|
خسارة السودان في إعفاء إبراهيم منعم منصور/د. صديق أمبدة
|
خسارة السودان في إعفاء إبراهيم منعم منصور د. صديق أمبدة مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات: بداية "ملكلكة" في الأسبوع الأخير من يوليو الماضي تمَّ إعفاء السيد/ إبراهيم منعم منصور وزير المالية الأسبق ورجل الدولة المعروف من منصبه كرئيس لمفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات، وهي مفوضية قومية نصَّت عليها أولاً اتفاقية نيفاشا ثم تمَّ تضمينها في الدستور الانتقالي (2006) ثم تمَّ التأكيد عليها في اتفاقيتي أبوجا والشرق.
وإذا كان للنظام الفدرالي ساقين يقوم عليهما فهما فدرالية سياسة تُعنى بتقاسم السلطة، وفدرالية مالية تُعنى بالتوزيع العادل للموارد. والفدرالية المالية- أي الاقتسام العادل للثروة كتعريف متفق عليه في أدبيات الحرب والسلام في السودان- هي مطلب أساسي من مطالب حاملي السلاح، وكذلك الصامتين من المهمَّشين في كل أنحاء السودان. وأحد مقتضيات العدالة هو أن تكون هنالك شفافية في توزيع جميع الإيرادات على أسس معلومة يرتضيها الجميع وهو ما تقوم به وقامت به المفوضية في عام إبراهيم منعم حيث أصبحت الولايات لأول مرة في تاريخها تعلم مقدماً أنصبتها من الإيرادات. (والشفافية دي هو الشيء المجنٍّن بوبي).
(لمن فاتهم الاستماع)، فإن المادة (198) من الدستور الانتقالي تنص على إنشاء مفوضية تخصيص وتوزيع الإيرادات. وتحوّطاً من لولوة الحكومة ( تقرأ المؤتمر الوطني) تمَّ النص في المواد 120-123 من اتفاقية سلام دارفور على حيدة المفوضية وعلى تعيين أعضاء الفريق الفني لتحديد المعايير والأسس العادلة لتوزيع الإيرادات بواسطة رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس التشريعي عليهم- حتى لا تنفرد أي جهة بإعفائهم. أما رئيس المفوضية فقد جاء في المادة (123) من اتفاقية أبوجا، وبعد أن نصَّت على اتفاق الطرفين على وجوب حيدة المفوضية لتقوم بمهامها بشكل فعَّال مضت لتقول، " من أجل أن تتمكًَّن المفوضية من القيام بمهامها بشكل مستمر ومستقل، يُعين رئيسها لمدَّة محدودة ولا يمكن إعفاؤه خلالها بدون أسباب".
إذا فالمتوقع حدوثه هو أن يتم إنشاء المفوضية بقانون يجيزه المجلس التشريعي ليمكِّنها من طلب المعلومات من أي جهة و يمكّنها كذلك من مقاضاة أي جهة كانت إنابة عن الولايات في أي تظلُّم، مثل عدم تسلُّم الأخيرة لمستحقاتها، أو تجنيب الإيرادات دون تفويض أو غيره. وكذلك فالمتوقَّع تعيين الرئيس وأعضاء الفريق الفني وِفق ما جاء في اتفاقية سلام دارفور والتي جاءت بعد الدستور المؤقت- الذي لم تفصَّل فيه كيفية التعيين بمثلما جاءت في أبوجا- وسيوافق ذلك روح الدستور دون شك. كذلك من المتوقَّع حل أي جهات سابقة لإنشاء المفوضية- وتقوم بمهام شبيهة- حتى لا تكون هنالك ازدواجية. هذا هو المفترض والمتوقَّع، فما الذي حدث فعلاً؟
أولاً أنشأت المفوضية بمرسوم جمهوري وليس بقانون مجاز من المجلس التشريعي. والمرسوم لا يقوم مقام القانون ويمكن أن يُلغى أو يُعدَّل بسهولة (كما حدث فعلاً بعد عام واحد). ثانياً لم يُعين فريق الخبراء الوطني الفني كما نصَّت عليه اتفاقيات السلام ولم تكن هنالك حماية لرئيس المفوضية بتعيينه لمدَّة محددة- خمسة أعوام مثلاً- ولا يُعفي إلا بسبب . وإذا لم تكن المفوضية مخنوقة مالياً فعلاً فقد كانت مواردها شحيحة تحت أحسن الفروض وحدَّت من تحركاتها في الداخل والخارج بغرض البحث عن أحسن الممارسات، حتى تجيء المعايير مراعية لتجارب الدول التي سبقتنا في مجال الحكم الفدرالي وفي نفس الوقت يتوفَّر لها القبول من المستفيدين، وهي الولايات في هذه الحالة.
ورغم كل ذلك (مرسوم جمهوري لا يمكنها من طلب المعلومات أو المقاضاة أو المراقبة اللصيقة وموارد مالية شحيحة ، ووجود على هامش اتخاذ القرار)، رغم ذلك لم يتحمَّلها الشريكان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) فيما يبدو، فكان من أمر إعفاء رئيسها- إبراهيم منعم- ما كان. لكن هو إبراهيم منعم ( زعَّلهم " بي شنو" ) كما يقول أهلنا الشايقية؟
الاحتمال الأكبر هو عدم تحمُّل المسئولين لما اعتبروه (مناقرة) من رئيس المفوضية. إذ أن المعلوم لمن لهم علاقة بالمفوضية أن السيد/ إبراهيم منعم قد أبدى رأيه في مسودة المرسوم الجمهوري لعام 2006 قبل إصداره ونصح بإصدار قانون يمكِّن المفوضية من أداء مهامها بصورة مرضية، كما أوضح ما أغفل المرسوم ذكره مما يشكَِّل ثغره أو ثغرات تعيق عمل المفوضية. كذلك فإن المفوضية ورئيسها لم يسكتا على عدم التزام وزارة المالية بقانون الميزانية لعام 2007 الذي قام بتوقيعه رئيس الجمهورية، سواء كان ذلك من ناحية عدم تحويل أنصبة الولايات لها مباشرة- كما وجَّهت بذلك المفوضية- أو عدم تحويل كامل الأنصبة في مواقيتها.
المهم فيما يبدو أن الحكومة- أو المؤتمر الوطني على وجه التحديد- لم تتعوَّد أو تعتاد على مساءلة أو ملاحقة أي من مسئوليها لها حول تصرفاتها. أي أن هنالك تفاهم أو تناغم بين مسئولي الحزب الواحد حول ما يُتخذ من قرار. بمعنى أنه مهما كان مخالفاً لما اتفق عليه فيجب أن تكون هنالك حكمة ما في اتخاذه، من باب أن بعض المسئولين يرون الغابة كلها وبعضهم يرى الأشجار فقط. يتبع..
|
|
|
|
|
|