية لانقلاب مايو. وندموا فيما بعد على تلك الممارسة غير الديمقراطية التى دفعوا ثمنها باهظا. العنف الطلابى المعاصر تأثر كثيرا بالمناخ غير الديمقراطى الذى خيّم على البلاد بعد انقلاب يونيو 1989م، فقد لعب طلاب الجبهة الاسلامية القومية التى دبرت الانقلاب دوراً عسكريا وأمنيا وسياسيا لمصلحة النظام الجديد بل تعسكر التنظيم الاسلامى الطلابى نفسه حتى ذابت الفواصل بينه وبين الأجهزة الأمنية، وأصبح المتعسكرون هؤلاء هم قادة التنظيم الطلابى. وصار العنف الطلابى فى الجامعات جزءاً من العنف المؤسسى الذى مارسته الحكومة ضد المعارضين لها من أجل تمكين سيطرة الحزب على سائر قطاعات الدولة والمجتمع، واقتضت حرب الجنوب مشاركة الطلاب من خلال مؤسسة الدفاع الشعبى فزادت من درجة عسكرة الطلاب وايمانهم بالعنف وسيلة لقهر الآخرين ولا بأس فى استعمالها لكسب المنابر الطلابية بجانب وسائل التزوير والخداع والتكتيكات الانتخابية التى اتقنتها الإنقاذ فى كسب الاتحادات الفئوية والمهنية. والحجر على نشاط الطلاب المعارضين كان أحد الأساليب المعتادة من قبل التنظيم الطلابى الحكومى، وظهر ذلك إلى العلن فى وسط الطلاب الإسلاميين أنفسهم عندما انشق الحزب إلى حزبين، وطنى وشعبى، ومورس العنف داخل صفوفهم بصورة أكثر شراسة وفجورا. وبما أن الدولة دخلت مرحلة سياسية جديدة بعد ابرام اتفاقية نيفاشا واجازة الدستور الانتقالى، عليها أن تلجم طلابها من الممارسات القديمة وأن تفك الاشتباك بين الدور الأمنى والسياسى للطلاب، وقد جرّ عليهم ذلك الاشتباك مشكلات كثيرة وأفقدهم منافسات انتخابية وما عاد يناسب مرحلة التحول الديمقراطى والتعددية السياسية. وليت كل الأحزاب السياسية، بما فيها الحركة الشعبية التى هى أصلاً تنظيم عسكرى يتخذ العنف وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية، تتوجه للطلاب بخطاب واضح يدين العنف فى كل أشكاله ويحاسب كل عضو من طلابه يمارس العنف ويعتدى على الآخرين، ويقبل المحاسبة الجنائية القانونية لكل من يرتكب جنحة تقع تحت طائلة القانون. ان الديمقراطية هى ثقافة وسلوك قبل أن تكون تنظيمات ودساتير. تأتى بعد ذلك الاجراءات الأمنية التى تحدث عنها وزير التعليم العالى من ضبط الدخول والخروج من الجامعات، ومنع حمل أى نوع من أنواع السلاح، والتدخل الفورى لفض أى اشتباك تحت اشراف ادارة الجامعة. وعلى ادارات الجامعات أن تقوم بدور اشرافى نزيه فى حراسة النشاط الطلابى وحمايته طالما التزم بالمعايير السلمية الديمقراطية، وبالاشراف على الانتخابات الطلابية بلجان محايدة مقبولة من القوائم المختلفة. وحبذا لو استطاعت أن تقنع الطلاب باعادة نظام التمثيل النسبى الذى يعود الطلاب على التعايش والعمل معا رغم الاختلافات السياسية. وأحسب أن طرفى المعادلة السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار اكتشفا أن أحلامهما العالية بإقامة جنة العدل والرفاهية فى الأرض هى من قبيل الأحلام التى لا تجد طريقها للواقع مهما تمكنت من مفاصل السلطة، لذا ينبغى أن نتواضع فى طموحاتنا السياسية ونقتنع بأن هذا السودان الطويل العريض الذى يموج بكل العرقيات والثقافات والمعتقدات لا يمكن أن يحكمه تنظيم واحد ولا فكر سياسى واحد ولا أبناء اقليم واحد، ولا بد لنا من تسوية تاريخية تشرك أكبر قدر من الكيانات والقوى السياسية فى معادلة الحكم، وأن تقوم هذه التسوية على المنافسة الديمقراطية السلمية مهما كانت عيوبها التطبيقية والمرحلية، فهى أدعى لاستقرار البلاد وأمنها ووحدتها من التجارب والمغامرات التى أضعنا فيها أكثر من نصف قرن منذ الإستقلال.
|
|
|
|
|
|
|
|
|