الدوحة .... ندوة كبرى ( لا للعنف ضد المراة .... ماساة سناء الامين نموذجا )

Quote: استدراج الفراشة لعرشها المجيد!! الربابة، والقلم، والمنجل، والذهن، والسنارة، والكذب، والكانون، والشعر والسرقة، من أدوات الكسب المتعارف عليها في الأرض، ومنذ أمد طويل، أنها كد الجبين، ففي ظهيرة حارقة، شمس الله، ونار الكانون، وغد يلوح بكبد جديد، وتحت شجرة الجميز الكبيرة، جلست بائعة الشاي، وحولها عابر سبيل، وسائق رقشة ومعلم جغرافيا، وطالب وطالبة، وبكرم طلب سائق الرقشة ثلاث قهوات وأثنين شاي حسب رغبات هذا التجمع المؤقت، وقد أشعلت نار الكانون منذ الخامسة صباحاً، واستيغظت في الحي النائي عن جميزة العمل في الثالثة صباحاً، كانت تتثاءب من التعب، فلم يزعجها لغط الطالبة والطالب، وصراخ السيارات وأبواقها، سرحت بعيداً، لا أدري هل ارتد بها الخيال إلى مأساة قديمة، أم طار بها إلى غد هانئ، حيث الابنة الذكية بالجامعة، والابن ضابط كبير، يدخل دارها ممشوق القوام، وفي معيته جنوده ورعيته، وهي سعيدة في بنبرها، تصنع الشاي تحت شجرة دارها العامرة. وكأن حلمها نبوءة صادقة، فلم تكد تفتح عينيها من هذا الحلم الجميل، حتى وقف أمامها.. الضابط الممشوق، وجنوده الأوفياء. ولقد قام الجنود بدورهم بأكمل وجه، فبأحذيتهم الضخمة القوية، كسروا في لمح البصر كل ممتلكاتها من الكبابي والفناجين، أما الضابط، رجل المهمات الصعبة، فقد رفس، وبكل ما يملك من قسوة، الكانون في وجهها، فتوضأت أقدامها المتعبة بماء حار كان على مشارف أن يكون شاياً أو قهوة، فحملوها بسرعة البرق، ومن السياق لن تتوقع مهما ذهب بك حسن الظن بأنهم أسعفوها إلى المستشفى، وكما تظن مثلي أسرعوا بها إلى السجن، وأما أنا، وسائق الرقشة، ومعلم الجغرافيا، والطالبة، فلم يعنينا الأمر في شئ، ولم نصب في أجسادنا بمكروه، والشيء الوحيد الذي خسرناه هو القهوة التي طلبناها، والتي انسكبت تحت أرجلنا بلون قاتم أسود ينعي نخوة سائق الرقشة، وعابر السبيل ومعلم الجغرافيا والطالبة والضابط وجنوده ومن أرسلهم، أما مصير الطالب، والذي كان يجالس الطالبة، فقد فر من الضابط، كما يفر المرء من المجذوم وقد ترك للطالبة شنطته وكتبه وحذاء قدمه اليمنى وكبرياءه.. بعد سبعة أشهر بالسجن بحساب الزمان، وبعد أن وئد القلب وأنكسر الجناح، وضاعت الأسرة بحساب الحياة، كانت بائعة الهوى/الشاي، تدلك ظهر طالب اللذة، الغني الميسور، والذي صار زبوناً معتمداً، أنصهرت بداخلها المنكسر مياه الخطيئة والفضيلة والحياة، كانت تبدو وكأنها نوراً من الإذعان الأبكم لقوى جبارة غامضة، كانت يداها المنكسرتان تتحرك فوق بطن الرجل الميسور وكأنها سحابة بيضاء ، لا حول ولا قوه إلا بالرياح والحرارة التي تسوقها كالقطيع العاجز إلى موطن اللذة وأكل العيش الحلال، وفي ذروة انتعاشه الحيواني، وعدها صاحب الأملاك والنفوذ والأطيان، بالفردوس الساذج النائم في حلمها البسيط، بالابنة المتعلمة والابن الضابط. وكأن حلمها نبوءة صادقة، فلم تكد تغطي عري جسدها الميت، وتأخذ عرق جسدها المتعب، حتى دخل عليها الضابط الممشوق وجنوده الأوفياء، ولقد قام الجنود بدورهم بأكمل وجه في مساومة الرجل الميسور، أما الضابط، رجل المهمات الصعبة، فقد ركلها وبكل ما يملك من قسوة في رحمها، مصدر رزقها المبارك، فتكسرت أضلع وأرفف دكانها الوحيد، وفي الوقت الذي وصل فيه الرجل الميسور إلى داره، يلفه وقار بني آدم الصناعي، كانت بائعة الهوى/الشاي تلج بقدمها اليمنى سجن النساء المخلات بالآداب العامة. بعد سبعة أعوام في السجن بعمر الزمان، ودهر قصي بحساب الحياة اللؤم، كانت المجنونة العارية تحمل بيدها فرشاه شعر وبالأخرى براد شاي وهي تجوب الحواري، كانت تغني غناء أشبه بنحيب قبيل من النساء، كانت تبحث عن ابنها وبنتها، كانت تسأل الأشجار والحجارة والبشر، كانت تحدق في صفحات النهر، وفي بريق النجوم، كانت تبحث عنهم بين موتى القبور وأطفال الشوارع، كانت تتكلم مع أعمدة الكهرباء كما لو أن ابنها صار قوياً مستقيماً واسمنتياً، كانت تسأل الجميع عنهم وكأنهم كالشمس شهرة وسطوة،لم تكن تأكل طعاماً قط، وكأنها تتلقى طعامها من ضياء الشمس، كالأشجار، فقد كانت عارية وحافية، وكأن أقدامها جذور غائرة في الأرض، وحين مرت بالقرب من مركز الشرطة، رأت ابنها الضابط الممشوق وجنوده الأوفياء وهم خارجون في بززهم العسكرية، لم تكن تصدق بأن حلمها تحقق بهذا الجمال وهذا البهاء، حتى القيد الذي وضعه ابنها الضابط الممشوق حول يديها الهزيلتين كانت تراه وكأنه سوار ذهب من ابنها الحنون، وكانت ترى لطمات الجنود الأوفياء وركلاتهم وكأنها قبل شهية على جسدها المضئ، وحين ألقي بها في مستشفى المجانين كانت تغني غناء هو نحيب لقبيل من النساء المكلومات. بعد حين من الدهر، كانت تجلس على عرش عظيم، تلفها بحور العشق والخمر والحرير والهناء، وحولها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون، لا يخاطبونها إلا همساً، وظل بهيج وأنس فريد، ووجه مشع بالبصيرة والذكاء، وجسد يفوق الضوء سطوعا، ومشاعر زاهية تنضح من جبينها الهادئ، حتى الخيال القصي كان ينام خجولاً كالقط تحت قدميها، كانت نبرة صوتها مثل شاطئ حنون، تسكن عنده مويجات الإنس من إضرابها الدفين، وحين جاءت الملائكة البيضاء الجميلة وهي تحمل على أجنحتها الحريرية الزاهية الضابط الممشوق وجنوده الأوفياء، جثوا أمامها، كما يجثو الحقل البور لغيث رؤوم، وقالوا لها بأنهم رأوا قصرها وغرفه تتوهج فوق جنتهم الجميلة، قالوا لها بأن رائحة حديثها الجميل كانت تملأ مسامهم بالحب، وتزخرف مصيرهم بحكايات السعد، وبأنهم راؤها تتجول في حديقتها العالية وهي تتلألأ كالنجم الزهر في أعالي السماء، وحين منحتهم قصرها الجميل بطيب خاطر، خرجوا لوداعها من باب قصرهم الكبير الآمن، سعداء ضاحكين، حبورين بالجنان، تلفهم الغبطة، فرأوها تحلق بعيداً .. بعيداً في تخوم السماء، فرحة بهم، طارت كالفراشة البيضاء إلى نور الله، بلا حقد أو ضغينة أو من، زاهدة فيما سوى الحب. عبدالغني كرم الله