جيش تحرير دارفور ومآلات الصراع المسلح في السودان

======
الحرية 2/3/2003

مسارب الضى

نصيحة للطرفين

الحاج وراق

غض النظر عما يفعل متمردوا دارفور والحكام بآذانهم ـ يرخونها للإصغاء أم يسدونها بأصابع الإستكبار ـ فإننا ملزمون بتقديم النصح ـ ملزمون بمصلحتنا جميعاً في بلد واحد كبير عزيز الجانب ـ وملزمون بمصلحتنا في إنتقال البلاد إنتقالاً سلمياً سلسلاً إلى الحرية والتنمية والعدالة، إنتقالاً يوفر التضحية غير المبررة بالأرواح الإنسانية، وملزمون كذلك بدافع أخلاقى، وهو ابراء الذمة

والنصيحة عن التمرد المسلح

من حيث المبدأ، فإن العنف إقصائي، فالآخر عدو، وبالتالي فإن حياة >الذات< تشترط تصفية >الآخر<، ليس من مساومة أو حلول وسط، ولذا يتناقض العنف وبطبيعته الجوهرية مع التفكير والحساسية الديمقراطية •••••• وقد ينجح العنف في إبراز مظالم إجتماعية ما، بل وربما يفلح في اجتثاث النظام القديم من جذوره،ولكنه لا يفعل ذلك إلا بأكلاف إنسانية باهظة، وبلطخات وتشويهات تجعل الجديد نفسه نسخة معدلة من القديم : اي حركة تمرد مسلحة يمكن أن توطن تقاليد الحوار داخلها ؟! لأجل الغاية النهائية الكبرى يتطبع المتمردون على الأوامرية الحربية، يأمر الزعيم ليطيع الأتباع، فالحرب لا تحتمل النقاش، وتتطلب القرار السريع الحاسم، وشيئاً فشيئاً يتحول الزعيم إلى نسخة من نسخ الطغيان الذي اندلع التمرد ضده ! والأقسى من ذلك أن التمرد الذي ألهمته فكرة الدفاع عن الكرامة الإنسانية، يضطر بمنطق العمل الحربي نفسه إلى الإعتياد على التضحية بالناس وإلى إسترخاص الحياة الإنسانية،وهكذا وإلى أن تضع الحرب أوزارها تتحول الإستهانة بالحياة الإنسانية إلى ثقافة مؤسسة،ويتطابق الضحايا مع تفكير ووسائل الجلادين، ليتحول الضحايا إلى جلادين جدد،ولذا فإن حكمة التاريخ تقول بأن البذرة التي تسقيها الدماء تستقوى بالغذاء والسم معاً

وهذه الحكمة نصيحة لأهل دارفور

ولكنها ليست سوى نصف الحقيقة، والنصف الآخر معني به الحكام: فعندما تلجأ مجاميع واسعة من الناس إلى حمل السلاح، فإن الموقف العام والمبدئي بنبذ العنف وحده لا يكفى، فلا بد من التساؤل حول انسداد النظام السياسي، الانسداد المسؤول عن منع المطالب والهموم والاهتمامات من أن تجد التعبير الصحي والملائم عنها

أحد كبار >المتمردين< في التاريخ ـ كارل ماركس ـ قال بأنه لقبر أي تمرد مسلح لابد من تنفيذ وصيته السياسية

وهذه حقيقة ما في ذلك شك، ولأن الحكام يبغضون أخذ النصائح من المتمردين، فإني أورد ذات النصيحة بصياغة مغايرة وأقرب إلى مزاج الحكام

ليدل هارت ـ ضابط بريطاني مختص في مكافحة التمرد، طور إستراتيجية متكاملة في ذلك، وطبقها بنجاح في قبرص إبان الاحتلال البريطاني لها، وتشتمل وصفة ليدل هارت على جوانب عسكرية وأمنية عديدة ليست مناط إهتمامنا، ولكن الأهم أنه ركز على ضرورة الإستجابة السياسية في مكافحة التمرد : فتح منافذ العمل السياسي، وبالاصلاح السياسي والإستجابة للمطالب المشروعة، وكسب السكان المحليين وعدم تحميلهم وزر التمرد دون تمييز وبالمحاسبة الصارمة على أية تجاوزات ترتكبها القوات النظامية،وبتشجيع ودعم قوى الإعتدال باعطائها الأمل في إمكان وجدوى العمل السياسي المدني،وكل ذلك يفضي في النهاية بحسب وصفة ليدل هارت إلى عزل التمرد •••• ولأن حياة التمرد تتوقف على التنفس من أوكسجين العطف الشعبي العام عليه ـ وصاغ ذلك ماوتسي تونغ في مقولته الشهيرة >سمك في بحر الشعب<، فإن الإصلاح السياسي ـ الإجتماعي وحده هو الذي يعزل السمك عن البحر
==
حبكم زادي

أشكر القراء الأحباء الذين ظلوا يتصلون طيلة الأيام السابقة قلقين من الإحتجاب المؤقت، شكراً لهم ولعل العود أحمد
==========


Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين