تقرير لجنة د. علوب للتحقيق في 19 يوليو: الأصل و المنسوخ و الملخص

Quote: 27. الظروف و الدلائل التي تشير إلى أصبع الامبريالية:- باستعراض التقرير عن نتيجة التحقيق مع المرتزق إشتاينر، و الذي يستند إلى ما ذكره الأخير في أقواله عند استجوابه، يبدو لنا بوضوح الدور الذي تلعبه الامبريالية العالمية في القارة الأفريقية، و في السودان، بواسطة عملائها و أجهزة مخابراتها لتنفيذ مخططاتها التي ترمي إلى حماية مصالحها في هذه القارة دون إعتبار لإرادة شعوبها أو حكوماتها، فحرب بيافرا الانفصالية كانت تلقى المساعدة و الدعم من فرنسا للحصول على إمتيازات بترولية فيها. كما بذلت المخابرات الانجليزية و الأمريكية متعاونة مع المانيا الغربية و اسرائيل و منظمات غربية أخرى تعمل تحت ستار الاحسان، جهداً كبيراً في محاولتها فصل جنوب القطر عن شماله. كما أن المخابرات الانجليزية بمعاونة عسكري انجليزي يحمل أسماء متعددة من بينها الرائد اسكندر، عملت على تخطيط فتنة الجزيرة أبا في مارس 1970 و التي أخذت زمام المبادرة فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مستعينة في ذلك بعلاقات المخابرات الانجليزية و خبراتها في السودان. فقد قدمت الوكالة مساعدة مالية قدرها 18 مليون دولار أمريكي لتدبير حركة الثورة المضادة في الجزيرة أبا و التي تمخضت عن تلك الفتنة المعروفة. كما كانت المخابرات الأمريكية تحتضن العميل الانفصالي "فليب عباس غبوش" و تقدم له الدعم [مستند الشاهد 17 ص 1-8] و تتضح نوايا مخابرات الولايات المتحدة الامريكية نحو ثورة مايو حينذاك فيما ذكره اشتاينر عن ما دار في مقابلة تمت في "بون" بينه و بين شخص يدعى "المستر نورمان" و الذي يعمل مندوباً للمخابرات الأمريكية في غرب أفريقيا. فقد طلب ذلك المندوب من اشتاينر تقييمه للتمرد في جنوب السودان و رد الفعل لسياسة الحكم الذاتي التي كانت قد أعلنتها الثورة. و حينما سأله اشتاينر عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تلك المشكلة، أجابه مندوب المخابرات بأن إهتمام الولايات المتحدة بجنوب السودان ليس كبيراً، و لكن هدفها هو قلب الحكومة الثورية و إحلال نظام موالي لأمريكا في السودان. و قد أشار نورمان إلى محاولة انقلاب فاشلة دبرت حينذاك لتحقيق تلك الغاية [مستند الشاهد 27 ص 29]. و رغماً عن أن ذلك المندوب لم يفصح عن تلك المحاولة، إلا أن الغالب أنها محاولة انقلاب فيليب غبوش عميل المخابرات الأمريكية في أغسطس 1969، كما يرجح ذلك التقرير. ففي كل ذلك ما يشير بوضوح إلى مدى العداء الذي كانت تكنه الامبريالية العالمية لثورة مايو في السودان، كما كانت تستخدم في سبيل تحقيق أهدافها أجهزة مخابراتها، فراداً و بالتضامن للعمل على الاطاحة بالنظام القائم في السودان. و نستخلص من ذلك استمرار تلك الجهود و عدم توقفها في الوقت الذي كانت - ص 78 – تحاك فيه مؤامرة 19 يوليو، كما أن هناك من الدلائل ما يشير إلى أن المخابرات الأمريكية و البريطانية كانت تتخذ لها عملاء من بين صفوف الحزب الشيوعي حيث تستقي بواسطتهم أخباره و تتابع نشاطه. كما يشير تقرير لجهاز الأمن القومي بتاريخ 15 مارس 1971 بناء على معلومات تلقاها من مصدر في الخارج جاء فيه: "الموضوع آراء الأخوان في الموقف الحالي بالسودان وخلال الشهور المقبلة – أفاد مصدري اللصيق الصلة بالأخوان المسلمون و بعد اتصاله بثلاث مجموعات --- --- من كبار زعماء الأخوان بالآتي: 1- --- --- --- 2- يرى الأخوان أن الانقسام أصبح كاملاً بين حكومة الثورة و بين الحزب الشيوعي السوداني – أحد أقوى الأحزاب في السودان "رأي الأخوان" و الذي زاد قوة بعد نجاح ثورة مايو. و أن الحزب في عدائه للنظام الحالي لن يقف عند حد و ان فترة الشهر الماضي كانت فترة استعداد خطير للحزب، و ان كميات من الاسلحة وصلت بالفعل من ارتريا من شرق السودان تم إلى بعض العمال خاصة عمال السكة حديد و النقل و أن كميات أخرى تسربت من أثيوبيا عن طريق أسمرا و بعلم المخابرات الأمريكية و البريطانية و تأييدها ليد الشيوعيين المنشقين "أوضح المصدر بأن الوسيط من عملاء المخابرات الامريكية و البريطانية في صفوف الحزب الشيوعي". 3- أن غرب السودان و قبائله تم حشدها فكرياً لنصرة الاسلام و هي القبائل الوثيقة الصلة بليبيا و الجزائر و نيجريا و أن الدعوة الاسلامية أثمرت في هذه الأماكن و أنها مستعدة للتحرك في حالة تهديد الوجود الاسلامي في السودان على يد الحزب الشيوعي، و هذا كما يقول الاخوان أمر تعلمه الحكومة و تسكت عنه. وهذا أيضاً ما يدفع الشيوعيين إلى سرعة التحرك لقب نظام الحكم أو تحطيمه. 4- ان بريطانيا بعد أن اختفت عن مسرح السودان طويلاً عادت إلى التدخل الصريح مع أمريكا عن طريق أوغندا و أنها تؤيد الشيوعيين في موقفهم من الثورة و تحرضهم بالذات على الميثاق الرباعي و دول طرابلس معتمدة على العداء العلني الذي أظهره السيد القذافي و حادثة إبعاد سكرتير الحزب الشيوعي إلى القاهرة و التخويف من القضاء على الحزب إذا قام نظام الحزب الواحد الذي تعمل له الحكومة. و بريطانيا صاحبة المصلحة الحقيقية في إثارة الشيوعيين و اصطدامهم مع الحكومة للآتي: أ- ان كل تفتيت للحكومة و صراعها مع الشيوعيين سيطيح و يقضي عليهم جميعاً و في ذلك إنتقام للحركة المهدية صديقة بريطانيا و حليفتها و إتاحة الفرصة لحزب الأمة للعودة للحكم و كذلك الأخوان المسلمون، و الجميع لا تخشى بريطانيا بل تشجع عودتهم. ب- إن الصراع إذا إنفجر سيكون فرصة كاملة حيث ستشترك القوات المسلحة و تنقسم وذلك سيساعد إنتصار التمرد في الجنوب و ربما نجح انفصال السودان – حتى و لو سيطر الانفصاليون الشيوعيين عليه- و هذا أمر ممكن تدبيره في المستقبل لانقلاب يميني. جـ- إن السودان لا بد من حسم أمره لمواجهته السعودية و لقربه من عدن. 5- إن أمريكا أيضاً تعد و تخطط لإنهاء أمر السودان قبل حل مشكلة الشرق الأوسط و فتح قناة السويس و لا تمانع أن يطيح اليساريون بالرئيس نميري ثم يطيح - ص 79 – اليمين "الأمة و الاتحادي و المهدية و الأخوان" بالجميع و خاصة و ان القاهرة ستظل مقيدة الحركة لعدة شهور. 6- أنه خلال موسم الحج كان الاخوان السودانيون متفاؤلون جداً و ان رأي قيادات الأخوان كان "وجو### الحميـ###" و الاجماع كان على النصر سيكون من نصيب المهدية و الاخوان – بعد الصراع الذي يحدث هذا الشهر أو على أكثر تقدير قبل موعد الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة السودانية. بتعليق أنقل ما جاء به مصدري الدائم الاتصال بجماعة الاخوان المسلمين و ما جاء به و ملخص لحوار عام بين زعماء الأخوان --- كما يوضح منشور [مستند أمن قومي دفعة ثالثة رقم 20، ملف 9 أ] كان يرسل للسودانيين في الخارج عن طريق البريد من مصدر مجهول إلى النشاط الذي كان يدور في الخارج من الجهات المناوئة للثورة و المعادية للشيوعيين في نفس الوقت، و يوضح بعض ما جاء في هذا المنشور الذي تشير أختام البريد التي بظاهره إلى إرساله لداخل إنجلترا في 25 و 28 مايو 1971. و قد جاء شرح [مستند أمن قومي دفعة رابعة رقم 4، ملف 9أ] جهاز الأمن القومي عن مصدر ذلك المنشور ما يلي: "أرجو أن أفيدكم بأن المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى أن هذا المنشور قد وزع بواسطة ما يسمى بجبهة المقاومة الشعبية و هي تنظيم الأخوان المسلمين المعادي و المناؤي للسودان، و ان هذا التنظيم يعمل بمساعدة بعض العناصر الأجنبية و العميلة في كل من بيروت و لندن و جدة". و مما ورد في ذلك المنشور ما يلي: "يدور في السودان هذه الأيام صراع رهيب على السلطة و هذا الصراع في هذه المرحلة محصور فقط في أوساط الفئات التي جاءت للحكم عن طريق الانقلاب. فهو من هذه الزاوية صراع داخل الحزب الشيوعي من ناحية و صراع في أوساط العسكريين من ناحية أخرى --- ---" ثم يمضي المنشور في تحليل الصراع و الأوضاع التي كانت قائمة في السودان حيث يختتم بما يلي: "فهل يا ترى يتمخض هذا الصراع بعد كل ذلك عن انتصار أخير للنميري؟ و هل ينجح في عزل المجموعة الصغيرة من الضباط التي تساند الشيوعيين و التي (أجادت؟) في براعة فائقة فن المناورة و الضغط، ان الاسابيع التي بين أيدينا كفيلة بالاجابة على هذا السؤال، فالأزمة قد بلغت حداً لا يمكن تجاوزه دون انتصار نهائي لفريق على فريق ---؟ ان الأيام وحدها كفيلة بالاجابة على هذا السؤال و أياً كانت النتيجة في النهاية فإن نظام الحكم الحالي في السودان ضعيف و خائر إلى أبعد الحدود وان المستقبل ينذر بالكثير من الاحتمالات وسيظل ما يدور في السودان لذلك مسار إهتمام الكثير من الناس في الداخل و الخارج على الصعيدين العربي و العالمي. و لعل المفارقات العجيبة أن يخوض الشعب السوداني هذه المعركة وحده ---- و ليس له من نصير إلا الله، بينما تجد الأجنحة المتصارعة على الحكم كل أنواع الدعم المادي و الأدبي من حلفائها العرب و غير العرب". و تتضح - ص 80 – مدى براعة التنبؤ الذي جاء في هذا المنشور المتداول في إنجلترا و في الخارج في أواخر شهر مايو 1971 و التي توضح ظروف تداوله أصبع العناصر الأجنبية فيه، كما أن التنبؤ الصادر فيه و الذي يلفت النظر إلى أمر سيحدث في خلال أسابيع من ذلك التاريخ، يوضح أنه تنبؤ لم يصدر فقط نتيجة لتحليل الوضع بل عن عالِم خفايا الأمور و هو تنبؤ تحقق فعلاً بعد بضعة أسابيع بوقوع انقلاب 19 يوليو. كما يتضح من المنشور الاتجاه الذي كان يقوم بتعبئة الرأي العام لصالحه حينما يقع ما تنبأ عنه، بعد أسابيع حيث يشير إلى حوادث الجامعة الأخيرة حينذاك فيقول ### ### ### ###